الأربعاء، 20 أبريل 2016

عنف منزلي

في دردشة مع التلاميذ تحدثت عن العنف المنزلي، و اذا باحدى التلميذات تسأل:
- "استاذة والا كانت المرا كضرب راجلها؟ "
عمت موجة من الضحك ارجاء القاعة ثم انطلقت التعليقات:
- "هاداك دمدومة "
- "ماشي راجل "
سألت صاحب اخر تعليق:
- " علاش ماشي راجل؟ "
- "لي ضربو مرتو ماشي راجل " يجيب التلميذ بثقة
- " دير فبالك بلي هو ضحية ديال العنف، ونتا كتنفي عليه صفة الرجولة،يعني عنف من نوع آخر "
- " وعلاش تزوجها؟ "
- " يقدر مقصدتش تعنفو.. و ربما يكون أساء الاختيار كيفما عدد من الناس كيسيئوا اختيار شركاءهم، ربما تعرض للعنف لأنه ما توقعوش منها، أو لأنه مربي ومتحضر ما بغاش يجاوب بالعنف، أو لأنه اكتشف طبيعتها متأخر "
- " يطلقها! "
-" يطلقو او يبقاو مع بعضياتهم هاداك اختيار ديالهم، حنا ما خصناش نهاجمو ضحية العنف عوض ما نساندوها، هادشي علاش لي تعرض لاي شكل من أشكال العنف -بحال ضحايا التحرش او الاغتصاب- كيخاف يدوي،حيت عارف ماغاديش نرحموه "
قلت هذا و قرار التلميذ الصارم يرن في ذهني : "يطلقها !" وبدأت أتساءل في نفسي ان كان المرأة المعنفة تحظى بنفس الاقتراح الحاسم من الناس " ضربك؟ طلقي منو!! " عوض العبارة الشهيرة "صبري على ولادك راه الزربية العزيزة هي لي كيسوسو الناس "
يبدو أن حق ممارسة العنف يدخل ضمن تمظهرات الهيمنة الذكورية، لا يحق للمرأة ممارسته في حق شريكها ،على الاقل في شكله المادي، مسموح لها بأن تشعل حروبا وفتنا بكيدها،فهذا مكسب تاريخي يعطي مبررا آخر لشيطنتها و تعنيفها، اما ان تمارس العنف المادي فهذا يعني انها تزاحم بعلها في منطقة نفوذه لذلك عليه ان يتخلص منها فورا...
الشيء المؤسف في كل هذا هو تجذر هذه التمثلات عميقا في وعينا الجمعي، تغيرت حياتنا في كل مظاهرها لكن مراهقينا لا زالوا يعبرون عن نفس تمثلات اجدادهم..
كيف السبيل الى اعادة البرمجة وفق مبدأ " لا ضحية... لا جلاد" ؟

درس من ملف "أساتذة الغذ"

بغض النظر عن الموقف الذي يتخذه المواطن من قضية الأساتذة المتدربين، و سواء كان الشخص مواليا لموقف الحكومة او مدافعا عن شرعية مطالب الأسانذة المتدربين، ينبغي ان ننتبه جيدا الى الربح الذي كسبه المغاربة من خلال هذا الملف،لدينا فئة اجتماعية تدخل في مواجهة مع الوزارة الوصية على قطاع محدد ثم في مواجهة مع الحكومة برمتها ممثلة في شخص رئيسها ، تخوض اشكالا احتجاجية سلمية (مقاطعة الدروس،مسيرات، اعتصامات..) فتواجه مطالبها بالتجاهل تارة ثم بالقمع والعنف الدموي تارة اخرى، يلاحق أفرادها و يمنعون من التنقل و السفر، لكن هذه الفئة الاجتماعية مدعمة بجهود لافتة لمبادرة مدنية نجحت على طول الخط في إبقاء الملف في سياقه الصحيح: التفاوض و النقاش بين مواطنين و اجهزة تمثيلية على ضوء القوانين التي تشكل القواعد الأساسية المنظمة للعلاقة التعاقدية بين الشعب ومن يدير شأنه العام.
سقطت السلطات في خطأ ادارة الملف بطريقة لاديمقراطية في محطات عديدة، و بينما كانت تحاول الإبقاء على خطاب القمع و الوصاية، نجح الأساتذة المتدربون بمعية فعاليات المبادرة المدنية في إعطاء الدرس الأول في مسارهم المهني، درس طال شهورا، لنا ان نتأمله جيدا علنا نفهم مغزاه : هناك دوما طريق ممكن للقطع مع الوصاية والتسلط بطرق حضارية و ديمقراطية.
لقد كون المغاربة ممن يتتبعون تدوينات الدكاترة عبد الرحيم العلام ومحمد الهيني فكرة حول طبيعة الإشكالات القانونية المتعلقة بالملف،هنا ايضا لا ينبغي ان ننسى الربح الذي كسبه المغاربة بفضل أطر أخرجت مبادئ العلوم السياسية من الحلم بما ينبغي أن يكون الى رهان التأثير الفعلي في ما هو كائن..لقد ارتقت كتابات الرجلين بالنقاش الى مستوى نقاش المبادئ القانونية و هو مستوى يبتعد عن النقاش المعتاد حول الوجوه السياسية والتعامل مع خياراتها بأسلوب الكتائب الالكترونية (الهجوم الشرس مقابل الدفاع الشرس).
في كل مرة اناقش فيها تلاميذي حول خيار اللاعنف وحول أساليب الحوار الحضاري تعوزني الأمثلة الواقعية التي تدعم نجاعة هذا الطرح، و لأني أومن عميقا بخيار " لا حكار، لا محكور" اتمنى ان يقف كل مواطن عند درس "الاساتذة المتدربين" و لا ننسى جميعا ان المعركة تبدأ بسبب علم صاحبها بما له، و تنتهي رابحة بفضل هذا العلم.

كيفما تكونو يولى عليكم

الفيديو الذي تحترق فيه بائعة البغرير صادم ومؤلم..ذكرني بحادثة مؤلمة..ربما مع بعض الفارق
حدث هذا قبل سنوات عديدة
كنت أسير في أحد الشوارع، عندما سمعت جلبة قادمة من احد المنازل، كان بابه قريبا من الشارع العام، وحوله عدد من الناس، معظمهم رجال يقتعد بعضهم كراسي (في محلبة او مقهى لم اعد أذكر) فيما يقف بعضهم الآخر بشكل متفرق هنا وهناك ، التفت الجميع الى مصدر الجلبة، فشاهدوا -و شاهدت وانا اسير في نفس اتجاه المنزل- شابتين تدفعان بشابة ثالثة خارج المنزل، اتذكر ان الشابتين كانتا ترتديان لباسا منزليا خفيفا، فيما كانت الثالثة عارية، عارية تماما...كانت تنظر في وجوم الى احدى الشابتين و هي تصرخ بوجهها: "دابا را القيادة سيري ليها" لكن لسبب ما هامت الفتاة العارية بقدميها الحافيتين في عكس اتجاه القيادة ما جعلها تسير في نفس الاتجاه الذي أسير فيه..
مرت لحظات خيل الي فيها اني لا أرى ما أراه، كان ذلك سرياليا نوعا ما بالنسبة الي، اطرقت ببصري أرضا وتابعت السير معتقدة ان ثمة من سيتدخل من بين كل الناس الحاضرين في تلك اللحظة..لكن وانا اقترب من المنزل ثم اتجاوزه ثم اقترب من الفتاة التي كانت تسير بخطى بطيئة..أدركت ان الناس لن يحركوا ساكنا..جلت ببصري بين الوجوه، كان الجميع ينظرون اليها بدون اي تعبير على وجوههم، إلا امرأة كانت قادمة من الاتجاه المعاكس نظرت اليها و ضحكت قبل ان تخفي وجهها في طرف خمارها خجلة..
شعرت بالغضب يغلي في عروقي...و بدأت أصرخ بالمارة: "اعباد الله جيبو للمرا باش تستر حرام عليكم تفرجو فيها هاكدا" ، كان صوت المعتدية متحديا، وكانت تعرف نوع الإذلال الذي ستسببه للشابة، وكانت الضحية شاردة تسير ببطء دون اي تعبير على وجهها..التفتت الي وقد تعالى صراخي بالمارة وقالت لي : "ختي راه غير شي بنات لي دارو ليا هاكدا" طلبت منها ان تتوقف عن السير ومررت على عدد من المحلات التجارية اسأل عن ثوب..لا أدري لماذا لم اطرق باب منزل من المنازل الكثيرة،لكن احد الرجال تدخل اخيرا و جلب ثوبا صغيرا..تركت الشابة بعد ان حصلت على ثوب، وعندما عدت بعد ذلك بقليل أبصرتها تسير الى جوار احد عناصر القوات المساعدة و هي في حالة انهيار تام،كانت تنتحب فيما يتبعها جيش صغير من الأطفال يتصايحون و يقذفون بالحجارة ويصفرون..
أتذكر اني لأيام شعرت بمقت و غضب شديدين، لم يمنعوا عنها الأذى بل وقفوا ساكنين يتفرجون و طاردها أطفالهم كما لو كانت المعتدية لا الضحية !!
جعلتني هذه الحادثة أفكر كثيرا فيما يجعل الناس قادرين على رؤية الآخرين يتعرضون للأذى و لا يحركون ساكنا لأجلهم..و لاحظت في حوادث متفرقة أخرى بعد ذلك ان الناس لا يكلفون أنفسهم حتى عناء الاتصال بسيارة الإسعاف..(الحديث عن تقديم الاسعافات الأولية يبدو ضربا من الخيال اللاعلمي)
هل نتدخل لمساعدة الآخرين لكي نضمن ان يتدخل احدهم لمساعدتنا عند الضرورة؟ أم اننا نقدم يد المساعدة بغض النظر عن نتائج تدخلنا؟ هل الكرامة الانسانية و قداسة الحياة قيم ندافع عنها لكي تقرها القواعد الأخلاقية و القانونية فنستمتع بها بدورنا؟ أم انها قيم مطلقة تتجاوز الأفراد لكي تعيش في كل منهم بشكل أبدي؟
عندما نتدخل لنساعد احدهم، هل يكون هذا الشخص نفسه هو غايتنا؟ ام اننا نساعد انفسنا عبر مساعدتنا للغير؟
لا تعبأ كثيرا للإجابة على هذه الأسئلة،إنها أسئلة للتأمل، في المرة القادمة التي تجد فيها نفسك بالقرب من شخص يحتاج الى مساعدتك، لا تفكر كثيرا، "ها العار دير شي حاجة باش تعاون"
رحم الله تلك السيدة بواسع رحمته، لكن لا يجب ان ننسى ان قتلتها ليس فقط من ظلم، ومن وثق للظلم بفيديو، ولكن من حضر في ذلك اليوم و لم يمنع المأساة..
كيفما تكونو يولى عليكم

الأربعاء، 13 أبريل 2016

إعاقة



كثيرا ما يكشف تعاملنا مع الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة على أن لنا أعطابنا الخاصة،كثيرا ما نتأمل الأشخاص في وضعية إعاقة فقط لكي نستشعر نعمة الجسم السوي، لكي نحمد الله على أنه جنبنا هذا الواقع المؤلم، ومنا من يسمح لنفسه بأن يفسر هذا المصاب أو ذاك بأنه انتقام من الله عز و جل يعاقب به المعني بالإعاقة أو أحدا من ذويه.وحتى عندما نشعر بالتعاطف  نشيع الشخص بنظرات الشفقة في كل حين كما لو كنا عاجزين عن رؤية الروح التواقة الى العيش خلف كلمة "معوق".
تحصل الأشياء لسبب ما، وينبغي ان نقر أن الأسباب أحيانا كثيرة تتجاوز قدرتنا على الفهم أو الإدراك، ما الحكمة في أن يحرم بعض الناس من متع إنسانية بسيطة كتأمل ملامح أحبائهم؟ و في أن يولد آخرون بقدرات حركية او ذهنية أقل من غيرهم؟
نقف حيارى امام أشكال المعاناة والألم،قد يقدم لنا العلم أجوبة حول "لماذا؟" أو "كيف؟"  أجوبة تظل مع ذلك غير كافية، خصوصا بالنسبة للذي يعيش وضعية الإعاقة و يرن في ذهنه السؤال : "لماذا أنا بالذات؟" أو بالنسبة للآخرين الذين يحتاجون تفسيرا ميتافيزيقيا ما يجعل الأمر مقبولا لديهم.
الأكثر مرونة من بيننا - والأكثر تميزا بالتأكيد- هم أولئك الذين يدركون بحدسهم أن ثمة فرصة لجعل وضعية الإعاقة نافذة على خيارات أخرى ممكنة. عندما يصير تناول الطعام، تغيير الملابس، تعلم الكتابة او ممارسة رياضة ما تحديا حقيقيا فبعض الأشخاص في وضعية إعاقة يقبلون بهذا التحدي. تخبرنا نجاحاتهم انه يمكن للشخص ان يعاني من صعوبة في تحريك ذراعيه ويكتب مع ذلك بخط جميل،يمكن ان يكون بلا ذراعين و يغير ملابسه و يعتني بنفسه،يمكن أن يمارس رياضته المفضلة على كرسي متحرك، و يمكن أيضا أن يهيئ طعامه و يعتني بمنزله دون أدنى قدرة على الإبصار.
ثمة درس بليغ نتعلمه على الدوام من نجاحات كهذه: العجز في نهاية المطاف هو شعور نفسي داخلي أكثر من أي شيء آخر،عندما تنصت إلى روحك بما يلزم من التيقظ  فإنك تدرك بالقدر الكافي من الوضوح ان الجسم البشري بدأ على هذه الأرض هشا و محدود القدرات، و لا يزال كذلك،بالتالي فإن كل ما تحققه في ظل وعيك بحقيقة ضعفك البشري هو في حد ذاته قوة وانتصار.
نحن الذين نعيش في عالم من الأشياء المصممة خصيصا لتسهيل حياتنا اليومية فقدنا بالتدريج تلك القدرة على الإنصات إلى ذواتنا،إلى أرواحنا،والى هشاشة أجسامنا،إذ تمنحنا الآلات التي اخترعها غيرنا إحساسا مزيفا  بالسيطرة والتحكم، كلما اقتنينا المزيد من تلك الأشياء زاد اطمئناننا إلى اكتمال وجودنا،دون ان ننتبه الى تحولنا البطئ الى كائنات ترى الكثير دون ان تبصر شيئا، تسمع دون ان تنصت، تستخدم أطرافها بأكبر اقتصاد ممكن للحركة، تملك ذهنا لكنها لا تتعب نفسها كثيرا بالتفكير.
في هذا العالم المصمم للبشر "الكاملين" لا يجد الأشخاص في وضعية إعاقة مكانهم، لأن وهم الكمال يستثني اختلافهم، لذلك احتاجوا على الدوام إلى من يتحدث باسمهم عاليا و بالصخب الكافي لإنصافهم، قد يمثلهم أعلام من هذا المجال أو ذاك،أسماء أدهشت العالم كما فعلت هيلين كيلر -الكاتبة الصماء البكماء و العمياء- أو كما فعل بيتهوفن  -الموسيقار الأصم-  لكن المؤكد أن  هناك جيشا خاصا يحارب على الدوام في صف الأشخاص في وضعية إعاقة، هؤلاء في معظم الحالات هم الأهل والأقارب، إذ عندما ترزق عائلة ما بطفل مختلف، بطفل من ذوي الحاجات الخاصة، لا يمكن إلا أن تكون عائلة مختلفة، إنها عائلة تغادر الى غير رجعة وهم الكمال لتتعامل مع القصور البشري كل يوم، ليس القصور المتمثل في طفلها المختلف فحسب ولكن القصور الكامن في كل واحد من أفرادها وفي كل فرد من أفراد المجتمع المحيط بها.ومرة أخرى تأتينا بعض الدروس الرائعة من هذا الوعي التام بحقيقة الضعف البشري، دروس في الحب غير المشروط والدعم غير المشروط للابن المختلف و لحقه في أفضل الخيارات الممكنة، دروس في النضال اليومي من أجل منح المجتمع مواطنا  متعلما مسؤولا حاملا لقيم و لرسالة، نفس المواطن الذي لا يستثمر المجتمع نفسه الكثير من أجل الحصول عليه،نفس المواطن الذي تعجز أسر كثيرة جدا عن تخريجه بعد ان اختزلت دورها كمؤسسة بيولوجية في التناسل وحده.
أمعني النظر حولك وأرهفي السمع و التقطي مثل هذه الدروس والرسائل،لأن وعيك بالضعف هو ما قد يجعل منك أكثر قوة مثلما ان الاعتقاد التام في امتلاك القوة يجعل صاحبه أكثر ضعفا وهشاشة.
وتذكري ان لحديث القوارير دوما بقية.