‏إظهار الرسائل ذات التسميات حدث ورأي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حدث ورأي. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 9 أغسطس 2016

لماذا يا خديجة؟




أحاول أن أتصور ما حدث في ذهن و وجدان فتاة نتحدث عنها اليوم بضمير الغائب، دون ان نكون واثقين تماما من الغائب في هذه الحكاية.
أحاول ان أتذكر معنى ان تكوني مراهقة تتوق الى الاستقلالية والى ان تعيش بشكل مختلف،ان تتشكل في ذهنك صورة تدريجية عنه وعن ملامحه،  عن ذاك الذي سيجعل منك بطلة مسلسلك الخاص و توقعين معه تلك النهاية السعيدة التي لطالما حلمت بها.
 هل هذا ما جعلك تغادرين منزل والدتك في سن يافعة جدا يا خديجة؟ احاول ان اتخيل ما شعرت به و انت تكتشفين لأول مرة قسوة العالم عندما نواجهه بعقول ساذجة، عزلا تماما من كل معرفة أوخبرة.
قصص الواقع مؤلمة يا خديجة لأنها حقيقية،مع بطلات  التلفزيون هناك دوما طريق للسعادة يقرره المخرج وكتاب السيناريو في نهاية المسلسل، أما أنت  فضِعتِ مبكرا في تفاصيل قصتك دون ان ينجدك كاتب او مخرج بنهاية سعيدة.
ماذا عن قطيع الذئاب؟ هل وقع اختيارهم عليك عشوائيا ام كنت الضحية المثالية؟ الفتاة التي سبق لها التعرض للاغتصاب، الأم العازبة التي تقيم بعيدا عن عائلتها والتي فقدت طهرها الى الأبد هي ضحية مثالية لاغتصاب جماعي يتم توثيقه بالفيديو لابتزازها لاحقا..
بت تعرفين معنى ان تتعرضي للاغتصاب مرة، وان تحملي بطفل مجهول الأب مرة، في هذا المجتمع الغارق في تناقضاته، صرت حرثا محتملا لكل الجياع الذين تصادفينهم،دون ان يكون من حقك -و انت الموصومة المدنسة الى الأبد- حق الرفض.
لكنهم لم يكتفوا من اغتصابك و شرعوا يبتزونك، ما الذي دار بخلدك ساعتها يا خديجة؟
في عالم آخر كنت ربما لتنجحي بتدخل طبيب او اخصائي في تضميد جراح الروح قبل الجسد
في عالمنا تُركتِ للملمة شظايا روحك،كما يفعل الضحايا دوما في كل قصة موجعة من أخبار الوطن،تهترئ أرضه كل يوم تحت أقدامكم و تضيق سماؤه بكم،وهو في دعوى كل منكم قاض وطرف.
في عالم آخر كنت ربما لتحظي بفرصة ثانية، بداية أخرى تجعل منك ببعض الصبر والمثابرة المرأة التي تستحق كل أنثى ان تكونها.
في عالمنا عاجلوك بسكاكينهم،فكل امرأة بالنسبة إليهم مجرد بقرة ينتظرون سقوطها لكي يجهزوا عليها.
بت تعرفين هذا العالم جيدا يا خديجة،فقد خبرت أسوأ ما فيه مبكرا جدا،بت تعرفين كم يمكن لضحية الاعتداء ان تعاني من ألسنة الناس ونظراتهم كل يوم، فهم يبحثون طوال الوقت عما يدينك في الاعتداء عليك.
و مغتصبوك يبتزونك بفيديو الاعتداء، كنت تعرفين كم نحن شرهون عندما يتعلق الأمر بأخبار الفضائح، وكيف يمكن ان تتحولي الى نجمة في فيلم إباحي بنقرة، كنت تعرفين ان الذين سيرون الفيديو على تطبيقات الواتساب او الفيسبوك لن يترددوا لحظة في نشره وقد يجودون عليك بتعليق متحسر و إيموتيكون حزين،كنت تعرفين ان المعتدين قد أطلق سراحهم في حين سجنتِ الى الأبد في قذارة الاعتداء عليك، كنت تعرفين أن يومين من الاعتداء المدمر ستصبح عمرا من الاحتقار و الوضاعة،كنت تعرفين انه لا بدايات جديدة بعد الاعتداء والفضيحة، فالموصومة لا تثير اهتمام الا المزيد من الجياع، كنت قادرة على قراءة هذا المستقبل في عيون من عرفوا بحكايتك و لذلك اخترت المغادرة و قد حرقت بقايا ذلك الجسد الذي تم تدنيسه..الا يقولون أن آخر الدواء الكي؟ انت لم تتركي شبرا في جسدك بدون كي يا خديجة..كي عميق بعمق آثارهم عليه.
لو كنا في عالم إنساني لوجدنا الكلمات المناسبة لكي نخبر المغتصبة ان المعتدي و قد نال من جسدها لا ينبغي ان ينال من روحها أيضا، وأنه و قد جعلها وعاء لرغبة حيوانية بهيمية  في لحظة او لحظات لا ينبغي ان ينجح في اغتيال إنسانيتها، لو كنا في عالم إنساني لقلنا لها: "ما فعله بك لا يعكس من أنت،بل يعبر عما هو عليه، عن حيوانيته المنحطة، ارفعي رأسك وانهضي و قاومي وانتصري على هذا المسخ بأن تعيشي كامرأة كريمة قوية، اصرخي في وجه من يمططون شفاههم أسفا عليك بأن ينشغلوا عنك بتربية أبنائهم على احترام كرامة و إنسانية الإنسان فلربما قل عدد المغتصبين والمعتدين، انظري بثبات في عيون كل متحرش  وانطقي "لا" بكل ثقتك في قيمتك الانسانية" ،لو كنا في عالم إنساني، لوجدنا صعوبة في إيجاد كلمات نضمد بها ما فعلته بك تلك الذئاب الجائعة، لوجدنا صعوبة في فهم سلوكهم الذي لا نظير له حتى في عالم الحيوان.
في عالمنا هذا يا خديجة، تركناك لمصيرك، لم يتطوع أحد للدفاع عنك فأنت لست صاحبة التنورة،مثل الكثيرين على هذه الارض انت كنبتة نمت من تلقاء نفسها بدون رعاية من صاحب الحقل، انت واحدة من الذين حلوا بهذا الوطن خطأ، فهو ليس مهيئا لاستقبالكم ولا لوداعكم كما تستحقون.





الجمعة، 1 يوليو 2016

الصعلوك



يشير مصطلح الصعاليك في سياق الأدب العربي الى فئة من الشعراء الجاهليين الذين تمردوا على روابط القبيلة و زعاماتها و أسسوا لموقف احتجاجي عبرت عنه اشعارهم و نمط عيشهم على حد سواء.
وإذا ما تجاهلنا الحكم-من زاوية اخلاقية او حقوقية- على أعمال الغزو والنهب التي قاموا بها فيمكن ان ننظر الى الصعاليك كرمز للتجاوز بمفهومه عند الفيلسوف الوجودي جون بول سارتر،إذ كلما وجد الإنسان نفسه في وضعية معطاة إلا و فعل شيئا بما يُفعل به، من هنا تكون الصعلكة رمزا للاحتجاج،للتمرد و التحرر مما قد يبدو واقعا اجتماعيا حتميا.
ربما لهذا السبب انجذب مواطن مغربي في وضعية إعاقة هو عادل اوتنيل الى جعل الصعاليك موضوعا لرسالة الدكتوراه ( والتي بالمناسبة لم يحصل على حق مناقشتها دون احتجاج)، فقد شاءت له ظروفه الاقتصادية ان يتصعلك بالمعنى اللغوي للكلمة،فعاش الفقر وضيق الحال، و لم تكن كبرى مشاكله ان وجد نفسه في جسد يضيق بروحه الحرة بل ان يجد نفسه مواطنا في  دولة تضيق بأنفته وعزة نفسه، فلم يكن له إلا ان يتصعلك بالمعنى الاصطلاحي للكلمة.
وما بين صعلكة الجاهلية و صعلكة القرن الواحد والعشرين ردح من الزمن تحول فيه الوطن من قبيلة الى دولة لها مؤسسات تحتكم الى قوانين و يفترض ان غايتها احقاق الحقوق والحريات، فكان احتجاج عادل اوتنيل متحضرا بما يتناسب و تقدم هذا الكيان الرمزي المسمى دولة،فخاض اضرابا شجاعا عن الطعام لما يزيد عن أربعين يوما من أجل الحصول على حقه في العيش الكريم، وبعد ان تدهورت حالته الصحية تناقلت بعض وسائل الإعلام نبأ عن تعليق أوتنيل لإضرابه عن الطعام بعد حصوله على مسكن.
ما يستوقفني في حكاية اوتنيل أمران في الواقع، يتعلق الأول منهما بمثابرة هذا الشاب، إذا كنت تعرف حجم الجهد والصبر والتضحيات التي يتطلبها التحصيل العلمي في وطننا العزيز تخيل معي حجم كل ذلك عندما تكون فقيرا وفي وضعية إعاقة.
في الوقت الذي يترك شباب أصحاء الدراسة مبكرا متعللين بأعذار مختلفة يصعد اوتنيل الدرجات العلمية درجة درجة و لا يتوقف الا ببلوغ أعلاها و لسان حاله يقول أن الإعاقة الحقيقية هي تمثلنا للإعاقة.
الأمر الثاني  يتعلق بحصوله على مسكن لائق، فالمواقع الالكترونية القليلة التي تداولت خبر إنهاء اوتنيل لإضرابه عن الطعام لم تشر الى الجهة المانحة لهذا السكن فيما ان كانت جهة حكومية او احد المحسنين.
فيما يتعلق باوتنيل تحديدا و بصرف النظر عن الجهة المانحة فإن حل ملفه يعد انتصارا لشجاعته و مثابرته، لكنه ليس الوحيد،إذ هناك الكثير من الاشخاص في وضعية إعاقة، من غير الإنساني أن يواجهوا قسوة ظروف المعيش دون اي حماية او دعم، من غير الإنساني الا يُلتفت الى وضعية الواحد منهم إلا بخوضه إضرابا عن الطعام، ومن غير المعقول أن يترك مصيرهم لتعاطف جمهور المحسنين.
المغرب الذي يريد لنفسه ان يكون دولة حق وقانون،البلد الذي التزم باتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة هو ملزم بالتالي  بتوفير فرص الادماج الحقيقية لهذه الفئة من المواطنين.
أن تتطوع شركات او أفراد لإغاثة هذا الشخص أو ذاك شيء جميل و إنساني (بغض النظر عن دوافعه)،لكنه لا يغير شيئا من قبح وجه الدولة التي تتجاهل مواطنيها و تترك الفئات الهشة لمواجهة مصائرها وحيدة.
 عندما لا يحصل المواطن من الدولة التي تدبر شأنه العام على معاملة كريمة تليق بإنسانيته يحدث ما نراه في شوراعنا كل يوم، حيث يتسول الناس طوال الوقت بإعاقاتهم و أمراضهم ويحتال آخرون بلعب دور المريض والمعاق، و يحدث ان يشهر البعض  أسلحتهم البيضاء لكي يسلبوا الناس أموالهم دونما حاجة الى الاستعطاف، وكلها أعراض أمراض اجتماعية مقلقة.
لكن يحدث أيضا ان يتمرد مواطنون آخرون و ينهجوا أساليب الاحتجاج السلمي لكي يذكروا الدولة بقواعد التعاقد الذي بموجبه تستمد شرعية وجودها: احقاق الحقوق والحريات، وهذا كان خيار اوتنيل، وهو خيار ينبغي للدولة ان كانت تروم الاستقرار والسلم الاجتماعي ان تحتفي به وتستمع لمطالب أصحابه بجدية، لأنه  افضل لأمن البلاد من خيار الذين يرمي بهم اليأس من المؤسسات في أحضان التشرميل او التنظيمات الجهادية،إذ نكون هنا إزاء نوع من الصعلكة ندفع جميعا ثمنه باهضا أفرادا و مؤسسات.


الأربعاء، 20 أبريل 2016

عنف منزلي

في دردشة مع التلاميذ تحدثت عن العنف المنزلي، و اذا باحدى التلميذات تسأل:
- "استاذة والا كانت المرا كضرب راجلها؟ "
عمت موجة من الضحك ارجاء القاعة ثم انطلقت التعليقات:
- "هاداك دمدومة "
- "ماشي راجل "
سألت صاحب اخر تعليق:
- " علاش ماشي راجل؟ "
- "لي ضربو مرتو ماشي راجل " يجيب التلميذ بثقة
- " دير فبالك بلي هو ضحية ديال العنف، ونتا كتنفي عليه صفة الرجولة،يعني عنف من نوع آخر "
- " وعلاش تزوجها؟ "
- " يقدر مقصدتش تعنفو.. و ربما يكون أساء الاختيار كيفما عدد من الناس كيسيئوا اختيار شركاءهم، ربما تعرض للعنف لأنه ما توقعوش منها، أو لأنه مربي ومتحضر ما بغاش يجاوب بالعنف، أو لأنه اكتشف طبيعتها متأخر "
- " يطلقها! "
-" يطلقو او يبقاو مع بعضياتهم هاداك اختيار ديالهم، حنا ما خصناش نهاجمو ضحية العنف عوض ما نساندوها، هادشي علاش لي تعرض لاي شكل من أشكال العنف -بحال ضحايا التحرش او الاغتصاب- كيخاف يدوي،حيت عارف ماغاديش نرحموه "
قلت هذا و قرار التلميذ الصارم يرن في ذهني : "يطلقها !" وبدأت أتساءل في نفسي ان كان المرأة المعنفة تحظى بنفس الاقتراح الحاسم من الناس " ضربك؟ طلقي منو!! " عوض العبارة الشهيرة "صبري على ولادك راه الزربية العزيزة هي لي كيسوسو الناس "
يبدو أن حق ممارسة العنف يدخل ضمن تمظهرات الهيمنة الذكورية، لا يحق للمرأة ممارسته في حق شريكها ،على الاقل في شكله المادي، مسموح لها بأن تشعل حروبا وفتنا بكيدها،فهذا مكسب تاريخي يعطي مبررا آخر لشيطنتها و تعنيفها، اما ان تمارس العنف المادي فهذا يعني انها تزاحم بعلها في منطقة نفوذه لذلك عليه ان يتخلص منها فورا...
الشيء المؤسف في كل هذا هو تجذر هذه التمثلات عميقا في وعينا الجمعي، تغيرت حياتنا في كل مظاهرها لكن مراهقينا لا زالوا يعبرون عن نفس تمثلات اجدادهم..
كيف السبيل الى اعادة البرمجة وفق مبدأ " لا ضحية... لا جلاد" ؟

درس من ملف "أساتذة الغذ"

بغض النظر عن الموقف الذي يتخذه المواطن من قضية الأساتذة المتدربين، و سواء كان الشخص مواليا لموقف الحكومة او مدافعا عن شرعية مطالب الأسانذة المتدربين، ينبغي ان ننتبه جيدا الى الربح الذي كسبه المغاربة من خلال هذا الملف،لدينا فئة اجتماعية تدخل في مواجهة مع الوزارة الوصية على قطاع محدد ثم في مواجهة مع الحكومة برمتها ممثلة في شخص رئيسها ، تخوض اشكالا احتجاجية سلمية (مقاطعة الدروس،مسيرات، اعتصامات..) فتواجه مطالبها بالتجاهل تارة ثم بالقمع والعنف الدموي تارة اخرى، يلاحق أفرادها و يمنعون من التنقل و السفر، لكن هذه الفئة الاجتماعية مدعمة بجهود لافتة لمبادرة مدنية نجحت على طول الخط في إبقاء الملف في سياقه الصحيح: التفاوض و النقاش بين مواطنين و اجهزة تمثيلية على ضوء القوانين التي تشكل القواعد الأساسية المنظمة للعلاقة التعاقدية بين الشعب ومن يدير شأنه العام.
سقطت السلطات في خطأ ادارة الملف بطريقة لاديمقراطية في محطات عديدة، و بينما كانت تحاول الإبقاء على خطاب القمع و الوصاية، نجح الأساتذة المتدربون بمعية فعاليات المبادرة المدنية في إعطاء الدرس الأول في مسارهم المهني، درس طال شهورا، لنا ان نتأمله جيدا علنا نفهم مغزاه : هناك دوما طريق ممكن للقطع مع الوصاية والتسلط بطرق حضارية و ديمقراطية.
لقد كون المغاربة ممن يتتبعون تدوينات الدكاترة عبد الرحيم العلام ومحمد الهيني فكرة حول طبيعة الإشكالات القانونية المتعلقة بالملف،هنا ايضا لا ينبغي ان ننسى الربح الذي كسبه المغاربة بفضل أطر أخرجت مبادئ العلوم السياسية من الحلم بما ينبغي أن يكون الى رهان التأثير الفعلي في ما هو كائن..لقد ارتقت كتابات الرجلين بالنقاش الى مستوى نقاش المبادئ القانونية و هو مستوى يبتعد عن النقاش المعتاد حول الوجوه السياسية والتعامل مع خياراتها بأسلوب الكتائب الالكترونية (الهجوم الشرس مقابل الدفاع الشرس).
في كل مرة اناقش فيها تلاميذي حول خيار اللاعنف وحول أساليب الحوار الحضاري تعوزني الأمثلة الواقعية التي تدعم نجاعة هذا الطرح، و لأني أومن عميقا بخيار " لا حكار، لا محكور" اتمنى ان يقف كل مواطن عند درس "الاساتذة المتدربين" و لا ننسى جميعا ان المعركة تبدأ بسبب علم صاحبها بما له، و تنتهي رابحة بفضل هذا العلم.

كيفما تكونو يولى عليكم

الفيديو الذي تحترق فيه بائعة البغرير صادم ومؤلم..ذكرني بحادثة مؤلمة..ربما مع بعض الفارق
حدث هذا قبل سنوات عديدة
كنت أسير في أحد الشوارع، عندما سمعت جلبة قادمة من احد المنازل، كان بابه قريبا من الشارع العام، وحوله عدد من الناس، معظمهم رجال يقتعد بعضهم كراسي (في محلبة او مقهى لم اعد أذكر) فيما يقف بعضهم الآخر بشكل متفرق هنا وهناك ، التفت الجميع الى مصدر الجلبة، فشاهدوا -و شاهدت وانا اسير في نفس اتجاه المنزل- شابتين تدفعان بشابة ثالثة خارج المنزل، اتذكر ان الشابتين كانتا ترتديان لباسا منزليا خفيفا، فيما كانت الثالثة عارية، عارية تماما...كانت تنظر في وجوم الى احدى الشابتين و هي تصرخ بوجهها: "دابا را القيادة سيري ليها" لكن لسبب ما هامت الفتاة العارية بقدميها الحافيتين في عكس اتجاه القيادة ما جعلها تسير في نفس الاتجاه الذي أسير فيه..
مرت لحظات خيل الي فيها اني لا أرى ما أراه، كان ذلك سرياليا نوعا ما بالنسبة الي، اطرقت ببصري أرضا وتابعت السير معتقدة ان ثمة من سيتدخل من بين كل الناس الحاضرين في تلك اللحظة..لكن وانا اقترب من المنزل ثم اتجاوزه ثم اقترب من الفتاة التي كانت تسير بخطى بطيئة..أدركت ان الناس لن يحركوا ساكنا..جلت ببصري بين الوجوه، كان الجميع ينظرون اليها بدون اي تعبير على وجوههم، إلا امرأة كانت قادمة من الاتجاه المعاكس نظرت اليها و ضحكت قبل ان تخفي وجهها في طرف خمارها خجلة..
شعرت بالغضب يغلي في عروقي...و بدأت أصرخ بالمارة: "اعباد الله جيبو للمرا باش تستر حرام عليكم تفرجو فيها هاكدا" ، كان صوت المعتدية متحديا، وكانت تعرف نوع الإذلال الذي ستسببه للشابة، وكانت الضحية شاردة تسير ببطء دون اي تعبير على وجهها..التفتت الي وقد تعالى صراخي بالمارة وقالت لي : "ختي راه غير شي بنات لي دارو ليا هاكدا" طلبت منها ان تتوقف عن السير ومررت على عدد من المحلات التجارية اسأل عن ثوب..لا أدري لماذا لم اطرق باب منزل من المنازل الكثيرة،لكن احد الرجال تدخل اخيرا و جلب ثوبا صغيرا..تركت الشابة بعد ان حصلت على ثوب، وعندما عدت بعد ذلك بقليل أبصرتها تسير الى جوار احد عناصر القوات المساعدة و هي في حالة انهيار تام،كانت تنتحب فيما يتبعها جيش صغير من الأطفال يتصايحون و يقذفون بالحجارة ويصفرون..
أتذكر اني لأيام شعرت بمقت و غضب شديدين، لم يمنعوا عنها الأذى بل وقفوا ساكنين يتفرجون و طاردها أطفالهم كما لو كانت المعتدية لا الضحية !!
جعلتني هذه الحادثة أفكر كثيرا فيما يجعل الناس قادرين على رؤية الآخرين يتعرضون للأذى و لا يحركون ساكنا لأجلهم..و لاحظت في حوادث متفرقة أخرى بعد ذلك ان الناس لا يكلفون أنفسهم حتى عناء الاتصال بسيارة الإسعاف..(الحديث عن تقديم الاسعافات الأولية يبدو ضربا من الخيال اللاعلمي)
هل نتدخل لمساعدة الآخرين لكي نضمن ان يتدخل احدهم لمساعدتنا عند الضرورة؟ أم اننا نقدم يد المساعدة بغض النظر عن نتائج تدخلنا؟ هل الكرامة الانسانية و قداسة الحياة قيم ندافع عنها لكي تقرها القواعد الأخلاقية و القانونية فنستمتع بها بدورنا؟ أم انها قيم مطلقة تتجاوز الأفراد لكي تعيش في كل منهم بشكل أبدي؟
عندما نتدخل لنساعد احدهم، هل يكون هذا الشخص نفسه هو غايتنا؟ ام اننا نساعد انفسنا عبر مساعدتنا للغير؟
لا تعبأ كثيرا للإجابة على هذه الأسئلة،إنها أسئلة للتأمل، في المرة القادمة التي تجد فيها نفسك بالقرب من شخص يحتاج الى مساعدتك، لا تفكر كثيرا، "ها العار دير شي حاجة باش تعاون"
رحم الله تلك السيدة بواسع رحمته، لكن لا يجب ان ننسى ان قتلتها ليس فقط من ظلم، ومن وثق للظلم بفيديو، ولكن من حضر في ذلك اليوم و لم يمنع المأساة..
كيفما تكونو يولى عليكم

الجمعة، 4 مارس 2016

ما هي خياراتنا؟


 
يحل بعد أيام  الثامن من مارس الذي يوافق اليوم العالمي للمرأة، وهو اليوم الذي تتوقف عنده الملايين من النساء عبر العالم لتقييم ما أحرزنه من نقاط في مرمى عالم لطالما كان ذكوريا و لا يزال في العديد من المناحي.
سيكون من التجاوز اعتبار النساء شريحة واحدة منسجمة المطالب و التطلعات،قطعا تريد كل واحدة منهن واقعا أفضل، لكن كيف للمرأة أن تحدد الواقع الأفضل دون تتلون رؤيتها لهذا الواقع برواسب التنشئة الاجتماعية الذكورية تارة، أو-على العكس من ذلك- بالثورة على كل ما تعتبره إرثا ذكوريا تارة أخرى؟
عندما تتساءل المرأة عن الخيارات الممكنة فذلك يعني في المقام الأول التعبير عن وعيها بحريتها، تلك الحرية التي تملكها بحكم طبيعتها ككائن إنساني، لذلك يبدو من غير المقبول في القرن الواحد والعشرين أن تفرض على المرأة خيارات ضيقة،او تحرم من نفس الفرص التي تتاح للرجل لمجرد كونها امرأة، وربما يكون هذا هو المبدأ الذي يقوم عليه جعل مطلب المناصفة شعارا لليوم العالمي للمرأة للعام 2016 انسجاما مع الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة المحددة من طرف هيئة الأمم المتحدة لعام 2030، لكن تحقيق "تناصف الكوكب" بحلول هذا التاريخ يحتاج إلى مؤشرات إجرائية لتتبع وتقييم ما تم انجازه، لهذا السبب تصبح الأرقام التي تشير إلى التمثيلية السياسية للنساء في البرلمانات و المجالس المنتخبة وتلك التي تعبر عن التمكين الاقتصادي للنساء ذات أهمية قصوى بالنسبة للأطراف المعنية من حكومات و هيئات حقوقية محلية و دولية، هذه الأطراف التي تعنى أيضا بمناقشة تدابير الحماية القانونية التي يمكن أن تتخذ لمحاصرة أشكال العنف الممارس في حق النساء.
نقاش آخر يتعلق بحرية المرأة في التمتع بجسدها وفق ما تمليه إرادتها الخاصة، و يتسع النقاش ليتجاوز الحديث عن الحق في الإجهاض و ممارسة الجنس خارج مؤسسة الزواج إلى الحديث عن حرية اختيار الشريك (ة) او حرية ممارسة الدعارة.
على هذا الكوكب إذن وفي الزمن نفسه تعيش نساء بمطالب تعود إلى أزمنة مختلفة، فمنهن من تعيش تحت الحصار في مناطق النزاع المسلح وتنجب للحرب وقود رحاها من بنين و بنات،وتفقد أحباءها كل يوم بالجملة، وتصرخ منادية بالسلام كما فعلت النساء قبل نحو قرن في روسيا (1917) ليضيع صوتها تحت القصف.فمن يحميهن من هذا العنف؟
ومنهن من يطالها الفقر بكل أشكاله، فقر المعيل، وفقر أخلاقه، فقر مخططات التنمية و فقر عواطف الدولة تجاه المنسيين من أبنائها، بوسع الواحدة منهن أن تعبر للأمم المتحدة عن تحقيق المناصفة التامة بينها وبين الرجل في ذلك الدوار المنسي، فكلاهما يعاني التهميش و الجهل والإهمال على قدم المساواة، وقد تطالب بمقابل ذلك بنفس حظوظ أختها في المدينة: نفس الفرص في الاستفادة من خدمات التعليم والصحة والعمل (على علاتها ومساوئها). فهل يعبر عنهن مؤشر التمكين الاقتصادي؟
من نساء هذا الكوكب من تحارب من اجل انتزاع نصف المقاعد في البرلمانات و المجالس ليقلن للرجال بكل قوة: "نحن هنا" و منهن أخريات  يعملن في هدوء لخلق عالم أفضل بعيدا عن عدسات الكاميرات و أرقام الإحصاءات. من بين هؤلاء وهؤلاء، النساء الحقيقيات فقط من يحفلن بالإجابة عن السؤال : "ما تأثيرنا؟" عوضا عن سؤال : "كم نمثل؟"
من نساء هذا الكوكب من تعتبر الأمومة خيارا، ومنهن من تعتبرها قيدا، منهن من تعتبر العمل المأجور فرصة للتحرر، ومنهن من اكتشفت فيه بشاعة وجه آخر للاستلاب و العبودية للزوج أو الأقارب، منهن من ترى جسدها صفحة عمومية  لتدوين بياناتها الثورية، ومنهن من ترى فيه جزء من وجودها غير القابل للاختزال كشيء.
بعض من نساء هذا الكوكب قلقات..وهنا على الأقل نقطة التقاء مسارين يبدوان مختلفين..القلق يسكن عددا من النساء التائهات والرجال التائهين، وهو فضاء لا يسكنه إلا هؤلاء تحديدا، فهو لا يقدم الإجابات جاهزة، وهم لا يقنعون بالجاهز، فيه الكثير من الأسئلة وهم يحبون طرح الأسئلة، تبنى فيه الخيارات بكل روية وهم مستعدون لأخذ الوقت الكافي من أجل بناء خياراتهم.
"ما هي خياراتنا؟ " يقول الجميع رجالا و نساء.. عندما تطرحين هذا السؤال تكونين بذلك قد خطوت الخطوة الأولى على درب الوعي بحريتك والتصرف على أساسها،على أساس ان هناك دوما خيارات أخرى.
فأن تكوني ضد العنف لا يعني بالضرورة أن تمارسي العنف المضاد.
أن تكوني ضد الهيمنة الذكورية لا يعني أن تؤسسي لهيمنة انثوية.
أن تكوني على وعي بحقوقك لا يعني ان تلوحي بها فقط للتملص من واجباتك.
أن تكوني امرأة لا يعني أن تكوني رجلا آخر او نقيضا للرجل، بل يعني ان تكوني ذاتك وحسب.
تذكري ان الخيارات المتوفرة لا تصنع منا ما نكون عليه، بل نحن الذين نصنع باستمرار خياراتنا في ظل هذه الوضعية او تلك.
تذكري أن توفري لنفسك شروط الاختيار ومن ثم التحرر، أتمي تعليمك حتى لو كنت تنوين الاستقرار في البيت و رعاية الأبناء، ابقي نفسك دوما على اطلاع بما يستجد حول مجالات الحياة اليومية من أفكار ومعارف وتقنيات.قبل قرون اعتقد فرانسيس بيكون أن "المعرفة تحكم في الطبيعة"، واليوم صرنا نعلم جيدا ان المعرفة تأشيرة للاستقلالية، تحرر من استغلال الآخر والتبعية اليه سواء كان هذا الآخر فردا أو جماعة.
تذكري أن كل حكايات الهيمنة و العنف و الإقصاء بدأت بشكل ما من منازلنا، ان كنت تثمنين وجودك كأنثى بما فيه الكفاية، ستحرصين على تصحيح كل السلوكات الميزوجينية، و تكسير الصور النمطية التي تقوم عليها، ستجدين الطريق الى الخطاب الحر الذي لا يقبل التبخيس ولا يمارسه، ازرعي الكلمات في نفوس من حولك واسقيها بإيمانك واصرارك  ثم انتظري بثقة حلول الربيع.