الاثنين، 28 يوليو 2014

لْحَادْكَه


-         "انت تفسد هذه الطفلة كثيرا !"
-         "انت تقسين عليها كثيرا..انها مجرد طفلة لا تحمليها اكثر مما تحتمل !!"
استمعت الى جدالهما مستمرة في التظاهر بالنوم، كانت تلك حيلتها الصغيرة كي تفلت من تنظيف الاواني المُكوَمة في المطبخ.حيلتها التي لم تنْطل قط على امها و التي كانت كافية مع ذلك لجعل والدها يتدخل في كل مرة للقيام ب "نوبْتْها" في اعمال المطبخ ثم يعود لكي يحملها بين ذراعيه ويضعها في فراشها بعد أن يقبل خدها وهو يهمس: "البَنوتة دْيالي".تمددت في فراشها مغمضة العينين وأرْهفت السمع لوالديها وهما يواصلان جدالهما،امها تحتج على سلوك ابيها مُنُبهة الى انها تريد للطفلة ان تتعلم ما ينفعها في بيت زوجها، ووالدها يرد بأنه من المبَكر جدا الحديث عن زوج لابنتهما وهي لا تزال طفلة صغيرة،تحتج والدتها مجددا انها لن تنتظر حتى تصير ابنتها "عْزْبة" لأنه آنذاك يكون الوقت قد فات..ثم تتنهد قائلة: " اتمنى لو كانت مثل شقيقتها.." عند سماع هذه الجملة تجذب الطفلة الغطاء و تندس تحته بكامل جسدها الصغير..
جففت الطفلة يديها الصغيرتين وهي تجيل بصرها في أرجاء المطبخ،شعرت بالرضا وهي تتأمل الطناجر النظيفة و الاواني المرتبة والكؤوس اللامعة،سمعت صوت أمها:
"تْبارْك الله عْلى بْنْتي، سْعدات اللي غادي ياخْدْك" ، فكرت الطفلة ان تسأل أمها: "يأخذني الى أين؟" لكنها سمعت صوتا قادما من التلفاز يعلن بدء برنامجها الكرتوني المفضل فغادرت المطبخ مسرعة،اصطدمت في طريقها بوالدها الذي حملها بين ذراعيه و رفعها عاليا وهو يقول:"الى اين بنوتتي؟" صرخت بابتهاج عندما تظاهر بأنه الوحش الذي سيقضم جزء من اذنها وأخبرته انها تريد مشاهدة البرنامج الكرتوني،عندما أنزلها أرضا سمعت والدتها تُثني على "حْداكْتها" وتشتكي من كسل شقيقتها..ثم والدها هو يؤكد ضاحكا على ان الفرق بين ابنتيه أن  الأولى  تحب ان تنظف الأشياء بنفسها بينما تفضل الثانية ان يقوم الاخرون بذلك من أجلها..مع ذلك فهما معا تقدران قيمة النظافة..
بدا ذلك غير مقنع للأم.. ولم تفهم قط موقف زوجها..كما لم تفهم لماذا بعد سنوات أصبح الوضع على ما هو عليه..من يصدق أن الطفلة التي لطالما اشتكت من كسلها صارت ربة منزل ناجحة تعتني بزوجها و أطفالها،بينما الطفلة "الحادْكة منْ نْهارْها" تكبر لكي تتزوج وتنفصل عن زوجها بسبب أعباء البيت؟!
تحاول الآن ويداها منشغلتان بطي الملابس وترتيبها في الصوان ان تفهم كيف لابنتها التي برعت دوما في كل فنون الطبخ والكنس  ان تعود الى منزل والديها بلقب مطلقة، لم تستوعب قط ان ابنتها التي كانت ترتب كل الغرف و تنظف وتكوي ملابس الجميع،وتقضي ساعات طويلة في المطبخ كي تزف الى المائدة أكلاتها الشهية بابتسامة حنونة انها نفس الفتاة التي تطلب الطلاق بعد أشهر من زواجها قائلة: "احتاج زوجا وليس سيدا أخدمه" وعندما يذكرونها يائسين انها "الحادْكة دْيال الدارْ" وان اعباء البيت لم تكن قط مشكلة بالنسبة اليها تجيبهم ببرود وعناد: "انها مسألة مبدأ"
ماذا يفترض ان يعني هذا؟كيف تفسره للقريبات الفضوليات اللواتي سيأتين لزيارتها و يتأسفن أمامها ثم يتغامزن فيما بينهن: "هَادي هْيا الحَادْكَة؟ مَا فيها ما يْشْقا تا فْدار راجْلْها؟" ومع تخيل ضحكاتهن الخبيثة انتابها احساس بالقهر، وندبت حظها وهي تسأل نفسها أين أخطأت؟ بدأت تنقب في ذاكرتها عن تفسير محتمل لما يجري،صور كثيرة من تاريخ تربيتها لابنتيها جالت بخاطرها تباعا، تسمرت عيناها فجأة أمام وزرة قديمة لابنتها المطلقة وقد اكتشفت للتو ما بدا لها انه السر في نجاح زواج ابنتها الاولى و فشل زواج الثانية..في كل صورة التقطتها ذاكرتها لابنتيها كان الفرق واضحا وجليا..لا تتذكر ابنتها المطلقة أيام طفولتها و مراهقتها الى ما قبل زواجها إلا وهي تحمل كتابا ما عن شيء ما..اكتشافها الجديد ملأها غيظا فأجهزت على الوزرة ورمتها بعيدا في سلة المهملات وهتفت في حنق: "هَاااادُوكْ لْكْواغْط لِي خْرْجُو عْليها، قْراتْ كْثْر مْنْ القْياسْ"...


الاثنين، 21 يوليو 2014

إيمان..

يمكنك ان تؤمن بالتغيير اذا اردت...بقلبك المؤمن بالحياة انت وحدك من يرى انبعاث الروح من رماد ما احترق من خطط العيش...من خطط بسيطة للعيش..كأن يجلسوا باسترخاء، يتنفسون بتلذذ عبق رغيف منزلي معد للتو ويتقاسمون شايا بنعناع..يسخرون من انفسهم و يضحكون من اعماق قلوبهم..
قلوبهم التي استحالت مستودعا كبيرا للمتلاشيات من القيم والعواطف النبيلة..فلم يعد فيها متسع لضحكة نقية..و اصبحت السخرية فجاة مريرة وموجعة..فقدوا كل الاسباب التي تجعلهم يتقاسمون الشاي او الخبز او اي شيء اخر..ربما لهذا اصبح كل منهم يفضل تناول طعامه وحيدا...
يمكنك ان تؤمن بالتغيير اذا اردت...بقلبك العاشق للجمال انت وحدك من يرى في كل دمعة تحفر اخدودا في القلب قصصا جميلة عن الصفح و عن معجزة النسيان..في كل ورقة تصفر وتخر ذابلة ربيعا غضا مقبلا لا محالة..يراهن قلبك على الزمن..فقط عندما يمضي الزمن..عندما يبتلع لحظات وجودك دون ان تشعر ربما ذات لحظة تتنبه الى انه لا شيء تغير..تتغير الوجوه والاسماء والاماكن..لكن القصص هي نفسها..والنهايات لم تعد مفاجئة في شيء..الشيء الوحيد الذي تغير ربما هو انت..بعد ان كان كل شيء مدهشا ومستفزا لمشروع تغيير..صار قلبك المؤمن دوما بالتغيير يرى كل شيء على انه "عادي جدا "..

ذات..تاريخ

كنت طالبة في سنتي الاولى بالجامعة،عندما طلبت مني مؤطرة بجمعية كنت قد التحقت بها للتو اعداد "درس ديني" فاخبرتها اني لا اريد اعداد "موعظة" ولكن احب ان اعد موضوعا نناقشه بشكل علمي..
ربما رغبت السيدة في تشجيع هذه القادمة الجديدة (أنا) فقبلت على مضض..لم أكن أعرف الشيء الكثير عن أحداث الفتنة الكبرى، فالتاريخ الرسمي الذي درسته في مؤسسات التعليم مثل غيري سكت عن تلك الاحداث،و لا اذكر ان أيا من أساتذتي تطرق للموضوع ولو إشارة..لذلك جذب الموضوع اهتمامي ولو اني لا اذكر اين سمعت العبارة للمرة الاولى..
لم يكن البحث على شبكة الانترنت ساعتها منتشرا كما هو اليوم،ولذلك كنت ابحث في مصادر تاريخية مختلفة..وعوض ان يستغرقني اعداد الموضوع بضع ساعات كما توقعت،وجدتني اغرق بين اجزاء "البداية والنهاية" لابن كثير و"تاريخ الامم والملوك" للطبري و غيرها..كنت مشدوهة ومشدودة الى كل سطر اقرأه..كنت اغوص في تفاصيل الاحداث لدرجة افقد معها الاحساس بالوقت وبكل من حولي ولا اعود الى القرن الواحد والعشرين الا على يد القيم على الخزانة وهو ينبهني انه حان وقت الاغلاق..استمر الوضع معي هكذا لمدة لم اعد اذكر اكانت اياما ام اسابيع..
قرأت عن حروب الصحابة..تعرفت على الشيعة..وعلى الخوارج..قرأت عن الأمويين وعن مذبحة كربلاء وعن مجازر العباسيين..كنت اضع يدي على فمي كلما غالبني شعور بالغثيان وانا اقرأ عن مذابح ارتكبت في المساجد،وعن جثث نبشت من قبورها وعلقت وعن اصناف مقرفة من التعذيب وعن قرون طويلة من الاضطهاد..كنت كمن يقرأ تاريخا آخر غير الذي حصلت فيه على معدلات عالية طوال سنوات دراستي الاعدادية والثانوية..لو سئلت قبل ذلك عن هذا التاريخ لظننته تاريخ امة اخرى او تاريخ المسلمين في كوكب اخر او بعد اخر..
بدا كل شيء كما لو كان مرتبطا بالدين في كل صفحة من التاريخ..لكني وانا أقرأ لم اخطئ رائحة السياسة في كل ما جرى..كان عفنها يزكم الانوف..و فهمت يومها معنى ان تلبس الفظاعات لباسا دينيا..
لم اشعر بالخجل لتديني بالاسلام ولم يزعزع ما قرأته قناعاتي الدينية ،بل بقدر ما خرج البعض من نفس رحلتي متحسسا متقرفا من كل ما هو ديني..بقدر ما خرجت متحسسة متقرفة من كل شرعنة للعنف والاستبداد باسم الدين..
لطالما شعرت بالاسف كلما قرأت عن نشاط جهة تحسب نفسها جهادية و هي تمارس الارهاب لاسباب سياسية بغطاء ديني..وعندما رأيت فظاعات داعش لأول مرة تذكرت الخوارج قبل ان تصفهم بعض الكتابات ب"الخوارج الجدد"..اما وانا اسمع صوت خليفتهم في القرن الواحد والعشرين و هو يقول: "وليت عليكم " فقد شعرت بغضب شديد..في كل مرة يطلع على المواطن من يدعي تحمل امانته دون ان يعبأ باستشارته فيما اذا كان يقبل به ام لا؟ !!! مرة باسم الثورة البعثية ومرة باسم الحرب من اجل الديمقراطية ومرة من اجل اقامة دولة الخلافة..
الذين يعرفون دين الله حق معرفته يدركون جيدا حق المواطن في تقرير مصيره و قداسة دمه وحرمة حياته..
الذين يعتقدون انهم اعرف من المسلم بمصلحته يحتاجون الى العودة الى كتاب الله واعادة قراءته حيث يحاور الله عز وجل عباده وهو خالقهم بالحجة لاقناعهم،فقبل ان تقنع نفسك بالجهاد لاقامة دولة الخلافة جاهد نفسك اولا فدولة الخلافة لا تقوم على الجهل والوحشية..
الذين يقنعون غيرهم بالجهاد و يتوارون خلف مناصبهم القيادية يعرفون انهم ليسوا افضل من اعدائهم "المفترضين" وانهم على اتم استعداد للتحالف مع اي كان..
من يضيع في تاريخنا المكرور هم اولئك الذين يحملون السلاح معتقدين انهم يحسنون صنعا فيتحملون وزر الارواح امام الله والناس..وكذلك اولئك الذين شاء سوء حظهم ان يقعوا بين ايديهم فيذبحون ويرجمون ظلما وعدوانا..
اما المؤسسون الفعليون لهذه الجماعات فلا فرق بينهم وبين الجهات التي أوجدوا كيانهم من اجل محاربتها..يفاوض بعضهم بعضا في السر حول الاستراتيجيات والاهداف و ثمن كل حرب ثم يجند كل منهم اتباعه في العلن ليقتتلوا و كل منهم يرسم لمعسكره اسما دالا و اهدافا لا تسحر غير من قبل ان يجعل من نفسه تابعا..

بين ال "هنا" و ال "هناك"

لا أدري أيهما أسوأ؟
أن تسيل دماء فلسطينيي غزة الابرياء برصاص محتل متوحش؟ ام ان تسيل دماء مغاربة بوركون باهمال وغش المسؤولين عن سلامتهم؟
لا أدري ايهما أسوأ؟
أن يساق الناس هنا وهناك دون رحمة الى موتهم المحتم ؟ أم ان يخرج علينا من يزايد على موتهم دون حشمة
لا أدري أيهما أسوأ؟
عجزنا و نحن نتذكر فقط من خلال اصوات القصف وصور جثث الاطفال الممزقة ان للوطن اختا اسيرة محاصرة تأبى رغم سنين التجويع ان تركع للمغتصب،أم عجزنا و نحن نرى فاجعة بوركون وقد تحمل وزرها في نهاية المطاف عامل بناء..
لاأدري أيهما أسوأ؟
دونيتنا و نحن نقرأ عن صناعة اسرائيل،و مفكري اسرائيل، والبحوث العلمية لإسرائيل...أم دونيتنا و نحن نتباكى على من قتلهم الغش والاهمال و نعود بعد عويلنا بكل هدوء لكي نغش في كل عمل نقوم به..
لاأدري أيهما أسوأ؟
أن أقرأ في صمت ما كتب عن فاجعة الانسانية فينا، في مختلف ارجاء الوطن العربي الاسلامي،و بداخلي احساس بلا جدوى الحديث او الكتابة...أم استسلامي في الاخير لرغبة الكتابة رغم احساسي بعقمها ولا جدواها

اختبار...

اصابع متوترة تنقر على لوحة مفاتيح الحاسوب و الهاتف المحمول..نبضات القلب تتسارع..ماذا لو...؟ يرتفع ضجيج الافكار لمجرد التفكير في الاحتمال...تحميل الصفحة يأخذ وقتا...اللعنة !! المزيد من الانتظار..يجف الحلق و تتلاحق الانفاس.. تشرئب اعناق الام و الاخوة في ترقب..ماذا؟ ماذا؟ يدخل رقمه الوطني ثم يضغط الزر فيعطي اشارة لا ارادية لمغص يعتصر معدته دون سابق انذار..
يحدق الى المعطيات امامه غير مستوعب للحظة..ثم يصرخ فجأة في وجه الجميع:نجااااااااااااااااااااااااحت..فتضج الغرفة باصوات من فيها..اصوات وحركات في المجمل غريبة وعشوائية لكن لغتها جميعا هي الفرح..
غير بعيد..يمتقع الوجه..و تتلألأ بضع دمعات في العين رافضات ان تسيل محرقات على خدين محتقنين..انه يكره كلمة مستدرك..يكره كل عدد اقل من عشرة.. و كالمقامر، يزداد غضبه كلما فكر انه كان على وشك هذه المرة..على وشك..تعود اليه ذكرى اخر لحظات الاستعداد و اجاباته المقدمة مسترسلة كما لو كانت احدى حلقات الوثائقي: لحظات ما قبل الكارثة..يشعر انه حزين و محبط..يعي انه حزين و محبط..يضع الهاتف المحمول في جيبه..ثم ينظر الى كل دفاتره و كتبه..شيء فيه يصرخ:اكرهها!!..لكنه يتأملها في هدوء مخاطبا اياها: بيني وبينك معركة لم تنته بعد..و لست انا من يضع سلاحه بسبب كلمة "مستدرك"..اريد ان اتذوق طعم النجاح و اذا كان هذا يعني ان اقرأ اكثر و اذاكر اكثر فسانتزع انتصاري من سواد مدادك...

عبث

احذر من كل الاشياء التي تقول بكامل الثقة انك لن تفعلها يوما
احذر من كل ما تؤمن بعمق بانك لن تكونه يوما
يكفي ان تطالبك الحياة بالمزيد من القتال في الوقت الخطأ
يكفي ان تحيط نفسك بالاشخاص الخطأ
وان تتخذ قرارا او اثنين من القرارات الخطأ
لكي تتحول دون ان تشعر الى ذلك الكائن الذي لطالما سخرت منه

أسباب

الفرق بين من يحتاج سببا لكي يحب ومن يحتاج سببا لكي يكره...
بين من يحتاج سببا للعطاء و من يحتاج سببا لكي يمنع نفسه من العطاء...
بين من يحتاج سببا يبرر التضامن ومن يحتاج سببا يفسر اللامبالاة...
بين من يحتاج سببا للبقاء و من يحتاج سببا للرحيل...
بين من يحتاج سببا لكي يخلص ومن لا يؤمن بسبب يبرر الخيانة...
بين من يحتاج سببا يمنعه من السيطرة و من يحتاج سببا يقنعه بها...
بين من يحتاج سببا يمنعه من التدمير ومن يحتاج سببا يمنعه من الخلق...
هو كل الفرق بين ان يحتاج المرء سببا لكي يكون انسانا، وبين ان تفيض انسانيته دون أي سبب.