أسألها عما تفعله في حياتها فتجيبني:
"غيرْ ربة بيت" (مجرد ربة بيت)، فأفكر في نفسي: "مجرد ربة بيت،في
مجرد أسرة، في مجرد مجتمع، هل تدرك هذه المرأة موقعها من الصرح؟ "
نساء كثيرات يربطن الإنجاز في حياتهن بما
يحققنه في الدراسة أو العمل، أو حتى العمل الاجتماعي و التطوعي، من المؤكد ان
المجتمع يحتاج طاقاتهن الخلاقة في كل هذه الميادين، لكنهن تعلمن بشكل ما أنهن لن يحققن النجاح إلا بعيدا عن المنزل، ولذلك تُعرٍف
ربات البيوت عن أنفسهن بادئات بكلمة "مجرد" كما لو كان ما يقمن به أقل
شأنا من غيره.
تمثل وإدراك ربة البيت لدورها تتدخل فيه
عوامل عدة،من بينها توزيع الأدوار والفضاءات بينها وبين الرجل في الممارسة
الثقافية و تجذر هذا التوزيع عميقا في تاريخ المجتمع، هكذا يصير فضاء البيت
"الآمن" من نصيب المرأة بما يرتبط به من أشغال منزلية فيما يبقى خارج
المنزل هو فضاء الرجل بامتياز، حيث "العمل الشاق" الذي يتطلب مجهودا "حقيقيا".
من يدري؟ ربما بدأ هذا التقسيم في زمن ما مع رجال محبين أرادوا تدليل
نسائهم وتصرفوا بطريقة حمائية في عصر كان من السهل فيه انتهاك الحقوق
والحرمات والإفلات من العقاب، لكن الأمر تطور تدريجيا الى تقسيم مقدس للأدوار بحيث أصبح أي تواجد للمرأة في الفضاء العام
خرقا لتلك القداسة،و راكم الوعي الجمعي تدريجيا كثيرا من التصورات التي تبخس قيمة
المرأة و دورها خصوصا وأن كل الإنجازات ذات الأهمية الملموسة في حياة الجماعة تحدث
خارج فضاء البيت.
تحول الأمر من تقسيم معين للأدوار (بما يعني
على الأقل أن للمرأة دورا تقوم به في المنزل) إلى اعتبار المرأة عالة على الرجل،
بما أن عليه توفير مسكنها،طعامها و لباسها وكافة حاجياتها،و استمر وضع المرأة في
التدني إلى أن أصبحت شيئا من أشياء المنزل،و العامية المغربية دالة في هذا
المجال،فكثيرا ما يستخدم مصطلح "جابها" عوض ارتبط أو تزوج منها كما لو
كانت الزوجة متاعا آخر يؤثث فضاء البيت.
في هذا السياق، ينقاد كل من الرجل والمرأة - مدفوعين
بأنماط التنشئة الاجتماعية حول توزيع الأدوار والتمثلات المرتبطة بها- إلى تبخيس
دور المرأة في البيت، فكلاهما لا يرى النتائج الفورية والملموسة لما يمكنها أن
تفعله، و بما أن عملها داخل المنزل "غير مأجور" بالمعنى الحرفي للكلمة
فإنه بنظرهما لا يعد عملا من الأصل.
عندما يصل الرجل إلى مثل هذه القناعة فإن أيا
مما ينفقه يصبح في اعتقاده مِنة وتفضلا منه،ولذلك فقد يقدمه بشيء من التأفف
أحيانا،وقد يقتر في الإنفاق وقد يمعن في الإذلال مع الإنفاق،وقد يتعاطى مع شريكته
بمنطق الربح والخسارة فهي عندما تكلفه أكثر مما تستحق- من وجهة نظره- فقد يحاول
الحصول على أفضل منها بتكلفة أقل، فيساوي في تعامله معها بينها وبين أي شيء
آخر،وليس من قبيل الصدفة أن يماهي ويطابق الرجال في مزاحهم مع بعضهم البعض بين
نسائهم و سياراتهم: "أصبحت مسنة، غير اقتصادية وكثيرة العطب؟ استبدلها
بأخرى !! "
استطاعت النساء (مستفيدات من ظروف تاريخية
محددة ارتبطت بسياق ما بعد الحرب العالمية الأولى خصوصا) الخروج إلى مجال العمل و
خوض نضالات متعددة لانتزاع حقوقهن في أجور مساوية للرجال،و التصويت و التمثيلية
السياسية... وبقية القصة معروفة، مغزاها الأساسي أن بوسع المرأة أن تقدم أداء
ممتازا في سوق الشغل وان تشغل كافة المناصب،بالطبع تطلب الأمر الكثير من الجهد
لتحطيم القوالب النمطية السائدة حول حضور المرأة في الفضاء العام..لكن المرأة صرخت
في وجه العالم "نعم نستطيع !"
