الاثنين، 21 يوليو 2014

ذات..تاريخ

كنت طالبة في سنتي الاولى بالجامعة،عندما طلبت مني مؤطرة بجمعية كنت قد التحقت بها للتو اعداد "درس ديني" فاخبرتها اني لا اريد اعداد "موعظة" ولكن احب ان اعد موضوعا نناقشه بشكل علمي..
ربما رغبت السيدة في تشجيع هذه القادمة الجديدة (أنا) فقبلت على مضض..لم أكن أعرف الشيء الكثير عن أحداث الفتنة الكبرى، فالتاريخ الرسمي الذي درسته في مؤسسات التعليم مثل غيري سكت عن تلك الاحداث،و لا اذكر ان أيا من أساتذتي تطرق للموضوع ولو إشارة..لذلك جذب الموضوع اهتمامي ولو اني لا اذكر اين سمعت العبارة للمرة الاولى..
لم يكن البحث على شبكة الانترنت ساعتها منتشرا كما هو اليوم،ولذلك كنت ابحث في مصادر تاريخية مختلفة..وعوض ان يستغرقني اعداد الموضوع بضع ساعات كما توقعت،وجدتني اغرق بين اجزاء "البداية والنهاية" لابن كثير و"تاريخ الامم والملوك" للطبري و غيرها..كنت مشدوهة ومشدودة الى كل سطر اقرأه..كنت اغوص في تفاصيل الاحداث لدرجة افقد معها الاحساس بالوقت وبكل من حولي ولا اعود الى القرن الواحد والعشرين الا على يد القيم على الخزانة وهو ينبهني انه حان وقت الاغلاق..استمر الوضع معي هكذا لمدة لم اعد اذكر اكانت اياما ام اسابيع..
قرأت عن حروب الصحابة..تعرفت على الشيعة..وعلى الخوارج..قرأت عن الأمويين وعن مذبحة كربلاء وعن مجازر العباسيين..كنت اضع يدي على فمي كلما غالبني شعور بالغثيان وانا اقرأ عن مذابح ارتكبت في المساجد،وعن جثث نبشت من قبورها وعلقت وعن اصناف مقرفة من التعذيب وعن قرون طويلة من الاضطهاد..كنت كمن يقرأ تاريخا آخر غير الذي حصلت فيه على معدلات عالية طوال سنوات دراستي الاعدادية والثانوية..لو سئلت قبل ذلك عن هذا التاريخ لظننته تاريخ امة اخرى او تاريخ المسلمين في كوكب اخر او بعد اخر..
بدا كل شيء كما لو كان مرتبطا بالدين في كل صفحة من التاريخ..لكني وانا أقرأ لم اخطئ رائحة السياسة في كل ما جرى..كان عفنها يزكم الانوف..و فهمت يومها معنى ان تلبس الفظاعات لباسا دينيا..
لم اشعر بالخجل لتديني بالاسلام ولم يزعزع ما قرأته قناعاتي الدينية ،بل بقدر ما خرج البعض من نفس رحلتي متحسسا متقرفا من كل ما هو ديني..بقدر ما خرجت متحسسة متقرفة من كل شرعنة للعنف والاستبداد باسم الدين..
لطالما شعرت بالاسف كلما قرأت عن نشاط جهة تحسب نفسها جهادية و هي تمارس الارهاب لاسباب سياسية بغطاء ديني..وعندما رأيت فظاعات داعش لأول مرة تذكرت الخوارج قبل ان تصفهم بعض الكتابات ب"الخوارج الجدد"..اما وانا اسمع صوت خليفتهم في القرن الواحد والعشرين و هو يقول: "وليت عليكم " فقد شعرت بغضب شديد..في كل مرة يطلع على المواطن من يدعي تحمل امانته دون ان يعبأ باستشارته فيما اذا كان يقبل به ام لا؟ !!! مرة باسم الثورة البعثية ومرة باسم الحرب من اجل الديمقراطية ومرة من اجل اقامة دولة الخلافة..
الذين يعرفون دين الله حق معرفته يدركون جيدا حق المواطن في تقرير مصيره و قداسة دمه وحرمة حياته..
الذين يعتقدون انهم اعرف من المسلم بمصلحته يحتاجون الى العودة الى كتاب الله واعادة قراءته حيث يحاور الله عز وجل عباده وهو خالقهم بالحجة لاقناعهم،فقبل ان تقنع نفسك بالجهاد لاقامة دولة الخلافة جاهد نفسك اولا فدولة الخلافة لا تقوم على الجهل والوحشية..
الذين يقنعون غيرهم بالجهاد و يتوارون خلف مناصبهم القيادية يعرفون انهم ليسوا افضل من اعدائهم "المفترضين" وانهم على اتم استعداد للتحالف مع اي كان..
من يضيع في تاريخنا المكرور هم اولئك الذين يحملون السلاح معتقدين انهم يحسنون صنعا فيتحملون وزر الارواح امام الله والناس..وكذلك اولئك الذين شاء سوء حظهم ان يقعوا بين ايديهم فيذبحون ويرجمون ظلما وعدوانا..
اما المؤسسون الفعليون لهذه الجماعات فلا فرق بينهم وبين الجهات التي أوجدوا كيانهم من اجل محاربتها..يفاوض بعضهم بعضا في السر حول الاستراتيجيات والاهداف و ثمن كل حرب ثم يجند كل منهم اتباعه في العلن ليقتتلوا و كل منهم يرسم لمعسكره اسما دالا و اهدافا لا تسحر غير من قبل ان يجعل من نفسه تابعا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق