الاثنين، 5 أكتوبر 2015

سياسة "هن"



المرأة والسياسة، فاتنتان تمتعت كل منهما عبر تاريخ المجتمعات البشرية بسحر خاص في عقول الرجال. بصعوبة وعلى مضض تقبل هؤلاء اجتماعهما معا في شخص امرأة سياسية، فالنساء اللواتي مارسن السياسة بجدارة لطالما اعتبرن استثنائيات في عالم ذكوري محض.
تتطلعين الى نساء العالم "المتقدم" وتتصورين انهن محظوظات لأن بوسع الواحدة منهن ان تلج عالم السياسة بكل يسر ودون تمييز،ربما تعيدين النظر اذا علمت انهن لم ينلن حق التصويت في معظم البلدان الاوروبية الا بعد الحرب العالمية الثانية اي بعد ما يقارب القرنين على الثورة الفرنسية التي اعلنت حقوق الانسان و المواطن دون ان تعتبر مع ذلك المرأة كائنا كامل المواطنة بحيث يكون لها صوت سياسي مسموع، وقد دفعت الفرنسية "اولمب دو روج" حياتها ثمنا لمطالبتها بذلك.
لو بحثت في تاريخ المجتمعات قديمها و حديثها لوجدت أسماء لنساء مارسن بشكل او بآخر تأثيرا مباشرا او غير مباشر على المناخ السياسي في بلدانهن، سواء كن ملكات حكمن بلدانهن بشكل فعلي، محاربات قدن جيوش الرجال في الحروب او كن مقربات بشكل او بآخر من دوائر الحكم، لكنهن كن دوما قلة قليلة مقارنة بالرجال، ملاحظة كهذه تبين لك أن النساء في كل مكان عبر التاريخ خضن معارك  قاسية –على رمزيتها- لإيجاد موطئ قدم لهن في عالم السياسة و إسماع أصواتهن، كان عليهن في كل مرة تكسير الأفكار النمطية والنماذج الجاهزة التي تصورهن اجساما جميلة لم تخلق الا للمتعة و انجاب الاطفال.ولذلك استلزم الأمر نساء بقوة وذكاء استثنائيين احيانا كثيرة.
تتعدد مبررات الإقصاء، لكن الهدف كان دائما  الإبقاء على مقاليد الحكم و صناعة القرار في أيدي أقلية هي الطبقة المتنفذة، واستبعاد المرأة يعني التخلص دفعة واحدة من نسبة مهمة من الساكنة، لذلك اعتنت كل ثقافة على حدة بصياغة تصورات تبرر عدم أهلية النساء للمشاركة السياسية، في هذا السياق سنجد ان المجتمعات الإسلامية طوعت الموروث الديني أحيانا كثيرة لإبقاء النساء خارج صناعة القرار.وينبغي ان نقول ان الممارسة التاريخية للمسلمين شكلت في محطات عديدة ارتدادا عن المكاسب التي حققها الإسلام للمرأة والتي كانت في ذلك الوقت ثورية بكل المقاييس، لن اتحدث هنا عن القطع مع سلوك الوأد،او استقلالية الذمة المالية للمرأة وجعلها تتمتع بحرية في التصرف في مالها بيعا و شراء دون وصاية الرجل،كما لن أتحدث عن ضمان حقها في الإرث الى حد جعلها في وضعيات محددة ترث اكثر مما يرث الرجل،سأتحدث عن شيء يعنينا في هذا السياق، مبايعة المؤمنات للرسول عليه الصلاة والسلام المذكورة في الآية 12 من سورة الممتحنة وهي دليل قرآني صريح على أهلية المسلمة كمواطنة كاملة المواطنة، تعرض عليها قواعد محددة و يطلب منها اعلان موافقتها عليها ما كانت ضمن الاستطاعة و المعروف، صحيح ان المجتمع الاسلامي الناشئ قبل 14قرنا لم يكن يتبنى نظاما تمثيليا وممأسسا مماثلا لما تشهده عصورنا الآن، لكن في ذلك الوقت،وربما مبكرا جدا بالنسبة لمعظم المجتمعات، كان للمرأة صوت سياسي وإرادة وقدرة على الاختيار  تؤخذ بعين الاعتبار.
حاليا يقاس تقدم المجتمعات على مستوى التنمية البشرية من خلال مؤشرات عديدة من بينها مدى تمكين المرأة، و تناضل النساء في كل بقاع العالم من اجل الحصول على تمثيلية اوسع في المجالس والهيئات المنتخبة،وحتى في العالم الغربي "المتقدم" لم تكن نسب الحضور النسائي على مقاعد البرلمانات والوزارات لترتفع لولا اتخاذ اجراءات استثنائية تقضي بتخصيص عدد محدد من المقاعد لترشيحات النساء (او ما يعرف بنظام الكوطا)،اجراءات بنيت على قناعة بجدوى التمييز الايجابي لصالح النساء لتسهيل ولوجهن الى مراكز القرار وذلك مع التطلع لتحقيق المناصفة التي تجسد بالنسبة للكثيرين مؤشرا عمليا دالا على المساواة بين الرجل والمرأة كمواطنين من الدرجة الاولى.
في المغرب وعلى غرار الدول العربية الاخرى،تسلط الأضواء في كل تجربة انتخابية على عدد ترشيحات النساء وعدد المقاعد التي حصلن عليها، خصوصا بعد أن أقر الفصل 19 من دستور 2011 على المساواة بين الرجل والمرأة كمواطنين في الحقوق والواجبات كما التزم بتحقيق  المناصفة ومحاربة أشكال التمييز باحداث هيئة خاصة لهذا الغرض، اضافة الى تفعيل صندوق الدعم المخصص لتشجيع تمثيلية النساء، بناء على ذلك يقيس الكثيرون باهتمام شديد التقدم الذي يحققه المغرب في هذا المجال من خلال نسب حضور النساء في المجالس الجماعية ومجالس الجهات والبرلمان وغيرها من المؤسسات المنتخبة.
من المهم ان ندرك في هذا السياق ان التركيز على نسب التمثيلية النسائية في المجالس المنتخبة يقزم المشاركة السياسية للمرأة و يختزلها في بعدها الحكومي، لا يعني هذا انكار أهمية ما تحقق الى حد الآن،بل التحذيرمن  الهوس بالأرقام الذي قد ينتهي الى جعل حضور النساء صوريا و غير مؤثر بشكل فعلي.
من جهة ثانية فلو وسعنا دلالة المشاركة السياسية للمرأة لوجدنا انها تتضمن أيضا جهود النساء في منظمات المجتمع المدني التي تضع الاصبع على مكامن الخلل في الأداء الحكومي وتضطلع بدور المراقبة والنقد احيانا،كما تفتح احيانا أخرى النقاش حول عدد من القوانين التي  ينبغي تعديلها او تجاوزها.
ان كنت تقرئين هذا المقال الآن و تفكرين انك لا تهتمين كثيرا لشؤون السياسة، دعيني اوضح لك اولا انه لا علاقة لفكرتك هاته بكونك امرأة، كثيرون من الرجال أيضا لا يحفلون بالسياسة و لا يتعبون اذهانهم لفهم خيارات السياسيين، و دعيني اخبرك ثانيا -كما اخبر الرجل- انه بغض النظر عن اهتمامكما بالسياسة من عدمه، ستتدخل السياسات العمومية في كثير من مناحي حياتكما كمواطنين، سواء تعلق الأمر بسعر الخدمات التي توفرها الدولة،او جودتها او التدابير المتخذة لحماية حقوقكما من الانتهاك.
يشعر البعض –رجالا و نساء- انهم سيخلقون التغيير نحو الأفضل من داخل الحكومات و المجالس التشريعية، فيمارسون العمل السياسي الذي يمنحهم السلطة اللازمة للتحرك والعمل.فيما شريحة واسعة من الناس لا ترغب في جعل السياسة مهنة او انشغالا دائما، مع ذلك فهم  يملكون سلطة في الغالب لا يعونها واذا فعلوا لا يقدرونها حق قدرها.
ان تحدثي تغييرا تاريخيا في وطنك لا يعني بالضرورة ان تكوني ملكة تفكر من خلال تاج الحكم او محاربة تفرض بقوة السلاح ارادتها، لا يستلزم دوما ان تقودي حملة انتخابية لاقناع الناس بالتصويت لصالحك، ربما بدأ الأمر معك على مقعد حافلة كما حدث  عام 1955م مع روزا باركس، الامريكية من اصول افريقية التي  رفضت ترك مقعدها لراكب ابيض رغم امتثال ثلاثة رجال سود لأوامر السائق العنصرية والقاضية باخلاء اماكنهم للركاب البيض.كلما احتاجته روزا باركس هو ايمانها الاصيل بكرامتها الانسانية و بمساواتها مع غيرها من المواطنين في الحقوق والواجبات.لذلك نطقت كلمة صغيرة سيتردد صداها الى الأبد: "لا"
تذكري ان تتمسكي بحقك في الرفض كلما صادفت وضعا مهينا،استغلالا، قانونا غير عادل، او خدمة اقل جودة  مما تستحقه  انسانيتك، سيبدو الأمر شخصيا في البداية لكنك لن تتخيلي حجم الضغط السياسي الذي قد تحدثه لاءات الناس عندما تجتمع.
تذكري ان المستبدين،والجلادين،والفاسدين، والمتعصبين،والارهابيين،والخونة،والقتلة،وقطاع الطرق،والمغتصبين، والمتحرشين، واللصوص، والغشاشين، والمحتالين،والانتهازيين،و كل من يشكل سلوكه تهديدا او انتهاكا لحرمة الانسان وحقوق و خيراته، كل واحد من هؤلاء قدم الى هذا العالم من رحم امرأة، حملته بين ذراعيها قطعة لحم لا تعي من امر وجودها شيئا، كل الشرور التي تغمر العالم، بدأت بشكل ما من منازلنا،لذلك فأعظم مشاركة سياسية ان تدركي هذه الحقيقة و تعيشي وفقها،لذلك أيضا وأنت تقررين انشاء اسرة، اهتمي باختيار الشريك المناسب، اهتما معا بتنشئة اطفالكما على تقدير الانسانية الكامنة في كل انسان بغض النظر عن جنسه او عرقه او اي اعتبار آخر، على احترام ممتلكات الغير، على الامانة والمسؤولية ،على التسامح..و على غيرها من القيم التي تحبين ان تعاملي وفقها.
وطن أفضل، ان استطعت ان تحققي من هذا الهدف شيئا من تحت قبة البرلمان او في دواليب الحكومة فذلك لن يكون جديدا على مخلوق ذكي مثلك، والم ترغبي في ذلك تذكري ان بوسع الوطن ان يكون بحجم البيت، بيتك، وكلما كان بيتي و بيتك و بيت الآخر مدرسة يتخرج منها المواطنون الشرفاء كلما كان الوطن الكبير بخير.
تذكري اخيرا وانت تقرئين هذا ان لحديث القوارير دوما بقية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق