الاثنين، 27 يونيو 2016

عن الموت..وما بعده



أفكر بالموت كثيرا منذ أن توفي أبي رحمة الله عليه، أفتقد بشكل مؤلم كل الأسماء التي كان يناديني بها ولم اسمعها من غيره، هو وحده من كان يرى نسخا عني في كل مكان يذهب إليه، بوسعك دوما ان تعرف قلبا محبا من أشياء بسيطة كهذه، أشياء على بساطتها تدفئ القلب طويلا حتى بعد أفول شمس المحبين.
كان ابي محبا للحياة، لم يكن يطلب منها الكثير و لم يتوقع منها الكثير ولم يشغل نفسه بالكثير من همومها، كان يحب فقط أن يعيش، يفاجئك في منتصف حديث جدي بمزحة تجعلك تنفجر ضاحكا رغم استيائك و يصنع له أصدقاء في اي مكان يذهب إليه.
أتصور ان حبه للحياة نبع من انه لم يعرف حياة غيرها،بعد كل عملية جراحية يجريها ينهض بشجاعة، يتقدم في السن أكثر و ينال المرض والشيخوخة من حيوية حركاته أكثر،لكنه يحتفظ بحبه للحياة في كل مرة، إلا آخر مرة، بدا هادئا على سرير مرضه الأخير وقد سرحت نظراته بعيدا عن الزوجة والأبناء والأحفاد،بشكل ما كان قد تخفف من كل ما يربطه بهذه الحياة، كان قد غادرنا بالفعل الى مكان لم يكن يراه أي منا نحن الذين تحلقنا بقلق حول سريره و طمأن بعضنا بعضا إلى ثبات مؤشراته الحيوية.
 يتوقع البعض ان المسنين و قد أدوا رسالتهم في الحياة لا يعود لهم أي مبرر للبقاء و أنهم ينبغي ان يستعدوا للمغادرة..على قسوة هذا الحكم يمكن ان نتساءل معه: الى اين؟
إنه السؤال الذي يسبب قلقا عميقا لمن سقطوا في براثنه، ويستوي في هذا القلق المؤمن والملحد على السواء، يعتقد الملحد انه -بإنكاره وجود الله – قطع مع الشعور بالذنب و التفكير في الجنة والنار، لكنه يجد نفسه في مواجهة أسئلة  مرهقة: ما الجدوى من كل ما نبدعه و نشيده و نقاتل من أجله إن كنا سننتهي الى عدم؟ ما قيمة الخير والشر، والعدل والظلم، والحقيقة والخطأ إن كان كل شيء الى فناء؟
أما المؤمن فلا ينجو بإيمانه هو الآخر من قلق الوجود، كيف يكون متأكدا من الطريق الى الجنة؟ هل ما فهمه من النصوص المقدسة يعبر عن إرادة الله فعلا؟ ما الحكمة من هذا الأمر الإلهي او ذاك؟
الموت أمر مقلق بالنسبة للجميع، نتكهن بالأجوبة و يحارب بعضنا بعضا لإثباتها، وكلما زاد قلقنا إزاء أجاباتنا الخاصة هاجمنا إجابات الآخرين كي نتخلص من هذا القلق.
أفكر في أبي، وأخي قبله وكل الذين أخذهم عني الموت، أفكر انهم عبروا الى ذلك المجهول الذي يقلق جميع البشر، ذلك المجهول الذي يتمثله البعض عدما محضا و يتمثله البعض الآخر حياة آخرى، أفكر أنهم عرفوا و لسبب غامض أغبطهم على هذه المعرفة ، على تخلصهم من قلق التفكير في الموت وما بعده..
كمؤمنة بوجود إله محب لمخلوقاته أتمنى ان تكون ارواحهم جميعا في النعيم و ان يشملهم الله عز و جل بواسع رحمته و مغفرته .