السبت، 12 سبتمبر 2015

تائهون عن انسانيتنا

يجلسون بأريحية خلف شاشات حواسيبهم او هواتفهم المحمولة او لوحاتهم الالكترونية،يمررون اصابعهم من خبر الى خبر ضجرين بعدما أشبعوا بطونهم،يتجشأون بصوت مسموع جدا دون أن يقلق أمنهم شيء.
يتوقفون مثل غربان شؤم عند أخبار الموت،ينشرون صور الجثث، يسجلون اعجابهم بمنظر الصرعى،يمططون شفاههم تقرفا من منظر الدماء و دموع المكلومين،إن حدث وكان الواحد منهم ساعة وقوع حادثة او اعتداء فإن أول ما يفعله هو تسجيل فيديو لكل شيء، لا يعرف رقم الاسعاف،ولم يفكر قط في تقديم اسعافات أولية،و لم يحدث ان جرب الاتصال بالشرطة،ومع كل ذلك يستمر في تسجيل الفيديو و هو يتذمر بصوت مرتفع من سيارات الاسعاف التي لا تأتي أبدا و عن "الحناش" الذين لا يغادرون دائرة الأمن الا عندما يكون هناك دم.
يتوقفون كثيرا عند أخبار الفضائح، يحبون مشاركة فيديوهات وصور الاعتداء،و يدخلون مناقشات حامية كلما مات الناس بالجملة في مكان ما من العالم: ما دينهم؟ ما لونهم؟ ما جنسهم؟ ما كانوا يفعلون هناك؟ هم يستحقون اكثر..والمدافع عنهم ينبغي ان يموت معهم
كلما قرأت ترهات مشابهة يكبر مارد غضبي لكنه لادبي لا يخرج من قمقمه،و اشتهي...نعم اشتهي ان يجد الواحد من هؤلاء نفسه دون سابق انذار في ساحة حرب اعزل من كل شيء: من بيته،من هاتفه المرتبط بالنت،من عشيرته،من كل شيء ،اعزل الا من انسانيته،فيتعلم ان كان في جوفه شيء من حب بقاء ان يصنع منها درعا يدفع به الرصاص الذي يتهاطل عليه من كل الجوانب دون ان يستوعب لماذا اوكيف؟ ان يغزل منها كلمات تطير كالحمائم الى قلوب المحتلين والمعتدين علها تقنعهم برغبته في الحياة..
نعم اشتهي ان يجد الواحد من هؤلاء نفسه في واد ضاق بمياهه كما ضاقت نفوسهم باعطابها..عله يرمي نظرة استعطاف الى الناس في الضفة دون ان يجدهم منشغلين عن نجدته بتسجيل فيديو احتضاره
نعم اشتهي ان يجدوا انفسهم فجأة في احدى حلقات "البعد الخامس" فيجد كل واحد منهم نفسه مع الذين نشر صورهم وفيديوهاتهم في قلب الحدث، أيا كان الحدث، حربا او حريقا او فيضانا او سقوط رافعة ،دعهم يعيشوا اللحظة كي يتحدثوا عن دراية،دعهم يعيشوا التجربة كي يكون لتعليقاتهم معنى، دعهم يرجعون من قلب الحدث لكي يخبرونا ما الفرق بين روح تزهق من جسد هذا و روح تذهب الى بارئها من جسد ذاك..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق