السبت، 28 يوليو 2012

ناقد... ام ناقم؟

من حسنات مجتمعاتنا المنفتحة على وسائل التواصل والاتصال انها تتيح لكل شخص ان يعبر عن رأيه فيصير مسموعا ومعروفا لدى الناس،كما تتيح للناس ان يعبروا عن رأيهم فيما يكتب ويقال فيوافقونه أو يخالفونه.لكن هذا التواصل لا يخلو من سلبيات فهو يتحول احيانا كثيرة من النقاش حول أفكار بعينها الى تبادل الاتهامات والشتائم.اذ بوسع شريط فيديو حول كواكب المجموعة الشمسية على موقع يوتيوب مثلا ان يشعل حربا ضروسا بين مؤمنين بوجود خالق للكون وملحدين بذلك،كما يمكن لمقابلة كرة قدم او برنامج مسابقات ترفيهي ان يكشف مدى تمزق المشاعر القومية لدى شعب يسمى ويوصف بكونه عربيا مسلما،وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك يبدأ النقاش حول قضايا ويتحول الى جدال عقيم بشأن قضايا اخرى مختلفة تماما..ومهما كانت طبيعة الموضوع المطروح فان طبيعة الردود والتعليقات في الكثير من الاحيان تعبر عن فقر شديد في امتلاك ادوات التفكير النقدي السليم.

 الحق في الاختلاف وليس ا لحق في اقصاء الاخر

لا احد يجادل في حق كل شخص في الاختلاف وفي الاحتفاظ بقناعات وافكار قد لا تناسب الاخر او توافق معتقداته،بالمقابل فان ممارسة الحق في الاختلاف لا تعني اقصاء الاخر عبر التضييق على فرص تعبيره عن رأيه أو التقليل من شأن قناعاته او مهاجمته بشكل مباشر..
في الممارسات اليومية يطالب كثيرون بحقهم في الاختلاف لكنهم لا يحترمون هذا الحق لدى مخالفيهم.ولنضرب مثلا ببعض وسائل الاعلام أثناء طرحها قضايا معينة للنقاش،اذ نجد المنبر الاعلامي منها مفتوحا في وجه انصار قضية معينة وممنوعا في وجه معارضيهم او العكس،وعندما يتم استضافة الطرفين،تتم محاصرة احدهما بالكثير من التعليقات التي تهدف الى اضعاف موقفه امام المشاهدين او القراء...وقد يتحول الحق في الاختلاف الى حق في اقصاء الاخر لدى المواطنين انفسهم عندما يعبرون عن مرجعيات دينية مختلفة او قناعات سياسية وايديولوجية متعارضة.

 ضرورة النقد والنقد الذاتي

يصور البعض النقد كمعول يحفر هنا وهناك للتحقق من صلابة البناءات واسسها..لذلك فمن طبيعته ان يهدم ما كان مهترئا او مبنيا بشكل مغشوش...ولهذا السبب بالتحديد فالنقد ليس مستحبا كثيرا لدى البعض منا..فالهدم يخيف لانه يضع على عاتقنا مسؤولية اعادة البناء.
وفي مجال الافكار من السهل جدا ان نحتفظ بمعلومة متداولة مهما كان خطؤها، لان تعريضها للنقد وفضح تهافتها يلزمنا بالبحث عن المعلومة الصحيحة.ولنا ان نتخيل كم المعارف التي نحتفظ بها وكم العمل الذي يتطلبه منا تصحيح كل الاخطاء التي نركن اليها في اطمئنان احيانا كثيرة..
لكن يجب ان نعترف لانفسنا دوما بمبدأ منطقي بسيط: الفكرة التي لا تدافع عن نفسها امام النقد لا تستحق ان ندافع عنها.

 النقد تفكير معقلن وهادف

عندما نمارس النقد فان الهدف هو التثبت من مدى صحة اعتقاد اوفكرة ما،وليس موجها لاثبات الخطأ فيها الا بمقدار ما تكشف الفكرة نفسها عن اخطاءها.لهذا لا ينبغي ان يتحول النقد الى شخصنة تهاجم صاحب الفكرة بالتشكيك في نواياه او التقليل من كفاءته،لان النقد الحقيقي لا يهتم بالاشخاص بل بالافكار مهما كان المعبرون عنها.فمن السهل مهاجمة حامل الرسالة بينما فحص الرسالة نفسها يتطلب منا مجهودا لفهمها ومعرفة مسبقة بالموضوع والماما بجوانبه.لذلك سيكون من الحكمة لو واجهنا موقفا لا نملك الكثير من المعطيات حوله ان نمتنع عن انتقاده- ولو لم نرتح الى مضمونه- لان فحص الافكار لا ينبغي ان ينطلق من عماء الجهل بسياقها واسسها.

  النقد السليم يحررك

لقد تحدث البروفيسور المغربي المهدي المنجرة كثيرا عن مفهوم المجتمع المعرفي،مجتمع يكون التركيز فيه على المعلومة وطرق تداولها،ويكون راسماله الاساسي ليس ان يملك اكثر ولكن ان يعرف اكثر،ليس فقط عن الاشياء ولكن ان يعرف اكثر عن الذين يعرفون..ولنا ان نتخيل انه في المجتمع الذي يكون فيه امتلاك المعلومة بهذه الاهمية تتعاظم فيه ايضا اهمية امتلاك اساليب التثبت منها.
قد يشاركك الملايين من الناس الموقف الذي يصدف ان تتبناه عن جهل وتهاجم المعارضين له عن جهل كذلك.وقد لا ينشأ هذا الموقف لديك ولديهم بشكل اعتباطي،بل احيانا كثيرة ما يتم خلق رأي عام حول قضايا معينة بشكل دقيق وممنهج.يدخل هذا في اطار ما يسمى بالسلطة الناعمة soft power والتي تنجح من خلال استراتيجيات معينة في استقطاب وتعبئة جماهير الناس مع او ضد قضية معينة فيتحمسون للدفاع عما يعتقدونه تعبيرا عن ارادتهم المستقلة.

في المجتمع المعرفي ليس مسموحا لنا بالجهل او النقاش عن جهل لان المعلومة التي تجهلها يمكن ان تستعبد بسببها ولذلك يكون الموقف السليم ان نستمع لكل ما يصرح به وان نبحث فيه عن المسكوت عنه وان لا نتوقف ابدا عن ممارسة النقد والنقد الذاتي..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق