الثلاثاء، 16 فبراير 2016

الشيء الجميل الممتع




تتعرض النساء للتعنيف،ليس هذا بالأمر الجديد، فمنذ فجر التاريخ بدت النساء من بين الحلقات الأضعف في المجتمعات البشرية، و وجد الكثيرون طريقا للنضال في تخليصهن من أشكال العنف المادي والرمزي التي يكن ضحية لها بشكل أو بآخر.
من الصعب أن نحاصر إشكالية العنف ضد النساء دون الغوص في مسبباتها ومن الأصعب ان نفصل في تلك المسببات بين ما هو نفسي وما هو بيولوجي وما هو محض ثقافة.يمكن للمناضلين من اجل حقوق النساء ان يتحمسوا في تصوير المرأة و كأنها الكائن الوحيد المستهدف بالعنف في المجتمع،لكن موقفا كهذا يتجاهل حقيقة واضحة تنطق بها نشرات الأخبار في كل حين: نحن نعيش في عالم يسوده العنف و يختار البعض فيه استعمال القوة من أجل إخضاع البعض الآخر.لماذا؟ بكل بساطة لأنهم يستطيعون ذلك.
أحيانا كثيرة لا يقلقنا العنف إلا إذا صار صارخا، فمشهد رجل يعنف زوجته (أو زوجته السابقة) على الملأ بشكل وحشي يصدم الكثيرين خصوصا ممن اعتقدوا أن تغيير القوانين يمكن ان يكون رادعا نهائيا ضد السلوكيات العنيفة، والحال أن القوانين على أهميتها القصوى لن تمنع دوما حقوق النساء من الانتهاك.كيف بوسع القانون ان يمنع تحول الزوج من رجل محب يخطب ود المرأة و يتعهد برعايتها إلى وحش ضار يكيل إلى جسمها الضربات كما لو كان في نيته إنهاء حياتها؟
من الواضح ان علاقة تنتهي بهذا القدر من العنف لم تكن قائمة من الأصل على أسس سوية، الأمر أشبه باستخدامك لأداة ما لمدة من الزمن ثم عندما يحدث خطب ما تسمح لنفسك بالانفجار غضبا ثم تحطيمها بحجة انها "عْكْسْتْ !!"
ينزع العنف  صفة الإنسانية عن الشخص المعنف (بفتح النون) و يجعل منه مجرد شيء، هذا التشييء هو ما يوهم العنيف على ان بوسعه ان يفعل ما يحلو له، و يجد دوما مبررات لفعله: "كنت غاضبا جدا" "لا تفعل ما أطلب منها" ، "تتحدى أوامري" ،اذا اقتنيت آلة ما فإنك تفكر انها صممت لإرضائك ولن تتوقع أو تسمح لها بأن تشتغل على هواها و يكون بوسعك في كل وقت ان تستبدلها بأخرى او تبيعها او تتركها في ركن مهمل من البيت.
قد يبدو هذا تشبيها فجا، لكن العديد من الرجال يتعاملون مع نسائهم وفق المبدأ الذي يسمح لإنسان  بأن "يستخدم" إنسانا آخر فالمسألة بعيدة كل البعد عن تأسيس شخصين لعلاقة إنسانية، و يمكن -بالمناسبة -للمرأة أيضا ان تمارس هذا النوع من التشييء والعنف في حق الرجل.
قصص العنف الزوجي قد تنسج في واقع التفقير و التهميش، هذا الواقع هو بحد ذاته عنف  يمارس في حق شرائح اجتماعية كاملة تحرم من فرص العيش الكريم و تفرض عليها خيارات ضيقة، لكنه لا يفسر لوحده إقدام بعض الأزواج على إيذاء شريكاتهم، لأن العلاقات الإنسانية السوية لا تتقوى بالظروف المادية  وحدها ( وإلا لكان الأزواج الميسورون تلقائيا أسعد من غيرهم وهو أمر غير واقعي) ،فكون العلاقة إنسانية هو تحديدا ما يجعلها غير قابلة للاختزال في البعد المادي للأخذ والعطاء، بعبارة أوضح، عندما تختزل المرأة في مقدار شبابها وجمالها أو مهارتها في تدبير المنزل أو حتى مقدار ثرائها... فإنها لن تكون أبدا طرفا في علاقة سوية ، تماما مثل رجل يختزل في مقدار شبابه أو وسامته أو سعة إنفاقه أو مكانته الاجتماعية أو غيرها...عندما لا ترى في الآخر إلا ما يمكنك الحصول عليه منه تسقط في العلاقة التشييئية التي تتيح لك فورا ممارسة العنف متى عن لك ذلك، فأنت لست إزاء إنسان يمتلك من الكرامة والقيمة  قدرا مساويا لما تملك أنت نفسك، بل إزاء شيء يفترض به إرضاؤك وإلا فلم الإبقاء عليه؟
قد ينتهي هذا النوع من العلاقات غير السوية بمشهد عنف وحشي، و قد يثمر ظواهر أخرى لا تقل عنفا رغم أنها أقل إقلاقا للشعور الجمعي على اعتبار ان الضرر منها أقل ( ولكن هل هو كذلك فعلا؟ !)، تعرض المرأة على أنها "الشيء الجميل الممتع" في الإعلانات و الأفلام، و تساهم دور الأزياء و شركات التجميل في ترسيخ هذه الفكرة لدرجة تتماهى معها المرأة نفسها فتجتهد طوال الوقت في ان تكون "النموذج الجميل و الممتع" الذي يتحدث عنه الجميع، وهي مستعدة في سبيل ذلك لتغيير ما يلزم تغييره من تفاصيل جسمها و عاداتها الغذائية واليومية بما قد يعرض صحتها الجسدية و النفسية للخطر أحيانا وغايتها أن تكون "شيئا جميلا و ممتعا" بالنسبة إليه. لكنه ليس مرشحا دوما لأن يكون شريكا حقيقيا، إذ بما أنها صارت "شيئا جميلا"  ،وصار هناك الكثيرات جدا مثلها، فقد يصير هو تلصصيا او متحرشا، فهو يمتلك كل امرأة تقع عليها عيناه، لمجرد انه دفع ثمن فنجان في مقهى على رصيف الشارع العام.
تستوقفني في كل مرة كلمتان وصف بهما الله سبحانه و تعالى العلاقة بين الزوجين: المودة و الرحمة، المودة ليست ذلك العشق الذي تفقد نيرانه توازن المرء ثم تخبو جذوته كأن لم يكن يوما، المودة كزخات مطر خفيفة تسقي الأرض على مهل،هي بالضبط  ذلك المقدار من الدفء الذي تحتاج إليه لكي تطمئن في كل حين على استثمارك لسنوات الشيخوخة، أما الرحمة وهي من صفات الرحمن عز و جل، تجعل كل طرف يرحم اختلاف الآخر، يرحم كبواته، و يرحم ضعفه متى ضعف، فيكون سندا له.
هذا المثال Idéal   قد يتحقق على أرض الواقع احيانا، ولكن أحيانا كثيرة نضل طريقنا إليه، يمكن بسهولة ان يجد المرء منا نفسه ضحية لعنف الآخر، وقد نجد انفسنا مرتكبين لهذا العنف، إذا كان الخطأ جزء من تركيبتنا كبشر، فإنه لا ينبغي ان نضل بأي شكل الطريق الى أنفسنا، وكلما كانت طريقنا الى ذواتنا واضحة، كلما استطعنا ان نختار الصواب متى وجدنا أنفسنا في مواجهة العنف.
لا أحد محصن بما يكفي ضد العنف، يكفي ان تتزعزع ثقتكِ بقيمتكِ لسبب من الأسباب،فتشرعين في تبرير سلوكاته و تلومين نفسك عليها،ثم يتحول عنفه اللفظي الى تهديدات، فلا تلقين لها بالا، ثم سرعان ما يشرع في ممارسة العنف الجسدي، فتسامحين لأنها المرة الأولى ثم لأنه كان غاضبا ثم لأنه كان نادما..في لحظة ما يكون عليك ان تعترفي لنفسك ان العلاقة غير سوية عندما تجدين مؤشرات حقيقية على أنها كذلك، وعندها يكون عليك ان تختاري طريق الخلاص، وقد يمر طريق الخلاص بالنسبة الى امرأة معنفة بممارسة العنف المضاد في حق الرجل، و يتطلب الأمر امرأة حرة، امرأة حقيقية لكي ترفض العنف دون ان تسقط في ممارسته.
تذكري الا تضيعي الطريق الى تلك المرأة الحرة.