الجمعة، 15 سبتمبر 2017

انهيار



ثمة لحظات غريبة..حين تقف إزاء نفسك باندهاش الإنسان الأبدي إزاء المجهول. حين تكون انت انت لكن دون ان تكون ذاتك حقيقة..دون ان تكون ذاتك بالكامل..حين تشعر ان ثمة شيئا ما يتسرب من كينونتك كما يتسرب الماء من بين أصابعك دون ان تستطيع منعه..حين تشعر ان كل لحظة تمر تجعلك آيلا للسقوط أكثر  فأكثر..
تلك اللحظات حيث تفاجئك ملامحك في المرآة عادية جدا، و تسمع صوتك يعانق أصوات الآخرين بمرح، تعقب ذلك ضحكة رنانة تخرج من مكان ما فيك و يتلقاها الآخرون ضاحكين..وانت..انت تنظر الى كل ذلك ..وتشعر انك أبعد ما تكون عن كل ذلك..وان تفاصيل المشهد لن تنسيك حقيقة صارخة: ان ثمة انهيارا بداخلك..
تلك اللحظات حين ترى نفسك في عيون الآخرين كاملا.. بنيانا شيد على مهل تنطق تفاصيله بالصلابة و التحدي.. وترى نفسك آيلا للسقوط..هكذا فقط.. آيلا للسقوط.
سقوطك الذي يقترب كلما تأملت حجم الخراب بداخلك..سقوطك الذي يصير أقرب كلما تأملت كل غرف دواخلك المهجورة..بقايا أمتعة عششت بين ثناياها انواع الحشرات والقوارض..سقوطك الذي يصير حقيقة كلما طالت الرطوبة أعمدة البنيان..جدران الغرف..و أقفال الأبواب التي لم تنفع يوما لا في حماية عالمك من غزو الغزاة و لا في إقناع الراحلين بالعدول عن الرحيل.كل شيء يصدأ..كل شيء يتعفن..كل شيء يتحلل في رحلته المحتومة نحو العدم.
ثمة لحظات غريبة..حين تقف إزاء بنائك الآيل للسقوط و بخبرة مقاول ضليع تتحرك عيناك المدربتان في كل الاتجاهات..فتقدران بمهارة كلفة تجديد شامل دون ان تفلحا في اقناع يديك بالعمل على ترميم اي شيء فيك..
ثمة لحظات غريبة تملأ دواخلك برفض محض..تصير لاءاتك حقيقتك البسيطة و الاصيلة في زمن التيه، وحدها بناءاتك التي شيدتها على مهل ردحا من الزمن لتصير شيئا خارجيا غريبا عنك تماما، وحدها تلك البناءات التي نسبتها الى نفسك فيما مضى و اغتربت فيها وبسببها ولنقل بفضلها، وحدها تلك البناءات ستبقى شاهدة على حقيقة غربتك وحقيقة انهيارك..وحدها تعرف جيدا لماذا لم يعد اي شيء يستحق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق