الجمعة، 15 نوفمبر 2013

احلام صبي...



كنت منهمكة في تصحيح اوراق الامتحانات،القيت نظرة خاطفة الى ساعة يدي فوجدتها قد تجاوزت السادسة و النصف مساء بقليل.
تناهى الى مسمعي صوت طفل خارج القاعة،قلت لنفسي لا بد انه محمد ابن عون المؤسسة يلعب خارجا كالمعتاد.اقترب من باب القاعة المفتوح في فضول ثم دخل،كان يقفز في براءة هنا وهناك مرددا بعض الكلمات بالامازيغية.نظر الي في فضول يتناسب و طفل في ربيعه الخامس،كنت اشعر  بالتعب،فقررت ان اتوقف قليلا لاجاذبه اطراف الحديث.قلت له-اتساعدني في تصحيح هذه الاوراق؟
-
لا اعرف كيف...لم اذهب للمدرسة اليوم..
-
عندما تكبر و تصير استاذا ستاتي لمساعدتي؟
-
لكني لن اكون استاذا.اثار جوابه اهتمامي فسالته:
-
لماذا؟
اجاب في براءة:لان ابي ليس استاذا.فاجاني جوابه قليلا فقلت له:
-
عندما تكبر تستطيع ان تمتهن اي مهنة تريد،وليس شرطا ان تمارس نفس مهنة ابيك،يمكنك ان تعمل ماشئت
لمعت عينا الصبي و كانما كشف له كلامي للتو شيئا غير متوقع فقال:اتعلمين ماذا ساكون عندما اكبر؟قلت مبتسمة:ماذا؟
قال صائحا بصوت عال:ساكون شرطيا
ضحكت وقلت في نفسي:سبحان الله الهذا الحد يكون حب السلطة و القوة متجذرا في نفوسنا منذ الطفولة؟لا شك ان الصبي لاحظ مظاهر الاستقواء المرتبطة بمهنة الشرطي او المهن القريبة منها.
تناولت ياغورت من حقيبتي و قدمته له قائلة:هذا لتكبر بسرعة و تصير شرطيا و تحارب الاشرار.استمع الي باهتمام ثم غادر فرحا.نظرت اليه يبتعد وقلت لنفسي لائمة:
الست اخدع الصغير بتلقينه قناعات لم تعد تصمد في واقع ايامنا هذه فمابالك بالواقع الذي سيعيشه هو بعد عقد او عقدين من الزمن؟
هل سيستطيع فعلا ان يمتهن اي مهنة يريدها او تؤهله اليها ميوله ومواهبه؟
الن تحكم عليه ظروفه الاجتماعية و الاقتصادية و الطبقية باختيارات محددة لا يستطيع تجاوزها او الانفلات منها؟
هل سيستطيع فعلا محاربة الاشرار لو صار شرطيا مستقبليا؟
اعاد السؤال الى ذهني جدلية الخير و الاخيار من جهة و الشر و الاشرار من جهة ثانية.في الروايات التي كنت شغوفة بقراءتها عندما كنت طفلة و كذا في قصص الرسوم المتحركة،كان تمييز الاشرار سهلا بدءا من ملامحهم الجامدة و الحادة و حواجبهم الكثيفة ونظرات الحقد في اعينهم وصولا الى السنتهم السليطة.في حين كان الاخيار عكس ذلك تماما...
كبرت بعد ذلك لاكتشف ان لمعظم الناس مهارة عالية في الاحتفاظ ببراءة ملامحهم رغم ارتكابهم لافظع الجرائم،يستطيع اغلبهم ان يخاطبك بنفس كلام الانبياء و الصالحين،و ان يبدع في تسمية الاشياء بغير مسمياتها حتى لا تصدم قناعاتك او تمس مبادئك فتقبل كل مايقال لك في سلاسة و هدوء...
كبرت لاكتشف ان الشر لا يوجد بشكل مطلق في بعض الناس دون غيرهم،بل انه يتواجد جنبا الى جنب مع الخير في كل واحد منا..
فهل ستكون محاربة الشر بالسهولة التي نصورها لانفسنا و لابنائنا في تربيتهم؟
امسكت قلمي و عدت لاكمل عملي في صمت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق