الأربعاء، 19 نوفمبر 2014

لعبة الموت

                                            


كتب فرويد ذات مرة ان الموت لا يكون له معنى بالنسبة للاحياء الا في زمن الحرب..فالناس يموتون بالجملة..يموتون فعلا..ولا يعود بامكاننا تجاهل الموت او وضعه على الرف..
ربما انت مثلي، تتذكر هذا الكلام فجأة وانت تتأمل عالم اليوم..انت مثلي ترى الجثث منتشرة هنا وهناك، تزف اليك انباء عن سبيها..تشريدها..تعذيبها..والاجهاز عليها : الحياة لم تعد مقدسة،و ربما في تاريخ البشر لم تكن يوما كذلك..
ربما انت مثلي تجلس باسترخاء و تتابع على شاشة حاسوبك او محمولك كيف يساق الناس الى موت محتوم..هل لاحظت ان وجوههم لا تقول شيئا؟ وجومهم لغز محير، اي حكمة انكشفت لهم وهم على بعد خطوة من مغادرة دنيا الاحياء؟ هل سمعت كلمات الاستعطاف الضعيفة التي ندت من احدهم مخاطبا جلاديه؟ كلماته لن تغير من مصيره شيئا،لا احد يفهم لم نطقها، لا هو نفسه،و لا جلادوه، ولا انا ولا انت..
انا..انت ..وغيرنا، نحن الجمهور نفسه  الذي اكثر من مشاهدة افلام الاكشن. تعود الا يهتم باحصاء الضحايا الذين يسقطون خلال الفيلم، في مشهد المطاردة حيث تنقلب بضع سيارات و تحدث اخرى فوضى عارمة في سوق للخضار، او مشهد التفاوض مع الأشرار حيث يقدم هؤلاء على اعدام بعض الرهائن بدم بارد لاقناع المسؤولين بجدية مطالبهم،كل هذا تمحوه سعادتنا بالتئام شمل اسرة البطل و... انقاذ كلبهم في النهاية..
نحن حشود لا تملك غير مشاعرها،تتعاطف مع الضحايا و تكره المعتدين،ثم تضغط على الزر لتغيير القناة و تتابع اعمالها اليومية بدون اكتراث.
نحن جمهور قسري للعبة الكترونية ضخمة ابتلعت الكوكب منذ زمن بعيد، بعيد لدرجة انه لا احد يتذكر متى بدأت الحكاية..ولا احد يستطيع التأريخ لها
على الطرقات يختار الناس مركباتهم و يضغطون على الدواسات، بسرعة جنونية يتجاوزون كل شيء أمامهم..ما قيمة سيارة لا تمتحن قوتها على الطرقات كل يوم؟ ليس المهم في اللعبة ان تصل الى خط النهاية ولكن ان تصل بسرعة اكبر ومهارة اكثر وحماسة أعلى..كل السر في ان تغازل الموت المرة تلو الاخرى..و تفلت في كل مرة..
فقط عندما يدوي صوت الارتطام ويصم مسامعك، وقبل ان تجد وقتا للانتشاء بحماستك،ينتهي كل شيء، يغازلك الموت هذه المرة..و يمضي..تنظر من بين دمائك الى اشلاء الاشخاص والاشياء حولك، لا زلت حيا،نعم، لكن ما قيمة الحياة عندما تفقد كل شيء آخر؟ انتهت اللعبة.
حسب المزاج، يختار المقاتلون اسلحتهم أولا وقضاياهم بعد ذلك، في عالم الارقام هم جزء من لعبة ثلاثية الابعاد، يدمرون بعض المباني، يفجرون بعض المركبات،يسفكون بعض الدماء و هم يرددون جملا رتيبة..  كل تقدم على ارض اللعب يعني اننا نجحنا في الانتقال بوحشية القتل الى مستوى أعلى...
من مكان ما، يوقفون اجهزتهم متثائبين، يقصدون  فراش نومهم في ملل، ينامون  هادئي البال والضمير، غدا سيجدون وقتا للتسلي باللعبة من جديد..
لكن ارواح من قضوا نحبهم في كل الحروب  تطوف حول أَسِرتهم في ضياع..تئن  مستغربة:لماذا لا يدرك هؤلاء معنى الموت؟ أليس الموت ما يعطي - بشكل جدلي- للحياة معنى؟
انت وانا يمكن ان نفهم لماذا؟ لقد راقبنا طويلا جدا كل ما يجري..طاف الموت قريبا منا..اخذ احباءنا، رأينا  العدم الذي يخلفه الموت على الوجوه، رأينا عيونهم المحبة وقد انطفأ بريقها فأصبحت تحدق في اللاشيء ولا تفصح عن شيء، اجسامهم التي ضجت يوما ما بالحياة وقد صارت شيئا باردا لا يكترث لمن يولول او يشتاق..

انت وانا ندرك اننا –شيئا فشيئا – بدأنا نفقد هذا أيضا..هذا المعنى الصارخ لأن يموت انسان بيننا..فالانسان يموت فينا كل يوم.. يطوف الموت قريبا منا كل يوم دون ان يصلنا  اي معنى..صرنا اشبه بقطيع ضخم مستسلم بشكل تام لحتمية انتقاء وحشي لا يبقي غير الاقوى والاكثر فتكا..وليس الاصلح بالضرورة..

الجمعة، 15 أغسطس 2014

ادمـــــــــــــــــــــــــــــــــان....


استلقى على أريكة بجانب من المكتب الضيق..نظرت اليه المعالجة النفسية وعلى وجهها اكثر من سؤال..صحيح ان لها خبرة لا يستهان بها في مجال عملها..وانها تعاملت مع مرضى بطباع وشخصيات متنوعة بل و غريبة احيانا..لكن هذا الشخص يظل حالة مختلفة..فهو يعترض على كل ما تقوله، ولا يمتثل  لأي مما تطلبه منه..و لا يحضر في المواعيد المحددة..بل يطلب مقابلتها كلما عن له ذلك..من الناحية المهنية كان ذلك مربكا لها،اذ كانت بحاجة الى الاشتغال على برنامج قار كي تتمكن من مساعدته..وان كانت الى حد الآن لم تفهم بوضوح ما يعانيه..او فيما اذا كان بالفعل بحاجة الى تدخل معالجة نفسية..في جميع الاحوال نظرت اليه وهو يستلقي بهدوء على الأريكة، لم تطلب منه ان يفعل لكنها تعودت منه  ان يتصرف في مكتبها بعفوية، كان شخصا تلقائيا ومسالما..قال لها في احدى المرات انه يدفع من اجل ان تستمع اليه، وانه لا يتوقع منها حقا ان تساعده في شيء..اخبرها بان لديه الكثير جدا من الاقارب و الاصدقاء ، وانه لا يحب ان يتحدث اليهم بما في نفسه لأنهم منشغلون جدا بأنفسهم..وقلما يرون او يسمعون بعضهم بعضا وهم مجتمعون يثرثرون ويملأون الدنيا صخبا بضحكاتهم، لم تستغرب  كلامه  ساعتها، كانت تدرك بالفعل ان جزء  من متاعب زبائنها النفسية كان ليحل تلقائيا لو توفر حولهم اشخاص يهتمون لأمرهم حقا..لكنها ارتبكت قليلا عندما تفرس في ملامح وجهها قبل ان يضيف ببساطة:
-         بالمقابل..انت الشخص الوحيد الذي اضمن انه يستمع الي و يحاول استيعاب ما اقول..من واجبك ان تفعلي..فأنا ادفع لقاء ذلك..
تذكرت انها حاولت، ساعتها، متابعة الاستماع الى هذا الرجل بمهنية ، مغالبة احساسا بغضب مفاجئ اعتراها بسبب كلامه..اعترفت لنفسها على مضض بأن طريقته في التعبير عن الأمر فجة الى حد ما  لكنها تصف  الحقيقة الموضوعية: هو يدفع وهي تستمع...جلست قبالته على كرسي صغير عندما افلحت اخيرا في طرد كل افكارها السابقة،وقالت له بهدوء:
-         حسنا، مضى زمن طويل منذ آخر مرة حضرت فيها لزيارتنا..
-         كان علي ان اخوض بعض المعارك وحيدا..
جوابه الشارد ولد لديها بعض الامتعاض..لم تكن ترغب حقا في مواصلة حديث مليء بالألغاز،لكنها سألت:
-         و بماذا انتهت معاركك؟
-         هي معركة  واحدة..تخلصت من الإدمان ..
فاجأها جوابه، فلم يتحدث من قبل عن اي نوع من انواع الادمان،وشيء ما في نبرة صوته أوحى لها بصدقه فيما يقول..شعرت بشيء من الانزعاج لكنها خاطبته بابتسامة مهنية باهتة:
-         حسنا، حدثني عن الامر
-         تعاطيت للخمر مدة طويلة جدا..لكن لم  اصف نفسي يوما بالمدمن عليها..لطالما اعتقدت اني اعاقرها باختياري..كنت احيانا اشرب فقط بالقدر الذي يشعرني ببعض الاسترخاء، احيانا اخرى كنت افرغ في جوفي كأس الخمر تلو الاخرى الى ان افقد الشعور بأطرافي، وكان هذا هو المطلوب..ان احلق..عاليا.. حيث لا اسمع ولا ارى مخلوقا غير ما يثيره خيالي..كنت افيق في اليوم الموالي بصداع فظيع في رأسي..لكن ذلك كان الجزء المفضل من طقوسي..الالم في رأسي كان يمنعني من ان ارى او اسمع اي شيء اخر..
-         لا تبدو ممتعضا من ذلك ،ما الذي جعلك تقرر الاقلاع عنها؟
-         بيني وبينها منذ البداية شيء اشبه بتعاقد ضمني..الجأ اليها عندما احتاج ان اخرج عن ذاتي قليلا،فتمنحني اسما غير اسمي،وشكلا غير شكلي،و عالما غير عالمي..لكني معظم الوقت بحاجة الى ان اكون ذاتي..ما حصل هو انها استحوذت علي..وأرادتني في عالمها طوال الوقت..عاقبتني بقسوة كلما ابتعدت عنها..
-         افهم انك صرت تعاني من اعراض الانسحاب
-         لا يهم كم انفق من المال لأجلها..لا يهم كيف اؤجل كل شيء كي ابقى في عالمها..كلما اشتد ولعي بها استنزفتني اكثر..مرضت..ورغم نصائح الطبيب لم استطع الابتعاد عنها..كانت ملاذي..وفي صباح احد الأيام وقد افقت على صداع مؤلم في رأسي، حاولت ان اصل الى الحمام كي اغسل وجهي..توقفت امام المرآة وانا بالكاد ارى من شدة الالم..فجأة رأيت نفسي..رأيتني رجلا مريضا و بائسا..ليس بسبب ما شخصه الطبيب لدي..ولكن بسبب عشقي لعدوة مماثلة..مهما احببتها..مهما أوقفت كل شيء في حياتي لأجلها  فهي لن تفعل الا ما تجيد فعله بحكم طبيعتها : تحويل كل من يقترب الى حطام..تماما مثل نار لا توجد الا  بإحراق ما يقترب منها..رأيتها تستنزفني وتخيلتها تتحول- بعد ان توقع نهايتي- الى رجل اخر كي تغريه بمعاقرتها فشعرت بالخيانة..شعرت بالمهانة..شعرت باني صرت عبدا مملوكا لها..وانا الذي لجأت اليها متمردا وثائرا..
-         انت تصورها كما لو كانت إنسانا..
-         لأنها اضحت كذلك استطعت التخلص منها..فيها من بعض البشر الشيء الكثير..الحدود ليست واضحة وقاطعة دوما بين عالم الاشياء والاشخاص..نتخلص من الاشياء كما نتخلص من الاشخاص، ونشفى من الامراض كما نشفى من الاشخاص..
-         كم مضى على اخر كأس خمر شربتها؟
-         ما يكفي من الوقت لأتيقن اني صرت رجلا حرا مجددا..ليست الخمر ما يخيفني الان
-         وما الذي يخيفك؟
-         غضبي..بالأحرى ما يفعله بي غضبي..هو قادني الى اول كأس خمر،و جعلني اغضب حتى الثمالة..
-         بالاجمال تبدو شخصا هادئا..
-         عندما اغضب لا يكون اسوأ ما فِيَ ملامح وجهي المتجهمة..عليك ان تعرفي ما يدور بخلدي عندما اغضب لكي تقدري اني احاول قدر المستطاع ان ابدو لطيفا ومسالما...
دعك من  موسيقى الروك الصاخبة أو موسيقى الميتال الكئيبة و العدوانية ، جموح صرخاتي لا يعادله شيء الا جموح رغبتي في التكسير...في لحظات مماثلة اتفهم رغبة مظفر النواب في ان يتقيأ شعره في وجه من يقرفونه... لكني عندما اغضب لا افكر في نظم الشعر...الشعر مهما بدا غاضبا وسيلة مهذبة للتعبير عن الغضب... السحر الاسود فقط هو ما يشفي غليلي...عندما اغضب اشتهي قوة ارفع بها  السيارات فأضرب  بعضها ببعض واستمع بنهم الى الصخب الذي يصدره ارتطامها وانظر في شزر الى شظاياها..عندما أغضب اشتهي ان يتجمع غليان جسمي في قبضة يدي شهبا نارية اقذفها على كل الاشياء من حولي وانظر اليها بتلذذ تنفجر وتحترق شيئا فشيئا الى ان تستحيل رمادا تذروه زوبعة انفاسي في كل الاتجاهات...
استمعت اليه منذهلة من انسياب سيل الكلمات من فمه و تلاحق انفاسه وهو ينطقها كما لو كان في عالم يخول له بالفعل ان يحقق ما يتخيله..كانت تبحث عن الكلمات المناسبة للتعليق على ما قال عندما تابع بهدوء:
-         عندما اغضب لا اسمح لنفسي بقذف الكأس الزجاجي في يدي..لاني –وانا في قمة غضبي- استسلم لصوت لعين في عقلي يحذرني من ان شظايا الزجاج قد تسبب عاهة ما لشخص أوجده سوء حظه هناك في اللحظة غير المناسبة..لا اقلب مكتبي رأسا على عقب..لان نفس الصوت يخبرني متشفيا:"ذلك لن يحل شيئا من مشاكلك  سيكون عليك فقط اعادة ترتيب المكان لاحقا"..لا اسمح لنفسي بلكم رجل تواقح امامي مهما رغبت بشدة في ذلك لاني ادرك جيدا ان ارتجاجا قويا قد يزلزل دماغ الرجل وقد يغير معالم وجهه لكنه لن يغير شيئا من أفكاره وأفعاله..عندما اغضب اعدل عن فعل كل ما تصرخ به نفسي..و عوضا عن ذلك كله امارس ما تسمونه "تواصل"...
ساد الصمت للحظات،عدلت من جلستها اخيرا قبل ان  تقول :
-         التواصل هو الخيار الانساني الأنسب دوما ..
قام فجأة و بدا انه يستعد للمغادرة،و قبل ان تستوعب الامر كان قد وصل الى باب المكتب و قال مغادرا:
-         البشر خارجا منشغلون معظم الوقت عن ممارسة  التواصل الانساني..لهذا يحضر امثالي  الى هنا ويدفعون لامرأة غريبة عنهم  كي تلعب  دور انسان يستمع ..

الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

ضد كل تفكير نمطي


يتحدد وضع النساء في اي مجتمع من خلال انماط ثقافية يتم تمريرها بانتظام عبر الاجيال،وتلعب التنشئة الاجتماعية دورا مهما في ترسيخ صور معينة عما يجب ان تكونه اي امرأة او ما يحدد كينونة اي رجل.بهذا تكتسي الامتيازات التي يحظى بها احد الجنسين على حساب الاخر (ويحظى بها الرجل على حساب المرأة في الغالب) طابع الحقوق الطبيعية ولذلك تصبح غير قابلة للتفاوض بشأنها او ارجاعها الى جذورها الثقافية المتغيرة.وليس في هذه الملاحظة اي جديد فعلى اساسها قامت معظم دعاوى انصاف المرأة وتحريرها من الصور النمطية التي تجعلها مواطنة من الدرجة الثانية فقط لكونها امرأة.وينبغي ان نقول ان نضال العديد من النساء عبر العالم ساهم في تكسير عدد من هذه الصور ورسم للنساء المضطهدات آفاقا اكثر انسانية.ولان التغيير لا يحل دفعة واحدة فهناك كثيرات لم تحظين الى الان بفرص للتعليم او التثقيف او معاملة تليق بآدميتهن ، لذلك من الطبيعي ان يستمر نضال من يؤمنون بقضايا المرأة طالما استمرت الاسباب الداعية اليه.
ما يهدف هذا المقال في الواقع الى اثارته ليس تقييم حصيلة هذا النضال،و لكن تسجيل عدد من الملاحظات التي تدعونا الى التفكير مليا قبل ترديد خطابات تعميمية تجعل النساء شريحة واحدة منسجمة وتجعل المطالب على نموذج واحد، تكون او لا تكون.
الملاحظة الاولى متعلقة بعمل المرأة،وليس الهدف هنا الخوض في النقاش العقيم حول جدوى عمل المرأة خارج البيت او مشروعيته،فبالنسبة لشريحة معينة من النساء ليس العمل خارجا فرصة للتحرر او الانفتاح او تحقيق الذات حتى، بل هو ضرورة فرضتها الحاجة الاقتصادية وتغير شبكة العلاقات الاجتماعية التي تضطر المرأة الى اعالة نفسها وغيرها.مع ذلك فالبقاء في البيت لا زال خيارا بالنسبة للكثيرات ممن يفضلن ان يتحمل  نفقتهن الاب اولا ثم الزوج فيما بعد.وليس في هذا ما يعيب طالما يتم برضى جميع الاطراف.
يتحدث البعض من منطلق انصاف المرأة عن ضرورة اعادة الاعتبار لعملها داخل البيت،فإذا كانت المرأة العاملة تساهم في ثروة الاسرة من خلال العائدات المادية لعملها فإن ربة البيت تساهم ايضا من خلال توفير مناخ دافئ يلبي احتياجات الاسرة النفسية والمادية.انه موقف جدير بالاهتمام،تتحمس له كثيرات من ربات البيوت دون ان يدور بخلدهن أنه في الواقع يطالبهن بان يكن بالكفاءة المطلوبة لأداء دور الام والزوجة على اكمل وجه..بعبارة اخرى: اذا كنا من حيث المبدأ نعتبر الجهد الذي تبذله المرأة داخل المنزل بمثابة عمل قائم الذات فانه يشترط فيه كغيره اداؤه بانضباط وكفاءة..لماذا تعتقد بعض النساء من ربات البيوت ان كل ما يؤهلهن لدور الام هو كون الواحدة منهن انثى تملك رحما؟ ! لماذا في الوقت الذي تسعين فيه الى نيل المزيد من الاحترام لوضعهن لا تبذلن جهدا في تطوير انفسهن لكي تقمن بمهام التربية على الوجه الأكمل لماذا يمتلئ جدولهن اليومي بمتابعة مسلسلات تافهة و برامج "خبار السوق" و زيارات تدوم ساعات طوال لهاته اوتلك؟هل وضعهن كأمهات كاف لمنحهن احساسا والتزاما غريزيا بالمسؤولية الاخلاقية والتربوية تجاه اسرهن؟ هل هو كاف لمنحنهن القداسة والحصانة من المساءلة عن الاهمال والتشدق بالحقوق دون اقامة ادنى اعتبار للواجبات؟
قد يعتبر القارئ هذا تحاملا على ربة البيت، لكني اشير الى اني كنت شاهدة على العديد من الحالات التي اسفر فيها غياب الام -وهي حاضرة- عن ادمان الابناء اوتشردهم او انضمامهم الى عصابات اجرامية..بوسع المرأة العاملة ان تتحجج بضرورة غيابها عن البيت لتوفير القوت والحاجيات الضرورية لكن ما عساها تكون حجة ربة البيت؟
وبالمناسبة لا يعني هذا اسقاط  مسؤولية التربية عن الرجل كيفما كان موقعه داخل الاسرة،لكن التواجد –المفترض- لربة البيت داخل المنزل يعطيها مساحة اكبر للتدخل وبالتالي يترك فراغا اكبر في حال غيابها.
