‏إظهار الرسائل ذات التسميات في العمق. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات في العمق. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 5 أكتوبر 2015

سياسة "هن"



المرأة والسياسة، فاتنتان تمتعت كل منهما عبر تاريخ المجتمعات البشرية بسحر خاص في عقول الرجال. بصعوبة وعلى مضض تقبل هؤلاء اجتماعهما معا في شخص امرأة سياسية، فالنساء اللواتي مارسن السياسة بجدارة لطالما اعتبرن استثنائيات في عالم ذكوري محض.
تتطلعين الى نساء العالم "المتقدم" وتتصورين انهن محظوظات لأن بوسع الواحدة منهن ان تلج عالم السياسة بكل يسر ودون تمييز،ربما تعيدين النظر اذا علمت انهن لم ينلن حق التصويت في معظم البلدان الاوروبية الا بعد الحرب العالمية الثانية اي بعد ما يقارب القرنين على الثورة الفرنسية التي اعلنت حقوق الانسان و المواطن دون ان تعتبر مع ذلك المرأة كائنا كامل المواطنة بحيث يكون لها صوت سياسي مسموع، وقد دفعت الفرنسية "اولمب دو روج" حياتها ثمنا لمطالبتها بذلك.
لو بحثت في تاريخ المجتمعات قديمها و حديثها لوجدت أسماء لنساء مارسن بشكل او بآخر تأثيرا مباشرا او غير مباشر على المناخ السياسي في بلدانهن، سواء كن ملكات حكمن بلدانهن بشكل فعلي، محاربات قدن جيوش الرجال في الحروب او كن مقربات بشكل او بآخر من دوائر الحكم، لكنهن كن دوما قلة قليلة مقارنة بالرجال، ملاحظة كهذه تبين لك أن النساء في كل مكان عبر التاريخ خضن معارك  قاسية –على رمزيتها- لإيجاد موطئ قدم لهن في عالم السياسة و إسماع أصواتهن، كان عليهن في كل مرة تكسير الأفكار النمطية والنماذج الجاهزة التي تصورهن اجساما جميلة لم تخلق الا للمتعة و انجاب الاطفال.ولذلك استلزم الأمر نساء بقوة وذكاء استثنائيين احيانا كثيرة.
تتعدد مبررات الإقصاء، لكن الهدف كان دائما  الإبقاء على مقاليد الحكم و صناعة القرار في أيدي أقلية هي الطبقة المتنفذة، واستبعاد المرأة يعني التخلص دفعة واحدة من نسبة مهمة من الساكنة، لذلك اعتنت كل ثقافة على حدة بصياغة تصورات تبرر عدم أهلية النساء للمشاركة السياسية، في هذا السياق سنجد ان المجتمعات الإسلامية طوعت الموروث الديني أحيانا كثيرة لإبقاء النساء خارج صناعة القرار.وينبغي ان نقول ان الممارسة التاريخية للمسلمين شكلت في محطات عديدة ارتدادا عن المكاسب التي حققها الإسلام للمرأة والتي كانت في ذلك الوقت ثورية بكل المقاييس، لن اتحدث هنا عن القطع مع سلوك الوأد،او استقلالية الذمة المالية للمرأة وجعلها تتمتع بحرية في التصرف في مالها بيعا و شراء دون وصاية الرجل،كما لن أتحدث عن ضمان حقها في الإرث الى حد جعلها في وضعيات محددة ترث اكثر مما يرث الرجل،سأتحدث عن شيء يعنينا في هذا السياق، مبايعة المؤمنات للرسول عليه الصلاة والسلام المذكورة في الآية 12 من سورة الممتحنة وهي دليل قرآني صريح على أهلية المسلمة كمواطنة كاملة المواطنة، تعرض عليها قواعد محددة و يطلب منها اعلان موافقتها عليها ما كانت ضمن الاستطاعة و المعروف، صحيح ان المجتمع الاسلامي الناشئ قبل 14قرنا لم يكن يتبنى نظاما تمثيليا وممأسسا مماثلا لما تشهده عصورنا الآن، لكن في ذلك الوقت،وربما مبكرا جدا بالنسبة لمعظم المجتمعات، كان للمرأة صوت سياسي وإرادة وقدرة على الاختيار  تؤخذ بعين الاعتبار.
حاليا يقاس تقدم المجتمعات على مستوى التنمية البشرية من خلال مؤشرات عديدة من بينها مدى تمكين المرأة، و تناضل النساء في كل بقاع العالم من اجل الحصول على تمثيلية اوسع في المجالس والهيئات المنتخبة،وحتى في العالم الغربي "المتقدم" لم تكن نسب الحضور النسائي على مقاعد البرلمانات والوزارات لترتفع لولا اتخاذ اجراءات استثنائية تقضي بتخصيص عدد محدد من المقاعد لترشيحات النساء (او ما يعرف بنظام الكوطا)،اجراءات بنيت على قناعة بجدوى التمييز الايجابي لصالح النساء لتسهيل ولوجهن الى مراكز القرار وذلك مع التطلع لتحقيق المناصفة التي تجسد بالنسبة للكثيرين مؤشرا عمليا دالا على المساواة بين الرجل والمرأة كمواطنين من الدرجة الاولى.
في المغرب وعلى غرار الدول العربية الاخرى،تسلط الأضواء في كل تجربة انتخابية على عدد ترشيحات النساء وعدد المقاعد التي حصلن عليها، خصوصا بعد أن أقر الفصل 19 من دستور 2011 على المساواة بين الرجل والمرأة كمواطنين في الحقوق والواجبات كما التزم بتحقيق  المناصفة ومحاربة أشكال التمييز باحداث هيئة خاصة لهذا الغرض، اضافة الى تفعيل صندوق الدعم المخصص لتشجيع تمثيلية النساء، بناء على ذلك يقيس الكثيرون باهتمام شديد التقدم الذي يحققه المغرب في هذا المجال من خلال نسب حضور النساء في المجالس الجماعية ومجالس الجهات والبرلمان وغيرها من المؤسسات المنتخبة.
من المهم ان ندرك في هذا السياق ان التركيز على نسب التمثيلية النسائية في المجالس المنتخبة يقزم المشاركة السياسية للمرأة و يختزلها في بعدها الحكومي، لا يعني هذا انكار أهمية ما تحقق الى حد الآن،بل التحذيرمن  الهوس بالأرقام الذي قد ينتهي الى جعل حضور النساء صوريا و غير مؤثر بشكل فعلي.
من جهة ثانية فلو وسعنا دلالة المشاركة السياسية للمرأة لوجدنا انها تتضمن أيضا جهود النساء في منظمات المجتمع المدني التي تضع الاصبع على مكامن الخلل في الأداء الحكومي وتضطلع بدور المراقبة والنقد احيانا،كما تفتح احيانا أخرى النقاش حول عدد من القوانين التي  ينبغي تعديلها او تجاوزها.
ان كنت تقرئين هذا المقال الآن و تفكرين انك لا تهتمين كثيرا لشؤون السياسة، دعيني اوضح لك اولا انه لا علاقة لفكرتك هاته بكونك امرأة، كثيرون من الرجال أيضا لا يحفلون بالسياسة و لا يتعبون اذهانهم لفهم خيارات السياسيين، و دعيني اخبرك ثانيا -كما اخبر الرجل- انه بغض النظر عن اهتمامكما بالسياسة من عدمه، ستتدخل السياسات العمومية في كثير من مناحي حياتكما كمواطنين، سواء تعلق الأمر بسعر الخدمات التي توفرها الدولة،او جودتها او التدابير المتخذة لحماية حقوقكما من الانتهاك.
يشعر البعض –رجالا و نساء- انهم سيخلقون التغيير نحو الأفضل من داخل الحكومات و المجالس التشريعية، فيمارسون العمل السياسي الذي يمنحهم السلطة اللازمة للتحرك والعمل.فيما شريحة واسعة من الناس لا ترغب في جعل السياسة مهنة او انشغالا دائما، مع ذلك فهم  يملكون سلطة في الغالب لا يعونها واذا فعلوا لا يقدرونها حق قدرها.
ان تحدثي تغييرا تاريخيا في وطنك لا يعني بالضرورة ان تكوني ملكة تفكر من خلال تاج الحكم او محاربة تفرض بقوة السلاح ارادتها، لا يستلزم دوما ان تقودي حملة انتخابية لاقناع الناس بالتصويت لصالحك، ربما بدأ الأمر معك على مقعد حافلة كما حدث  عام 1955م مع روزا باركس، الامريكية من اصول افريقية التي  رفضت ترك مقعدها لراكب ابيض رغم امتثال ثلاثة رجال سود لأوامر السائق العنصرية والقاضية باخلاء اماكنهم للركاب البيض.كلما احتاجته روزا باركس هو ايمانها الاصيل بكرامتها الانسانية و بمساواتها مع غيرها من المواطنين في الحقوق والواجبات.لذلك نطقت كلمة صغيرة سيتردد صداها الى الأبد: "لا"
تذكري ان تتمسكي بحقك في الرفض كلما صادفت وضعا مهينا،استغلالا، قانونا غير عادل، او خدمة اقل جودة  مما تستحقه  انسانيتك، سيبدو الأمر شخصيا في البداية لكنك لن تتخيلي حجم الضغط السياسي الذي قد تحدثه لاءات الناس عندما تجتمع.
تذكري ان المستبدين،والجلادين،والفاسدين، والمتعصبين،والارهابيين،والخونة،والقتلة،وقطاع الطرق،والمغتصبين، والمتحرشين، واللصوص، والغشاشين، والمحتالين،والانتهازيين،و كل من يشكل سلوكه تهديدا او انتهاكا لحرمة الانسان وحقوق و خيراته، كل واحد من هؤلاء قدم الى هذا العالم من رحم امرأة، حملته بين ذراعيها قطعة لحم لا تعي من امر وجودها شيئا، كل الشرور التي تغمر العالم، بدأت بشكل ما من منازلنا،لذلك فأعظم مشاركة سياسية ان تدركي هذه الحقيقة و تعيشي وفقها،لذلك أيضا وأنت تقررين انشاء اسرة، اهتمي باختيار الشريك المناسب، اهتما معا بتنشئة اطفالكما على تقدير الانسانية الكامنة في كل انسان بغض النظر عن جنسه او عرقه او اي اعتبار آخر، على احترام ممتلكات الغير، على الامانة والمسؤولية ،على التسامح..و على غيرها من القيم التي تحبين ان تعاملي وفقها.
وطن أفضل، ان استطعت ان تحققي من هذا الهدف شيئا من تحت قبة البرلمان او في دواليب الحكومة فذلك لن يكون جديدا على مخلوق ذكي مثلك، والم ترغبي في ذلك تذكري ان بوسع الوطن ان يكون بحجم البيت، بيتك، وكلما كان بيتي و بيتك و بيت الآخر مدرسة يتخرج منها المواطنون الشرفاء كلما كان الوطن الكبير بخير.
تذكري اخيرا وانت تقرئين هذا ان لحديث القوارير دوما بقية.


الاثنين، 31 أغسطس 2015

أليس من الرائع ان تكوني امرأة؟



تحكي الأساطير اليونانية عن ظهور المرأة الأولى على الأرض كعقاب وانتقام من الآلهة،فخلق المرأة كان بأمر من كبيرهم زيوس وذلك بهدف الانتقام من بروميثيوس الذي منح البشر قبسا من النار المقدسة،وتصف اسطورة باندورا (والكلمة تعني الموهوبة) كيف خلقت المرأة من الماء والتراب ثم منحت الجمال والنطق والذكاء والقدرة على الاغراء،قدرة جعلت شقيق بروميثيوس يقع تحت سحرها و يقرر الزواج منها، ولكي يكتمل انتقام زيوس فقد أهدى لباندورا –حسب الاسطورة دائما-  صندوقا وطلب منها عدم فتحه لكن المرأة بسبب فضولها استغلت نوم زوجها و فتحت الصندوق لتتحرر كل الشرور والآلام وتكتسح عالم البشر،فيكتمل بذلك انتقام الآلهة.
بالنسبة للاغريق القدماء اذن،فالعالم كان رجاليا آمنا و سعيدا الى ان حلت المرأة.وبوسعنا ان نقرأ كل ذلك مبتسمين (او بالاحرى مبتسمات) ونحن نفكر انها مجرد أساطير الاولين.من يأخذ أساطير أقوام وثنيين على محمل الجد على أي حال؟
على بعد أزيد من  ألفي سنة على المخيال الذي أنتج باندورا،مخيال آخر نشأنا في كنفه أنا و أنتِ، يحكي قصة الخلق، يخبرنا أن المرأة هي في تاريخنا أيضا و بشكل ما مصدر كل الشرور،مادامت أمنا حواء قد تسببت بطردها و آدم من الجنة و حكمت على بني آدم الى اليوم بشقاء العيش في هذا العالم.
ربما لا تتذكرين من بالتحديد اخبرك مثل هذه القصص،لكنك تعرفين كم وصفوا المرأة بالكيد والخداع بشكل يجعلها اسوأ  من ابليس وانه لا سبيل الى الاصلاح من حالها مادامت ضلعا أعوج،وانها مهما فعلت تبقى ناقصة عقل و دين.
منذ وقت مبكر،كان علينا ان نعيش واقع انوثة لم نخترها بطعم خطيئة لم نرتكبها،لكن ينبغي ان نقول أننا - مع ذلك - محظوظات لكوننا ولدنا في عصر يسمح فيه للفتيات بارتياد المدارس و قراءة الكتب: الشهود المستعدة للبوح متى تجشمنا عناء سؤالها.وهي بالمناسبة تخبرنا أن الكثير من الأساطير التي نسجت حول النساء عندنا  لا تقل خرافة عن أسطورة بندورا ولا تجد لها سندا لا في كتاب الله ولا في سنة نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام.الرجل الذي اختار لنا وصفا بديعا: القوارير،و ترك لنا في سيرته كثيرا من القصص عن نبي مؤيد بوحي من الله عز وجل،وزعيم دولة ناشئة و قائد عسكري يتصرف بالنبل الذي يجعله يتفهم غيرة هذه الزوجة و رغبة الاخرى في اللعب وبكاء ثالثة لسبب لا يستحق ويجد مع كل مشاغله وقتا ليكون حاضرا في بيته يساعد أهله.
لن نفهم أبدا على نحو علمي دقيق لماذا بالتحديد تجنح ذاكرة بعض الشعوب (او اغلبها ؟ !!) الى التنقيص من المرأة أو شيطنتها ؟ وبنوع من الدهشة سنراقب كيف لازال  بعض رجال الالفية الثالثة يستقبلون خبر المولودة الانثى بنفس وجوه الجاهليين المتجهمة زمن الوأد.
القوارير،ذلك التوصيف الذي اختاره لنا النبي مرفقا بالرفق،لأنه عليه السلام أدرى بطبيعة المرأة الحساسة،الشفافة و سهلة الكسر،لكنه توصيف يجد في الحقيقة معناه لأكثر من سبب،للقوارير بحكم الغاية من صنعها قدرة على الاستيعاب والاحتواء، وهي تحيل الى قدرة المرأة على احتواء الأسرة بكل مكوناتها،زوجا و أبناء،لهذا خلقت من ضلع لا يحقق الغاية من وجوده الا بالالتفاف لحماية الاعضاء الحيوية في القفص الصدري من قلب وكبد ورئتين وغيرها.
في مجتمعات أقل ما يمكن قوله عنها انها حبلى بالتناقضات،كثيرا ما تقف المرأة على طرفي نقيض،فهي مثار تقديس و تكريم فتشن من أجلها الحروب تارة،وهي جسد الغواية والعار الذي ينبغي قمعه واخضاعه تارة أخرى،هي الكائن الناقص الذي يتم تعريفه بالسلب،فهي ليست الرجل ولن تكون أبدا الفحولة والقوة و"لْكْلْمَة" والبطولة...وهي أيضا الكائن المتعدد المهام من انجاب للأطفال الى الاهتمام بالمواشي  وصولا الى الزراعة،وليس حال ساكنات الحواضر بأحسن من القرويات،فلو اختصت الواحدة منهن بتدبير شؤون البيت لما عد ذلك عملا ذا شأن، ولو جمعت بينه وبين العمل خارج المنزل،لاستفاد كل أفراد الاسرة من اجرتها ولاعتبرت مع ذلك مسؤولة بغيابها عن أي خلل في تربية الابناء.
عبر تاريخ هذه المجتمعات تعلمت النساء معان أخرى لأن تكون المرأة قارورة: أن تكفهر جنباتها من الداخل بسواد الغضب من صنوف الحيف والتنقيص فتفقد شفافيتها، أن تتعرض للخدش بسبب الأيدي التي تتقاذفها بلا رحمة، فتتعمد النيل من كل من يلمسها وتصيبه بندوب دائمة،وان تنكسر أحيانا فيضيع بانكسارها كل من احتواهم صدرها كأم،كابنة،كزوجة،كأخت او كمجرد امرأة.
ان تكوني قارورة اليوم لا يعني فقط أن تملكي وعيا بطبيعتك المختلفة عن طبيعة الرجل،ولكن أيضا ان تملكي وعيا بتاريخهن،تاريخ الاجوبة التي خلفتها النساء قبلنا عن أسئلة لماذا؟ وكيف؟ تاريخ البصمات التي خلفتها النساء بكل أنوثة عبر التاريخ الانساني المشترك.
في النهاية انت لست مضطرة لادعاء ما لست إياه،بإمكانك ان تكوني عاطفية وحساسة وأن تتخذي القرارات السليمة،بامكانك ان تملكي جسدا انثويا  و ان تبهري الجميع بجمال عقلك و روحك،بامكانك ان تقولي "لا" عندما يحاول الإخضاع النيل من انسانيتك.اختاري في كل وقت ان تكوني امرأة لأنه من الرائع ان تكوني كذلك.
ولحديث القوارير بقية...

الخميس، 13 أغسطس 2015

الفن كوسيلة لبناء الوعي الجمعي


بعد كل نقاش عن المنتوج التلفزيوني و السينمائي المغربي اصل دائما الى القناعة نفسها، كمشاهدة غير متخصصة اعتقد ان ما يعوزنا هو كتاب نصوص جيدة بالاضافة طبعا الى مخرجين مثقفين يملكون رؤية فنية حقيقية،لا ادري ان كان المتخصصون يشاطرونني هذا الرأي لكن اعتقد ان النص يكتسي اهمية كبرى (القصة، السيناريو والحوار)، في بعض المنتجات التلفزيونية و السينمائية الغربية يجعلك الحوار تنفتح على قضايا وتفكر و انت تتابع في الحلول الممكنة ثم تتأمل في حدود القراءة التي يقدمها المنتوج،حتى في الحوارات التي تجرى مع المخرجين و الممثلين تجد عبارة "نريد ان نجعل الناس يفكرون " تتكرر،بما يعني أن المنتوج الفني في النهاية وسيلة لتبليغ فكرة معينة و جعلهم بتفاعلون معها و ليس وسيلة لتكريس ثقافة الاستهلاك البليد، طبعا لا يعني هذا ان المنتجات الفنية الاجنبية تخلو من طابع تجاري او تتعالى عن الاسفاف دائما،لكنك تجد الى جانب المنتوج المبتذل منتجات اخرى تقع في مستوى تطلعات المتتبع الناقد والباحث عما هو هادف.
يمكن للفن ان يكون أداة قوية لتثقيف المشاهد بطرق ممتعة وهم في الغرب يدركون هذا بشكل جيد، عندنا يتتبع الكثيرون المنتوج فاغرين افواههم و لا يستوعبون منه سوى احداث القصة دون ان يعرفوا ما هي القضايا التي تنفتح عليها تلك القصص في قالب فني،اتذكر مسلسل الكرتوني "هيه آرنولد" وافكر انه ولا شك مرر لأطفال امريكا الكثير من قيم المواطنة والديمقراطية و غيرها من القيم الانسانية والكونية من خلال يوميات الطفل آرنولد و اصدقاءه وجديه وجيرانهما.
وقد شاهدت افلام انيميشن كثيرة تناقش افكارا انسانية بطرق رائعة،و ساعطي هنا امثلة لبعض مما شاهدت:
chicken run (وفيه تقرأ كمشاهد فكرة عن الايمان بالحق في الحرية وتقرير المصير حتى عندما تبدو العبودية واقعا طبيعيا و حتميا)
happy feet (ان تكون مختلفا عن بني بيئتك ليس سيئا بل يمكن ان يكون اختلافك اضافة تغني جماعتك او تنقذها)
horton hears a who ( هناك من الحقائق ما لا ندركه بشكل محسوس بالضرورة لكن هذا لا يمنع من الايمان بها وهي الفكرة التي بدت انثى الكنغر في الفيلم معارضة شرسة لها،اضافة الى الفكرة التي رددها الفيل هورتون خلال الفيلم : الحياة حياة مهما كانت صغيرة وفي هذا اشارة الى قداسة الحق في الحياة)
حسنا اعرف فيم تفكرون كلها امثلة عن منتجات كرتونية،انا احب الرسوم المتحركة هذا ليس سرا! émoticône tongue
لكن لو اردتم مثالا عن تحفة فنية اخرى اقترح عليكم الفليم الايراني winter sleep لثلاث ساعات يمكنك ان تشاهد و تتأمل حدود مواقف كاتب مثقف ازاء واقعه وهو بالمناسبة فيلم يمكنك مشاهدته مع افراد عائلتك دون ادنى احراج. émoticône smile
لست هنا بصدد رسم صورة مثالية للمنتجات الفنية الاجنبية اعرف الكثير من الامثلة التي تشهد على التحامل والتضليل بل والدعوة الصريحة الى الكراهية والتي تمارسها بعض المنتجات لكن ليس هذا موضوع هذه التدوينة،ما اكتبه هنا تعبير عن رغبة عميقة و ربما هي دعوة للكتاب الجيدين ممن يملكون الخيال الخصب والثقافة الواسعة والقدرة الادبية الكبيرة لخوض غمار تجربة الكتابة للتلفزيون والسينما، لماذا لا نصنع لاطفالنا وشبابنا ايقونات نابعة من محيطهم تتحدث لغتهم ،ترتدي لباسهم وتفكر في همومهم وتقترح عليهم حلولا ممكنة وتدفعهم للتفكير في المزيد منها؟ لماذا لا يفكر كل المؤمنون بضرورة التغيير بخلق احدى لبناته على مستوى وعي المشاهد بحيث تغدو قيم الاخاء و المساواة والعدل والحرية والمواطنة الفعالة وغيرها من القيم الاخلاقية والانسانية طبيعية ونابعة من معيشه اليومي؟

الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

ضد كل تفكير نمطي


يتحدد وضع النساء في اي مجتمع من خلال انماط ثقافية يتم تمريرها بانتظام عبر الاجيال،وتلعب التنشئة الاجتماعية دورا مهما في ترسيخ صور معينة عما يجب ان تكونه اي امرأة او ما يحدد كينونة اي رجل.بهذا تكتسي الامتيازات التي يحظى بها احد الجنسين على حساب الاخر (ويحظى بها الرجل على حساب المرأة في الغالب) طابع الحقوق الطبيعية ولذلك تصبح غير قابلة للتفاوض بشأنها او ارجاعها الى جذورها الثقافية المتغيرة.وليس في هذه الملاحظة اي جديد فعلى اساسها قامت معظم دعاوى انصاف المرأة وتحريرها من الصور النمطية التي تجعلها مواطنة من الدرجة الثانية فقط لكونها امرأة.وينبغي ان نقول ان نضال العديد من النساء عبر العالم ساهم في تكسير عدد من هذه الصور ورسم للنساء المضطهدات آفاقا اكثر انسانية.ولان التغيير لا يحل دفعة واحدة فهناك كثيرات لم تحظين الى الان بفرص للتعليم او التثقيف او معاملة تليق بآدميتهن ، لذلك من الطبيعي ان يستمر نضال من يؤمنون بقضايا المرأة طالما استمرت الاسباب الداعية اليه.
ما يهدف هذا المقال في الواقع الى اثارته ليس تقييم حصيلة هذا النضال،و لكن تسجيل عدد من الملاحظات التي تدعونا الى التفكير مليا قبل ترديد خطابات تعميمية تجعل النساء شريحة واحدة منسجمة وتجعل المطالب على نموذج واحد، تكون او لا تكون.
الملاحظة الاولى متعلقة بعمل المرأة،وليس الهدف هنا الخوض في النقاش العقيم حول جدوى عمل المرأة خارج البيت او مشروعيته،فبالنسبة لشريحة معينة من النساء ليس العمل خارجا فرصة للتحرر او الانفتاح او تحقيق الذات حتى، بل هو ضرورة فرضتها الحاجة الاقتصادية وتغير شبكة العلاقات الاجتماعية التي تضطر المرأة الى اعالة نفسها وغيرها.مع ذلك فالبقاء في البيت لا زال خيارا بالنسبة للكثيرات ممن يفضلن ان يتحمل  نفقتهن الاب اولا ثم الزوج فيما بعد.وليس في هذا ما يعيب طالما يتم برضى جميع الاطراف.
يتحدث البعض من منطلق انصاف المرأة عن ضرورة اعادة الاعتبار لعملها داخل البيت،فإذا كانت المرأة العاملة تساهم في ثروة الاسرة من خلال العائدات المادية لعملها فإن ربة البيت تساهم ايضا من خلال توفير مناخ دافئ يلبي احتياجات الاسرة النفسية والمادية.انه موقف جدير بالاهتمام،تتحمس له كثيرات من ربات البيوت دون ان يدور بخلدهن أنه في الواقع يطالبهن بان يكن بالكفاءة المطلوبة لأداء دور الام والزوجة على اكمل وجه..بعبارة اخرى: اذا كنا من حيث المبدأ نعتبر الجهد الذي تبذله المرأة داخل المنزل بمثابة عمل قائم الذات فانه يشترط فيه كغيره اداؤه بانضباط وكفاءة..لماذا تعتقد بعض النساء من ربات البيوت ان كل ما يؤهلهن لدور الام هو كون الواحدة منهن انثى تملك رحما؟ ! لماذا في الوقت الذي تسعين فيه الى نيل المزيد من الاحترام لوضعهن لا تبذلن جهدا في تطوير انفسهن لكي تقمن بمهام التربية على الوجه الأكمل لماذا يمتلئ جدولهن اليومي بمتابعة مسلسلات تافهة و برامج "خبار السوق" و زيارات تدوم ساعات طوال لهاته اوتلك؟هل وضعهن كأمهات كاف لمنحهن احساسا والتزاما غريزيا بالمسؤولية الاخلاقية والتربوية تجاه اسرهن؟ هل هو كاف لمنحنهن القداسة والحصانة من المساءلة عن الاهمال والتشدق بالحقوق دون اقامة ادنى اعتبار للواجبات؟
قد يعتبر القارئ هذا تحاملا على ربة البيت، لكني اشير الى اني كنت شاهدة على العديد من الحالات التي اسفر فيها غياب الام -وهي حاضرة- عن ادمان الابناء اوتشردهم او انضمامهم الى عصابات اجرامية..بوسع المرأة العاملة ان تتحجج بضرورة غيابها عن البيت لتوفير القوت والحاجيات الضرورية لكن ما عساها تكون حجة ربة البيت؟
وبالمناسبة لا يعني هذا اسقاط  مسؤولية التربية عن الرجل كيفما كان موقعه داخل الاسرة،لكن التواجد –المفترض- لربة البيت داخل المنزل يعطيها مساحة اكبر للتدخل وبالتالي يترك فراغا اكبر في حال غيابها.
قبل ان تطالب المرأة بان يحترم عملها داخل البيت عليها ان ترقى الى مستوى الكفاءة المطلوبة لهذا العمل.لو عرض عليها منصب في مؤسسة مهمة براتب مُجز لحاولت ان تقوم بما يلزم للحصول على ذلك المنصب و لاجتهدت في تطوير مهاراتها بشكل مستمر لتكون دوما بالكفاءة المطلوبة فلا يتم الاستغناء عن خدماتها،و الحال ان عملها داخل المنزل هو منصب في مؤسسة حيوية هي الاسرة وضمن مؤسسة اكبر هي المجتمع ويحتاج منها تدريبا مستمرا و تطويرا لكفاءاتها لكي تساهم في انتاج الثروة الحقيقية لكل مجتمع: ابناؤه.النساء اللواتي يدركن هذه المعادلة و يعملن على اساسها سواء كن عاملات ام لا هن بطلات حقيقيات، يتوجهن كل مشروع ناجح،كل مواطن صالح،تتويجهن وطن يفخر بأهله و يفخرون به.
الملاحظة الثانية تتعلق بآفة الذكورة او هوس الذكورة في مجتمعاتنا،و ينبغي ان نعترف بأن التشريط الاجتماعي لذكور المجتمع وإناثه حاضر في كل الثقافات وان كان تركيزه وحضوره لافتا في ثقافتنا.واحد نتائج –ووسائل- هذا التشريط هو التسويق الاعلامي لصورة المرأة-الدمية والذي يحدد بشكل مسبق مقاييس جمال المرأة وحدود دورها كوعاء لمتعة الرجل (مبتسمة جميلة وصامتة لا تجادل ابدا)، وهو ما يسوغ ايضا لتفشي ظواهر العنف المرتكب ضد النساء من اعتداء بالضرب او التحرش او الاغتصاب.و عوض تكسير هذه الصور النمطية بإعادة التوازن لعلاقة الرجل بالمرأة من خلال تثمين بعدها الانساني و العاطفي (الذي يتجاوز العشق في صوره المبتذلة كما يتم تسويقها) فإنه يجري تعويضها بصور نمطية مضادة يصبح فيها الرجل ايضا ايقونة اغراء بمواصفات رجولة محددة،وتساهم الانتاجات التلفزيونية في ترسيخ هذا التوجه الجديد،فأبطال المسلسلات اللذين يجري انتقاؤهم بعناية (احيانا من بين عارضي وعارضات الازياء) يحددون في وعي الرجل ما ينبغي ان تكون عليه المرأة (وهذا ليس بجديد) كما يحددون في وعي المرأة ما ينبغي ان يكون عليه الرجل.واذا كان الزوج في السابق يظلم زوجته بان يرفع سقف توقعاته من مظهرها بما يماثل مظهر  ممثلة يحيط بها فريق من خبراء التجميل كل مهمتهم جعلها في ابهى حلة،فان الزوجة اضحت الان تظلم زوجها الذي يعود منهكا بعد يوم حافل بالمتاعب بان تقارنه بعارض ازياء يبرز عضلات صدره -بالتمرين احيانا وبالادوية احيانا اخرى- و يقرأ نصا مكتوبا في مشهد رومانسي مفتعل،تظلمه بان تشتكي بعد سنوات معتبرة من الزواج والانجاب من انه ليس وسيما كفاية، وقد تتشجع فتعلن عدم رضاها عن ادائه كزوج،ولا يهم ان كان مريضا او كان متفانيا في كل شيء اخر.
والحال اننا مجتمع ندفع ثمن هوسنا بالذكورة،اقتناع البعض بفحولتهم يعطيهم حق الاغتصاب والتحرش والخيانة الزوجية،و اقتناع البعض الاخر بحق الفحولة يجعلهم يتواطئون صمتا او دفاعا عن المغتصب والمتحرش والخائن.وبعيدا عن هذه الظواهر الصادمة تترسخ في صمت قناعة تميت كل بعد انساني في الاسرة وهي نواة كل مجتمع سوي، قناعة تحول الفحولة والقدرة الانجابية من وضعها الطبيعي كطاقة لاعادة انتاج النسل البشري و تختزل الكائن البشري رجلا او امرأة في بعده الجنسي.هذا البعد الذي تنبه عدد من المفكرين الغربيين (منهم عالم الاجتماع الفرنسي جون بودريار) الى انفجاره في عصرنا الراهن وممارسته استبدادا من نوع جديد،فبعد القيود الصارمة التي فرضت على الجسد لقرون في الماضي أصبح كل سنتمتر منه معروضا على وعي الجماهير بشكل قسري من خلال قنوات عدة.
في علاقة انسانية سوية بين رجل وامرأة تتكامل الجوانب العاطفية والجسدية والفكرية لخلق تجربة انسانية مشتركة تغتني كلما امتد تاريخها عبر الزمن،فتصبح استثمارا  رابحا وثروة حقيقية لسنوات الشيخوخة،في العلاقات القائمة على الانماط التي تروجها وسائل الاعلام تهيمن مفاهيم الاغراء والفحولة،و يعيش كل طرف على استيهاماته الخاصة،و عوض المشهد الرومانسي الذي ينهي كل فيلم بالاجتماع السعيد للبطل والبطلة، تستمر قصة زواج واقعية دامت أكثر من ربع قرن بشكل بطيء بين شخصين لم يعد لديهما منذ زمن بعيد جدا ما يقولانه لبعضهما البعض، يعيشان تحت سقف واحد تتآكل كلا منهما مشاعر وحدة بغيضة..بالكاد يكلمان بعضهما..بالكاد يعرفان بعضهما..

الأحد، 8 ديسمبر 2013

"لقهيوة" التي تخفي غابة بن




لا احد يعرف كيف بدأت قصتنا مع الرشوة،لكن من المؤكد انها ظاهرة قديمة في مجتمعنا والا لما افردنا لها مثلا شعبيا ( دهن السير اسير)،ربما بدأت بالتغلغل في حياتنا اليومية عندما قررنا ان نعطيها تسميات اخرى تتخفى وراءها،تسميات تدعي ان هناك نية حسنة في كل مشهد رشوة وان الامر برئ تماما،تسميات من قبيل: "الهدية" التي يراد لها ان تدخل في باب مضمون الحديث النبوي تهادوا تحابوا،او "قهيوة" التي يراد لها ان تدخل في باب حسن الادب والتعاطف مع الموظف الذي يعمل بكد ويتقاضى القليل، "لحلاوة" وهذه يعبر بها المعني بالامر عن فرحته بقضاء حاجته، والتعبير عن الفرحة في موروثنا الثقافي مقرون بصرف الاموال هنا وهناك،اليس هذا ما نفعله في حفلات الزفاف عندما يتباهى الناس برمي الاوراق النقدية على الراقصين والراقصات؟
تختلف السيناريوهات والبطلة واحدة: الرشوة، قد يطالب بها الموظف وقد يقدمها المواطن طواعية من اجل اغرائه،قد تكون من اجل انهاء اجراءات ادارية في وقت اقل،او من اجل الحصول على امتيازات غير مشروعة،وفي جميع الحالات فانها في المغرب وجدت بيئة مناسبة لتتحول من مجرد "قهيوة" الى غابة بن يضيع المواطن بين اشجارها  أومعمل قهوة  ضخم يفرم كل مواطن لا يجيد التحرك بين آلاته.
هذا لكي نقول ان اجتثاث الرشوة او تفكيكها ليس بالأمر الهين،ولا يمر عبر القوانين وحدها وان كانت جد ضرورية ، فجعل الغابة مكانا محظورا لا يمنع من التسلل اليها و اغلاق معمل لا يمنع عماله من الاشتغال تحت جنح الظلام. لهذا فان تفعيل القوانين التي تجرم وتحارب الرشوة يبقى رهينا ليس بنزاهة القيمين على تطبيقها،اذ لا يمكن ان نبني مصلحة وطنية على النزاهة المفترضة لشخص على كرسي،والا لكان نصيبنا وافرا من خيبات الامل،بالمقابل فتوفير اليات محاسبة ومراقبة يعد امرا حيويا للقضاء على الرشوة،اذ كلما كان الموظف - ايا كان منصبه-  متأكدا من انه سيتعرض للمساءلة والمحاسبة بصرامة كلما غامر اقل بالمطالبة بالرشوة او قبولها.
في قلب الحديث عن الرشوة يبرز المواطن احيانا كضحية واحيانا كشريك واحيانا اخرى كجان، فالنفوذ مقترنا بالمال يجعل بعض المواطنين يفرض الرشوة كطريقة في التدبير.مع ذلك فهذا ليس حال غالبية المواطنين الذين لا نفوذ ولا مال لديهم ، فقط صفة المواطنة التي تجعلهم يدخلون ادارة عمومية لانهم لا يعرفون مكانا لتلبية حاجياتهم غيرها.بالنسبة لشريحة واسعة من المغاربة الذين تعودوا على سوء المعاملة منذ الصغر-عنف لفظي وجسدي في البيت والمدرسة والشارع-ليس سوء خلق الموظف امرا متطرفا،فهو يدخل في باب المتعود عليه،وبالنسبة لمن تعودوا على بناء علاقاتهم الاجتماعية على اساس التفوق والهيمنة،فهم مستعدون لطأطأة الرأس في حضرة المخزن (الذي يمثله الموظف بالنسبة اليهم) والقبول بقواعد التعامل التي يقول بها دون اعتراض او نقاش.من هنا ينبع لدى المواطن الاستعداد النفسي-الاجتماعي لتقبل واقع الرشوة والتعايش معه بل وتكريسه بتقديم الرشوة طوعا اوالمطالبة بها في مجال عمله الخاص.لهذا فالرهان الحقيقي هو الاشتغال على زبون الرشوة،فهي تندثر تلقائيا اذا ما انقرض زبناؤها.
في مجتمع لا زال للدين فيه دور في تأطير الافراد يكون من المهم الاشتغال على تنمية وتقوية الوازع الديني في التوعية بتبعات الرشوة واخطارها،وفي صلب ذلك وبالتوازي معه تبرز مقاربة مهمة جدا وهي المقاربة الحقوقية،اذ نتصور انه لو كان لدى المواطن-الضحية وعي تام بطبيعة العلاقة التي تربطه باجهزة الدولة لما قبل بالرشوة كخيار له، فصفة المواطنة لديه تجعل تلك الاجهزة في خدمته وليس العكس،وتعطيه الحق بالاحتجاج على سوء الخدمة او التدبير،وبفتح نقاش ضاغط لتطوير أداء الادارات العمومية بما يسهل تلبية حاجياته وبشكل يحترم انسانيته.
ان الصورة الغائبة عن ذهن المواطن ضحية الرشوة هي صورة علاقة سوية بالدولة التي يحمل صفة المواطنة فيها،علاقة مبنية على واجبات يؤديها وحقوق اذا لم تقدم له بشكل يحفظ كرامته فمن حقه ان يناضل من اجلها.غير ان النضال بالنسبة للكثيرين درب طويل ومتعب ومحفوف بالمخاطر لهذا يفضلون طريق الرشوة رغم كونها تسبب حالة من الأرق الدائم والذي  يبدأ بمجرد استهلاكهم ل"قهيوة".