الاثنين، 28 أبريل 2014

الفكر النقدي...الفقيد

يفيض عنفنا من مختلف جنبات هذا الوطن..ومسرحه هذه المرة من مكان يفترض ان يكون حصنا آمنا من اشكال التهديد.مقتل الطالب عبد الرحيم الحسناوي داخل اسوار جامعة ظهر المهراز بفاس يضعنا امام حقيقة قاسية : عقول طلبتنا ليست محصنة بما يكفي ضد التطرف والعنف.
لن اختلف مع من يحللون الحدث فيحملون المعنيين بحفظ  أمن الحرم الجامعي نصيبهم من المسؤولية فيما حدث،وفي منع تكرار حدوثه مرة اخرى، مع ذلك فالمقاربة الامنية وحدها-على اهميتها- لا تكفي لمنع تكرار مأساة الطالب عبد الرحيم الحسناوي، واذا كان البعض يعتقدون بتدخل اطراف من خارج اسوار الجامعة لتعبئة بعض الطلبة و توجيه مواضيع النقاش وكيفيته،وسواء اتفقنا او اختلفنا مع هذا الافتراض فإن ما حصل لا يعني الا شيئا واحدا غياب الفكر النقدي الذي يجعل الطالب يقدس الافكار(ايا كانت) بشكل ينزع القداسة عن الحياة (حياة الخصوم الفكريين) ، وتبعا لذلك فان حق الاخر في التواجد والاختلاف ليس مطروحا للنقاش باي وجه كان.
ان النقاش المتشنج الذي يدور احيانا كثيرة داخل حلقيات الطلبة وتدخل فصيل بالقوة للتشويش او منع نشاط  ينظمه فصيل اخر هي من جهة مؤشرات على وجود مناخ غير صحي لتداول الافكار داخل اسوار الجامعة المغربية، مناخ احتقان ينفجر على شكل احداث عنف كالجريمة التي راح ضحيتها الطالب عبد الرحيم الحسناوي، و يعلن بالملموس الفشل في جعل الجامعة فضاء للنقاش الاكاديمي الهادئ .من جهة اخرى فامتداد العنف و اتخاذه الجامعة مسرحا له مؤشر على قوة تجذره في سلوكاتنا اليومية،بعبارة بسيطة : يبدأ ترسيخ العنف كخيار في الاسرة والمدرسة والشارع وكل مناحي الحياة،كسلوك ثم كنمط تفكير، ويمتد الى الجامعة لأن تحصيلنا العلمي في حالات عديدة لا يدربنا على البحث عن خيارات اخرى غير العنف..
العنف خيار..تبرمجنا الثقافة السائدة على انه الخيار الوحيد الممكن، والمبررات تختلف، فهناك من يبرره بالقول باننا "شعب كاموني" لا بد له من الضغط والاكراه كي يستقيم، وهناك من يبرره بوصف الاخر  ومعتقداته على انها جرثومة ينبغي وقاية المجتمع منها او علاجه باستئصال اسباب انتشارها.مثل هذه الافكار تعطي لصاحبها حق التفوق على الاخر وتشييئه ثم اقصائه او الغاء وجوده.
العنف خيار غير مفكر فيه،انه خيار غير مقنع،اي انه لا يستطيع ان يؤسس نفسه على مبررات مقنعة ومعقولة، وعندما يتم ارتكاب العنف بين الافراد من مستوى ثقافي متواضع فإننا نأمل دوما في تصحيح سلوكاتهم و تنويرهم بانماط السلوك الحضارية المطلوبة،لكن عندما يرتكب العنف بين افراد يدعون نصيبا من الثقافة، ويكون محور صراعهم هو الافكار نفسها فإن المساءلة تطال انماط التفكير التي تنتج سلوكات من هذا النوع، وجدوى التحصيل الاكاديمي الذي يسمح بتعطيل التفكير وتحكيم الاهواء للدفاع عن الافكار..
ينحدر الطالب الجامعي في الاغلب من طبقات تعنفها السياسات الاقتصادية والتراتبية الاجتماعية، يعيش في احياء يعنف فيها الناس بعضهم بشكل مروع لاتفه الاسباب احيانا، ينشأ في صلب ثقافة "الحكرة" و على مبادئ "سد فمك وبلا فهامة" و "دير راسك بين الريوس وعيط اقطاع الريوس"، يملك هذا الطالب الخيار بين ان ينقل كل ذلك الى فضاء الجامعة،فلا يستحق عند تخرجه منها الا ورقة تشهد بانه كتب في كل امتحان اجتازه بنجاح كلاما لمفكرين من هذا العصر او ذاك واخر عن نظريات من هنا وهناك. وبين ان يستغل فضاء التفكير الجماعي الذي تتيحه الجامعة فيثير النقاش الهادئ ويشارك في الحوار الحضاري حول القضايا،بناء على مبدأ ان القناعة التي لا تدافع عن نفسها بمبررات منطقية كافية لا تستحق ان ندافع عنها..نحتاج الى الابقاء على الجامعة فضاء للنقاش الحر والتداول السلمي للافكار مهما كان نوعها..الافكار لا تخلق تهديدا،السلوكات هي التي تفعل، وقبل ان نتبنى سلوكا ما للدفاع عن الفكرة علينا ان نقلبها من جميع الاوجه حتى نتيقن من انها تستحق ان نتحرك لاجلها، وعندما نتحرك فلنتذكر ان اي اقصاء او تهديد نمارسه ضد الاخر نعطيه بموجبه المشروعية لاقصائنا وتهديدنا، اذ لا يكسر حلقة العنف والعنف المضاد الا التفكير في العنف والاقتناع بعبثيته ومن ثم التموقف ضده ورفضه.
اقدر حجم معاناة اسرة الطالب عبد الرحيم الحسناوي،كما اقدر الجهد الذي تحتاجه الام والاخ لكي ينطقا بكلمات العفو والمغفرة في الايام الاولى للفاجعة، وهو موقف لا نملك الا الوقوف تحية له، هذا الصفح الراقي ينبغي ان يكون لطلبتنا درسا في الارتقاء بالحوار مع الاخر الى مستوى نقاش الافكار بشكل موضوعي وعلمي يكون هدفه الاقناع وليس الارهاب.
لا احد يملك القوة لاحياء عبد الرحيم الحسناوي، ولكن بامكان كل فرد في سلوكاته اليومية ان يقوم باحياء الفكر النقدي الحر الذي ينصف حقه المسلوب في الحياة..رحمه الله تعالى والهم اهله الصبر.


الجمعة، 4 أبريل 2014

هل نحن عنصريون؟

مع تصاعد الحديث حول مناهضة العنصرية بالمغرب، يطرح التساؤل حول نزوع المغاربة الى ممارسة الميز العنصري وحدود الواقعي والمتخيل حول هذا النزوع. لذلك يقترح هذا المقال تحليل مسألة التفرقة العنصرية او الميز العنصري عبر ثلاث مداخل أساسية :
أولا البحث في الثقافة المحلية عما يمكن ان يدعم مزاعم وجود سلوك من هذا النوع لدى المغاربة
ثانيا ربط دعاوى مناهضة العنصرية بالشروط الاقتصادية والسياسية المساوقة للعداء المفترض للافارقة
ثالثا واخيرا، اثارة التفكير في مغرب بلا عنصرية سواء من منطلق التعامل مع ظاهرة موجودة واقعيا في حال ثبت ذلك او من منطلق الوقاية من شبح ظاهرة قد يعرفها مغرب غدا مفتوحا من جميع جهاته على انتماءات عرقية دينية مذهبية مختلفة..
1.     لم يكن المجتمع المغربي قط مجتمعا متجانسا تماما،فقد ضم منذ أمد بعيد شرائح مختلفة، أقليات دينية كاليهود والمسيحيين، وتشكل تاريخه طوال الوقت من تمازج بين مكونين عرقيين لكل منهما اهميته الى اليوم،ونتحدث هنا عن الامازيغ والعرب.وكان لاتساع نفوذ الدولة المغربية في مراحل متعددة من تاريخها أثر في دخول افارقة جنوب الصحراء كمكون في المجتمع المغربي خصوصا بعد تجنيدهم من قبل بعض سلاطين المغرب (كما هو شأن عبيد البخاري في عهد المولى اسماعيل).لذلك يمكن القول بناء على الملاحظات السابقة ان المغرب التاريخي لم يتشكل الا من خلال تعدد اثني وعرقي وديني لا يسعنا تجاهله.
يمكن لبعض الامثال الشعبية والالفاظ المتداولة ان تمنحنا مؤشرا لفحص مدى حضور ثقافة الميز لدى المغاربة، وبالفعل فان هناك أمثلة عديدة – مما لا يسع تعداده في هذا السياق- من الامثال الشعبية و النكت او التسميات الخاصة بالاشخاص من ذوي البشرة السمراء والتي  تعطي انطباعا بوجود صور نمطية تكرس نوعا من التفرقة العنصرية،لكن لا ينبغي الاستناد الى ملاحظات متسرعة في هذا الباب، فالقراءة المتأنية لنفس العناصر من ثقافتنا الرمزية تضعنا أمام العديد من الصور النمطية التي تهم شرائح اجتماعية أخرى : النساء، الاطفال، اصحاب مهن معينة،مدن او مناطق جغرافية بأكملها بغض النظر عن جنس او لون او مذهب قاطنيها، ولا يعني هذا القبول إنسانيا بهذا النزوع الى التنميط والاستهزاء بالاخر، لكنه يعني من الناحية العلمية أن كل ما سبق مؤشر على تقوقع الذات (سواء  الاثنية او غيرها) على نفسها  و هو انغلاق يمكن تفسيره بأسباب مختلفة منها  النزوع السيكولوجي الى الاعتداد بالذات من خلال التنقيص من الاخر، ومنها الجهل بالاخر-مع ما ينتج عنه من خوف من الاخر ايضا-  وقد زكاه في وقت من الاوقات بعد المسافات الجغرافية بين مناطق المغرب وقلة وسائل المواصلات والتواصل،اضافة الى اصطدام المجموعات السكانية من مناطق مختلفة ببعضها البعض من خلال ظواهر غير صحية كالهجرة المكثفة وما يصاحبها من امراض اجتماعية، هذا دون ان ننسى الدور الذي تلعبه وسائل الاعلام والمنتوجات الفنية في ترسيخ صور نمطية متكررة حول هذه الفئة او تلك.. لكن هذا التقوقع في جميع الحالات لا يصل  إلى درجة تهديد الامن والتعايش الاجتماعيين ، و يمكن الاستناد الى مؤشرين أساسيين للاستدلال على ذلك، اولهما علاقات المصاهرة و الزواج المختلط ، فالاسر المغربية اضحت اكثر مرونة و انفتاحا على اثنيات وانتماءات جغرافية بل وحتى دينية مختلفة بعد ان كانت لزمن طويل متشبتة بربط علاقات المصاهرة مع الافراد من نفس العائلة او القبيلة ، اما المؤشر الثاني فيتعلق بالوضعية الحقوقية والقانونية للمغاربة من ذوي البشرة السمراء    اذ لا يوجد ما يوحي بأنهم في وضعية تجعلهم مواطنين اقل حظا من غيرهم.
قد يبدو للقارئ ان المقال يناقش قضية مختلفة عندما يتحدث عن الميز في حق المغاربة من ذوي البشرة السمراء،و الحقيقة ان ما نسعى لإثباته هنا هو أنه لو كان لدى المغاربة  سلوك الميز القائم على اساس اللون لأفصح عن نفسه في مواجهات بين المواطنين البيض والسود على غرار النموذج الامريكي، والحال انه في تاريخ بلادنا لم نعرف ظواهر من هذا النوع،فإذن يجدر وضع دعاوى مناهضة العنصرية الراهنة في السياق الاقتصادي والسياسي الذي انتجها.
2.     إن وجود أفارقة جنوب الصحراء في بلادنا أمر لا يمكن لأحد تجاهله، والعديد منهم لم يعد يعتبر المغرب بلد عبور يهاجر منه بشكل سري الى اوروبا بل استقر هنا  الى اجل غير مسمى. يمكنك ان تجدهم في الاسواق الشعبية وعلى جنبات الشوارع ببضاعاتهم المختلفة، تصادف البعض منهم في الغابات البعيدة عن المجال الحضري واخرين في عمق المدن بين الازقة والمنازل،فإلى اي حد يمكن القول بوجود عدوانية من طرف المغاربة ضدهم؟
بداية لا يمكن للحديث عن التفرقة العنصرية ان يكون علميا الا بالاستناد الى معطيات احصائية دقيقة، اذ لا يمكننا الاستناد الى حالات متفرقة و إلا لجاز لنا ايضا ان نستند الى حالات اغتصاب او سرقة ارتكبها افارقة لإعلان حالة الطوارئ والقول بأن وجودهم يهدد الأمن العام، ولذلك يجب الابتعاد عن اي موقف متطرف بهذا الشأن، نعرف جيدا ان احتمالات التوجه الى الجريمة او الانحراف  تتزايد بالنسبة لاي شخص وجد نفسه بلا عمل وفي وضعية تشرد، فهو قد يلجأ الى السرقة او التسول او الاغتصاب لتلبية حاجياته الاساسية، ولا يعني هذا تسويغ هذا النوع من النزوع ولكن جزء مهما من الحل بالنسبة لاي مشكلة هو احتواء اسبابها.
ان اوضاع الحرب والظلم والقهر الاجتماعي هي ما يدفع هؤلاء الاشخاص الى عبور آلاف الكيلومترات للوصول الى بلادنا، وربما علينا ان نبذل جهدا اكبر لحماية حدودنا لكن ذلك لن يكون كافيا دون التفكير في صيغ تعاون  اقتصادي تنهض باقتصاديات دول الجوار.بهذا ينضاف ملف ثقيل اخر الى الملفات التي ينبغي على الحكومات المغربية ان تعنى بمعالجتها بكثير من الجدية، فالمسألة لم تكن أبدا مشكل اندماج او صدام اثني او عرقي كما قد يصوره البعض، فامتهان المهاجرين الافارقة لمهن مختلفة تمر من  التجارة وصولا الى الطب مؤشر على امكانية  فعلية لاندماجهم وهو ما يفنذ اي مزاعم بوجود نزوع لدى المغاربة لرفضهم، اهم من ذلك فهذا المؤشر يفسر من ناحية أخرى بعض مظاهر الاستياء التي قد تصاحب ظهورهم في الحياة العامة،ففي المغرب تعاني شرائح اجتماعية واسعة من "الحكرة" والفقر وتردي الاوضاع المعيشية، وبنظر البعض فهؤلاء القادمون الجدد ينافسون فقراء المغرب حول "رغيف الخبز".المسألة اذن ليست مسألة عرق أسود او ابيض، انها مسألة العدالة الاجتماعية الغائبة في بلدانهم وبلادنا، مسألة الاستغلال الاقتصادي الذي يجعل فقراءهم وفقراءنا في مواجهة بعضهم البعض،و مسألة هشاشة اجتماعية تفرخ التسول والسرقة والتشرد وكل الامراض الاجتماعية اينما وجدت.
3.     "التفرقة العنصرية" في المغرب ان وجدت بعض من صيغها او مظاهرها هي في تقديري طاقة غضب وسخط موجهة بشكل خاطئ الى الاشخاص الخاطئين، ولذلك فأي تفكير في مغرب بلا عنصرية ينبغي ان يأخذ بالحسبان هذا المعطى. يعترف الدستور للمغاربة بمساواتهم أمام القانون مهما كانت انتماءاتهم، وهذا الحق الدستوري ينبغي ان تعززه ممارستنا الواقعية بان ننأى بأنفسنا عن رواسب ثقافة "الحكرة" او الاستهانة بالاخر مهما بدت لنا غير مؤذية، في التسميات او النكت او غيرها.
أما عند تعاملنا مع غير المغاربة فينبغي ان نتذكر انهم بشر مثلنا يسعون الى توفير حياة افضل لانفسهم ولذويهم،لذلك غامروا بحياتهم في مجاهل الصحراء كما يغامر شبابنا كل يوم في قوارب الموت، ويشاطروننا فرص الشغل في ظل أوضاع اقتصادية مأزومة كما يشاطر مغاربتنا الاوروبيين فرص شغل محدودة في ظل ازمة اقتصادية خانقة. ليسوا أصل المشكلة وان كانوا في الواجهة..ان كان ثمة ما ينبغي التحيز ضده فهو أنظمة الاستبداد السياسي والاستغلال الاقتصادي التي جعلت بلادنا ملاذا يفر اليه أفارقة جنوب الصحراء كما  يفر اليه السوريون على بعد المسافة الفاصلة جغرافيا بين المغرب وسوريا.
مع استمرار الاوضاع على ما هي عليه سيكون علينا ان نتدبر امر التعايش معا على هذه الرقعة من الكوكب، وان نحذر الانخراط في معارك وهمية، فالمهاجر الافريقي الذي يصطدم بلافتة كتب عليها "ممنوع الكراء لافارقة جنوب الصحراء" ليس اكثر او اقل انسانية من سائح اوروبي يرفض سائق تاكسي مغربي نقله الى وجهته اذا  طالب بتشغيل العداد، وكلاهما لا يختلفان في شيء عن مواطن مغربي يتصل بشأن عقار معروض للبيع فيرفض صاحبه التجاوب بحجة ان اعلانه مخصص  للاجانب و ليس للمغاربة !!
تكشف الامثلة السابقة -وغيرها كثير- ان المواطنة (سواء بمفهومها الضيق او الواسع)  تعاني في بلادنا غموضا على مستوى الدلالات و تضاربا ما بين التشريع والممارسة،فاذا كانت القوانين في حالات متعددة تعترف بالحقوق الاساسية فان  تلك الحقوق تظل مغيبة على مستوى الممارسة الفعلية، لذلك كثيرا ما يجد المواطن المغربي نفسه بلا حيلة أمام الجشع والاستغلال،ولذلك ايضا يكون  للاجانب  نصيب من الاستغلال والحيف الذي يلحق بالمواطن المغربي كل يوم.

تحتاج بلادنا اذن أكثر من أي وقت مضى الى ارساء دعائم المواطنة الحقة،حيث تكون القواعد المنظمة لكل مجال من مجالات الحياة العامة واضحة ومعلومة وملزمة للجميع بلا استثناء، فكلما رسخت الممارسة الواقعية لدى المغاربة احتراما لانسانيتهم و شعورا قويا بكرامتهم كبشر كلما أمنت جو التعايش الآمن بينهم وبين غيرهم في اطار التعدد والغنى وبعيدا عن الاقصاء والتهميش.

الأربعاء، 2 أبريل 2014

سلطة...

يحب الانسان -على ضعفه- ان يعرف بنفسه انطلاقا من السلطة التي يمارسها،
وبالنسبة لمخلوق يعشق السلطة فان الانسان يمارسها اما على الاشياء فيغيرها و يجعلها طوع حاجاته ورغباته، و إما على الاشخاص فيخضعهم لإرادته. 
يحب الانسان كثيرا ذلك الاحساس بالتحكم الذي تمنحه السلطة على عالم الاشياء و الاغيار..مع ذلك هناك نوع ثالث من السلطة يحتاج قوة اكبر و يمنح رضا اعمق و هو السلطة على الذات..هذا الشعور العميق بالسيادة على الذات الذي يتحكم بأسوأ ما فيها لكي يمنح الاخرين افضل ما فيها ( بتعبير طارق رمضان) لا يحظى في عالمنا بالاهتمام الكافي..يحب الكل ان يبدو مسيطرا و ذا تأثير و لا يكون التأثير مرئيا الا اذا كانت موضوعاته خارجة عن الذات بمنطق البعض.. بمقابل ذلك يمكن لمن يتمتع ببعض السيطرة على الذات ان يحدث الفرق اينما حل.. كم من السلطة على الذات نحتاج لتدريبها على الانصات الى نظام الطبيعة من اجل فهمه عوض تحطيمه؟  كم من القوة نحتاج للسيطرة على جموح الغضب و اعتباطية العنف فينا؟ عندما نهيمن على الاشياء و على الاشخاص فنحن لا نعبر عن اي قوة سوى قوة مخاوفنا وحاجتنا الى التخلص منها..بينما في المملكة التي نسود فيها انفسنا بامكاننا احتواء كل الاشياء و الاشخاص فهما و تواصلا..السلطة الحقيقية ان نسود انفسنا..