الجمعة، 21 سبتمبر 2012

خمسة أخطاء تفسد تربية أبناءك

            تبدو تربية الأبناء بالنسبة لكثير من الآباء والأمهات أمرا بديهيا،ولا يشرعون في مساءلة أساليب التربية إلا عند الاصطدام  بمشاكل خطرة تتهدد أبناءهم (كالإدمان أو محاولة الانتحار أو الجنوح...أو غيرها)
والحقيقة ان تعبير "خرج  من الجنب" -الذي يستعمله المغاربة لوصف حالة الابن او الابنة اللذان يسلكان بشكل غير مقبول اجتماعيا- فيه الكثير من التحلل من مسؤولية الابوين عما يحل بابناءهما،فسلوكات الابناء في جانب مهم منها تعبير عن برمجة تتدخل فيها الكثير من الوسائط كالمؤسسة التعليمية ووسائل الاعلام وجماعة الاصدقاء والشارع لكن تظل الاسرة اهم هذه الوسائط،فالابوان هما اول من يزود الطفل بتمثلاته وافكاره حول الاشياء من حوله،وحتى عند انفتاحه على باقي وسائط التنشئة الاجتماعية يجب ان يظل خطاب الابوين مصاحبا لنمو ابناءهما الذهني والعاطفي والسلوكي.فقبل ان "يخرج ليهم من الجنب" اين يخطئ الابوان؟
الاب ينفق...الام تربي
اول خطأ ينبغي تجاوزه هو الاخر ناتج عن اشراط اجتماعي وبرمجة ثقافية للابوين نفسيهما،وهو القائم على توزيع محدد للادوار يعتبر التربية مسؤولية تقع على عاتق الام وحدها ويقبل باستقالة الاب تماما من هذه العملية وهو ما يتيح لبعض الاباء عندما تسوء الامور فرصة الصراخ في وجه زوجاتهن: "اجي يا لالة شوفي ولادك وشوفي تربيتك !"
والحقيقة ان مسؤولية التربية تقع على كليهما،اذ لا يعقل ان يدفع الاب نفقات ابناءه من عرقه وكده دون ان يتدخل في تربيتهم ليضمن على الاقل ان استثماره في ابناءه سيكون مثار فخر له في يوم ما.
دعنا نناقش الامر
ان امور الخطأ والصواب تثير اختلافا لا ينتهي بين الناس،اذ تعود الى القناعات الفكرية لكل شخص،وطريقة تنشئته وتجاربه وكامل ماضيه،وقد يختلف الابوان احيانا حول ما هو مسموح به لابناءهما،وقد يتبنى كل منهما اسلوبا مغايرا في التربية،الا انه من غير الصحي ان يشهد الابناء النقاش حول هذه الاختلافات،ومن المربك للطفل ان يتلقى رسائل متناقضة من ابويه،وقد يفسد تقديره واحترامه لاحد ابويه اذا غلط احدهما الاخر بشان تربية الابن بحضور هذا الاخير،والاولى ان يتفقا مسبقا بشان رؤية في تربية ابناءهما تقرب بين وجهات نظرهما،وان يحترم كل منهما قرارات الاخر بشان الابناء حتى ولو لم يتفق معها على اساس ان تتم مناقشتها لاحقا.
التربية...لعبة بدون قواعد
ان جوهر التربية قائم على اكساب الطفل قواعد ومعايير وقيم وانماط تفكير يترجمها الى سلوكات وعادات،ومعلوم ان السلوكات والعادات تكتسب بتكرارها،ولذلك اذا اردنا من الطفل اكتساب سلوك ما علينا ان نحرص على جعله يقوم به بشكل متكرر.
تنفعل بعض الامهات عندما لا يستمع ولا ينفذ الطفل المطلوب منه،والحال ان الطفل مثل الجميع يسمع ما يثير اهتمامه اكثر،لذلك يجب على الام ان تصوغ طلبها بشكل  يحفز اهتمامه،وافضل اسلوب في هذه الحالة هو التفاوض،فعندما يعلم الطفل ان قيامه بواجبه المدرسي او مساعدته في ترتيب البيت سيترتب عليه حصوله على ما يريد( ساعة اضافية على الحاسوب او قطعة حلوى اكبر...) سيتحفز اكثر للتجاوب مع ما تريده الام او الكبار بوجه عام..
ان العادات الجيدة تحتاج لترسيخها الى روتين  يومي بها في المنزل،كل تربية تقوم على قواعد واضحة او مضمرة يعود اليها الابناء في سلوكاتهم،وكلما كانت القواعد معروفة لدى الابناء كلما كانت فرص انعكاسها على سلوكاتهم اكبر،ولا يتعلق الامر بتحويل البيت الى ثكنة عسكرية حيث كل شيء بنظام دقيق،لكن الابناء يحتاجون قدرا ادنى من المعايير لاكتساب عادات تحمل المسؤولية والتعايش مع الاخرين مثلا..
قدوة ومثل اعلى
يتمتع الطفل في سن مبكرة بالذكاء الكافي ليلاحظ ما اذا كان الجميع يتقيد بالقواعد التي يطالب هو باحترامها،ولذلك فهو لا يغفل فرصة للاحتجاج: " ومال بابا كايكولها؟" "ومالك انتي اماما رميتي الزبل تما؟" وهو تساؤل مشروع تماما اذ يحتاج الطفل الى التاكد من مصداقية ما يطلب منه لان التقيد باوامر الكبار يحرمه الكثير من تلقائيته ولذلك فمن العبثي ان يعاقب الاباء ابناءهما على سلوكات يقومان هما نفسيهما بها،فالتربية السليمة تحتاج الى توفير قدوة فعلية للابناء واول مرشحين للعب هذا الدور في نظر الابناء هما الوالدان.من هنا لا نجد غريبا ان يتصف البعض من مغاربتنا بالازدواجية والتناقض ما بين قول وفعل،فالكثير منهم يقلدون بامانة ما رأوه من اباءهم وامهاتهم.
راسو قاصح...هرسو ليه
الطفل العنيد يرعب الكثير من الاباء،فهو يتعب في تربيته طفلا وقد يتحول لاحقا الى مراهق جامح ولذلك قد يتم التعامل معه بقسوة.الامر الذي يغفله الكثير من الاباء ان الطفل العنيد يتمتع بالكثير من الميزات الايجابية،فله القدرة على التعبير عن رفضه او قبوله للأشياء،ويملك الجرأة للتشبت بموقفه رغم معارضة او انزعاج من حوله،وهي صفات لا يتمتع بها الكثير من البالغين.فكيف التعامل معه اذن؟
قد يكون تعبير الطفل عن رفضه او غضبه بشكل مزعج كالصراخ او تكسير الاشياء قد يكون ذلك مؤشرا على وجود توتر لديه،فمعلوم ان الطفل يحتاج الى اشعاره بالامان والحنان وبكونه محبوبا ومرغوبا من طرف ابويه،وقد يكون الغياب التام او الجزئي لهذه الاجواء المطمئنة سببا في شعور الطفل بالقلق،كما قد يصدر عن احد الابوين بشكل عفوي ومتكرر تصرف يوحي للطفل بانه غير مرغوب فيه فيجعله ذلك يتصرف بشكل عدواني.
وفي كل الاحوال يحتاج الطفل العنيد الى جرعة حنان تطمئنه ثم الى توضيح المطلوب منه بدقة،وعندما يسلك بشكل غير مقبول يتعين على الابوين ان يوضحا له ان السلوك غير مقبول بحيث يفصلان بين الطفل وسلوكه اثناء تعبيرهما عن غضبهما و رفضهما  للسلوك وليس لطفلهما .
الخبر السار ان الطفل العنيد مفاوض جيد،فهو يحتاج الى توضيح القواعد ومعرفة الاسباب التي من اجلها عليه ان يسلك بشكل معين،كما يحتاج الى ان يثق في مصداقية ما يقوله الابوان (وهو ما يعني الامتناع التام عن اطلاق الوعود الكاذبة او التخويف بامور غير حقيقية اوالتهديد بعقوبات لن تنفذ باي حال)،لكن ما ان يتاكد انه لن يحصل على ما يريد الا عند تنفيذه المطلوب منه فانه عامة يتجاوب مع قواعد المنزل عن قناعة اكثر من غيره..

الثلاثاء، 4 سبتمبر 2012

التسول...حاجة أم اختراع؟

 تشير بعض الاحصائيات الى وجود ازيد من نصف مليون مغربي يمتهنون التسول بشكل احترافي،رقم كهذا يثير القلق اذ يعتبر في نظر الكثيرين مؤشرا على تأزم الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية وفشل مخططات التنمية في احتواء حاجات الناس وتحسين ظروف عيشهم. وهو تحليل لا يجانب الصواب لكنه يختزل التسول في اعتباره ظاهرة بالمعنى الدوركهايمي،اي بالمعنى الذي يجعل كل تسول مشروطا بأسباب موضوعية خارجة عن ارادة الناس، بينما يمكن ان ينظر اليه كسلوك اجتماعي،والسلوك هنا محدد بوصفه استجابة الفرد النوعية للظروف التي تشرطه سواء كانت اجتماعية،اقتصادية، سياسية...او غيرها.انه رد فعل لكنه ليس آليا وحتميا بشكل كلي،انه رد فعل محتمل،بما يجعله في جانب منه خيارا للمتسولين،صحيح انه خيار على لائحة ضيقة جدا من الخيارات بالنسبة للبعض،لكنه قد يكون الخيار الأسهل بالنسبة للبعض الآخر،ولا يتعلق الامر هنا بالتحامل على المتسولين،اذ يمكننا ان نلاحظ بكل موضوعية ان تنوع أساليب التسول وخلفيات المتسولين تدعم هذا الطرح.فسلوك الاستجداء يصبح احترافيا ومدرا لدخل منتظم بالنسبة لفئة من المتسولين،وبقدر ما تتواجد جذوره في الممارسات اليومية بقدر ما يترسخ في ذهنية المتسول ليس فقط كخيار ممكن ولكن كخيار يمكن الدفاع عن مشروعيته،ولهذا يجري الابتكار في أساليب الاستجداء ولا يجد الممارس لهذا السلوك اي عيب في تعاطيه،فمن امرأة تستوقفك لطلب مساعدتك في اكمال ثمن تذكرة حافلة،الى رجل تجده من حين لآخر مغمى عليه (او يبدو مغمى عليه ان شئنا الدقة) والى جانبه وصفة طبية لمريض بالربو،الى شاب اصغر سنا يقدم لك لوحا عليه حروف بالكاد مقروءة ويطلب منك التبرع لطلبة مسجد ما في منطقة او دوار لم تسمع به من قبل...ويظهر الضيق على وجوه كل هؤلاء بمجرد اعتذارك عن تقديم المساعدة،والبعض منهم لا يتورع عن مهاجمتك بلسان سليط يجعلك عبرة لغيرك.
ان المشاهد التي نتحدث عنها هنا ليست مشاهد المتسول الذي اعتدنا على تواجده في جنبات الطرق وعلى ابواب المساجد بملابس رثة ووسخة تجعلك تصنفه بشكل آلي ما ان تقع نظراتك عليه،ان فئة المتسولين التي استرعت انتباهي للكتابة في الموضوع تهم اشخاصا بمظهر عادي وملابس نظيفة تصل حد الاناقة احيانا،ومع ذلك فما يستوقفون المارة من اجله هو في النهاية...تسول.نحن اذن إزاء تغير يكسر الصورة النمطية للمتسول والتي تعرفه في مظهر محدد (رث) وتفترض خلفية معينة ( الفقر) وتستنتج استمراره في تلك الوضعية الى ما شاء الله...ويحل محل هذه الصورة شكل جديد من المتسولين،أشخاص يقدمون انفسهم احيانا على انهم يعيشون ظروفا طارئة او استثنائية يمكن ان يكون ضحيتها اي منا.وتكرار مثل تلك المشاهد يجعلنا نتساءل: ما الذي يجعل من التسول خيارا لهؤلاء؟
وكما سبق التوضيح،لا يتعلق الامر هنا بتبرئة الدولة وتدبيرها للشأن الاقتصادي والاجتماعي،فمن المؤكد ان اتساع دائرة الفقر وتنامي البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة وغياب مشاريع تنموية حقيقية تهم الشرائح الاجتماعية الاكثر فقرا،كلها عوامل تشكل ارضية خصبة لتفشي الظواهر المرضية في اي مجتمع.
غير ان التسول ظاهرة معقدة تتداخل في ظهورها وانتشارها وتجذرها في الممارسات اليومية للافراد اسباب متعددة منها ما هو ذاتي ومنها ما هو موضوعي،ويلزمنا التحليل الموضوعي بتسليط الضوء على الظاهرة من جميع جوانبها ومسبباتها.
هكذا يمكن القول ان نسق القيم والاعتقادات السائدة في جانب منه يلعب دورا في تجذر التسول كسلوك اجتماعي،وفي هذا الباب نستطيع القول انه حتى بعض القيم الايجابية كالتصدق والتبرع والتضامن يمكن ان تؤدي في اشكال تصريفها الواقعية الى عكس مضامينها.فاذا تناولنا مفهوم الصدقة مثلا،سنجد ان الاسلام يشجع الصدقة بمفهومها الشامل لكل اشكال العطاء المادية ( الانفاق في سبيل الله) والرمزية (ابتسامة المسلم في وجه اخيه صدقة) ويجعل منها شقا واجبا (الزكاة) يهدف الى خلق توازن في توزيع الثروات.غير ان التشجيع على الصدقة في الاسلام يوازيه تثمين لقيم الكد والجهد،فليس الهدف منها خلق شريحة اجتماعية من المنتفعين بثمرة جهد غيرهم،وانما الغرض منها خلق مجتمع متضامن متآخ.
ومن المؤسف ان الفهم المغلوط لدلالات الصدقة خلق لدى فئة من المسلمين سلوكا اتكاليا يركن الى الاعتماد على الغير،وهو سلوك يذكرنا في علم النفس بالشخصية الطفيلية التي تتميز باعتمادها الدائم على الاخرين للقيام بمهامها،ونزوعها الى استجداء العطف والتباكي على سوء الحال.
وينبغي ان نشير هنا الى ان لبعض حملات التضامن - والتي تجري تغطيتها اعلاميا على نطاق واسع- نصيب مهم في تكريس عقلية التواكل والاعتماد على الغير،فبغض النظر عن عجزها عن حل مشاكل الفقر والجوع لدى الفئات المستهدفة،فان تلك الحملات(بتكرار مشاهد الاعانات الموزعة امام عدسات الكاميرا) تحول المستفيد الى شخص قابل سيكولوجيا لان يعال من طرف غيره.
وبالموازاة مع تراجع قيم الكفاح والكد والنجاح المستحق،تبرز قيم "الغفلة" و "التشلهيب" والانتهازية التي تجد في كل ركن فاسد في المجتمع مناخا ملائما لتتجذر وتنمو،فتتعاظم قيمة الجواب عن سؤال:ماذا تملك؟وكم تكسب؟ مقابل الاختفاء التدريجي لاسئلة: من اين لك هذا؟ وكيف حصلت عليه؟
يمكن تفسير التسول اذن كنزوع سيكولوجي للاعتماد على الغير يجد تشجيعا اجتماعيا سياسيا ودينيا،انه سلوك بعيد كل البعد عن اسلوب حل المشاكل وتحمل المسؤوليات،وذلك لحسن حظ القائمين على تدبير الشأن العام،فعندما يتوقف الناس عن إذلال انفسهم بالتسول باعاقاتهم وامراضهم ومختلف ظروف حياتهم،عندما يدركون انهم لا يفلحون في تحسين ظروف عيشهم مهما بذلوا من جهد، من المؤكد انهم سيلتفتون للتساؤل عما يعيق رفاههم،والبحث عن طرق لمحاسبة كل فاسد وكل منتفع بالمال العام.لكنهم على ما يبدو يفضلون –الى الان- طريق الابداع في النصب والاحتيال كما يفعل غيرهم.