يحل بعد أيام الثامن من مارس الذي يوافق اليوم العالمي
للمرأة، وهو اليوم الذي تتوقف عنده الملايين من النساء عبر العالم لتقييم ما
أحرزنه من نقاط في مرمى عالم لطالما كان ذكوريا و لا يزال في العديد من المناحي.
سيكون من التجاوز اعتبار النساء شريحة واحدة
منسجمة المطالب و التطلعات،قطعا تريد كل واحدة منهن واقعا أفضل، لكن كيف للمرأة أن
تحدد الواقع الأفضل دون تتلون رؤيتها لهذا الواقع برواسب التنشئة الاجتماعية
الذكورية تارة، أو-على العكس من ذلك- بالثورة على كل ما تعتبره إرثا ذكوريا تارة
أخرى؟
عندما تتساءل المرأة عن الخيارات الممكنة
فذلك يعني في المقام الأول التعبير عن وعيها بحريتها، تلك الحرية التي تملكها بحكم
طبيعتها ككائن إنساني، لذلك يبدو من غير المقبول في القرن الواحد والعشرين أن تفرض
على المرأة خيارات ضيقة،او تحرم من نفس الفرص التي تتاح للرجل لمجرد كونها امرأة،
وربما يكون هذا هو المبدأ الذي يقوم عليه جعل مطلب المناصفة شعارا لليوم العالمي
للمرأة للعام 2016 انسجاما مع الهدف
الخامس من أهداف التنمية المستدامة المحددة من طرف هيئة الأمم المتحدة لعام 2030، لكن تحقيق
"تناصف الكوكب" بحلول هذا التاريخ يحتاج إلى مؤشرات إجرائية لتتبع
وتقييم ما تم انجازه، لهذا السبب تصبح الأرقام التي تشير إلى التمثيلية السياسية
للنساء في البرلمانات و المجالس المنتخبة وتلك التي تعبر عن التمكين الاقتصادي
للنساء ذات أهمية قصوى بالنسبة للأطراف المعنية من حكومات و هيئات حقوقية محلية و
دولية، هذه الأطراف التي تعنى أيضا بمناقشة تدابير الحماية القانونية التي يمكن أن
تتخذ لمحاصرة أشكال العنف الممارس في حق النساء.
نقاش آخر يتعلق بحرية المرأة في التمتع
بجسدها وفق ما تمليه إرادتها الخاصة، و يتسع النقاش ليتجاوز الحديث عن الحق في
الإجهاض و ممارسة الجنس خارج مؤسسة الزواج إلى الحديث عن حرية اختيار الشريك (ة)
او حرية ممارسة الدعارة.
على هذا الكوكب إذن وفي الزمن نفسه تعيش نساء
بمطالب تعود إلى أزمنة مختلفة، فمنهن من تعيش تحت الحصار في مناطق النزاع المسلح وتنجب
للحرب وقود رحاها من بنين و بنات،وتفقد أحباءها كل يوم بالجملة، وتصرخ منادية
بالسلام كما فعلت النساء قبل نحو قرن في روسيا (1917) ليضيع صوتها تحت
القصف.فمن يحميهن من هذا العنف؟
ومنهن من يطالها الفقر بكل أشكاله، فقر
المعيل، وفقر أخلاقه، فقر مخططات التنمية و فقر عواطف الدولة تجاه المنسيين من
أبنائها، بوسع الواحدة منهن أن تعبر للأمم المتحدة عن تحقيق المناصفة التامة بينها
وبين الرجل في ذلك الدوار المنسي، فكلاهما يعاني التهميش و الجهل والإهمال على قدم
المساواة، وقد تطالب بمقابل ذلك بنفس حظوظ أختها في المدينة: نفس الفرص في
الاستفادة من خدمات التعليم والصحة والعمل (على علاتها ومساوئها). فهل يعبر عنهن
مؤشر التمكين الاقتصادي؟
من نساء هذا الكوكب من تحارب من اجل انتزاع
نصف المقاعد في البرلمانات و المجالس ليقلن للرجال بكل قوة: "نحن هنا" و
منهن أخريات يعملن في هدوء لخلق عالم أفضل
بعيدا عن عدسات الكاميرات و أرقام الإحصاءات. من بين هؤلاء وهؤلاء، النساء
الحقيقيات فقط من يحفلن بالإجابة عن السؤال : "ما تأثيرنا؟" عوضا عن
سؤال : "كم نمثل؟"
من نساء هذا الكوكب من تعتبر الأمومة خيارا،
ومنهن من تعتبرها قيدا، منهن من تعتبر العمل المأجور فرصة للتحرر، ومنهن من اكتشفت
فيه بشاعة وجه آخر للاستلاب و العبودية للزوج أو الأقارب، منهن من ترى جسدها صفحة
عمومية لتدوين بياناتها الثورية، ومنهن من
ترى فيه جزء من وجودها غير القابل للاختزال كشيء.
بعض من نساء هذا الكوكب قلقات..وهنا على
الأقل نقطة التقاء مسارين يبدوان مختلفين..القلق يسكن عددا من النساء التائهات والرجال
التائهين، وهو فضاء لا يسكنه إلا هؤلاء تحديدا، فهو لا يقدم الإجابات جاهزة، وهم
لا يقنعون بالجاهز، فيه الكثير من الأسئلة وهم يحبون طرح الأسئلة، تبنى فيه
الخيارات بكل روية وهم مستعدون لأخذ الوقت الكافي من أجل بناء خياراتهم.
"ما هي خياراتنا؟ " يقول الجميع
رجالا و نساء.. عندما تطرحين هذا السؤال تكونين بذلك قد خطوت الخطوة الأولى على
درب الوعي بحريتك والتصرف على أساسها،على أساس ان هناك دوما خيارات أخرى.
فأن تكوني ضد العنف لا يعني بالضرورة أن
تمارسي العنف المضاد.
أن تكوني ضد الهيمنة الذكورية لا يعني أن
تؤسسي لهيمنة انثوية.
أن تكوني على وعي بحقوقك لا يعني ان تلوحي
بها فقط للتملص من واجباتك.
أن تكوني امرأة لا يعني أن تكوني رجلا آخر او
نقيضا للرجل، بل يعني ان تكوني ذاتك وحسب.
تذكري ان الخيارات المتوفرة لا تصنع منا ما
نكون عليه، بل نحن الذين نصنع باستمرار خياراتنا في ظل هذه الوضعية او تلك.
تذكري أن توفري لنفسك شروط الاختيار ومن ثم
التحرر، أتمي تعليمك حتى لو كنت تنوين الاستقرار في البيت و رعاية الأبناء، ابقي
نفسك دوما على اطلاع بما يستجد حول مجالات الحياة اليومية من أفكار ومعارف
وتقنيات.قبل قرون اعتقد فرانسيس بيكون أن "المعرفة تحكم في الطبيعة"،
واليوم صرنا نعلم جيدا ان المعرفة تأشيرة للاستقلالية، تحرر من استغلال الآخر
والتبعية اليه سواء كان هذا الآخر فردا أو جماعة.
تذكري أن كل حكايات الهيمنة و العنف و
الإقصاء بدأت بشكل ما من منازلنا، ان كنت تثمنين وجودك كأنثى بما فيه الكفاية،
ستحرصين على تصحيح كل السلوكات الميزوجينية، و تكسير الصور النمطية التي تقوم
عليها، ستجدين الطريق الى الخطاب الحر الذي لا يقبل التبخيس ولا يمارسه، ازرعي الكلمات
في نفوس من حولك واسقيها بإيمانك واصرارك
ثم انتظري بثقة حلول الربيع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق