الجمعة، 15 أغسطس 2014

ادمـــــــــــــــــــــــــــــــــان....


استلقى على أريكة بجانب من المكتب الضيق..نظرت اليه المعالجة النفسية وعلى وجهها اكثر من سؤال..صحيح ان لها خبرة لا يستهان بها في مجال عملها..وانها تعاملت مع مرضى بطباع وشخصيات متنوعة بل و غريبة احيانا..لكن هذا الشخص يظل حالة مختلفة..فهو يعترض على كل ما تقوله، ولا يمتثل  لأي مما تطلبه منه..و لا يحضر في المواعيد المحددة..بل يطلب مقابلتها كلما عن له ذلك..من الناحية المهنية كان ذلك مربكا لها،اذ كانت بحاجة الى الاشتغال على برنامج قار كي تتمكن من مساعدته..وان كانت الى حد الآن لم تفهم بوضوح ما يعانيه..او فيما اذا كان بالفعل بحاجة الى تدخل معالجة نفسية..في جميع الاحوال نظرت اليه وهو يستلقي بهدوء على الأريكة، لم تطلب منه ان يفعل لكنها تعودت منه  ان يتصرف في مكتبها بعفوية، كان شخصا تلقائيا ومسالما..قال لها في احدى المرات انه يدفع من اجل ان تستمع اليه، وانه لا يتوقع منها حقا ان تساعده في شيء..اخبرها بان لديه الكثير جدا من الاقارب و الاصدقاء ، وانه لا يحب ان يتحدث اليهم بما في نفسه لأنهم منشغلون جدا بأنفسهم..وقلما يرون او يسمعون بعضهم بعضا وهم مجتمعون يثرثرون ويملأون الدنيا صخبا بضحكاتهم، لم تستغرب  كلامه  ساعتها، كانت تدرك بالفعل ان جزء  من متاعب زبائنها النفسية كان ليحل تلقائيا لو توفر حولهم اشخاص يهتمون لأمرهم حقا..لكنها ارتبكت قليلا عندما تفرس في ملامح وجهها قبل ان يضيف ببساطة:
-         بالمقابل..انت الشخص الوحيد الذي اضمن انه يستمع الي و يحاول استيعاب ما اقول..من واجبك ان تفعلي..فأنا ادفع لقاء ذلك..
تذكرت انها حاولت، ساعتها، متابعة الاستماع الى هذا الرجل بمهنية ، مغالبة احساسا بغضب مفاجئ اعتراها بسبب كلامه..اعترفت لنفسها على مضض بأن طريقته في التعبير عن الأمر فجة الى حد ما  لكنها تصف  الحقيقة الموضوعية: هو يدفع وهي تستمع...جلست قبالته على كرسي صغير عندما افلحت اخيرا في طرد كل افكارها السابقة،وقالت له بهدوء:
-         حسنا، مضى زمن طويل منذ آخر مرة حضرت فيها لزيارتنا..
-         كان علي ان اخوض بعض المعارك وحيدا..
جوابه الشارد ولد لديها بعض الامتعاض..لم تكن ترغب حقا في مواصلة حديث مليء بالألغاز،لكنها سألت:
-         و بماذا انتهت معاركك؟
-         هي معركة  واحدة..تخلصت من الإدمان ..
فاجأها جوابه، فلم يتحدث من قبل عن اي نوع من انواع الادمان،وشيء ما في نبرة صوته أوحى لها بصدقه فيما يقول..شعرت بشيء من الانزعاج لكنها خاطبته بابتسامة مهنية باهتة:
-         حسنا، حدثني عن الامر
-         تعاطيت للخمر مدة طويلة جدا..لكن لم  اصف نفسي يوما بالمدمن عليها..لطالما اعتقدت اني اعاقرها باختياري..كنت احيانا اشرب فقط بالقدر الذي يشعرني ببعض الاسترخاء، احيانا اخرى كنت افرغ في جوفي كأس الخمر تلو الاخرى الى ان افقد الشعور بأطرافي، وكان هذا هو المطلوب..ان احلق..عاليا.. حيث لا اسمع ولا ارى مخلوقا غير ما يثيره خيالي..كنت افيق في اليوم الموالي بصداع فظيع في رأسي..لكن ذلك كان الجزء المفضل من طقوسي..الالم في رأسي كان يمنعني من ان ارى او اسمع اي شيء اخر..
-         لا تبدو ممتعضا من ذلك ،ما الذي جعلك تقرر الاقلاع عنها؟
-         بيني وبينها منذ البداية شيء اشبه بتعاقد ضمني..الجأ اليها عندما احتاج ان اخرج عن ذاتي قليلا،فتمنحني اسما غير اسمي،وشكلا غير شكلي،و عالما غير عالمي..لكني معظم الوقت بحاجة الى ان اكون ذاتي..ما حصل هو انها استحوذت علي..وأرادتني في عالمها طوال الوقت..عاقبتني بقسوة كلما ابتعدت عنها..
-         افهم انك صرت تعاني من اعراض الانسحاب
-         لا يهم كم انفق من المال لأجلها..لا يهم كيف اؤجل كل شيء كي ابقى في عالمها..كلما اشتد ولعي بها استنزفتني اكثر..مرضت..ورغم نصائح الطبيب لم استطع الابتعاد عنها..كانت ملاذي..وفي صباح احد الأيام وقد افقت على صداع مؤلم في رأسي، حاولت ان اصل الى الحمام كي اغسل وجهي..توقفت امام المرآة وانا بالكاد ارى من شدة الالم..فجأة رأيت نفسي..رأيتني رجلا مريضا و بائسا..ليس بسبب ما شخصه الطبيب لدي..ولكن بسبب عشقي لعدوة مماثلة..مهما احببتها..مهما أوقفت كل شيء في حياتي لأجلها  فهي لن تفعل الا ما تجيد فعله بحكم طبيعتها : تحويل كل من يقترب الى حطام..تماما مثل نار لا توجد الا  بإحراق ما يقترب منها..رأيتها تستنزفني وتخيلتها تتحول- بعد ان توقع نهايتي- الى رجل اخر كي تغريه بمعاقرتها فشعرت بالخيانة..شعرت بالمهانة..شعرت باني صرت عبدا مملوكا لها..وانا الذي لجأت اليها متمردا وثائرا..
-         انت تصورها كما لو كانت إنسانا..
-         لأنها اضحت كذلك استطعت التخلص منها..فيها من بعض البشر الشيء الكثير..الحدود ليست واضحة وقاطعة دوما بين عالم الاشياء والاشخاص..نتخلص من الاشياء كما نتخلص من الاشخاص، ونشفى من الامراض كما نشفى من الاشخاص..
-         كم مضى على اخر كأس خمر شربتها؟
-         ما يكفي من الوقت لأتيقن اني صرت رجلا حرا مجددا..ليست الخمر ما يخيفني الان
-         وما الذي يخيفك؟
-         غضبي..بالأحرى ما يفعله بي غضبي..هو قادني الى اول كأس خمر،و جعلني اغضب حتى الثمالة..
-         بالاجمال تبدو شخصا هادئا..
-         عندما اغضب لا يكون اسوأ ما فِيَ ملامح وجهي المتجهمة..عليك ان تعرفي ما يدور بخلدي عندما اغضب لكي تقدري اني احاول قدر المستطاع ان ابدو لطيفا ومسالما...
دعك من  موسيقى الروك الصاخبة أو موسيقى الميتال الكئيبة و العدوانية ، جموح صرخاتي لا يعادله شيء الا جموح رغبتي في التكسير...في لحظات مماثلة اتفهم رغبة مظفر النواب في ان يتقيأ شعره في وجه من يقرفونه... لكني عندما اغضب لا افكر في نظم الشعر...الشعر مهما بدا غاضبا وسيلة مهذبة للتعبير عن الغضب... السحر الاسود فقط هو ما يشفي غليلي...عندما اغضب اشتهي قوة ارفع بها  السيارات فأضرب  بعضها ببعض واستمع بنهم الى الصخب الذي يصدره ارتطامها وانظر في شزر الى شظاياها..عندما أغضب اشتهي ان يتجمع غليان جسمي في قبضة يدي شهبا نارية اقذفها على كل الاشياء من حولي وانظر اليها بتلذذ تنفجر وتحترق شيئا فشيئا الى ان تستحيل رمادا تذروه زوبعة انفاسي في كل الاتجاهات...
استمعت اليه منذهلة من انسياب سيل الكلمات من فمه و تلاحق انفاسه وهو ينطقها كما لو كان في عالم يخول له بالفعل ان يحقق ما يتخيله..كانت تبحث عن الكلمات المناسبة للتعليق على ما قال عندما تابع بهدوء:
-         عندما اغضب لا اسمح لنفسي بقذف الكأس الزجاجي في يدي..لاني –وانا في قمة غضبي- استسلم لصوت لعين في عقلي يحذرني من ان شظايا الزجاج قد تسبب عاهة ما لشخص أوجده سوء حظه هناك في اللحظة غير المناسبة..لا اقلب مكتبي رأسا على عقب..لان نفس الصوت يخبرني متشفيا:"ذلك لن يحل شيئا من مشاكلك  سيكون عليك فقط اعادة ترتيب المكان لاحقا"..لا اسمح لنفسي بلكم رجل تواقح امامي مهما رغبت بشدة في ذلك لاني ادرك جيدا ان ارتجاجا قويا قد يزلزل دماغ الرجل وقد يغير معالم وجهه لكنه لن يغير شيئا من أفكاره وأفعاله..عندما اغضب اعدل عن فعل كل ما تصرخ به نفسي..و عوضا عن ذلك كله امارس ما تسمونه "تواصل"...
ساد الصمت للحظات،عدلت من جلستها اخيرا قبل ان  تقول :
-         التواصل هو الخيار الانساني الأنسب دوما ..
قام فجأة و بدا انه يستعد للمغادرة،و قبل ان تستوعب الامر كان قد وصل الى باب المكتب و قال مغادرا:
-         البشر خارجا منشغلون معظم الوقت عن ممارسة  التواصل الانساني..لهذا يحضر امثالي  الى هنا ويدفعون لامرأة غريبة عنهم  كي تلعب  دور انسان يستمع ..

الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

ضد كل تفكير نمطي


يتحدد وضع النساء في اي مجتمع من خلال انماط ثقافية يتم تمريرها بانتظام عبر الاجيال،وتلعب التنشئة الاجتماعية دورا مهما في ترسيخ صور معينة عما يجب ان تكونه اي امرأة او ما يحدد كينونة اي رجل.بهذا تكتسي الامتيازات التي يحظى بها احد الجنسين على حساب الاخر (ويحظى بها الرجل على حساب المرأة في الغالب) طابع الحقوق الطبيعية ولذلك تصبح غير قابلة للتفاوض بشأنها او ارجاعها الى جذورها الثقافية المتغيرة.وليس في هذه الملاحظة اي جديد فعلى اساسها قامت معظم دعاوى انصاف المرأة وتحريرها من الصور النمطية التي تجعلها مواطنة من الدرجة الثانية فقط لكونها امرأة.وينبغي ان نقول ان نضال العديد من النساء عبر العالم ساهم في تكسير عدد من هذه الصور ورسم للنساء المضطهدات آفاقا اكثر انسانية.ولان التغيير لا يحل دفعة واحدة فهناك كثيرات لم تحظين الى الان بفرص للتعليم او التثقيف او معاملة تليق بآدميتهن ، لذلك من الطبيعي ان يستمر نضال من يؤمنون بقضايا المرأة طالما استمرت الاسباب الداعية اليه.
ما يهدف هذا المقال في الواقع الى اثارته ليس تقييم حصيلة هذا النضال،و لكن تسجيل عدد من الملاحظات التي تدعونا الى التفكير مليا قبل ترديد خطابات تعميمية تجعل النساء شريحة واحدة منسجمة وتجعل المطالب على نموذج واحد، تكون او لا تكون.
الملاحظة الاولى متعلقة بعمل المرأة،وليس الهدف هنا الخوض في النقاش العقيم حول جدوى عمل المرأة خارج البيت او مشروعيته،فبالنسبة لشريحة معينة من النساء ليس العمل خارجا فرصة للتحرر او الانفتاح او تحقيق الذات حتى، بل هو ضرورة فرضتها الحاجة الاقتصادية وتغير شبكة العلاقات الاجتماعية التي تضطر المرأة الى اعالة نفسها وغيرها.مع ذلك فالبقاء في البيت لا زال خيارا بالنسبة للكثيرات ممن يفضلن ان يتحمل  نفقتهن الاب اولا ثم الزوج فيما بعد.وليس في هذا ما يعيب طالما يتم برضى جميع الاطراف.
يتحدث البعض من منطلق انصاف المرأة عن ضرورة اعادة الاعتبار لعملها داخل البيت،فإذا كانت المرأة العاملة تساهم في ثروة الاسرة من خلال العائدات المادية لعملها فإن ربة البيت تساهم ايضا من خلال توفير مناخ دافئ يلبي احتياجات الاسرة النفسية والمادية.انه موقف جدير بالاهتمام،تتحمس له كثيرات من ربات البيوت دون ان يدور بخلدهن أنه في الواقع يطالبهن بان يكن بالكفاءة المطلوبة لأداء دور الام والزوجة على اكمل وجه..بعبارة اخرى: اذا كنا من حيث المبدأ نعتبر الجهد الذي تبذله المرأة داخل المنزل بمثابة عمل قائم الذات فانه يشترط فيه كغيره اداؤه بانضباط وكفاءة..لماذا تعتقد بعض النساء من ربات البيوت ان كل ما يؤهلهن لدور الام هو كون الواحدة منهن انثى تملك رحما؟ ! لماذا في الوقت الذي تسعين فيه الى نيل المزيد من الاحترام لوضعهن لا تبذلن جهدا في تطوير انفسهن لكي تقمن بمهام التربية على الوجه الأكمل لماذا يمتلئ جدولهن اليومي بمتابعة مسلسلات تافهة و برامج "خبار السوق" و زيارات تدوم ساعات طوال لهاته اوتلك؟هل وضعهن كأمهات كاف لمنحهن احساسا والتزاما غريزيا بالمسؤولية الاخلاقية والتربوية تجاه اسرهن؟ هل هو كاف لمنحنهن القداسة والحصانة من المساءلة عن الاهمال والتشدق بالحقوق دون اقامة ادنى اعتبار للواجبات؟
قد يعتبر القارئ هذا تحاملا على ربة البيت، لكني اشير الى اني كنت شاهدة على العديد من الحالات التي اسفر فيها غياب الام -وهي حاضرة- عن ادمان الابناء اوتشردهم او انضمامهم الى عصابات اجرامية..بوسع المرأة العاملة ان تتحجج بضرورة غيابها عن البيت لتوفير القوت والحاجيات الضرورية لكن ما عساها تكون حجة ربة البيت؟
وبالمناسبة لا يعني هذا اسقاط  مسؤولية التربية عن الرجل كيفما كان موقعه داخل الاسرة،لكن التواجد –المفترض- لربة البيت داخل المنزل يعطيها مساحة اكبر للتدخل وبالتالي يترك فراغا اكبر في حال غيابها.
قبل ان تطالب المرأة بان يحترم عملها داخل البيت عليها ان ترقى الى مستوى الكفاءة المطلوبة لهذا العمل.لو عرض عليها منصب في مؤسسة مهمة براتب مُجز لحاولت ان تقوم بما يلزم للحصول على ذلك المنصب و لاجتهدت في تطوير مهاراتها بشكل مستمر لتكون دوما بالكفاءة المطلوبة فلا يتم الاستغناء عن خدماتها،و الحال ان عملها داخل المنزل هو منصب في مؤسسة حيوية هي الاسرة وضمن مؤسسة اكبر هي المجتمع ويحتاج منها تدريبا مستمرا و تطويرا لكفاءاتها لكي تساهم في انتاج الثروة الحقيقية لكل مجتمع: ابناؤه.النساء اللواتي يدركن هذه المعادلة و يعملن على اساسها سواء كن عاملات ام لا هن بطلات حقيقيات، يتوجهن كل مشروع ناجح،كل مواطن صالح،تتويجهن وطن يفخر بأهله و يفخرون به.
الملاحظة الثانية تتعلق بآفة الذكورة او هوس الذكورة في مجتمعاتنا،و ينبغي ان نعترف بأن التشريط الاجتماعي لذكور المجتمع وإناثه حاضر في كل الثقافات وان كان تركيزه وحضوره لافتا في ثقافتنا.واحد نتائج –ووسائل- هذا التشريط هو التسويق الاعلامي لصورة المرأة-الدمية والذي يحدد بشكل مسبق مقاييس جمال المرأة وحدود دورها كوعاء لمتعة الرجل (مبتسمة جميلة وصامتة لا تجادل ابدا)، وهو ما يسوغ ايضا لتفشي ظواهر العنف المرتكب ضد النساء من اعتداء بالضرب او التحرش او الاغتصاب.و عوض تكسير هذه الصور النمطية بإعادة التوازن لعلاقة الرجل بالمرأة من خلال تثمين بعدها الانساني و العاطفي (الذي يتجاوز العشق في صوره المبتذلة كما يتم تسويقها) فإنه يجري تعويضها بصور نمطية مضادة يصبح فيها الرجل ايضا ايقونة اغراء بمواصفات رجولة محددة،وتساهم الانتاجات التلفزيونية في ترسيخ هذا التوجه الجديد،فأبطال المسلسلات اللذين يجري انتقاؤهم بعناية (احيانا من بين عارضي وعارضات الازياء) يحددون في وعي الرجل ما ينبغي ان تكون عليه المرأة (وهذا ليس بجديد) كما يحددون في وعي المرأة ما ينبغي ان يكون عليه الرجل.واذا كان الزوج في السابق يظلم زوجته بان يرفع سقف توقعاته من مظهرها بما يماثل مظهر  ممثلة يحيط بها فريق من خبراء التجميل كل مهمتهم جعلها في ابهى حلة،فان الزوجة اضحت الان تظلم زوجها الذي يعود منهكا بعد يوم حافل بالمتاعب بان تقارنه بعارض ازياء يبرز عضلات صدره -بالتمرين احيانا وبالادوية احيانا اخرى- و يقرأ نصا مكتوبا في مشهد رومانسي مفتعل،تظلمه بان تشتكي بعد سنوات معتبرة من الزواج والانجاب من انه ليس وسيما كفاية، وقد تتشجع فتعلن عدم رضاها عن ادائه كزوج،ولا يهم ان كان مريضا او كان متفانيا في كل شيء اخر.
والحال اننا مجتمع ندفع ثمن هوسنا بالذكورة،اقتناع البعض بفحولتهم يعطيهم حق الاغتصاب والتحرش والخيانة الزوجية،و اقتناع البعض الاخر بحق الفحولة يجعلهم يتواطئون صمتا او دفاعا عن المغتصب والمتحرش والخائن.وبعيدا عن هذه الظواهر الصادمة تترسخ في صمت قناعة تميت كل بعد انساني في الاسرة وهي نواة كل مجتمع سوي، قناعة تحول الفحولة والقدرة الانجابية من وضعها الطبيعي كطاقة لاعادة انتاج النسل البشري و تختزل الكائن البشري رجلا او امرأة في بعده الجنسي.هذا البعد الذي تنبه عدد من المفكرين الغربيين (منهم عالم الاجتماع الفرنسي جون بودريار) الى انفجاره في عصرنا الراهن وممارسته استبدادا من نوع جديد،فبعد القيود الصارمة التي فرضت على الجسد لقرون في الماضي أصبح كل سنتمتر منه معروضا على وعي الجماهير بشكل قسري من خلال قنوات عدة.
في علاقة انسانية سوية بين رجل وامرأة تتكامل الجوانب العاطفية والجسدية والفكرية لخلق تجربة انسانية مشتركة تغتني كلما امتد تاريخها عبر الزمن،فتصبح استثمارا  رابحا وثروة حقيقية لسنوات الشيخوخة،في العلاقات القائمة على الانماط التي تروجها وسائل الاعلام تهيمن مفاهيم الاغراء والفحولة،و يعيش كل طرف على استيهاماته الخاصة،و عوض المشهد الرومانسي الذي ينهي كل فيلم بالاجتماع السعيد للبطل والبطلة، تستمر قصة زواج واقعية دامت أكثر من ربع قرن بشكل بطيء بين شخصين لم يعد لديهما منذ زمن بعيد جدا ما يقولانه لبعضهما البعض، يعيشان تحت سقف واحد تتآكل كلا منهما مشاعر وحدة بغيضة..بالكاد يكلمان بعضهما..بالكاد يعرفان بعضهما..