قبل ان تطالب المرأة بان يحترم عملها داخل البيت عليها ان ترقى الى مستوى الكفاءة المطلوبة لهذا العمل.لو عرض عليها منصب في مؤسسة مهمة براتب مُجز لحاولت ان تقوم بما يلزم للحصول على ذلك المنصب و لاجتهدت في تطوير مهاراتها بشكل مستمر لتكون دوما بالكفاءة المطلوبة فلا يتم الاستغناء عن خدماتها،و الحال ان عملها داخل المنزل هو منصب في مؤسسة حيوية هي الاسرة وضمن مؤسسة اكبر هي المجتمع ويحتاج منها تدريبا مستمرا و تطويرا لكفاءاتها لكي تساهم في انتاج الثروة الحقيقية لكل مجتمع: ابناؤه.النساء اللواتي يدركن هذه المعادلة و يعملن على اساسها سواء كن عاملات ام لا هن بطلات حقيقيات، يتوجهن كل مشروع ناجح،كل مواطن صالح،تتويجهن وطن يفخر بأهله و يفخرون به.
الملاحظة الثانية تتعلق بآفة الذكورة او هوس الذكورة في مجتمعاتنا،و ينبغي ان نعترف بأن التشريط الاجتماعي لذكور المجتمع وإناثه حاضر في كل الثقافات وان كان تركيزه وحضوره لافتا في ثقافتنا.واحد نتائج –ووسائل- هذا التشريط هو التسويق الاعلامي لصورة المرأة-الدمية والذي يحدد بشكل مسبق مقاييس جمال المرأة وحدود دورها كوعاء لمتعة الرجل (مبتسمة جميلة وصامتة لا تجادل ابدا)، وهو ما يسوغ ايضا لتفشي ظواهر العنف المرتكب ضد النساء من اعتداء بالضرب او التحرش او الاغتصاب.و عوض تكسير هذه الصور النمطية بإعادة التوازن لعلاقة الرجل بالمرأة من خلال تثمين بعدها الانساني و العاطفي (الذي يتجاوز العشق في صوره المبتذلة كما يتم تسويقها) فإنه يجري تعويضها بصور نمطية مضادة يصبح فيها الرجل ايضا ايقونة اغراء بمواصفات رجولة محددة،وتساهم الانتاجات التلفزيونية في ترسيخ هذا التوجه الجديد،فأبطال المسلسلات اللذين يجري انتقاؤهم بعناية (احيانا من بين عارضي وعارضات الازياء) يحددون في وعي الرجل ما ينبغي ان تكون عليه المرأة (وهذا ليس بجديد) كما يحددون في وعي المرأة ما ينبغي ان يكون عليه الرجل.واذا كان الزوج في السابق يظلم زوجته بان يرفع سقف توقعاته من مظهرها بما يماثل مظهر  ممثلة يحيط بها فريق من خبراء التجميل كل مهمتهم جعلها في ابهى حلة،فان الزوجة اضحت الان تظلم زوجها الذي يعود منهكا بعد يوم حافل بالمتاعب بان تقارنه بعارض ازياء يبرز عضلات صدره -بالتمرين احيانا وبالادوية احيانا اخرى- و يقرأ نصا مكتوبا في مشهد رومانسي مفتعل،تظلمه بان تشتكي بعد سنوات معتبرة من الزواج والانجاب من انه ليس وسيما كفاية، وقد تتشجع فتعلن عدم رضاها عن ادائه كزوج،ولا يهم ان كان مريضا او كان متفانيا في كل شيء اخر.
والحال اننا مجتمع ندفع ثمن هوسنا بالذكورة،اقتناع البعض بفحولتهم يعطيهم حق الاغتصاب والتحرش والخيانة الزوجية،و اقتناع البعض الاخر بحق الفحولة يجعلهم يتواطئون صمتا او دفاعا عن المغتصب والمتحرش والخائن.وبعيدا عن هذه الظواهر الصادمة تترسخ في صمت قناعة تميت كل بعد انساني في الاسرة وهي نواة كل مجتمع سوي، قناعة تحول الفحولة والقدرة الانجابية من وضعها الطبيعي كطاقة لاعادة انتاج النسل البشري و تختزل الكائن البشري رجلا او امرأة في بعده الجنسي.هذا البعد الذي تنبه عدد من المفكرين الغربيين (منهم عالم الاجتماع الفرنسي جون بودريار) الى انفجاره في عصرنا الراهن وممارسته استبدادا من نوع جديد،فبعد القيود الصارمة التي فرضت على الجسد لقرون في الماضي أصبح كل سنتمتر منه معروضا على وعي الجماهير بشكل قسري من خلال قنوات عدة.
في علاقة انسانية سوية بين رجل وامرأة تتكامل الجوانب العاطفية والجسدية والفكرية لخلق تجربة انسانية مشتركة تغتني كلما امتد تاريخها عبر الزمن،فتصبح استثمارا  رابحا وثروة حقيقية لسنوات الشيخوخة،في العلاقات القائمة على الانماط التي تروجها وسائل الاعلام تهيمن مفاهيم الاغراء والفحولة،و يعيش كل طرف على استيهاماته الخاصة،و عوض المشهد الرومانسي الذي ينهي كل فيلم بالاجتماع السعيد للبطل والبطلة، تستمر قصة زواج واقعية دامت أكثر من ربع قرن بشكل بطيء بين شخصين لم يعد لديهما منذ زمن بعيد جدا ما يقولانه لبعضهما البعض، يعيشان تحت سقف واحد تتآكل كلا منهما مشاعر وحدة بغيضة..بالكاد يكلمان بعضهما..بالكاد يعرفان بعضهما..

الاثنين، 28 يوليو 2014

لْحَادْكَه


-         "انت تفسد هذه الطفلة كثيرا !"
-         "انت تقسين عليها كثيرا..انها مجرد طفلة لا تحمليها اكثر مما تحتمل !!"
استمعت الى جدالهما مستمرة في التظاهر بالنوم، كانت تلك حيلتها الصغيرة كي تفلت من تنظيف الاواني المُكوَمة في المطبخ.حيلتها التي لم تنْطل قط على امها و التي كانت كافية مع ذلك لجعل والدها يتدخل في كل مرة للقيام ب "نوبْتْها" في اعمال المطبخ ثم يعود لكي يحملها بين ذراعيه ويضعها في فراشها بعد أن يقبل خدها وهو يهمس: "البَنوتة دْيالي".تمددت في فراشها مغمضة العينين وأرْهفت السمع لوالديها وهما يواصلان جدالهما،امها تحتج على سلوك ابيها مُنُبهة الى انها تريد للطفلة ان تتعلم ما ينفعها في بيت زوجها، ووالدها يرد بأنه من المبَكر جدا الحديث عن زوج لابنتهما وهي لا تزال طفلة صغيرة،تحتج والدتها مجددا انها لن تنتظر حتى تصير ابنتها "عْزْبة" لأنه آنذاك يكون الوقت قد فات..ثم تتنهد قائلة: " اتمنى لو كانت مثل شقيقتها.." عند سماع هذه الجملة تجذب الطفلة الغطاء و تندس تحته بكامل جسدها الصغير..
جففت الطفلة يديها الصغيرتين وهي تجيل بصرها في أرجاء المطبخ،شعرت بالرضا وهي تتأمل الطناجر النظيفة و الاواني المرتبة والكؤوس اللامعة،سمعت صوت أمها:
"تْبارْك الله عْلى بْنْتي، سْعدات اللي غادي ياخْدْك" ، فكرت الطفلة ان تسأل أمها: "يأخذني الى أين؟" لكنها سمعت صوتا قادما من التلفاز يعلن بدء برنامجها الكرتوني المفضل فغادرت المطبخ مسرعة،اصطدمت في طريقها بوالدها الذي حملها بين ذراعيه و رفعها عاليا وهو يقول:"الى اين بنوتتي؟" صرخت بابتهاج عندما تظاهر بأنه الوحش الذي سيقضم جزء من اذنها وأخبرته انها تريد مشاهدة البرنامج الكرتوني،عندما أنزلها أرضا سمعت والدتها تُثني على "حْداكْتها" وتشتكي من كسل شقيقتها..ثم والدها هو يؤكد ضاحكا على ان الفرق بين ابنتيه أن  الأولى  تحب ان تنظف الأشياء بنفسها بينما تفضل الثانية ان يقوم الاخرون بذلك من أجلها..مع ذلك فهما معا تقدران قيمة النظافة..
بدا ذلك غير مقنع للأم.. ولم تفهم قط موقف زوجها..كما لم تفهم لماذا بعد سنوات أصبح الوضع على ما هو عليه..من يصدق أن الطفلة التي لطالما اشتكت من كسلها صارت ربة منزل ناجحة تعتني بزوجها و أطفالها،بينما الطفلة "الحادْكة منْ نْهارْها" تكبر لكي تتزوج وتنفصل عن زوجها بسبب أعباء البيت؟!
تحاول الآن ويداها منشغلتان بطي الملابس وترتيبها في الصوان ان تفهم كيف لابنتها التي برعت دوما في كل فنون الطبخ والكنس  ان تعود الى منزل والديها بلقب مطلقة، لم تستوعب قط ان ابنتها التي كانت ترتب كل الغرف و تنظف وتكوي ملابس الجميع،وتقضي ساعات طويلة في المطبخ كي تزف الى المائدة أكلاتها الشهية بابتسامة حنونة انها نفس الفتاة التي تطلب الطلاق بعد أشهر من زواجها قائلة: "احتاج زوجا وليس سيدا أخدمه" وعندما يذكرونها يائسين انها "الحادْكة دْيال الدارْ" وان اعباء البيت لم تكن قط مشكلة بالنسبة اليها تجيبهم ببرود وعناد: "انها مسألة مبدأ"
ماذا يفترض ان يعني هذا؟كيف تفسره للقريبات الفضوليات اللواتي سيأتين لزيارتها و يتأسفن أمامها ثم يتغامزن فيما بينهن: "هَادي هْيا الحَادْكَة؟ مَا فيها ما يْشْقا تا فْدار راجْلْها؟" ومع تخيل ضحكاتهن الخبيثة انتابها احساس بالقهر، وندبت حظها وهي تسأل نفسها أين أخطأت؟ بدأت تنقب في ذاكرتها عن تفسير محتمل لما يجري،صور كثيرة من تاريخ تربيتها لابنتيها جالت بخاطرها تباعا، تسمرت عيناها فجأة أمام وزرة قديمة لابنتها المطلقة وقد اكتشفت للتو ما بدا لها انه السر في نجاح زواج ابنتها الاولى و فشل زواج الثانية..في كل صورة التقطتها ذاكرتها لابنتيها كان الفرق واضحا وجليا..لا تتذكر ابنتها المطلقة أيام طفولتها و مراهقتها الى ما قبل زواجها إلا وهي تحمل كتابا ما عن شيء ما..اكتشافها الجديد ملأها غيظا فأجهزت على الوزرة ورمتها بعيدا في سلة المهملات وهتفت في حنق: "هَاااادُوكْ لْكْواغْط لِي خْرْجُو عْليها، قْراتْ كْثْر مْنْ القْياسْ"...


الاثنين، 21 يوليو 2014

إيمان..

يمكنك ان تؤمن بالتغيير اذا اردت...بقلبك المؤمن بالحياة انت وحدك من يرى انبعاث الروح من رماد ما احترق من خطط العيش...من خطط بسيطة للعيش..كأن يجلسوا باسترخاء، يتنفسون بتلذذ عبق رغيف منزلي معد للتو ويتقاسمون شايا بنعناع..يسخرون من انفسهم و يضحكون من اعماق قلوبهم..
قلوبهم التي استحالت مستودعا كبيرا للمتلاشيات من القيم والعواطف النبيلة..فلم يعد فيها متسع لضحكة نقية..و اصبحت السخرية فجاة مريرة وموجعة..فقدوا كل الاسباب التي تجعلهم يتقاسمون الشاي او الخبز او اي شيء اخر..ربما لهذا اصبح كل منهم يفضل تناول طعامه وحيدا...
يمكنك ان تؤمن بالتغيير اذا اردت...بقلبك العاشق للجمال انت وحدك من يرى في كل دمعة تحفر اخدودا في القلب قصصا جميلة عن الصفح و عن معجزة النسيان..في كل ورقة تصفر وتخر ذابلة ربيعا غضا مقبلا لا محالة..يراهن قلبك على الزمن..فقط عندما يمضي الزمن..عندما يبتلع لحظات وجودك دون ان تشعر ربما ذات لحظة تتنبه الى انه لا شيء تغير..تتغير الوجوه والاسماء والاماكن..لكن القصص هي نفسها..والنهايات لم تعد مفاجئة في شيء..الشيء الوحيد الذي تغير ربما هو انت..بعد ان كان كل شيء مدهشا ومستفزا لمشروع تغيير..صار قلبك المؤمن دوما بالتغيير يرى كل شيء على انه "عادي جدا "..

ذات..تاريخ

كنت طالبة في سنتي الاولى بالجامعة،عندما طلبت مني مؤطرة بجمعية كنت قد التحقت بها للتو اعداد "درس ديني" فاخبرتها اني لا اريد اعداد "موعظة" ولكن احب ان اعد موضوعا نناقشه بشكل علمي..
ربما رغبت السيدة في تشجيع هذه القادمة الجديدة (أنا) فقبلت على مضض..لم أكن أعرف الشيء الكثير عن أحداث الفتنة الكبرى، فالتاريخ الرسمي الذي درسته في مؤسسات التعليم مثل غيري سكت عن تلك الاحداث،و لا اذكر ان أيا من أساتذتي تطرق للموضوع ولو إشارة..لذلك جذب الموضوع اهتمامي ولو اني لا اذكر اين سمعت العبارة للمرة الاولى..
لم يكن البحث على شبكة الانترنت ساعتها منتشرا كما هو اليوم،ولذلك كنت ابحث في مصادر تاريخية مختلفة..وعوض ان يستغرقني اعداد الموضوع بضع ساعات كما توقعت،وجدتني اغرق بين اجزاء "البداية والنهاية" لابن كثير و"تاريخ الامم والملوك" للطبري و غيرها..كنت مشدوهة ومشدودة الى كل سطر اقرأه..كنت اغوص في تفاصيل الاحداث لدرجة افقد معها الاحساس بالوقت وبكل من حولي ولا اعود الى القرن الواحد والعشرين الا على يد القيم على الخزانة وهو ينبهني انه حان وقت الاغلاق..استمر الوضع معي هكذا لمدة لم اعد اذكر اكانت اياما ام اسابيع..
قرأت عن حروب الصحابة..تعرفت على الشيعة..وعلى الخوارج..قرأت عن الأمويين وعن مذبحة كربلاء وعن مجازر العباسيين..كنت اضع يدي على فمي كلما غالبني شعور بالغثيان وانا اقرأ عن مذابح ارتكبت في المساجد،وعن جثث نبشت من قبورها وعلقت وعن اصناف مقرفة من التعذيب وعن قرون طويلة من الاضطهاد..كنت كمن يقرأ تاريخا آخر غير الذي حصلت فيه على معدلات عالية طوال سنوات دراستي الاعدادية والثانوية..لو سئلت قبل ذلك عن هذا التاريخ لظننته تاريخ امة اخرى او تاريخ المسلمين في كوكب اخر او بعد اخر..
بدا كل شيء كما لو كان مرتبطا بالدين في كل صفحة من التاريخ..لكني وانا أقرأ لم اخطئ رائحة السياسة في كل ما جرى..كان عفنها يزكم الانوف..و فهمت يومها معنى ان تلبس الفظاعات لباسا دينيا..
لم اشعر بالخجل لتديني بالاسلام ولم يزعزع ما قرأته قناعاتي الدينية ،بل بقدر ما خرج البعض من نفس رحلتي متحسسا متقرفا من كل ما هو ديني..بقدر ما خرجت متحسسة متقرفة من كل شرعنة للعنف والاستبداد باسم الدين..
لطالما شعرت بالاسف كلما قرأت عن نشاط جهة تحسب نفسها جهادية و هي تمارس الارهاب لاسباب سياسية بغطاء ديني..وعندما رأيت فظاعات داعش لأول مرة تذكرت الخوارج قبل ان تصفهم بعض الكتابات ب"الخوارج الجدد"..اما وانا اسمع صوت خليفتهم في القرن الواحد والعشرين و هو يقول: "وليت عليكم " فقد شعرت بغضب شديد..في كل مرة يطلع على المواطن من يدعي تحمل امانته دون ان يعبأ باستشارته فيما اذا كان يقبل به ام لا؟ !!! مرة باسم الثورة البعثية ومرة باسم الحرب من اجل الديمقراطية ومرة من اجل اقامة دولة الخلافة..
الذين يعرفون دين الله حق معرفته يدركون جيدا حق المواطن في تقرير مصيره و قداسة دمه وحرمة حياته..
الذين يعتقدون انهم اعرف من المسلم بمصلحته يحتاجون الى العودة الى كتاب الله واعادة قراءته حيث يحاور الله عز وجل عباده وهو خالقهم بالحجة لاقناعهم،فقبل ان تقنع نفسك بالجهاد لاقامة دولة الخلافة جاهد نفسك اولا فدولة الخلافة لا تقوم على الجهل والوحشية..
الذين يقنعون غيرهم بالجهاد و يتوارون خلف مناصبهم القيادية يعرفون انهم ليسوا افضل من اعدائهم "المفترضين" وانهم على اتم استعداد للتحالف مع اي كان..
من يضيع في تاريخنا المكرور هم اولئك الذين يحملون السلاح معتقدين انهم يحسنون صنعا فيتحملون وزر الارواح امام الله والناس..وكذلك اولئك الذين شاء سوء حظهم ان يقعوا بين ايديهم فيذبحون ويرجمون ظلما وعدوانا..
اما المؤسسون الفعليون لهذه الجماعات فلا فرق بينهم وبين الجهات التي أوجدوا كيانهم من اجل محاربتها..يفاوض بعضهم بعضا في السر حول الاستراتيجيات والاهداف و ثمن كل حرب ثم يجند كل منهم اتباعه في العلن ليقتتلوا و كل منهم يرسم لمعسكره اسما دالا و اهدافا لا تسحر غير من قبل ان يجعل من نفسه تابعا..

بين ال "هنا" و ال "هناك"

لا أدري أيهما أسوأ؟
أن تسيل دماء فلسطينيي غزة الابرياء برصاص محتل متوحش؟ ام ان تسيل دماء مغاربة بوركون باهمال وغش المسؤولين عن سلامتهم؟
لا أدري ايهما أسوأ؟
أن يساق الناس هنا وهناك دون رحمة الى موتهم المحتم ؟ أم ان يخرج علينا من يزايد على موتهم دون حشمة
لا أدري أيهما أسوأ؟
عجزنا و نحن نتذكر فقط من خلال اصوات القصف وصور جثث الاطفال الممزقة ان للوطن اختا اسيرة محاصرة تأبى رغم سنين التجويع ان تركع للمغتصب،أم عجزنا و نحن نرى فاجعة بوركون وقد تحمل وزرها في نهاية المطاف عامل بناء..
لاأدري أيهما أسوأ؟
دونيتنا و نحن نقرأ عن صناعة اسرائيل،و مفكري اسرائيل، والبحوث العلمية لإسرائيل...أم دونيتنا و نحن نتباكى على من قتلهم الغش والاهمال و نعود بعد عويلنا بكل هدوء لكي نغش في كل عمل نقوم به..
لاأدري أيهما أسوأ؟
أن أقرأ في صمت ما كتب عن فاجعة الانسانية فينا، في مختلف ارجاء الوطن العربي الاسلامي،و بداخلي احساس بلا جدوى الحديث او الكتابة...أم استسلامي في الاخير لرغبة الكتابة رغم احساسي بعقمها ولا جدواها