‏إظهار الرسائل ذات التسميات حدث ورأي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حدث ورأي. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 13 يناير 2016

الكرامة شأن حكومي

بضع ملاحظات للتفكير بصوت عال:
- يتم تعنيف المحتجين بشكل دموي في مدينة انزكان و في اليوم الموالي يحل وزير العدل الرميد في مدينة اكادير لحضور اشغال ندوة حول استقلال القضاء، وحسب ما نشرته بعض الصحف طلبت الوالية زينب العدوي من الرميد الاجتماع بمجموعة غاضبة من الاساتذة المتدربين الذين كانوا هناك اثناء الندوة
- تصريحات لمسؤولين مختلفين (من بينهم رئيس الحكومة) تفيد تارة بعدم علمهم بتعنيف المحتجين وتارة اخرى بدعمهم لقرار المنع
- تصريح لوزير الداخلية اكد فيه ان قرار المنع تم باتفاق مسبق مع رئيس الحكومة
- تصريح لرئيس الحكومة امام مجلس المستشارين يقسم فيه انه لم يكن على علم بتعنيف المحتجين لكنه يتحمل مسؤولية ما حدث
- بثت القناة الثانية في نشرتها المسائية تصريح وزير الداخلية دون اي اشارة الى تصريح رئيس الحكومة.
لدي اعتقاد ان رئيس الحكومة لم يكن في الغالب على علم بتعنيف المحتجين ( موافقته على منع التظاهر لا تعني الموافقة على التعنيف لان المنع يمكن ان يتم بطرق مشروعة بعيدة تماما عن التنكيل)
يحاول رئيس الحكومة في دعمه لرجال الامن ان يحافظ على تماسك بيته الحكومي وقد ذكرني كلامه الموجه ل "سي حصاد" (ولا ادري الى اي حد تجوز المقارنة في هذا السياق) بخطاب مطول للرئيس المصري السابق محمد مرسي وهو يوجه كلامه لعناصر الجيش: "عندنا في الجيش رجالة زي الذهب..." وكان في الصف الامامي من الحضور الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي وكان وزيرا للدفاع انذاك، كان يجلس في ثقة وعلى وجهه ابتسامة ذات معنى، فكرت في نفسي ساعتها ان مرسي يحاول المهادنة لكن شيئا ما اخبرني ان ذلك لن يفيد بشيء، و بالفعل لم يفد بشيء لانه في واقعة غريبة يقبل وزير الدفاع على ازاحة الرئيس المنتخب و يزج به في السجن ليحل محله لاحقا.
يحاول عبد الاله بنكيران المهادنة، ولسان حاله و وزراء حزبه "نحن نحاول الاشتغال في ظروف ممانعة شرسة، لا يمكن ان تكون الملفات الحقوقية اولوية بالنسبة الينا في الظرفية الراهنة"
لذلك في واقعة غريبة اخرى يصدر قرار بتعنيف دموي للمحتجين ينفذه رجال الامن و يصرح رئيس الحكومة بعدم علمه به.
ان يتحمل مسؤولية ما حدث ستعني في الغالب ان يتحمل غضب و شتائم الجماهير و يتلقاها بصبر لان خيار فتح تحقيق و تقديم المسؤول عن تعنيف المحتجين للعدالة لا ينسجم مع خيار المهادنة
ان كان القصد هو احراج الوزراء الملتحين وشحذ الغضب الشعبي ضدهم فالامر ينجح تماما، لان الناس لن يتفهموا -وهذا حقهم- كيف يتم تعنيف مواطنين مسالمين بشكل وحشي ثم يتصرف ممثلوهم الذين وصلوا الى المناصب الحكومية باصوات الناخبين بشكل سلبي كما لو ان دماء الضعفاء كرامتهم ليست شأنا حكوميا.

الأربعاء، 11 نوفمبر 2015

الإرث و مطلب المناصفة



يعد النقاش المطروح حول المناصفة في الإرث من المواضيع المثيرة للجدل في أوساط الرأي العام المغربي، و الحقيقة أننا - قبل اتخاذ أي موقف  بشأن توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان- بحاجة إلى ترسيخ ثقافة الحوار الهادئ و الابتعاد عن اختلاق معارك شرسة بصدد كل شيء و أي شيء. إن الجهد الذي نبذله في سبيل الدفاع عن موقف جاهز يمكن ان نصرفه في تجميع المعطيات الكافية التي تسمح لنا  بترجيح موقف على حساب آخر وبشكل موضوعي ودون تهافت،لهذا فالمقال التالي يدعو قارئه الكريم الى التفكير في السؤال التالي: هل نملك من المعطيات ما يجعلنا متأكدين من خوض النقاش السليم و اتخاذ الموقف السليم؟
يمكن للمواطن العادي ان يلاحظ ان النقاش الحالي حول الإرث يتقاطع مع مواضيع أثيرت ولا زالت تثار ( من قبيل النقاش حول الحرية الجنسية، الاجهاض،حقوق المثليين...الخ) ونقطة التشابه هنا هي في كون كل تلك القضايا تسائل ما يعتبر بالنسبة للمغاربة (أو على الاقل بالنسبة لشريحة منهم) مرجعية دينية، قيمية و أخلاقية، فهي – وخصوصا فيما يتعلق بالإرث – تقترح تعديل (أو تجاوز) ما تشرعه نصوص قرآنية قطعية و صريحة، لهذا السبب تستعر المعارك سريعا بين فريقين أحدهما يدعي تمثيل الحداثة و الآخر يدعي الحديث باسم التراث وثوابت الأمة الدينية، و هي معركة استقطاب تضيع على الجميع فرصة النضال جنبا الى جنب من اجل انتزاع المزيد من الحريات السياسية و المطالب الاجتماعية المشتركة.
إذا كان هذا النقاش آت لا محالة،فهل توقيته مناسب لا سيما انه يخلق من الخصوم (الفكريين في أحسن الأحوال) أكثر مما يقدم من الأجوبة؟
هل نملك معطيات احصائية علمية موضوعية ومستقلة عن توجهات عموم المغاربة كي نحسم فيما إذا كانوا أكثر توجها نحو الخيارات "الحداثية" او انهم لايزالون شعبا "محافظا" ؟
يمكن للمرء ان يكرر مقولاته في كل الندوات و المؤتمرات،وان يدعي الحديث باسم المواطنين من منابر إعلامية متعددة، لكن ذلك لن يكون أساسا منصفا لمشروعية أي موقف. عندما نتحدث باسم المغاربة دون ان نملك معطيات دقيقة حول آرائهم فنحن نمارس نوعا من الوصاية والحجر على إرادتهم.وفي هذا الصدد ليست هناك وصاية جيدة و وصاية سيئة،هناك وصاية وهي دوما مرفوضة، لأن الطريق الآمن نحو مجتمع ديمقراطي سليم يمر أساسا عبر تمكين الناس من القدر الكافي من المعطيات التي تسمح لهم بالحكم بأنفسهم بشكل واع و مسؤول.
تستند الدعوة الى تحقيق المناصفة في الإرث على مصادقة المغرب على الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الانسان ،و بالعودة الى نصوص الشرعة الدولية مجتمعة وتحديدا اتفاقية سيداو حول مناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة ،لا نجد ما يمكن الاستناد عليه بشكل موضوعي للقول بتعارض التقسيم الشرعي للإرث و البنود المنصوص عليها في هذه الاتفاقيات، ففي المادة الاولى من اتفاقية سيداو تعريف للتمييز على انه كل "تفرقة او استبعاد او تقييد يتم على أساس الجنس و يكون من آثاره أو أغراضه النيل من الاعتراف للمرأة على أساس تساوي الرجل والمرأة بحقوق الانسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية و الثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر،أو إبطال الاعتراف للمرأة بهذه الحقوق او تمتعها بها او ممارستها لها بغض النظر عن حالتها الزوجية" بينما تذهب باقي مواد الاتفاقية الى تأكيد المبدأ الأساسي في سيداو وهو المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات،مع الاعتراف لها بحقوق استثنائية خاصة بوظيفة الامومة.
ولا يمكن القول بشكل موضوعي إننا بصدد وضع تمييزي،فالمرأة في نظام الإرث الإسلامي لها الحق في الإرث بشكل مساو للرجل،والاختلاف بينهما يكمن في نصيب كل منهما،وهنا تستوقفنا نقطة أساسية في الدعوة الى تحقيق المناصفة في الإرث بين الرجل والمرأة، فهل يتعلق الأمر تحديدا بالآية القرآنية: "للذكر مثل حظ الأنثيين" ؟ أم يتعلق بتحقيق المناصفة في جميع حالات الإرث؟
إذ ان الآية الكريمة تهم الذكور والإناث الذين يتمتعون بنفس درجة القرابة من المتوفى، ولا يمكن الحديث هنا عن "رجل" و "امرأة" بإطلاق،فكل منهما قد يكون من الأبناء أو احد الزوجين،أو الأبوين،أو الإخوة..إلى غير ذلك من حالات القرابة،و قد خصص نظام الإرث في الإسلام للمرأة في حالات متعددة نصيبا أكثر من نصيب الرجل (على سبيل المثال لا الحصر :قد ترث أم المتوفى ثلث التركة و يرث والده السدس،و قد يرث زوج المتوفاة الربع و ترث ابنتها النصف)، لهذا فتأسيس الدعوة الى تعديل او إلغاء العمل بالنص الشرعي اعتراضا على حالة محددة لا يبدو منطقيا ولا متماسكا، لأنها تخرج الآية القرآنية  من سياقها العام و تعطيها أبعادا تمييزية غير صحيحة وغير مبررة.
ولا اظن ان أنظمة الإرث الوضعية في الدول الغربية تستجيب لهاجس المناصفة في كل الحالات،فعلاوة على فرضها ضرائب مرتفعة على التركة في بعض الدول كفرنسا،فإنها في قوانين دول أخرى كالولايات المتحدة لا تسمح بأن يرث الأبناء من الزواج الأول أي شيء من التركة سواء كانوا ذكورا او إناثا.
يبقى المبدأ الأساسي هو حق الإرث للرجال والنساء على حد سواء،أما اختلاف ما يحصل عليه كل واحد فهو أمر لا مفر منه حتى لو تجاوزنا النص الشرعي واعتمدنا اجتهادات وضعية صرفة،تماما كما ندافع عن تمتع الرجال والنساء بالحقوق الاقتصادية نفسها،ثم نقبل دون تردد بالإجراءات التي تهدف الى حماية النساء الحوامل والأمهات، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارها إجراءات تمييزية في حق الرجال.
وبناء عليه، لا يبدو الصدام المفترض بين التشريع القرآني المتعلق بالإرث و نصوص الشرعة الدولية (لا سيما منها اتفاقية سيداو) مؤسسا بشكل منطقي، إذ ليس في مقتضياتها ما يحرج المغرب و بالتالي يلزمه  بإعادة النظر في قوانين الإرث بغض النظر عن اختلافنا او اتفاقنا حول هذا التعديل من ناحية المبدأ.
أمر آخر غير متماسك يستوقفنا في هذه القضية، وهو الاعتماد فيها على تزايد اسهام النساء  في إعالة الأسر المغربية، بحيث تصبح الدعوة الى المناصفة في الإرث اعترافا بمساهمتهن في مراكمة الثروة و بالتالي في حقهن من نصيب مساو لنصيب الرجل منها.والحقيقة ان ادعاء مماثلا فيه من الديماغوجية ودغدغة العواطف أكثر مما فيه من الحجج المقنعة برغبة حقيقية في إنصاف النساء العاملات، فالتشريع القرآني يعترف للمرأة بالأهلية القانونية للتصرف في أموالها و خيراتها بيعا و شراء،لذلك لا شيء يمنعها من حماية أموالها و تسجيل الممتلكات باسمها وبالطرق القانونية اللازمة،وعوض توعيتها بالمشاكل الناجمة عن الاستثمار في الأملاك المشتركة دون ضمانات كافية نقترح تعديل نص شرعي و حرمانها بالتالي من الاستفادة من الحالات التي ترث فيها أكثر من الرجل.
كل الملاحظات السابقة تبين أن النقاش حول المناصفة في الإرث بني في الأساس على الكثير من المغالطات، افتراض الصدام بين التشريع القرآني ونصوص الشرعة الدولية حول حقوق الإنسان، المطالبة بإعادة قراءة النص الشرعي حول الإرث بناء على اجتزاء و اختزال لمعنى آية من آياته، تحويل النقاش عن ظروف عمل المرأة و شروط الحماية الاجتماعية المتوفرة لها عند العمل، عند المرض،وفي حالة الشيخوخة الى نقاش حول نصيبها من الإرث، و الحديث باسم شعب نعرف انه يعيش تحولات عميقة لكن ليست لدينا معطيات دقيقة لقراءة اتجاهات هذه التحولات.
و بالتالي فالنقاش حول المناصفة في الارث يضعنا أمام احتمالين،الأول :سوء فهم مطلب المناصفة في حد ذاته،بما يعني سوء اختيار المعركة المؤدية الى تمكين حقيقي للمرأة و تعزيز دورها ومشاركتها في أوجه الحياة الجماعية، الثاني: جعله عن قصد سلاحا للمزيد من الاستقطاب و خلق حالة تدافع وهمي من شأنها توجيه أنظار الرأي العام عن القضايا الحقيقية و تنفيس غضب البعض في وجه البعض الآخر.






السبت، 7 نوفمبر 2015

بنشقرون في ذمة الله

أقرأ عن خبر وفاة المخترع المغربي عبد الله بنشقرون
يستوقفني للحظات خبر موت شاب في الثلاثين بأزمة قلبية ثم أقول في نفسي كل شيء محتمل
لكني اتوقف طويلا و بغصة في الروح عند حقيقة مؤلمة: هذا الوطن يستمر في عقوقه للكفاءات من أبنائه و لو كانوا بررة به، لا يهم ان غادروه مبكرا مثل بنشقرون او عمروا بما يكفي لكي يرغموه على مشاهدة بعض من قبحه في مرآة شجاعتهم مثلما فعل و بكل أصالة المرحوم المهدي المنجرة.
ستكون أيها الوطن بخير عندما تبادل أبناءك الحب والاعتزاز و الاعتراف،ستكون بخير عندما ترفع اسماء المتميزين منهم،أولئك الذين يحظون بعشرات الاعترافات من الدول الاخرى و يموتون توقا لاعترافك،يموتون دونه، يموتون قبل ان ترأف و تمكنهم منه.
انهم يموتون يا وطني،وتموت انت شيئا فشيئا في الأحياء من ابنائك،و يبقى حبك في قلوب الجميع سرياليا،تأبى أنت ان تحبهم كما يستحقون،و تأبى قلوبهم أن تحب وطنا غيرك.

الأحد، 11 أكتوبر 2015

مقدسي



في العمق، كان يجب ان يكون صراعا من أجل الانسانية
في الواقع، بدأ كصراع عربي اسرائيلي
تحول الى قضية فلسطينية
ثم تدريجيا الى صراع فلسطيني-فلسطيني
توالى المنسحبون تباعا
أخيرا وجد المقدسي نفسه وحيدا إزاء محتل لا يستحيي،لا يهدأ، ولا يرحم
بزي جندي تارة و بزي مستوطن تارة أخرى
كالعادة،عميت العيون عن مشاهد الإهانة اليومية،الاعتقال التعسفي المستمر، والقتل البشع
كل الخطابات حول حقوق الإنسان تصبح ترانيم لا تجمع بين البشر الا في مملكة السماء
وعندما يجيب المقدسي بكل قهر المشردين في شوارع الحسابات السياسية،
بكل العتمة في الأرواح الضالة عن نور السلم والحرية،
عندما يجيب المقدسي،يتحدثون عن إرهاب شعبي
هل خيل إليكم حقا أن هذا الذي ولد من رحم الانتفاضة، ورضع حلم الوطن، وتعلم المشي على درب الحرية، ونطق أول كلماته من قاموس المقاومة،هل خيل إليكم ان يصبح مملوكا لوهم السلام مع محتل لا يعرف معنى السلام؟
هل خيل إليكم أن هذا الذي حكم عليه النفاق العالمي بذاكرة من حرب،ذاكرة من دمار،ذاكرة من لا شيء وكل شيء الا من وطن،هل خيل اليكم ان يشكر نعمة الحياة في ظل الاحتلال؟ان يمتن لاعتقال الاطفال؟ ان يركع لحكام الظلال؟
انشغلوا بالتفكير في الأسماء والمسميات
للمقدسي معركة حياة،وهو يخوضها على اي حال
اذا ما التقطت عدساتكم صورا له، يبتسم،فهو بخير.
لكنكم أيها المنافقون بشأن الانسانية لن تكونوا أبدا كذلك..

الأربعاء، 5 أغسطس 2015

فوضى القصاص




تحكي بضع صفحات من رواية "زمن الأخطاء" لمحمد شكري عن تفاصيل مريعة للفوضى او "السيبة" التي اجتاحت  مناطق من المغرب فجر الاستقلال،حيث كان التخوين والتعذيب و التقتيل سلوكا ينخرط فيه الافراد بشكل عفوي و  دون ادنى تفكير.
اتذكر هذا وانا اقرأ على مواقع التواصل الاجتماعي -بالصور احيانا- أنباء من هنا وهناك عن مواطنين يضربون لصا  ويفقأون عينيه او يرجمون آخر حتى الموت. ربما تعودت أبصارنا على جثث القتلى و مشاهد الدماء المتناثرة على صفحات الجرائد و القنوات الفضائية لكن ضمائرنا ينبغي الا تطبع مع كل هذا و  ان تبقى دوما يقظة لتطرح التساؤل حول ما حدث و يحدث..
ان يتدخل المواطنون بأنفسهم جماعة لمعاقبة "مجرم" او "جان" في دولة لها مؤسساتها و قوانينها فهذا مما يجب التوقف عنده بالكثير من الجدية،ليس فقط لأن عقوبتهم تجاوزت بكثير طبيعة الاعتداء (فقأ العينين والقتل من أجل سرقة) ولكن لأننا بصدد سلوك يفرغ الدولة من كل معنى و يغيب صفة المواطنة ليجعل الافراد تحت رحمة بعضهم بعضا.
ولا أكتب هذا لكي أسجل شكلا من أشكال التعاطف مع اللصوصية او الاجرام،بعيدا عن هذا على العكس من ذلك،لكنها دعوة للتفكير في مسببات سلوك المقتصين و أبعاده.دعوة الى التفكير كمواطنين في صورة أقل وحشية لمغرب لم نرد له ان يكون هكذا لكن مازال بإمكاننا ان نختار مغربا أفضل نعيش تحت حمايته.
عندما نحلل سلوك المقتصين نقرأ تعبيرا واضحا عن خوف ويأس و تفريغ لما احتقن من غضب  في شخص أول من شاء سوء حظه ان يصادفهم،ولا أدري الى اي حد يمكن ان نعتبر ما فعلوه سلوكا ثائرا لكن هيجانه امر لا شك فيه.
فلنتوقف عند الخوف أولا، المواطنون الذين لم يسبق لهم التعرض للسرقة تحت تهديد السلاح يعرفون على الاقل شخصا من ذويهم او معارفهم مر بتلك التجربة ،والذين ليسوا من هؤلاء ولا من أولئك يقرأون كل يوم على الجرائد و مواقع التواصل الاجتماعي أخبارا متنوعة عن حوادث اعتداء شنيعة.
 يتعمق الاحساس بعدم الامان كلما رأى الناس فيديوهات لضحايا غارقين في دمائهم بعد ان تم تشويه وجوههم او رأوا من جهة أخرى صورا وفيديوهات لمجرمين يتباهون بألبستهم وساعاتهم و سيوفهم دون ادنى اكتراث.يتعمق إحساس المواطنين بالخوف كلما ارتفعت مستويات الجريمة و تنوعت واغرقت في البشاعة،ومن البديهي ان تتعلق أعينهم بالقانون ومؤسسات الدولة لكي توفر لهم الحماية،ان كان بوعي منهم بمسؤوليتها الكاملة عن ذلك او عن جهل ممزوج بالعجز عن حماية انفسهم وذويهم و ممتلكاتهم في كل حين..وهنا ينبغي ان نتحدث عن تنامي شعور مقلق باليأس،يأس المواطنين من جدوى اللجوء الى الدولة ومؤسساتها،قصص كثيرة ترسخ هذا اليأس،قصص عن مجرمين عتاة حتى بعد القاء القبض عليهم وسجنهم لبضعة أشهر او بضع سنوات يخرجون ليعيثوا في الارض فسادا من جديد، وحتى عندما يقرر احدهم بعد عمر من الاجرام ان يتقاعد تكون شوارع الحي قد قدمت عددا من المراهقين اليافعين الذين التحقوا بقطار الجريمة للتو من أجل قيادته بكل عنف وعنفوان شبابهم..بقدر قتامة هذه الصورة بقدر ما يتنامى يأس الناس و يتضاعف قلقهم و توترهم.
لكن اسباب التوتروالغضب لا تقتصر فقط على السرقات التي تحدث هنا وهناك في احيائنا،لان الغضب الحقيقي الدفين ( دفين بسبب الجهل ممزوجا بالخوف) سببه سرقات اخرى تحدث على مستوى اعلى،على مستوى الاموال العمومية التي تعد بملايير الدراهم،سرقات اضحى المواطن المغربي اكثر وعيا بها مما مضى،بسبب ارقام تنشر من حين لآخر على وسائل الاعلام المختلفة حول اجورخيالية او امتيازات او تعويضات بغير استحقاق او نهب واختلاس مباشرين، يقرأ و يهتاج ثم يلزم الصمت دونما وسيلة للتأكد من صحة ما ينشر او نية للبحث والمطالبة بتفسير لما يقرأ،و ذلك طبعا مع يأس متجذر من اي تغيير،يقرأ المواطن عن مبالغ بملايير الدراهم تنهب او تبذر،ثم ينصرف في كمد الى هاجسه المعتاد في جعل راتبه او مدخوله الهزيل يسد حاجياته المتزايدة،وعندما يجد لصا في سوق او شارع عام او يسمع الاخرين يصرخون "لص !! لص !! " و ينهالون عليه ضربا او رميا بالحجارة ينخرط بكل غضب و حقد و يده مع يد الجماعة، وكأن الشخص الذي وقع بين أيديهم هو كل لصوص البلاد مجتمعين، وهم يهوون بقبضاتهم و حجارتهم لا يتساءلون: لماذا يسرق؟ كيف تحول الى لص؟ لماذا يعود الى السرقة وبشكل اعنف بعد مدة سجنه؟ أليس هناك ما يمكن فعله لمنع السرقات؟ والسؤال الاهم من كل سؤال اخر: هل سرق هذا الشخص فعلا؟
في السوق الشعبي حيث يقفون و في شارع المدينة حيث يقطنون،يشعر هؤلاء المواطنون ان لا تأثير لهم على ما يحدث في بلادهم،و انهم على بعد مسافات ضوئية من اللصوص الكبار،لذلك يصبون جام غضبهم على لص حقيبة وقع بين ايديهم،وفي العمق قد لا يكون هناك فرق بينه وبينهم، فمثلا عندما تسأل لصا لماذا تسرق؟فقد يبرر أفعاله بالفقر وضيق الحال وانعدام الافق،ولكي يحارب فقره يسرق من هم أفقر منه، كذلك المقتصون عندما يصبون غضبهم على مستضعف مثلهم.
العدالة لم تكن يوما ردود فعل انفعالية والا لما ارفق الله سبحانه وتعالى كل آية عن القصاص بأمر بالقسط والاحسان،وعظم اجر المحسنين،العدالة الحقيقية في احد أشكالها تقديم كل جان او معتد لمحاكمة عادلة،توضح فيها القرائن ويتحدث فيها الشهود ويمنح المتهم فرصة للدفاع عن نفسه و يصدر الحكم عن قاض مختص،وإذا كانت الاحكام غير زجرية او غير عادلة،ساعتها ينبغي النضال لتغيير القوانين ان كان ثمة قصور فيها،او النضال لمحاسبة القضاة ان كان ثمة شبهة فساد او الضغط على الحكومة بوزاراتها المختلفة للتعامل بشكل جدي مع الجريمة بشكل وقائي واستباقي.
ان لم تكن بالنضج والوعي والشجاعة الكافية لتنخرط في كل هذا فعلى الاقل لا تلطخ يدك بدم مواطن مثلك.فقد تفاجأ يوما ما بأحدهم يصرخ "لص !!لص !!" وقبل ان تجد متسعا من الوقت لتبحث عنه تنهال عليك الضربات من حيث لا تدري.

الثلاثاء، 12 مايو 2015

بدايات جديدة



أثارت قضية الوزيرين بن خلدون و الشوباني منذ مدة الكثير من اللغط الاعلامي،و حيث أن جولة سريعة في الصحف المتحدثة عن الامر لا تعطينا تصريحا مباشرا للمعنيين بالامر حول المسألة يبقى من الثابت طلاق الوزيرة المنتدبة و احجامها و زميلها في الحكومة عن ري ظمأ المتعطشين الى السبق الصحفي حول علاقتهما.
والسطور التالية ليست تعبيرا عن التموقف لصالح اي كان او ضد اي كان وانما هي دعوة الى التأمل فيما حصل..مع ذلك اود ان استهل كلامي بتوضيحين بسيطين:
اعتبر الرابطة الزوجية من العلاقات المقدسة التي لا يُفرِح انفصام عراها حتى لو كان ذلك برضى الطرفين..ففي كل طلاق هناك دوما شيء محزن و مؤسف..أما مسألة التعدد فهي في الحقيقة بحاجة الى الكثير من الجرأة الفقهية لتناولها و قراءة النصوص القرآنية التي ورد فيها الحديث عن التعدد بشكل يتجاوز الفهم السطحي و الذكوري الذي هيمن على تأويل النصوص الدينية لزمن طويل.
لكن الطلاق و التعدد ليسا ابرز ما يلفت اهتمامي في هذا السياق.بل موقف سيدة خمسينية تتقلد منصبا حكوميا هاما بما يعني انها شخصية عمومية تدرك تسليط الاضواء الاعلامية على حركاتها و سكناتها،تقرر هذه السيدة- باتفاق مع زوجها السابق حسب تصريحها- انهاء زواج دام ثلاثة عقود واثمر عن ابناء واحفاد. وهذا خلال تقلدها لمنصبها الوزاري وليس قبله او بعده.
قد تبدو بنخلدون بالنسبة لبعض المدافعين عن التمثيلية السياسية للنساء نموذجا سيئا للمرأة الوزيرة فهم يرجون من حضورها ان يكون حديديا وان تذكر في مجال الاستوزار بغير الزواج والطلاق والحب –الاطار النمطي الذي تحشر فيه المرأة عادة- اضافة الى ان زواجها المفترض من وزير متزوج قد يعتبر في نظرهم تكريسا لتقليد مهين تناضل المرأة المعاصرة لكسره و تجاوزه.
والواقع ان هناك بعدا مختلفا تماما يمكن قراءته في الحياة الشخصية لهذه السيدة وان كانت خياراتها في النهاية لا تعني احدا ممن يحبون اطلاق الاحكام سواء دفاعا عنها او ضدها.
يتعلق الامر بالخيارات المتاحة امام النساء في مجتمع تعود الا يمنحنهن الكثير منها، في ثقافة تجد من الطبيعي ان تستمر المرأة في زواج هو بمثابة موت يومي بطئ  لها ولكل من حولها حفاظا على مظهر العائلة المتماسكة حتى وان كانت في الحقيقة ابعد ما تكون عن ذلك.
النساء اللواتي يدركن ان عمرا من الاعتناء بالزوج والابناء قد ينتهي بعمر اخر من الوحدة والنبذ، يعرفن ان جملة "لم يعد يهمني امره،فليفعل ما يشاء،وانا سأعيش من اجل ابنائي" كانت في الحقيقة قرارا جبانا ومهينا للذات إذ أن مسؤولية المرأة تجاه أسرتها لا تعني نكرانها لذاتها وانمحاءها الا في ثقافة مريضة تبحث عن اي مبرر لاقصاءها.
في لحظة ما يكون على المرأة ان تقرر ما الافضل لها ولابنائها،و لا ينبغي ان تعني رسالتها المقدسة كأم ان تمحو باقي أّبعاد وجودها كامرأة،وفي هذه اللحظة يكون من الشجاعة ان تنسحب من علاقة غير مُرْضية بالنسبة لها،خصوصا ان كانت قد أدت ما عليها من واجبات تجاه اسرتها و مجتمعها..
ما من بطولة في الابقاء على زواج صوري، و ما من حكمة في التظاهر باننا عائلة واحدة عندما نكف فعليا عن ان نكون كذلك، وما من سن تتوقف عنده حظوظ المرأة في البدء من جديد، وما من تقليد يجعلها تقبل وضعا غير منصف او غير عادل.هذه من بين الرسائل التي  يقرأها المتأمل في طلاق سيدة خمسينية او محاولتها الزواج لمرة ثانية،ان تكون السيدة بنخلدون تحديدا قد أساءت اختيار طريق البدء من جديد، ان تكون ظالمة او مظلومة او الا تكون ايا منهما لا ينبغي ان يهمنا فهو امر شخصي لا يخص الا دائرة المعنيين بالامر، مقابل ذلك ما ينبغي ان يهمنا هو تكريس ثقافة تنال فيها المرأة (الزوجة) حظوظها كاملة في الاختيار بما يجعل بعض الأزواج يكفون عن التصرف كقدر حتمي لا مهرب للزوجة منه و يبذلون بعض الجهد للرقي بشروط المعيش المشترك.