الجمعة، 15 نوفمبر 2013

مسألة عنف....مجددا



دفعتني حادثة الطفلة لمى -التي تم تعذيبها حتى الموت من طرف والدها- لكتابة مقالي السابق عن مسألة العنف،في ذلك الوقت لم اتخيل ابدا عن مقالي التالي عن العنف سيكون عن عنف مورس بوحشية على فرد من أفراد عائلتي..
لمدة لم أستطع الكتابة في الموضوع،وبعد مضي اكثر من شهر على مأساة زكرياء أجدني مدفوعة برغبة في المساهمة في جعل هذه القضية وكل قضية تشبهها محورا لنقاش عمومي وتفكير جماعي،عل هذا يفضي الى اتخاذ تدابير حقيقية لمحاصرة العنف بكل أشكاله.
صحيح أن ما حصل صعقنا  على اعتبار ان أثر جريمة تسمع عنها في وسائل الاعلام أو يخبرك عنها أحدهم مختلف تماما وبشكل جذري عن جريمة تخطف حبيبا من احبائك،لكن ليس هذا هو الدافع الوحيد لانشغالي العميق بقضية العنف قبل زكرياء وبعده، فمأساة زكرياء لم تكن الحادثة الاولى التي يستهدف فيها طفل بهذه الوحشية،فقبله اطفال كثر،ولم تكن مع الاسف الشديد المأساة الأخيرة فبعد مقتله بأيام قليلة تم تعذيب الطفلة الخادمة فاطمة  حتى الموت،وتوالت حوادث التعذيب والقتل والاغتصاب في حق اطفال آخرين،آخرها حادثة الطفلة وئام التي نجت بكل حبها للحياة من هجوم همجي بالمنجل واغتصاب من طرف رجل في الاربعينيات.
كل هذه الحوادث تفيد ان حالة زكرياء ليست استثنائية،انها فقط مؤشر وعرض من أعراض مجتمع يعاني خللا ما ويحتاج الى تشخيص أسباب مرضه والتدخل بشكل عاجل وسريع لعلاجه.
إن الكتابة أو الحديث عما حصل لزكرياء لن يعيده الى الحياة ولن يجبر الضرر النفسي الذي عانته وتعانيه عائلته بسبب ما حصل،لكن التفكير في زكرياء يولد قلقا عميقا على مصير أطفال آخرين يعيشون - كما كان يعيش - حياة طبيعية في منازلهم بين ذويهم،يقصدون المدرسة،يلعبون،يمارسون رياضتهم المفضلة،يخرجون فيباغتهم العنف بكل وحشيته وقسوته من حيث لا يدرون..
بكل حرقة الاهل المكلومين نسأل: لماذا؟؟ !! وبكل خوف وانشغال أهال آخرين على أطفالهم نطالب بالحل ونسأل: إلى اين نسير بهذا الوضع؟؟ إذ يصعب على الناس التعايش مع فكرة الخوف المستمر على انفسهم وذويهم وممتلكاتهم دون ان ينتج عن هذا الخوف آليات دفاعية عنيفة او اضطرابات نفسية.
والواقع ان هناك مجموعة من الاطراف التي يمكن أن تشكل في طرق اشتغالها دائرة تحاصر العنف وتضيق من آثاره،لكن تفككها أو ضعف أدائها أو استقالتها يفتح المجال لاتساع دائرة العنف أو انفلاته وخروجه عن السيطرة.و ترتيب هذه العوامل في المقال لا ينطلق من اهمية دورها أو تدخلها فلكل منها أهميته داخل مجاله الخاص.
نتحدث هنا عن دور الأحكام القضائية المخففة في حوادث سابقة في التساهل مع الجناة وتشجيع آخرين على ارتكاب المزيد من الجرائم،بينما يفترض أن تكون قسوة الحكم من قسوة الجرم المرتكب، مما من شأنه ليس فقط ردع و زجر مجرمين اخرين محتملين، ولكن ايضا اعادة الاعتبار للكرامة الانسانية والحياة الانسانية ولبراءة الطفولة باعتبارها حدودا لا ينبغي المساس بها وقيما يعلي المجتمع من شأنها.
لكن دور القضاء لا يأتي إلا بعد ان يضرب العنف ضربته،لذلك فإن آليات الوقاية مطلوبة لتامين الحياة الجماعية من أي تهديد وذلك من خلال  توفير دوريات أمن  ومراقبة منتظمة في كافة المناطق،بما يذكر الجميع في الحواضر والبوادي أنهم يعيشون داخل دولة محكومة بقوانين وان اي جرم يتم ارتكابه تنطوي عليه مسؤولية قانونية وجنائية.
ولا يمكن  لدور الدولة ان ينحصر فقط في المراقبة والعقاب،فبوسعها استغلال قنوات متعددة لخلق وزيادة الوعي بالحقوق والواجبات،من ذلك مثلا فضاء المؤسسة التعليمية والاعلام العمومي،والمفارقة ان هذين القطاعين اصبحا مسرحا لأشكال متعددة من العنف،يعبر عنه عنف التلاميذ ضد بعضهم البعض،وعنفهم ضد مدرسيهم ومؤطريهم،أو عنف هؤلاء المدرسين ضد تلاميذهم او عنفهم ضد بعضهم البعض !! هذا دون أن ننسى بالطبع العنف الذي يمارس على وعي وجيوب المغاربة عندما يتم تمويل اعمال تلفزيونية فارغة من اي مضمون قيمي او اي رسالة هادفة،وتخصيص ميزانيات ضخمة لتنظيم مهرجانات فنية ودعوتهم الى الرقص والغناء "العام زين" في الوقت الذي يحتاجون فيه بشدة الى تمويل برامج تمنح لأبنائهم الاستفادة المجانية من المساعدة الاجتماعية والإرشاد النفسي داخل المؤسسة التعليمية أو برامج لعلاج من ابتلي من فلذات اكبادهم بمحنة التعاطي والإدمان بكل أشكاله.
طرف آخر يتدخل لتقليص دائرة العنف وهو المؤسسة الأصلية التي تنتج الأبطال في كل قصة عنف،الجناة والضحايا، وأتحدث هنا عن الأسرة،هذه المؤسسة التي على ما يبدو تستقيل تدريجيا من مهامها،فتجعل من نفسها مجرد مؤسسة بيولوجية..
أمايزال البالغون يحملون قيما ومعايير يحترمونها في سلوكهم فيشكلون القدوة والنموذج لمن هم اصغر سنا؟
هل يحترم الأهالي قداسة الحياة والكرامة الإنسانية في خياراتهم اليومية فيعلون من شأنها بجعلها رسالة يمررونها بكل إخلاص في تربيتهم لابنائهم؟
هل يحرصون على مراقبة وتوجيه ما يستهلكه أطفالهم من أفكار وأذواق وتوجهات أثناء مشاهدتهم التلفاز أو استخدامهم لألعاب الفيديو أو لشبكة الانترنت؟
هل يعتبرون انفسهم معنيين بالتحرك في قضايا العنف والنضال للحد منها؟
انها الاسئلة التي يجب أن تطرحها كل أسرة لتحدد مسؤوليتها تجاه ما يجري،لتحدد فيما إذا قررت بمحض ارادتها للعنف ان ينتهي أو فيما إذا سمحت له  بالاستمرار  الى ان يحين دورها لتكتوي بناره..
أطراف أخرى مسؤوليتها ليست بأقل من مسؤولية الأسرة او الدولة،إنها المؤسسات غير الحكومية،دعنا نتحدث وبكل صراحة عن العنف الذي تمارسه بعض الجمعيات عندما تستفيد من الحق في التواجد والاشتغال والتمتع بالمنح والدعم المالي دون ان تحفل بتحديد رؤية توجه عملها و دون أن يسفر هذا العمل عن تأطير حقيقي للناس،أليس تواجدها بأعداد كبيرة وتشرذمها وعدم جدية الكثير منها في التعاطي مع تخصصاتها بعنف ضد القطاع الجمعوي وضد اهدافه ورسالته؟أليس عنفا ضد شرفاء هذا القطاع الذين يتعبون من النضال وحدهم ضد التيار؟
وما دمنا نتحدث عن المسؤولية لم لا نستحضر ايضا مسؤولية الأحزاب السياسية؟ والتي في الكثير من الأحيان لا يهمها من المواطن إلا صوته أثناء الانتخابات،قبل ان يكون المواطن  مرشحا يتبنى قيم وايديولوجيا الحزب،وقبل أن يكون ناخبا يضع ثقته في مشروع الحزب،يحتاج الى بناء وعيه بناء سليما،لهذا فالاحزاب السياسية من موقعها تملك هي الاخرى من القوة ما يمكنها من احداث الفرق عبر تاطير الشباب والمساهمة إلى جانب الفاعلين الاخرين في نشر ثقافة حقوقية تنور كل فرد بما له وما عليه.
إن ما نحتاجه فعلا لمحاصرة العنف وتضييق مجاله في أفق القضاء عليه ( ان كان هذا ممكنا واقعيا) هو ترسيخ احساس عميق لدى الافراد بحقوقهم بما يجعلهم يرفضون كل انتهاك فيستنفرهم كل شكل من أشكال العنف،وهو الموقف الذي ينبغي ان يتعزز بتوفير الاليات القانونية الكافية للوقاية من العنف وتفعيلها لمعاقبة مرتكبيه.
من هنا نحتاج الى أن يحمل كل منا داخله قناعة مزدوجة:
قناعة تجعلنا نرفض أن نكون موضوعا لأي شكل من أشكال العنف،وهي قناعة تتأسس على إيماننا بقيمتنا كبشر وبحقوقنا كمواطنين.
وقناعة تجعلنا نمتنع عن ممارسة اي شكل من أشكال العنف ضد الآخرين،وهي قناعة تنبني لدينا تدريجيا عبر التربية والتنشئة الاجتماعية بجميع وسائطها،وتتعزز بوجود قوانين رادعة وتفعيلها على أرض الواقع.

ما الذي يمنعك من تقدير ذاتك؟


تحدث ابراهام ماسلو عن الحاجة الى تقدير الذات،واعتبرها من بين الاحتياجات النفسية المهمة التي يسعى الانسان الى اشباعها،وبغض النظر عن الانتقادات الموجهة لنظرية ماسلو حول ترتيب الاحتياجات النفسية او كيفية اشباعها،فلا يمكن تجاهل حاجة الانسان العميقة الى الثقة وتقدير ذاته.
واحيانا كثيرة ما نربط تقدير الذات بالانجاز،فنحن نقدر ذواتنا أكثر كلما كنا اكثر قدرة على تحقيق أشياء بعينها..إذ نعتقد اننا سنكون أقدر على احترام أنفسنا او اننا سندفع الاخرين الى احترامنا أكثر بفضل ما حققناه.
ربما لهذا السبب نجد تقدير بعض ربات البيوت لأنفسهن متدن للغاية، ما دامت الواحدة منهن تنظر الى نفسها على انها عالة على زوجها،او انها كائن غير منتج وغير قادر على الانجاز فتستسلم لرتابة المعيش اليومي،وتقوم بأعمال البيت بشكل آلي رتيب يفرغ وجودها من كل معنى...
أخريات قد تنظرن الى مهمة العناية بالاسرة والبيت على انها أقل بكثير من مستوى مؤهلاتها،فينتهي بها الأمر الى التمرد على هذه الوظيفة اواهمالها بشكل تام.
بالنسبة لهن جميعا،ليس هناك انجاز يمكن تحقيقه داخل البيت..لا تحديات ولا رهانات يمكن كسبها وانتزاع التقدير بفضلها..اذا كان ثمة انجاز فهو خارج اسوار المنزل..
ما لاتعرفنه ربما هو ان النساء خارجا لسن أقل حيرة او قلقا منهن..
فها هي الطالبة التي تتقدم بخطى ثابتة في دراساتها العليا،وتحصل على نتائج مشرفة ،ترى نجاحها يستقبل من طرف المحيطين بها بابتسامة هادئة وعبارات من قبيل: "عندما تحصلين على زوج لن تعودي بحاجة الى كل هذه الشواهد"، " ربما بشهادتك هذه تحصلين على عمل مناسب تساعدين به ابن الحلال عندما يتقدم لك"...
وعندما تحصل على عمل يكون عليها – خصوصا في بعض المهن- ان تربح رهانين،لا تدري من وضعهما وباي مبرر لكنها تنخرط في محاولة كسبهما على اي حال:
رهان ان تقوم بعملها كما ينبغي، ورهان آخر تثبت به قدرتها على القيام به أفضل من زميلها الرجل ( "والا فما القيمة المضافة لتشغيل امرأة بدل الرجل " قد يعلق البعض)
إذا عبرت عن قلقها أو تأثرت بالضغوطات التي تتعرض اليها في مجال العمل فهي انفعالية ( "وهذه هي مصيبة العمل مع النساء !" يسخر البعض) واذا اظهرت تماسكا ورباطة جأش في المواقف الصعبة فهي مسترجلة و"فاقدة لكل حس انثوي"  يسخر البعض الاخر.
مشكلة المرأة في الحالات السابقة ان تقديرها لذاتها مرتبط بالتلاؤم مع نماذج معدة سلفا..فعندما يقال لها انها لن تستحق الاحترام ما دامت ربة بيت فهي تبحث عن ذاتها خارجه،وعندما يختزل كل وجودها في الانجاب والعناية بالاسرة تتكسر كل نجاحاتها العلمية والمهنية وتفقد كل معنى..
تعرفين عزيزتي المرأة؟ حيث لا وجود لمعنى...لا وجود لحياة. يحتاج الكثير منا (رجالا ونساء) الى ايجاد المعنى الكامن وراء ما يفعلونه كل يوم..وقد نقتبس هذا المعنى من المحيطين بنا،وقد نقوم بخلقه حيث لا يوجد..لماذا نفعل ذلك؟ لسبب بسيط..احيانا لكي نجد الدافع الذي يحفزنا الى الابداع، واحيانا اخرى لكي نجد المتعة في القيام مجددا بما نقوم به كل يوم..
تريدين تقديرا عميقا لذاتك ينبع من اعماقك ويشع فيرغم كل من حولك على تقديرك بدورهم؟
اليك الجواب : جدي المعنى فيما تقومين به..

ماذا تريد النساء؟



 سؤال قد يطرحه بتأفف بعض الرجال الذين تزعجهم مناسبات مثل الثامن من مارس،والذين  ينظرون الى نشاط الحركات النسائية بكثير من التوجس والعدائية، لسان حالهم يقول:
"ماذا تريد النساء؟ يستفدن من الحق في التعليم مثلنا،يحصلن على وظائف مثلنا،أو أحسن منا أحيانا،يترشحن لمناصب الدولة ويتقلدنها...ماذا تريد النساء؟ !! ان نصير عبيدا لديهن؟؟ !!"
أسئلة تعبر عن موقف رجل لم يتخلص بعد من رواسب عقلية ذكورية متجذرة في صلب ثقافتنا،رجل يخشى زعزعة امتيازات ثقافية أصبحت بحكم الممارسة التاريخية حقا مشروعا،والا فمن ذا الذي يمن على المرأة تعليمها؟ او حقها في الانتاجية الى جانب الرجل؟
يتساءل الساسة ايضا "ماذا تريد النساء؟" وفي عمق الاهتمام الظاهري بقضايا النساء نفاق سياسي واضح يفضحه استخدامها في المزايدات كورقة رابحة تفحم الخصوم السياسيين،من هنا يصبح كم الهيئات ومشاريع القوانين التي تؤسس وتوضع لمعالجة قضايا المرأة مفخرة في حد ذاتها بغض النظر عما تحققه من مكاسب على ارض الواقع،وتصبح الارقام المؤشرة على تمثيلية النساء في مؤسسات ومناصب الدولة الهاجس الأكبر،فهي تساعد على تسويق صورة مسار متقدم في مجال تمكين المرأة،المشكلة فقط انها صورة تختزل عطاء المرأة في أرقام،فهي تفرض حضورها كرقم ولا تمتد لاحتضان حضورها ككفاءة.وهي مغالطة تنساق وراءها العديد من الفعاليات النسائية المغربية عندما تجعل من رفع هذه الارقام رهانها الاساسي.
قلة متنورة من الرجال تطرح السؤال أعلاه بشكل مغاير تماما،فهم عندما يتساءلون : "ماذا تريد النساء؟" يفكرون معهن في الخيارات المتاحة،واشدد على عبارة التفكير معا في الخيارات،فهم يعرفون جيدا ان منطق الوصاية اثبت إفلاسه منذ زمن،يعرفون ان خيارات النساء تؤثر على حياة الرجال،وانه يجدر التفكير معا في خيارات ترقى بجودة الحياة المشتركة للجميع،فالانطلاق من منطق الصراع يعني انه لا بد من فائز وخاسر في النزال،لكن الكل يخسر الحرب في النهاية،فالمرأة المضطهدة المقهورة لن تكون أبدا الشريكة المثالية لرجل متوازن سوي،ولا الأم المطلوبة لجيل يراد له ان يكون خلاقا ومبدعا،أما الرجل المحطم الكبرياء والمغلوب على امره فلن يكون أبدا الشريك المطلوب لامرأة سوية تقدر ذاتها،ولا النموذج الابوي الذي قد يرغب الابناء بالاقتداء به.ان الحرص على بناء العلاقات الاسرية(سواء كانت علاقة زوجية،علاقة ابوة/بنوة،او علاقة اخوة او غيرها) بشكل سوي ينأى عن ثنائية مهيمن ومهيمن عليه يجنب الأسرة -وهي نواة للانتاج واعادة الانتاج- الكثير من العقد و الامراض الاجتماعية.
اما في ميدان العمل يفترض ان تحل قيم الكفاءة والانتاجية والحقوق والواجبات محل اي اعتبارات اخرى متعلقة بجنس العامل او العاملة،اذ ليس من المقبول اقصاء المرأة من أداء دور ما لمجرد انها أمرأة كما لا يعقل ان يتم اسناده اليها فقط من منطلق التعاطف مع كونها أمرأة.
لكن ما الذي يحدث عندما تطرح النساء انفسهن السؤال اعلاه؟ لنقل اولا ان النساء لسن طبقة متجانسة سواء تعلق الامر بالنساء المغربيات او غيرهن،انهن شرائح مختلفة جدا من حيث الانتماءات الطبقية،مستوى التعليم، من حيث المهن والأدوار الاجتماعية،وسيكون من باب الادعاء ان يتحدث متحدث او متحدثة عن تمثيله للنساء المغربيات كما لو تعلق الامر بفئة متجانسة من المواطنين.
" ماذا تريد النساء؟ مستشفى تضع فيه مولودها بأمان، ودورا للطالبات تمكنهن من اتمام تعليمهن،ظروف عيش افضل تعفي الآباء من تشغيل بناتهن كخادمات، الدفء لهن ولذويهن في مواجهة ثلوج المناطق الجبلية..." ربما تعبر امرأة قروية عن مثل هذه المطالب لتبين ان مطالبها تنموية، ولا تحفل كثيرا بمن يتخذ القرارات في الحكومة او قبة البرلمان،رجالا كانوا او نساء طالما جاءت القرارات سريعا بحلول ناجعة لمشكلاتها.
" ماذا تريد النساء؟ شهادات عليا يؤهلها اليها ذكاؤها،وظيفة مناسبة تتوج مسارها التعليمي،وان تكون زوجة واما" قد تصرح بهذا بعض نساء المجال الحضري وفي عمق التصريح تساؤل غير معلن عن كيفية التوفيق بين طرفي معادلة تبدو صعبة:ان تكون بالكفاءة المطلوبة في العمل وفي البيت..
            يمكن للنساء ان تنتزعن قوانين تؤهلهن لولوج اي منصب شئن،لكنهن يعرفن جيدا ان لا وجود لقوانين او مؤسسات ترغم الرجل (ابا او اخا او زوجا) او تصنع منه شخصا متعاونا وسعيدا بنجاحها في عملها ومشاركا في نجاحاتها،وليست كل النساء تسعى الى نجاح بطعم هزيمة الاخر،ربما تريد البعض منهن ان ترتاح من القتال على بعض الجبهات،فتتساءل عن تسوية مربحة لها وللرجل.
لهذا فان العمل المضني بحق يكمن في الاشتغال على الوعي الجمعي، وعي كل من النساء والرجال على حد سواء،وذلك بتحطيم الاعتقاد بتفوق طرف ودونية اخر، تحطيم الاعتقاد بان نجاح المرأة يتضمن ضرورة فشل وهزيمة الرجل،لان هذه الصورة النمطية عن علاقة صراعية ازلية بينهما هي ما يعوق تقدمهما معا.
Nezhamlihat@gmail.com

أكثر لباقة مما ينبغي



 
برلمانية تغازل بنكيران في البرلمان،بعبارات مماثلة او شبيهة بهذه عنونت بعض المقالات وصفها لما جرى اثناء مداخلة النائبة البرلمانية بشرى برجال عن فريق الاتحاد الدستوري،وكانت العبارة نفسها هي العنوان الذي نشر به مقطع الفيديو الذي يصور تلك المداخلة على موقع يوتيوب.
شاهد الفيديو عشرات الالاف من الاشخاص وكل منهم لا شك استفزه العنوان لمشاهدة هذا الحدث غير المسبوق،الذي قد يضفي مزيدا من الزخم الاعلامي حول شخصية بنكيران التي تحظى اصلا  بالكثير من الاضواء بعد توليه منصب رئاسة الحكومة،ولا نستطيع الجزم فيما فكر به كل من هؤلاء لكن من الواضح ان العناوين  تقدم قراءة معينة لما حصل و توجه القارئ والمشاهد في اتجاه تبنيها.
وكان الاحرى بالاقلام التي تدعي الاحترافية والموضوعية ان تنأى بنفسها عن الانزلاق في قراءات متسرعة ومثيرة للجدل حول ما حصل.ففي حقيقة الامر كانت مداخلة السيدة برجال في غاية الادب،وقد ارتأت القاء مجاملة لطيفة حول ربطة عنق رئيس الحكومة لكي تحيي من خلال تلك المجاملة حرمه وجميع النساء وجميع الرجال،مؤكدة على التكامل بين مكونات المجتمع بنسائه ورجاله،قبل ان تناقش موضوع مداخلتها والمتعلق بالعنف الاسري وتقدم انتقاداتها لمواقف الحكومة وخياراتها بأسلوب راق ومحترم،وتوقفت عن الحديث بمجرد ان تم ابلاغها بانتهاء الوقت المخصص لمداخلتها رغم انها لم تتمم حديثها بعد.
بغض النظر عن محتوى المداخلة و بغض النظر عما اذا توفقت السيدة برجال في اختيار تلك المجاملة كمدخل لانتقاد سياسة الحكومة،فان قراءة مداخلتها بعنوان "مغازلة رئيس الحكومة" فيه  مجانبة لحقيقة  ما حصل بشكل موضوعي،قراءة فيها تجاهل و تبخيس لمحتوى المداخلة ومحاولة لحشرها في تصور ضيق لطبيعة التواجد النسائي في اي مكان،حتى لو كان هذا المكان هو البرلمان حيث تناقش القضايا المصيرية للامة.
لقد اصبح برلماننا منذ مدة موضوع تتبع إعلامي،لانه في غير ما مناسبة كان مسرحا لاحداث هزلية حقيقية كان ابطالها اشخاصا لم يحترموا الناخب المغربي الذي تتبع لغطهم على الهواء مباشرة،وتعلم منهم تعابير سوقية جديدة تماما على مسمعه،وشعر الجميع بالحاجة الى ثقافة سياسية جديدة تبني النقاش على حسن الحوار والادب في التخاطب من اجل تركيز التفكير في القضايا لا الاشخاص،وفي رأيي ان مداخلة السيدة برجال تدخل في سياق السلوك المطلوب تماما،فهل كانت اكثر لباقة مما ينبغي بالنسبة لفهمنا؟
NezhaMlihat@gmail.com