في عالم اليوم،تعمل كثير من النساء ليس لإثبات
الذات و لكن بسبب الحاجة، تعملن، ليس في مجالات حيث هناك فرص الإبداع والتميز بل
حيث هناك مجرد اجر يساعد على تدبير تكاليف العيش مهما كانت ظروف العمل قاسية.
بالنسبة
لكثير من النساء أيضا،يظل العمل خارج المنزل اختيارا للمرأة نفسها و للأسرة،لكن
ماذا لو اختارت فضاء البيت ؟ كيف السبيل إلى تصحيح و تصويب تمثلاتنا عن "ربة
البيت" بما يخرج بها من دائرة التبخيس و التنقيص؟
يتعلق الأمر بتمثلنا عن الأسرة والزواج،إذ
يفترض أنها مؤسسة قائمة على الشراكة التامة بين طرفين،حيث تفرض الحياة المشتركة
عددا من المهام، يكلف البعض منها
مالا،والبعض الآخر يكلف وقتا و جهدا، يمكن للزوجين أن يتفقا على شكل محدد
لتدبير المهام بينهما، وعندما يختاران الإنفاق من عمل أحدهما يهتم الثاني بالمهام
المرتبطة بالمنزل.في أوروبا مثلا يحدث أن
يتفق الزوجان على أن تعمل الزوجة (إذا كانت ستحصل على راتب أعلى) فيما
يتكلف الزوج بتدبير شؤون البيت لأن رعاية احد الأبوين للمنزل والأبناء أكثر أمانا
واقتصادا من استخدام مربية أو خادمة، ولا يتعلق الأمر هنا بالدعوة إلى تطبيق
النموذج نفسه،لكن نشير إلى أن مهام التنظيف والطبخ والاهتمام بالأبناء والتي تقوم
بها ربة البيت عادة يمكن أن تكلف أموالا لا يستهان بها من ميزانية الأسرة، لذلك لا
ينبغي التعامل مع ربة البيت وكأنها لا تقدم شيئا،لأنها في الحقيقة تعمل بدوام
كامل، دوام لا ينتهي بساعات عمل محددة ولا تدافع عن تحسين شروطه أي نقابة.
تذكري أن مهامك داخل البيت هي بمثابة عمل قائم
الذات،ان كنت تضطلعين بمسؤولياتك التي اخترتها في الحياة المشتركة على أحسن وجه
فلا ضير من أن تقدري ما تقومين به أولا كي يقدره غيرك.
أحيانا تكون ربة البيت أكثر من يسيء الى ربة
البيت،تسمح لروتين الحياة اليومية أن يبتلعها فتقوم بكل شيء بشكل آلي وخال من أي
إحساس بالمتعة او الابتكار وتنساق الى اهتمامات سطحية تغرقها في الجهل و ضحالة
الفكر،إنها في هذه الحالة أشبه بموظف كسول اطمأن الى حصوله على منصب الشغل و أصبح
بالكاد يقوم بالمطلوب منه، يتذمر كثيرا و لا يعمل أو يبدع إلا لماما،تتقادم
معلوماته عن كل شيء،ويسوء أداؤه بشكل يجعل كل من يتعامل معه يعاني من ضعف كفاءته.مع
اختلاف بسيط أن ربة البيت تعتبر نفسها مجرد موظفة في شركتها التي تملك في الحقيقة
نصف أسهمها.
تذكري أن إدارة الحياة المشتركة مثل أي عمل
آخر يتطلب الكفاءة و الاطلاع على كل جديد لتطوير الأداء و مسايرة تغيرات الواقع،
إن كنت أمية و قرأت لك إحداهن هذه السطور اشرعي بتعلم القراءة والكتابة، ان كنت
متعلمة اطلعي اكثر كي لا تسقطي في أشكال الأمية الجديدة، اعتني في كل لحظة
بمهاراتك و مواهبك لأنها ما يميزك و ما يجعل للشراكة معك نكهتها الخاصة جدا.
تذكري أن من رحمك،ومن حضنك ومن دفء يديك يحصل
المجتمع على موارده من الأفراد،فاجتهدي
لكي تقدمي أفضل ما عندك،خصوصا وأنك تقضين وقتا أطول في الغالب مما يقضيه زوجك مع
أبنائكما.
يحتاج الوطن للشرفاء،لمواطنين صالحين، لأصحاب
مبادئ، لديمقراطية ينصرها الشعب في خياراته اليومية قبل أن يطالب بها، و يمكن لكل
هذا أن يبدأ من البيت، بيتك، فاجعليه مدرسة وافخري بمنتوجك كما قد يفعل أي صاحب
شركة ناجح.
تذكري أن صرح الوطن لا يعلو إلا بمواطنيه، و
أبناؤك من هؤلاء المواطنين يختزلون الوطن فيكِ،فاجعليهم يفخرون بالانتماء إليكِ..
وتذكري أن لحديث القوارير بإذن الله بقية