الخميس، 20 فبراير 2014

مسلسل التغيير..الموسم الثالث


للحظة بدا  كل شيء ممكنا...عندما نقلت شاشات الفضائيات صورا لوجوه قدست ملامحها لعقود وقد بدا قلق عميق يجتاح تقاسيمها...عندما وصلت الايدي الى وجه القذافي تتقاذفه قبل ان تجهز عليه،و تتحول ملامحه المتعجرفة بلا حدود الى ملامح هادئة الى الابد..للحظة آمن الناس بهبوب رياح قد تنظف قذارة معيشهم اليومي وتحل بعض العدل ، بعض المعنى وبعض النظام في عبثية وجودهم... وكما يحصل في مسلسل امريكي مصمم ليستمر لعدة مواسم مقبلة..تأتي احدى الحلقات لتوهمك بأن كل شيء انتهى لتفاجأ فيما بعد انه في الموسم اللاحق يتغير ترتيب الادوار..تستمر الشخصيات نفسها...و قد تنضاف شخصيات اخرى..وكلما تتابعت الاحداث وتعقدت وتشعبت،كلما تعلقت انظارك بالشاشة لا تحيد عنها..الا اذا كنت ممن يتعبون من الانتظار، ساعتها سيكون عليك ان تفكر مثل كاتب (او دعنا  نقل كتاب النص) لكي تكتشف النهايات المحتملة لكل ما يحدث وتجد بالمرة معنى لما يجعل اصواتا هتفت يوما : "يسقط يسقط حكم العسكر !!" تتحول لتنادي بكل حماس: " السيسي هو رئيسي !!"
في المغرب لم نكن ابدا استثناء كما قد يروج .. لنا مسلسلنا الممتد لمواسم عدة مع فرق بسيط ، في دول اخرى يعيشون مسلسل رعب او اكشن بينما لدينا دراما سياسية يتحفنا فيها من حين لآخر ثلة من سياسيينا المحنكين بوضعيات كوميدية (من الكوميديا القاتمة او السوداء)، و ينبغي ان نعترف لهم بالبراعة فقد حولت بعض ايقوناتهم السياسة الى فرجة ممتعة بعد ان كانت طابو مرعبا لعقود و شأنا منفرا  بعد ذلك.
لا احب ان أكون عدمية،لكن يبدو لي انه في مسلسلنا كل الاحداث والأدوار تتغير لكي لا يتغير شيء، لسبب ما ورغم ايماني بحاجتنا الى  حركة نضالية مثل 20 فبراير و رغم ان اصواتا بها صدحت مخلصة لمبادئها ومؤمنة بحق الشعب في الحرية والكرامة والعدالة إلا ان ذلك لم يكن كافيا لزحزحة مسلسلنا عن السيناريو المقرر له..يجتمع الناس بسهولة وفي حماس ليفجروا حنقهم وقهرهم بالصراخ في مسيرة او وقفة ولكن من الصعب ان تحتفظ بكل اعدادهم في درب النضال الطويل والشاق..عندما تشتغل في ثانوية عمومية وتخاطب عقول الشباب العشريني ( في سن العشرين او اقل او اكثر بقليل) كل يوم..تدرك ضخامة العمل الذي ينبغي انجازه لتأهيلهم للتفكير بشكل مستقل،متنور، ومسؤول كمواطنين.. عندما تراقب سكان الاحياء الشعبية في خياراتهم اليومية وسلوكاتهم وتدرك جيدا انهم يشكلون شريحة واسعة من الشعب المغربي، تكتشف عمق الفجوة التي تفصلهم عن التفكير في انفسهم كمواطنين او التصرف على هذا الاساس.. ربما لا يستوعب هذا من يناقشون التغيير السياسي بشكل اكاديمي او في المحافل الفكرية..
في بلد يتوفر على تعددية حزبية،حكومة منتخبة، دستور تم التصويت عليه ، ووسائل اعلام تتابع خيارات الحكومة وتكتب عنها وتنتقدها، تبدو "الديمقراطية المغربية" في احسن حالاتها..حسنا يعتمد الامر على فهمنا للديمقراطية و فيما اذا كنا نختزلها فيما سبق..
والحال أن العماد الاساسي لكل ديمقراطية هو مشاركة المواطن بشكل حر في تدبير الشأن العام والتفكير فيه، هذا المواطن -الذي كما ذكرت سابقا لا ينظر الى نفسه على انه كذلك- يغيب عن ذهنه من جهة ان الخيارات المتاحة امامه في تدبيره لمعيشه يوميا هي في جانب مهم نتيجة لطريقة تدبير الشأن العام،فإذا اراد لخياراته ان تتحسن فعليه ان يحرص على ان يتم تدبير الشأن العام بشكل رشيد وعادل.كما لا يفكر هذا المواطن من جهة ثانية ان كل خيار يقوم به في حياته اليومية يؤثر في الحياة المشتركة ونتائجه ستنعكس عليه بشكل او بآخر.ان الفرد الذي يفكر على انه جزء من جماعة يتفاعل معها بشكل جدلي يؤمن بحقه في المواطنة ويمارسها بقناعة ومسؤولية.لكن هذه القناعة وحدها لا تكفي، تتأسس الديمقراطية الحقيقية ايضا الى جانب ايمان الافراد بصفتهم كمواطنين على امتلاك الاهلية الفكرية والمعرفية للمشاركة في النقاش العمومي حول القضايا، يخبرنا التاريخ قصصا كثيرة عن شعوب تم تضليلها وخداعها،ولم قد نحتاج دروسا من الماضي فالحاضر حافل بما لا يعد ولا يحصى من الامثلة..ندرك الان تماما ان الاستبداد والشمولية لا يعمران لعقود او قرون دون تواطؤ من الشعوب المتعطشة للحرية نفسها..الجهل ابو الشرور جميعا..ومن السهل تضليل شعب غير مدرك تماما للخيارات المتاحة امامه..لذلك فأسوأ اعداء الحرية والكرامة هم أولئك الذين يمارسون الوصاية على وعي الناس بأي مسمى كان سواء دينيا او علمانيا، اولئك الذين يفتعلون قضايا تافهة ويعودون الناس الجدل حولها،اولئك الذين عوض دعوة الناس الى التفكير يكفرون، وعوض محاورتهم يشغلونهم باي لغة يتحاورون، اولئك الذين يحتلون منابر اعلامية جماهيرية ثم يشغلونها ويملأونها بلا شيء...
الحق في المواطنة حق في المعرفة، والحق في المعرفة حق في التفكير،وحق في التعبير، وما دام بعضنا يخرس بعضا فنحن لسنا بعد اهلا للمطالبة بهذه الحقوق.
للحظة يمكن للشعب ان يتوهم انه غير النظام السياسي..وان تاريخه تغير..وان حاضره تغير..لكن امامه وقت طويل من زمن المسلسل ليدرك ان التغيير لا ياتي في لحظة..لن يتغير شيء ما دام الشعب ينتظر ان ياتيه خبر التغيير من  شاشة فضائية اخبارية..سيتغير كل شيء عندما يتغير الشعب..





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق