الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

فقد



من بين كل الأشياء الكثيرة التي قد تملأ وجودك من ضجيج حضورها، لا ترى عيناك الا ما غاب عنهما في الغالب.لا تنصت أذناك في صخب الحياة الا الى السكون القادم من مكان عميق في فؤادك.
هي لحظة-وربما لحظات- بطعم الفقد.
لا يهم بأي لسان تتحدث، لا يهم كم الكلمات التي تستعمل، لا يهم ان كانت الكلمات نفسها التي يستعملها الآخرون كل يوم بشكل اعتيادي، عندما تتحدث لغة لا يتحدثها غيرك ممن علموك استعمال الكلمات والحروف اول مرة، عندما تستخدم بشكل عفوي لسانا لا يفهمه غيرك ممن تضع عليهم في شبكة علاقاتك علامة "اصدقاء" ،عندما ترتب كلماتك على نحو فريد استجابة للحن لا يسمعه غيرك،وانت في قمة التيه بما تسمع، تشعر بطعم الفقد.فهم يغيبون الواحد تلو الآخر متى واصلت البوح.
عندما تضطر لاتخاذ قرارات مصيرية وتعرف ان نتائجها قادمة لا محالة،وان عليك وحدك ان تتحمل تبعات القرارات الخاطئة،ستشعر حتما بطعم الفقد، الطفل الذي كنته يوما ما لم يعد له وجود،لا يمكنك ان تدع احدا آخر يقرر بدلا عنك،ولا يمكنك ان ترمي بمسؤولية وجودك على شخص غيرك.
عندما ترى الجميع يعرقون ماء و دما لأجل بناء صروح من أشياء، تتلاقى نظراتكم، تتلامس أياديكم، تنساب اصوات بعضكم الى آذان بعض، تتحدثون، تضحكون، ترسمون صورا عن المستقبل، كل شيء يؤكد بأنكم هنا، بأن وجودكم معا شيء حقيقي، مع ذلك يغالب كل منكم  شعورا  متأصلا بالعزلة، شعورا غير مفهوم بأن كلا منكم ينظر الى الآخر طيلة الوقت دون أن يراه،حينها يتعمق لديك شعور فظيع بالفقد.
روابط غريبة تجذبك الى تذكر من غادروا هذا العالم الى غير رجعة، كل تفاصيل حضورهم في وجدانك تعمق احساسك بغيابهم،تستنجذ عيناك بالحاضرين الذين لم يغيبهم الموت عنك و لم يغيبك عينهم،لكن لا يبدو ان ثمة رابطا يذكر بتواجدكم في العالم نفسه.
يتوالى الحضور و الغياب، يتزامنان،تعيش احدهما بالرغم من الآخر، واحيانا تعيش احدهما بفضل الآخر،إلم تعلمك لحظات الفقد درس الامتنان فلاشيء سيفعل، كلما عشت الفقد مجددا ستتذكر ان تثمن ما لديك بشكل افضل، كل ما هو هنا،يمكن في لحظة ان يكف عن الوجود،وان حرصت بما يكفي الا تفقد ذاتك عندما تعصف بك رياح الخسارات،ستدرك بما يكفي ايضا انك الجذر،وكلما انكسرت منك اغصان او ذبلت اوراق أزهرتَ غيرها يانعة مبهجة مفعمة بالحياة.

الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

ندوب

لا أدري لماذا من حين لآخر نحب ان نقفز عبر الزمن؟ نبحث عن ندوبنا القديمة،و كأي مازوشي، نتحسس الجروح الغائرة عميقا في أرواحنا،تلك التي بدأت ذات يوم كخدش بسيط على أدمة أيامنا،ولم ندر أي لعنة حولت كل المراهم في ايدينا الى شفرات حادة لا ننتبه الى جوعها الا بعد ان تروي نصلها وتروي الارض بمزيد من دمائنا.

السبت، 12 سبتمبر 2015

تائهون عن انسانيتنا

يجلسون بأريحية خلف شاشات حواسيبهم او هواتفهم المحمولة او لوحاتهم الالكترونية،يمررون اصابعهم من خبر الى خبر ضجرين بعدما أشبعوا بطونهم،يتجشأون بصوت مسموع جدا دون أن يقلق أمنهم شيء.
يتوقفون مثل غربان شؤم عند أخبار الموت،ينشرون صور الجثث، يسجلون اعجابهم بمنظر الصرعى،يمططون شفاههم تقرفا من منظر الدماء و دموع المكلومين،إن حدث وكان الواحد منهم ساعة وقوع حادثة او اعتداء فإن أول ما يفعله هو تسجيل فيديو لكل شيء، لا يعرف رقم الاسعاف،ولم يفكر قط في تقديم اسعافات أولية،و لم يحدث ان جرب الاتصال بالشرطة،ومع كل ذلك يستمر في تسجيل الفيديو و هو يتذمر بصوت مرتفع من سيارات الاسعاف التي لا تأتي أبدا و عن "الحناش" الذين لا يغادرون دائرة الأمن الا عندما يكون هناك دم.
يتوقفون كثيرا عند أخبار الفضائح، يحبون مشاركة فيديوهات وصور الاعتداء،و يدخلون مناقشات حامية كلما مات الناس بالجملة في مكان ما من العالم: ما دينهم؟ ما لونهم؟ ما جنسهم؟ ما كانوا يفعلون هناك؟ هم يستحقون اكثر..والمدافع عنهم ينبغي ان يموت معهم
كلما قرأت ترهات مشابهة يكبر مارد غضبي لكنه لادبي لا يخرج من قمقمه،و اشتهي...نعم اشتهي ان يجد الواحد من هؤلاء نفسه دون سابق انذار في ساحة حرب اعزل من كل شيء: من بيته،من هاتفه المرتبط بالنت،من عشيرته،من كل شيء ،اعزل الا من انسانيته،فيتعلم ان كان في جوفه شيء من حب بقاء ان يصنع منها درعا يدفع به الرصاص الذي يتهاطل عليه من كل الجوانب دون ان يستوعب لماذا اوكيف؟ ان يغزل منها كلمات تطير كالحمائم الى قلوب المحتلين والمعتدين علها تقنعهم برغبته في الحياة..
نعم اشتهي ان يجد الواحد من هؤلاء نفسه في واد ضاق بمياهه كما ضاقت نفوسهم باعطابها..عله يرمي نظرة استعطاف الى الناس في الضفة دون ان يجدهم منشغلين عن نجدته بتسجيل فيديو احتضاره
نعم اشتهي ان يجدوا انفسهم فجأة في احدى حلقات "البعد الخامس" فيجد كل واحد منهم نفسه مع الذين نشر صورهم وفيديوهاتهم في قلب الحدث، أيا كان الحدث، حربا او حريقا او فيضانا او سقوط رافعة ،دعهم يعيشوا اللحظة كي يتحدثوا عن دراية،دعهم يعيشوا التجربة كي يكون لتعليقاتهم معنى، دعهم يرجعون من قلب الحدث لكي يخبرونا ما الفرق بين روح تزهق من جسد هذا و روح تذهب الى بارئها من جسد ذاك..

الجمعة، 11 سبتمبر 2015

نحو الانساني

الطريق الى الانسانية غير ممكن بدون وعي..و مضَلِل جدا بدون فعل يلبس هذا الوعي رداء الممكن و المحسوس..
الأفكار التي لا تضعنا على الطريق الى الانسانية تشبه نجوما في الفضاء السحيق،يسطع نورها في سماء ليلنا بينما أفل النجم منذ زمن في مكان ما من الفضاء
انها مثل حرية تأبى ارضاع الثوار
مثل عدالة تعاف دموع المظلومين
مثل حب عاجز عن ترويض الوحوش بدواخلنا
مثل انتصار حقيقي في معركة وهمية
حيث يغدو كل شيء موجودا بالتحديد لأنه غير موجود

حِكَم

في هذا العالم، ندين بكل حكمتنا للشقاء والعبث و اشباههما..لا حكمة في السعادة و السكينة على ما يبدو، كل حكمنا تأتي قبلهما او بعدهما.
في اللحظة التي نشعر فيها باكتفاء حقيقي لا نتفلسف بشأن الوجود،نعيش اللحظة وحسب
دموع المقهورين، دماء المغدورين،أشباح من غادروا قسرا،ومن تشردوا دهرا، وأشياء اخرى كثيرة تجعلنا نفكر في حكمة ما تجعل كل ذلك ممكنا، في خلاص ما يجعل كل ذلك ضروريا.