-
"انت
تفسد هذه الطفلة كثيرا !"
-
"انت
تقسين عليها كثيرا..انها مجرد طفلة لا تحمليها اكثر مما تحتمل !!"
استمعت الى
جدالهما مستمرة في التظاهر بالنوم، كانت تلك حيلتها الصغيرة كي تفلت من تنظيف
الاواني المُكوَمة في المطبخ.حيلتها التي لم تنْطل قط على امها و التي كانت كافية
مع ذلك لجعل والدها يتدخل في كل مرة للقيام ب "نوبْتْها" في اعمال
المطبخ ثم يعود لكي يحملها بين ذراعيه ويضعها في فراشها بعد أن يقبل خدها وهو
يهمس: "البَنوتة دْيالي".تمددت في فراشها مغمضة العينين وأرْهفت السمع
لوالديها وهما يواصلان جدالهما،امها تحتج على سلوك ابيها مُنُبهة الى انها تريد
للطفلة ان تتعلم ما ينفعها في بيت زوجها، ووالدها يرد بأنه من المبَكر جدا الحديث
عن زوج لابنتهما وهي لا تزال طفلة صغيرة،تحتج والدتها مجددا انها لن تنتظر حتى
تصير ابنتها "عْزْبة" لأنه آنذاك يكون الوقت قد فات..ثم تتنهد قائلة:
" اتمنى لو كانت مثل شقيقتها.." عند سماع هذه الجملة تجذب الطفلة الغطاء
و تندس تحته بكامل جسدها الصغير..
جففت الطفلة
يديها الصغيرتين وهي تجيل بصرها في أرجاء المطبخ،شعرت بالرضا وهي تتأمل الطناجر
النظيفة و الاواني المرتبة والكؤوس اللامعة،سمعت صوت أمها:
"تْبارْك
الله عْلى بْنْتي، سْعدات اللي غادي ياخْدْك" ، فكرت الطفلة ان تسأل أمها:
"يأخذني الى أين؟" لكنها سمعت صوتا قادما من التلفاز يعلن بدء برنامجها
الكرتوني المفضل فغادرت المطبخ مسرعة،اصطدمت في طريقها بوالدها الذي حملها بين
ذراعيه و رفعها عاليا وهو يقول:"الى اين بنوتتي؟" صرخت بابتهاج عندما
تظاهر بأنه الوحش الذي سيقضم جزء من اذنها وأخبرته انها تريد مشاهدة البرنامج
الكرتوني،عندما أنزلها أرضا سمعت والدتها تُثني على "حْداكْتها" وتشتكي
من كسل شقيقتها..ثم والدها هو يؤكد ضاحكا على ان الفرق بين ابنتيه أن الأولى
تحب ان تنظف الأشياء بنفسها بينما تفضل الثانية ان يقوم الاخرون بذلك من
أجلها..مع ذلك فهما معا تقدران قيمة النظافة..
بدا ذلك غير مقنع
للأم.. ولم تفهم قط موقف زوجها..كما لم تفهم لماذا بعد سنوات أصبح الوضع على ما هو
عليه..من يصدق أن الطفلة التي لطالما اشتكت من كسلها صارت ربة منزل ناجحة تعتني
بزوجها و أطفالها،بينما الطفلة "الحادْكة منْ نْهارْها" تكبر لكي تتزوج
وتنفصل عن زوجها بسبب أعباء البيت؟!
تحاول الآن
ويداها منشغلتان بطي الملابس وترتيبها في الصوان ان تفهم كيف لابنتها التي برعت
دوما في كل فنون الطبخ والكنس ان تعود الى
منزل والديها بلقب مطلقة، لم تستوعب قط ان ابنتها التي كانت ترتب كل الغرف و تنظف
وتكوي ملابس الجميع،وتقضي ساعات طويلة في المطبخ كي تزف الى المائدة أكلاتها
الشهية بابتسامة حنونة انها نفس الفتاة التي تطلب الطلاق بعد أشهر من زواجها
قائلة: "احتاج زوجا وليس سيدا أخدمه" وعندما يذكرونها يائسين انها
"الحادْكة دْيال الدارْ" وان اعباء البيت لم تكن قط مشكلة بالنسبة اليها
تجيبهم ببرود وعناد: "انها مسألة مبدأ"
ماذا يفترض ان
يعني هذا؟كيف تفسره للقريبات الفضوليات اللواتي سيأتين لزيارتها و يتأسفن أمامها
ثم يتغامزن فيما بينهن: "هَادي هْيا الحَادْكَة؟ مَا فيها ما يْشْقا تا فْدار
راجْلْها؟" ومع تخيل ضحكاتهن الخبيثة انتابها احساس بالقهر، وندبت حظها وهي
تسأل نفسها أين أخطأت؟ بدأت تنقب في ذاكرتها عن تفسير محتمل لما يجري،صور كثيرة من
تاريخ تربيتها لابنتيها جالت بخاطرها تباعا، تسمرت عيناها فجأة أمام وزرة قديمة
لابنتها المطلقة وقد اكتشفت للتو ما بدا لها انه السر في نجاح زواج ابنتها الاولى
و فشل زواج الثانية..في كل صورة التقطتها ذاكرتها لابنتيها كان الفرق واضحا
وجليا..لا تتذكر ابنتها المطلقة أيام طفولتها و مراهقتها الى ما قبل زواجها إلا
وهي تحمل كتابا ما عن شيء ما..اكتشافها الجديد ملأها غيظا فأجهزت على الوزرة
ورمتها بعيدا في سلة المهملات وهتفت في حنق: "هَاااادُوكْ لْكْواغْط لِي خْرْجُو
عْليها، قْراتْ كْثْر مْنْ القْياسْ"...