الأربعاء، 13 أبريل 2016

إعاقة



كثيرا ما يكشف تعاملنا مع الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة على أن لنا أعطابنا الخاصة،كثيرا ما نتأمل الأشخاص في وضعية إعاقة فقط لكي نستشعر نعمة الجسم السوي، لكي نحمد الله على أنه جنبنا هذا الواقع المؤلم، ومنا من يسمح لنفسه بأن يفسر هذا المصاب أو ذاك بأنه انتقام من الله عز و جل يعاقب به المعني بالإعاقة أو أحدا من ذويه.وحتى عندما نشعر بالتعاطف  نشيع الشخص بنظرات الشفقة في كل حين كما لو كنا عاجزين عن رؤية الروح التواقة الى العيش خلف كلمة "معوق".
تحصل الأشياء لسبب ما، وينبغي ان نقر أن الأسباب أحيانا كثيرة تتجاوز قدرتنا على الفهم أو الإدراك، ما الحكمة في أن يحرم بعض الناس من متع إنسانية بسيطة كتأمل ملامح أحبائهم؟ و في أن يولد آخرون بقدرات حركية او ذهنية أقل من غيرهم؟
نقف حيارى امام أشكال المعاناة والألم،قد يقدم لنا العلم أجوبة حول "لماذا؟" أو "كيف؟"  أجوبة تظل مع ذلك غير كافية، خصوصا بالنسبة للذي يعيش وضعية الإعاقة و يرن في ذهنه السؤال : "لماذا أنا بالذات؟" أو بالنسبة للآخرين الذين يحتاجون تفسيرا ميتافيزيقيا ما يجعل الأمر مقبولا لديهم.
الأكثر مرونة من بيننا - والأكثر تميزا بالتأكيد- هم أولئك الذين يدركون بحدسهم أن ثمة فرصة لجعل وضعية الإعاقة نافذة على خيارات أخرى ممكنة. عندما يصير تناول الطعام، تغيير الملابس، تعلم الكتابة او ممارسة رياضة ما تحديا حقيقيا فبعض الأشخاص في وضعية إعاقة يقبلون بهذا التحدي. تخبرنا نجاحاتهم انه يمكن للشخص ان يعاني من صعوبة في تحريك ذراعيه ويكتب مع ذلك بخط جميل،يمكن ان يكون بلا ذراعين و يغير ملابسه و يعتني بنفسه،يمكن أن يمارس رياضته المفضلة على كرسي متحرك، و يمكن أيضا أن يهيئ طعامه و يعتني بمنزله دون أدنى قدرة على الإبصار.
ثمة درس بليغ نتعلمه على الدوام من نجاحات كهذه: العجز في نهاية المطاف هو شعور نفسي داخلي أكثر من أي شيء آخر،عندما تنصت إلى روحك بما يلزم من التيقظ  فإنك تدرك بالقدر الكافي من الوضوح ان الجسم البشري بدأ على هذه الأرض هشا و محدود القدرات، و لا يزال كذلك،بالتالي فإن كل ما تحققه في ظل وعيك بحقيقة ضعفك البشري هو في حد ذاته قوة وانتصار.
نحن الذين نعيش في عالم من الأشياء المصممة خصيصا لتسهيل حياتنا اليومية فقدنا بالتدريج تلك القدرة على الإنصات إلى ذواتنا،إلى أرواحنا،والى هشاشة أجسامنا،إذ تمنحنا الآلات التي اخترعها غيرنا إحساسا مزيفا  بالسيطرة والتحكم، كلما اقتنينا المزيد من تلك الأشياء زاد اطمئناننا إلى اكتمال وجودنا،دون ان ننتبه الى تحولنا البطئ الى كائنات ترى الكثير دون ان تبصر شيئا، تسمع دون ان تنصت، تستخدم أطرافها بأكبر اقتصاد ممكن للحركة، تملك ذهنا لكنها لا تتعب نفسها كثيرا بالتفكير.
في هذا العالم المصمم للبشر "الكاملين" لا يجد الأشخاص في وضعية إعاقة مكانهم، لأن وهم الكمال يستثني اختلافهم، لذلك احتاجوا على الدوام إلى من يتحدث باسمهم عاليا و بالصخب الكافي لإنصافهم، قد يمثلهم أعلام من هذا المجال أو ذاك،أسماء أدهشت العالم كما فعلت هيلين كيلر -الكاتبة الصماء البكماء و العمياء- أو كما فعل بيتهوفن  -الموسيقار الأصم-  لكن المؤكد أن  هناك جيشا خاصا يحارب على الدوام في صف الأشخاص في وضعية إعاقة، هؤلاء في معظم الحالات هم الأهل والأقارب، إذ عندما ترزق عائلة ما بطفل مختلف، بطفل من ذوي الحاجات الخاصة، لا يمكن إلا أن تكون عائلة مختلفة، إنها عائلة تغادر الى غير رجعة وهم الكمال لتتعامل مع القصور البشري كل يوم، ليس القصور المتمثل في طفلها المختلف فحسب ولكن القصور الكامن في كل واحد من أفرادها وفي كل فرد من أفراد المجتمع المحيط بها.ومرة أخرى تأتينا بعض الدروس الرائعة من هذا الوعي التام بحقيقة الضعف البشري، دروس في الحب غير المشروط والدعم غير المشروط للابن المختلف و لحقه في أفضل الخيارات الممكنة، دروس في النضال اليومي من أجل منح المجتمع مواطنا  متعلما مسؤولا حاملا لقيم و لرسالة، نفس المواطن الذي لا يستثمر المجتمع نفسه الكثير من أجل الحصول عليه،نفس المواطن الذي تعجز أسر كثيرة جدا عن تخريجه بعد ان اختزلت دورها كمؤسسة بيولوجية في التناسل وحده.
أمعني النظر حولك وأرهفي السمع و التقطي مثل هذه الدروس والرسائل،لأن وعيك بالضعف هو ما قد يجعل منك أكثر قوة مثلما ان الاعتقاد التام في امتلاك القوة يجعل صاحبه أكثر ضعفا وهشاشة.
وتذكري ان لحديث القوارير دوما بقية.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق