تحكي الأساطير اليونانية عن ظهور المرأة
الأولى على الأرض كعقاب وانتقام من الآلهة،فخلق المرأة كان بأمر من كبيرهم زيوس وذلك
بهدف الانتقام من بروميثيوس الذي منح البشر قبسا من النار المقدسة،وتصف اسطورة
باندورا (والكلمة تعني الموهوبة) كيف خلقت المرأة من الماء والتراب ثم منحت الجمال
والنطق والذكاء والقدرة على الاغراء،قدرة جعلت شقيق بروميثيوس يقع تحت سحرها و
يقرر الزواج منها، ولكي يكتمل انتقام زيوس فقد أهدى لباندورا –حسب الاسطورة دائما-
صندوقا وطلب منها عدم فتحه لكن المرأة
بسبب فضولها استغلت نوم زوجها و فتحت الصندوق لتتحرر كل الشرور والآلام وتكتسح
عالم البشر،فيكتمل بذلك انتقام الآلهة.
بالنسبة للاغريق القدماء اذن،فالعالم كان
رجاليا آمنا و سعيدا الى ان حلت المرأة.وبوسعنا ان نقرأ كل ذلك مبتسمين (او
بالاحرى مبتسمات) ونحن نفكر انها مجرد أساطير الاولين.من يأخذ أساطير أقوام وثنيين
على محمل الجد على أي حال؟
على بعد أزيد من ألفي سنة على المخيال الذي أنتج باندورا،مخيال
آخر نشأنا في كنفه أنا و أنتِ، يحكي قصة الخلق، يخبرنا أن المرأة هي في تاريخنا
أيضا و بشكل ما مصدر كل الشرور،مادامت أمنا حواء قد تسببت بطردها و آدم من الجنة و
حكمت على بني آدم الى اليوم بشقاء العيش في هذا العالم.
ربما لا تتذكرين من بالتحديد اخبرك مثل هذه
القصص،لكنك تعرفين كم وصفوا المرأة بالكيد والخداع بشكل يجعلها اسوأ من ابليس وانه لا سبيل الى الاصلاح من حالها
مادامت ضلعا أعوج،وانها مهما فعلت تبقى ناقصة عقل و دين.
منذ وقت مبكر،كان علينا ان نعيش واقع انوثة
لم نخترها بطعم خطيئة لم نرتكبها،لكن ينبغي ان نقول أننا - مع ذلك - محظوظات
لكوننا ولدنا في عصر يسمح فيه للفتيات بارتياد المدارس و قراءة الكتب: الشهود
المستعدة للبوح متى تجشمنا عناء سؤالها.وهي بالمناسبة تخبرنا أن الكثير من
الأساطير التي نسجت حول النساء عندنا لا
تقل خرافة عن أسطورة بندورا ولا تجد لها سندا لا في كتاب الله ولا في سنة نبيه
الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام.الرجل الذي اختار لنا وصفا بديعا: القوارير،و ترك
لنا في سيرته كثيرا من القصص عن نبي مؤيد بوحي من الله عز وجل،وزعيم دولة ناشئة و
قائد عسكري يتصرف بالنبل الذي يجعله يتفهم غيرة هذه الزوجة و رغبة الاخرى في اللعب
وبكاء ثالثة لسبب لا يستحق ويجد مع كل مشاغله وقتا ليكون حاضرا في بيته يساعد
أهله.
لن نفهم أبدا على نحو علمي دقيق لماذا
بالتحديد تجنح ذاكرة بعض الشعوب (او اغلبها ؟ !!) الى التنقيص من
المرأة أو شيطنتها ؟ وبنوع من الدهشة سنراقب كيف لازال بعض رجال الالفية الثالثة يستقبلون خبر المولودة
الانثى بنفس وجوه الجاهليين المتجهمة زمن الوأد.
القوارير،ذلك التوصيف الذي اختاره لنا النبي
مرفقا بالرفق،لأنه عليه السلام أدرى بطبيعة المرأة الحساسة،الشفافة و سهلة
الكسر،لكنه توصيف يجد في الحقيقة معناه لأكثر من سبب،للقوارير بحكم الغاية من
صنعها قدرة على الاستيعاب والاحتواء، وهي تحيل الى قدرة المرأة على احتواء الأسرة
بكل مكوناتها،زوجا و أبناء،لهذا خلقت من ضلع لا يحقق الغاية من وجوده الا
بالالتفاف لحماية الاعضاء الحيوية في القفص الصدري من قلب وكبد ورئتين وغيرها.
في مجتمعات أقل ما يمكن قوله عنها انها حبلى
بالتناقضات،كثيرا ما تقف المرأة على طرفي نقيض،فهي مثار تقديس و تكريم فتشن من
أجلها الحروب تارة،وهي جسد الغواية والعار الذي ينبغي قمعه واخضاعه تارة أخرى،هي
الكائن الناقص الذي يتم تعريفه بالسلب،فهي ليست الرجل ولن تكون أبدا الفحولة
والقوة و"لْكْلْمَة" والبطولة...وهي أيضا الكائن المتعدد المهام من
انجاب للأطفال الى الاهتمام بالمواشي
وصولا الى الزراعة،وليس حال ساكنات الحواضر بأحسن من القرويات،فلو اختصت
الواحدة منهن بتدبير شؤون البيت لما عد ذلك عملا ذا شأن، ولو جمعت بينه وبين العمل
خارج المنزل،لاستفاد كل أفراد الاسرة من اجرتها ولاعتبرت مع ذلك مسؤولة بغيابها عن
أي خلل في تربية الابناء.
عبر تاريخ هذه المجتمعات تعلمت النساء معان
أخرى لأن تكون المرأة قارورة: أن تكفهر جنباتها من الداخل بسواد الغضب من صنوف
الحيف والتنقيص فتفقد شفافيتها، أن تتعرض للخدش بسبب الأيدي التي تتقاذفها بلا
رحمة، فتتعمد النيل من كل من يلمسها وتصيبه بندوب دائمة،وان تنكسر أحيانا فيضيع
بانكسارها كل من احتواهم صدرها كأم،كابنة،كزوجة،كأخت او كمجرد امرأة.
ان تكوني قارورة اليوم لا يعني فقط أن تملكي
وعيا بطبيعتك المختلفة عن طبيعة الرجل،ولكن أيضا ان تملكي وعيا بتاريخهن،تاريخ
الاجوبة التي خلفتها النساء قبلنا عن أسئلة لماذا؟ وكيف؟ تاريخ البصمات التي
خلفتها النساء بكل أنوثة عبر التاريخ الانساني المشترك.
في النهاية انت لست مضطرة لادعاء ما لست
إياه،بإمكانك ان تكوني عاطفية وحساسة وأن تتخذي القرارات السليمة،بامكانك ان تملكي
جسدا انثويا و ان تبهري الجميع بجمال عقلك
و روحك،بامكانك ان تقولي "لا" عندما يحاول الإخضاع النيل من
انسانيتك.اختاري في كل وقت ان تكوني امرأة لأنه من الرائع ان تكوني كذلك.
ولحديث القوارير بقية...