‏إظهار الرسائل ذات التسميات خواطر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات خواطر. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 21 أكتوبر 2015

ألحان



على وترِ الفرَح أعزِف، ببضعِ حصصٍ في البهْجةِ لم أكنْ مستعدةً  على ما يبدو لإطْرابِ الجمهورِ،وأنا –تقول قواعدُ الشهرةِ-  جمهورُ نفسي، لذلك اعتقدتُ واهمة ان شغَفي بالبسمةِ يكفيني، قررتُ أُلا قاعدة في العزْفِ ولا حَكَمَ إلا قلبي  العاشقُ للفرحِ.
لكن بضعَ حصصٍ في البهْجَة لم تكنْ لِتكفي، و ليسَ قلبي منْ يحددُ القواعدَ، لأن الحزنَ هاهنا قاعِد،واليأس ها هنا قاعِد، وكلما عزفتُ لحنا للفرَح، علا صوتُ الحزنِ رخيماً قادماً من الأعماق و هتف اليأس: "مهما فعلتِ انا ها هنا باق !"
أتأملُ وجهَ الحياةِ العابس فجأةً وبسابقِ انذار، وأضْحك عالياً كطفلٍ عابثٍ يخرْبِش على الجدرانِ دون اكتراثٍ بالأضْرَار،أُشْهِر عُدتي في وجه العُبوس، ان كان لا بد للجدرانِ ان تُحيطني من كل الجوانب فليكنْ لدي على الاقل حقُ تلوينها..
سأرْسم عليها أبواباً كثيرة، أبوابٌ تنفتح على سماءٍ عاليةٍ بزرقةٍ لا تُخطِئها حتى العيونُ الدامعة،هناك حيث تَفرِد الطيور أجنحتَها و تحلق عاليا بلا تراخيصَ من أحد، لا يَهمها قِصَر العمر و لا خطورة الجوارحِ ما دامت قدْ حلقت بكل حريةٍ ذاتَ حياة.
سأكتبُ عليها إعلاناتي: اليوم ايضا يومُ احتفالٍ مثل الأمس ومثل غدٍ، ما المناسَبة؟ لا نحتاج مناسبة لكي نغردَ مُبتهجينَ أيها الحمْقى ! المناسباتُ هي بالذاتِ ما يقتلُ الفرحةَ فينا..مَنْ عدوُ الإنسانيةِ هذا الذي جَعَلَ للفرحِ شروطاً و رزنامة؟
بضعُ حصصٍ في البهجةِ لا تكفي للعزْف حسبَ القوَاعد، لكن من يَحفلُ بالقواعدِ على أي حال؟تَبا لكل القوَاعد ! أنا أعْزِف لنفسي، وكلماتي تطيرُ بلا استئذان، تعانِق الجدْران، هل ستقاومُ بُرودَتُها دِفْءَ كلمَاتي الى الأبد؟
على وَتَر الفرح أعْزف، فَلْتُرَدد معي كل الأرْوَاحِ العطشى لحنَ البهْجة،فَكَما لِكلٍ في الحَياة حق، و في الاخْتلافِ حق، فإن لكلٍ في البهجةٍ حق.

الخميس، 15 أكتوبر 2015

سنة هجرية مباركة



الهجرة..تنطق هذه الكلمة باللغة العربية فتعني لك بمجرد نطقها أشياء كثيرة،أشياء قد لا تخطر ببالك بالضرورة لو نطقتها بلغة اخرى، مزيج يتعب الروح من الاسى والقلق وفراغ داخلي يخلفه التخلي-طوعا او كرها- عن كل شيء والتوجه نحو عالم مجهول بالنسبة للمهاجر..
تذكرك هذه الكلمة بالذين هاجروا، بالذين هاجرتهم او هجرتهم و هجروك، بكل الاشياء التي تمني نفسك بان تهاجر اليها او على العكس من ذلك بتلك الأشياء التي تسعى بجهد ان تهاجرها دون ان تفلح في ذلك..
ثم عندما تستيقظ في مثل هذا اليوم، يسرح بك الخيال بعيدا، الى رجل قرر مع رفاقه  قبل 1437 عاما ان يهاجر موطنا عزيزا على قلبه من اجل رسالة، بوسعك ان تتخيل سحر الإيمان في النفوس، فقد كانت الرسالة مشروعا روحيا وانسانيا ضخما،وكان محمد عليه الصلاة والسلام بشرا رسولا، لم ينزهه القرآن الكريم عن صراع المشاعر البشرية المتناقضة، وتحدثت الآيات الكريمة بأمانة عن مواقف كان فيها حمل الرسالة أثقل مما يحتمله إنسان، لكنه أدى الأمانة و بلغ الرسالة، وأثر في ملايين الناس منذ ذلك الوقت الى اليوم.
تتذكر كل هذا في مثل هذا اليوم، ولا تملك الا ان تشعر بالغبن وان ترى ان استرقاق الناس تم باسم رسالته،وقد جاءت في الاصل لتحريرهم،ان ذبح الناس لا زال يتم باسم رسالته،وما جاءت رسالته الا لتحرم دماءهم. ومن صلب أمته ظهر من جعلوا رسالته رسالات اختلفوا بشأن مصداقيتها واقتتلوا و نكل بعضهم ببعض،و صنعوا ذاكرة من حقد و تطرف وطلاب ثأر يتناسلون فلا ينتهي ثأرهم أبدا.
هاجر النبي عليه الصلاة والسلام من أجل الرسالة، كانت واحدة، لكنها كانت مثل السماء تسع كل البشر،واليوم ان أردنا ان نحبه بصدق،وان نسعده ونسعد به،فلنهاجر كل ما يبعدنا عن رسالته.
كم اتمنى ان نهاجر الاحقاد، الانانية، الجشع، الظلم، شح النفوس، الغدر،الاحساس الغبي وغير المبرر بتفوقنا على الآخر، اي آخر..
كم اتمنى ان نقرأ ونعيد قراءة رسالته فنرى فيها كوكبا بلا دمار،كوكبا بلا جوعى،كوكبا بلا مشردين،كوكبا بلا معذبين..
كم اتمنى ان تسعنا سماء عالم انساني ممكن جدا لو أردناه، بعدما ضاقت بنا أرض الدول بما رحبت.
كل عام هجري وانتم الى الرسالة أقرب.

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

فقد



من بين كل الأشياء الكثيرة التي قد تملأ وجودك من ضجيج حضورها، لا ترى عيناك الا ما غاب عنهما في الغالب.لا تنصت أذناك في صخب الحياة الا الى السكون القادم من مكان عميق في فؤادك.
هي لحظة-وربما لحظات- بطعم الفقد.
لا يهم بأي لسان تتحدث، لا يهم كم الكلمات التي تستعمل، لا يهم ان كانت الكلمات نفسها التي يستعملها الآخرون كل يوم بشكل اعتيادي، عندما تتحدث لغة لا يتحدثها غيرك ممن علموك استعمال الكلمات والحروف اول مرة، عندما تستخدم بشكل عفوي لسانا لا يفهمه غيرك ممن تضع عليهم في شبكة علاقاتك علامة "اصدقاء" ،عندما ترتب كلماتك على نحو فريد استجابة للحن لا يسمعه غيرك،وانت في قمة التيه بما تسمع، تشعر بطعم الفقد.فهم يغيبون الواحد تلو الآخر متى واصلت البوح.
عندما تضطر لاتخاذ قرارات مصيرية وتعرف ان نتائجها قادمة لا محالة،وان عليك وحدك ان تتحمل تبعات القرارات الخاطئة،ستشعر حتما بطعم الفقد، الطفل الذي كنته يوما ما لم يعد له وجود،لا يمكنك ان تدع احدا آخر يقرر بدلا عنك،ولا يمكنك ان ترمي بمسؤولية وجودك على شخص غيرك.
عندما ترى الجميع يعرقون ماء و دما لأجل بناء صروح من أشياء، تتلاقى نظراتكم، تتلامس أياديكم، تنساب اصوات بعضكم الى آذان بعض، تتحدثون، تضحكون، ترسمون صورا عن المستقبل، كل شيء يؤكد بأنكم هنا، بأن وجودكم معا شيء حقيقي، مع ذلك يغالب كل منكم  شعورا  متأصلا بالعزلة، شعورا غير مفهوم بأن كلا منكم ينظر الى الآخر طيلة الوقت دون أن يراه،حينها يتعمق لديك شعور فظيع بالفقد.
روابط غريبة تجذبك الى تذكر من غادروا هذا العالم الى غير رجعة، كل تفاصيل حضورهم في وجدانك تعمق احساسك بغيابهم،تستنجذ عيناك بالحاضرين الذين لم يغيبهم الموت عنك و لم يغيبك عينهم،لكن لا يبدو ان ثمة رابطا يذكر بتواجدكم في العالم نفسه.
يتوالى الحضور و الغياب، يتزامنان،تعيش احدهما بالرغم من الآخر، واحيانا تعيش احدهما بفضل الآخر،إلم تعلمك لحظات الفقد درس الامتنان فلاشيء سيفعل، كلما عشت الفقد مجددا ستتذكر ان تثمن ما لديك بشكل افضل، كل ما هو هنا،يمكن في لحظة ان يكف عن الوجود،وان حرصت بما يكفي الا تفقد ذاتك عندما تعصف بك رياح الخسارات،ستدرك بما يكفي ايضا انك الجذر،وكلما انكسرت منك اغصان او ذبلت اوراق أزهرتَ غيرها يانعة مبهجة مفعمة بالحياة.

الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

ندوب

لا أدري لماذا من حين لآخر نحب ان نقفز عبر الزمن؟ نبحث عن ندوبنا القديمة،و كأي مازوشي، نتحسس الجروح الغائرة عميقا في أرواحنا،تلك التي بدأت ذات يوم كخدش بسيط على أدمة أيامنا،ولم ندر أي لعنة حولت كل المراهم في ايدينا الى شفرات حادة لا ننتبه الى جوعها الا بعد ان تروي نصلها وتروي الارض بمزيد من دمائنا.

السبت، 12 سبتمبر 2015

تائهون عن انسانيتنا

يجلسون بأريحية خلف شاشات حواسيبهم او هواتفهم المحمولة او لوحاتهم الالكترونية،يمررون اصابعهم من خبر الى خبر ضجرين بعدما أشبعوا بطونهم،يتجشأون بصوت مسموع جدا دون أن يقلق أمنهم شيء.
يتوقفون مثل غربان شؤم عند أخبار الموت،ينشرون صور الجثث، يسجلون اعجابهم بمنظر الصرعى،يمططون شفاههم تقرفا من منظر الدماء و دموع المكلومين،إن حدث وكان الواحد منهم ساعة وقوع حادثة او اعتداء فإن أول ما يفعله هو تسجيل فيديو لكل شيء، لا يعرف رقم الاسعاف،ولم يفكر قط في تقديم اسعافات أولية،و لم يحدث ان جرب الاتصال بالشرطة،ومع كل ذلك يستمر في تسجيل الفيديو و هو يتذمر بصوت مرتفع من سيارات الاسعاف التي لا تأتي أبدا و عن "الحناش" الذين لا يغادرون دائرة الأمن الا عندما يكون هناك دم.
يتوقفون كثيرا عند أخبار الفضائح، يحبون مشاركة فيديوهات وصور الاعتداء،و يدخلون مناقشات حامية كلما مات الناس بالجملة في مكان ما من العالم: ما دينهم؟ ما لونهم؟ ما جنسهم؟ ما كانوا يفعلون هناك؟ هم يستحقون اكثر..والمدافع عنهم ينبغي ان يموت معهم
كلما قرأت ترهات مشابهة يكبر مارد غضبي لكنه لادبي لا يخرج من قمقمه،و اشتهي...نعم اشتهي ان يجد الواحد من هؤلاء نفسه دون سابق انذار في ساحة حرب اعزل من كل شيء: من بيته،من هاتفه المرتبط بالنت،من عشيرته،من كل شيء ،اعزل الا من انسانيته،فيتعلم ان كان في جوفه شيء من حب بقاء ان يصنع منها درعا يدفع به الرصاص الذي يتهاطل عليه من كل الجوانب دون ان يستوعب لماذا اوكيف؟ ان يغزل منها كلمات تطير كالحمائم الى قلوب المحتلين والمعتدين علها تقنعهم برغبته في الحياة..
نعم اشتهي ان يجد الواحد من هؤلاء نفسه في واد ضاق بمياهه كما ضاقت نفوسهم باعطابها..عله يرمي نظرة استعطاف الى الناس في الضفة دون ان يجدهم منشغلين عن نجدته بتسجيل فيديو احتضاره
نعم اشتهي ان يجدوا انفسهم فجأة في احدى حلقات "البعد الخامس" فيجد كل واحد منهم نفسه مع الذين نشر صورهم وفيديوهاتهم في قلب الحدث، أيا كان الحدث، حربا او حريقا او فيضانا او سقوط رافعة ،دعهم يعيشوا اللحظة كي يتحدثوا عن دراية،دعهم يعيشوا التجربة كي يكون لتعليقاتهم معنى، دعهم يرجعون من قلب الحدث لكي يخبرونا ما الفرق بين روح تزهق من جسد هذا و روح تذهب الى بارئها من جسد ذاك..

الجمعة، 11 سبتمبر 2015

نحو الانساني

الطريق الى الانسانية غير ممكن بدون وعي..و مضَلِل جدا بدون فعل يلبس هذا الوعي رداء الممكن و المحسوس..
الأفكار التي لا تضعنا على الطريق الى الانسانية تشبه نجوما في الفضاء السحيق،يسطع نورها في سماء ليلنا بينما أفل النجم منذ زمن في مكان ما من الفضاء
انها مثل حرية تأبى ارضاع الثوار
مثل عدالة تعاف دموع المظلومين
مثل حب عاجز عن ترويض الوحوش بدواخلنا
مثل انتصار حقيقي في معركة وهمية
حيث يغدو كل شيء موجودا بالتحديد لأنه غير موجود

حِكَم

في هذا العالم، ندين بكل حكمتنا للشقاء والعبث و اشباههما..لا حكمة في السعادة و السكينة على ما يبدو، كل حكمنا تأتي قبلهما او بعدهما.
في اللحظة التي نشعر فيها باكتفاء حقيقي لا نتفلسف بشأن الوجود،نعيش اللحظة وحسب
دموع المقهورين، دماء المغدورين،أشباح من غادروا قسرا،ومن تشردوا دهرا، وأشياء اخرى كثيرة تجعلنا نفكر في حكمة ما تجعل كل ذلك ممكنا، في خلاص ما يجعل كل ذلك ضروريا.

الجمعة، 26 ديسمبر 2014

أفكار

" لماذا لا تحمي الافكار الحكيمة اصحابها من الانهيار؟"
يجول هذا بخاطري و انا أقرأ لنيتشه و اتخيله تعيسا و فاشلا في الحصول على الحب والمحبوبة، تائها في عالم الجنون لسنوات قبل ان يفارق الحياة..
هل بوسع الفكرة ان تنقذ الانسان؟
الفيلسوف انسان..يضعف..يفشل..ينهار..قد يجن ايضا،فذاك جزء من كونه انسانا
والافكار في نهاية المطاف.. افكار،قد تتكوم في جانب من الذاكرة الى ان تنسى، و قد تتمازج مع غيرها الى ان تتغير معالمها تماما..
هل الافكار محايدة الى هذا الحد ام انها عاجزة عن انقاذنا؟
انظر الى كل شيء ملموس حولي وانا موقنة بأنه بدأ بفكرة في ذهن احدهم..
انظر الى العالم وانا موقنة بان للافكار سحرها عليه
الافكار فقط هي ما يجعلنا نستوعب العالم فنمنعه من استيعابنا
بالافكار فقط نسعى الى تعلم لغة الوجود فنجد من الالسن بعدد شعوب الارض
بالافكار فقط نتعلم لغة الاشجار و الجبال ونجوم السماء
وحدها الافكار من يقودنا الى تعلم السمفونية
تلك التي تنبع من اعمق مكان في انسانيتنا و تصدح بلحن الحياة الى ابعد مكان في الكون
فلماذا لا تحمي الافكار الحكيمة اصحابها من الانهيار؟

الأربعاء، 19 نوفمبر 2014

لعبة الموت

                                            


كتب فرويد ذات مرة ان الموت لا يكون له معنى بالنسبة للاحياء الا في زمن الحرب..فالناس يموتون بالجملة..يموتون فعلا..ولا يعود بامكاننا تجاهل الموت او وضعه على الرف..
ربما انت مثلي، تتذكر هذا الكلام فجأة وانت تتأمل عالم اليوم..انت مثلي ترى الجثث منتشرة هنا وهناك، تزف اليك انباء عن سبيها..تشريدها..تعذيبها..والاجهاز عليها : الحياة لم تعد مقدسة،و ربما في تاريخ البشر لم تكن يوما كذلك..
ربما انت مثلي تجلس باسترخاء و تتابع على شاشة حاسوبك او محمولك كيف يساق الناس الى موت محتوم..هل لاحظت ان وجوههم لا تقول شيئا؟ وجومهم لغز محير، اي حكمة انكشفت لهم وهم على بعد خطوة من مغادرة دنيا الاحياء؟ هل سمعت كلمات الاستعطاف الضعيفة التي ندت من احدهم مخاطبا جلاديه؟ كلماته لن تغير من مصيره شيئا،لا احد يفهم لم نطقها، لا هو نفسه،و لا جلادوه، ولا انا ولا انت..
انا..انت ..وغيرنا، نحن الجمهور نفسه  الذي اكثر من مشاهدة افلام الاكشن. تعود الا يهتم باحصاء الضحايا الذين يسقطون خلال الفيلم، في مشهد المطاردة حيث تنقلب بضع سيارات و تحدث اخرى فوضى عارمة في سوق للخضار، او مشهد التفاوض مع الأشرار حيث يقدم هؤلاء على اعدام بعض الرهائن بدم بارد لاقناع المسؤولين بجدية مطالبهم،كل هذا تمحوه سعادتنا بالتئام شمل اسرة البطل و... انقاذ كلبهم في النهاية..
نحن حشود لا تملك غير مشاعرها،تتعاطف مع الضحايا و تكره المعتدين،ثم تضغط على الزر لتغيير القناة و تتابع اعمالها اليومية بدون اكتراث.
نحن جمهور قسري للعبة الكترونية ضخمة ابتلعت الكوكب منذ زمن بعيد، بعيد لدرجة انه لا احد يتذكر متى بدأت الحكاية..ولا احد يستطيع التأريخ لها
على الطرقات يختار الناس مركباتهم و يضغطون على الدواسات، بسرعة جنونية يتجاوزون كل شيء أمامهم..ما قيمة سيارة لا تمتحن قوتها على الطرقات كل يوم؟ ليس المهم في اللعبة ان تصل الى خط النهاية ولكن ان تصل بسرعة اكبر ومهارة اكثر وحماسة أعلى..كل السر في ان تغازل الموت المرة تلو الاخرى..و تفلت في كل مرة..
فقط عندما يدوي صوت الارتطام ويصم مسامعك، وقبل ان تجد وقتا للانتشاء بحماستك،ينتهي كل شيء، يغازلك الموت هذه المرة..و يمضي..تنظر من بين دمائك الى اشلاء الاشخاص والاشياء حولك، لا زلت حيا،نعم، لكن ما قيمة الحياة عندما تفقد كل شيء آخر؟ انتهت اللعبة.
حسب المزاج، يختار المقاتلون اسلحتهم أولا وقضاياهم بعد ذلك، في عالم الارقام هم جزء من لعبة ثلاثية الابعاد، يدمرون بعض المباني، يفجرون بعض المركبات،يسفكون بعض الدماء و هم يرددون جملا رتيبة..  كل تقدم على ارض اللعب يعني اننا نجحنا في الانتقال بوحشية القتل الى مستوى أعلى...
من مكان ما، يوقفون اجهزتهم متثائبين، يقصدون  فراش نومهم في ملل، ينامون  هادئي البال والضمير، غدا سيجدون وقتا للتسلي باللعبة من جديد..
لكن ارواح من قضوا نحبهم في كل الحروب  تطوف حول أَسِرتهم في ضياع..تئن  مستغربة:لماذا لا يدرك هؤلاء معنى الموت؟ أليس الموت ما يعطي - بشكل جدلي- للحياة معنى؟
انت وانا يمكن ان نفهم لماذا؟ لقد راقبنا طويلا جدا كل ما يجري..طاف الموت قريبا منا..اخذ احباءنا، رأينا  العدم الذي يخلفه الموت على الوجوه، رأينا عيونهم المحبة وقد انطفأ بريقها فأصبحت تحدق في اللاشيء ولا تفصح عن شيء، اجسامهم التي ضجت يوما ما بالحياة وقد صارت شيئا باردا لا يكترث لمن يولول او يشتاق..

انت وانا ندرك اننا –شيئا فشيئا – بدأنا نفقد هذا أيضا..هذا المعنى الصارخ لأن يموت انسان بيننا..فالانسان يموت فينا كل يوم.. يطوف الموت قريبا منا كل يوم دون ان يصلنا  اي معنى..صرنا اشبه بقطيع ضخم مستسلم بشكل تام لحتمية انتقاء وحشي لا يبقي غير الاقوى والاكثر فتكا..وليس الاصلح بالضرورة..

الاثنين، 21 يوليو 2014

إيمان..

يمكنك ان تؤمن بالتغيير اذا اردت...بقلبك المؤمن بالحياة انت وحدك من يرى انبعاث الروح من رماد ما احترق من خطط العيش...من خطط بسيطة للعيش..كأن يجلسوا باسترخاء، يتنفسون بتلذذ عبق رغيف منزلي معد للتو ويتقاسمون شايا بنعناع..يسخرون من انفسهم و يضحكون من اعماق قلوبهم..
قلوبهم التي استحالت مستودعا كبيرا للمتلاشيات من القيم والعواطف النبيلة..فلم يعد فيها متسع لضحكة نقية..و اصبحت السخرية فجاة مريرة وموجعة..فقدوا كل الاسباب التي تجعلهم يتقاسمون الشاي او الخبز او اي شيء اخر..ربما لهذا اصبح كل منهم يفضل تناول طعامه وحيدا...
يمكنك ان تؤمن بالتغيير اذا اردت...بقلبك العاشق للجمال انت وحدك من يرى في كل دمعة تحفر اخدودا في القلب قصصا جميلة عن الصفح و عن معجزة النسيان..في كل ورقة تصفر وتخر ذابلة ربيعا غضا مقبلا لا محالة..يراهن قلبك على الزمن..فقط عندما يمضي الزمن..عندما يبتلع لحظات وجودك دون ان تشعر ربما ذات لحظة تتنبه الى انه لا شيء تغير..تتغير الوجوه والاسماء والاماكن..لكن القصص هي نفسها..والنهايات لم تعد مفاجئة في شيء..الشيء الوحيد الذي تغير ربما هو انت..بعد ان كان كل شيء مدهشا ومستفزا لمشروع تغيير..صار قلبك المؤمن دوما بالتغيير يرى كل شيء على انه "عادي جدا "..

بين ال "هنا" و ال "هناك"

لا أدري أيهما أسوأ؟
أن تسيل دماء فلسطينيي غزة الابرياء برصاص محتل متوحش؟ ام ان تسيل دماء مغاربة بوركون باهمال وغش المسؤولين عن سلامتهم؟
لا أدري ايهما أسوأ؟
أن يساق الناس هنا وهناك دون رحمة الى موتهم المحتم ؟ أم ان يخرج علينا من يزايد على موتهم دون حشمة
لا أدري أيهما أسوأ؟
عجزنا و نحن نتذكر فقط من خلال اصوات القصف وصور جثث الاطفال الممزقة ان للوطن اختا اسيرة محاصرة تأبى رغم سنين التجويع ان تركع للمغتصب،أم عجزنا و نحن نرى فاجعة بوركون وقد تحمل وزرها في نهاية المطاف عامل بناء..
لاأدري أيهما أسوأ؟
دونيتنا و نحن نقرأ عن صناعة اسرائيل،و مفكري اسرائيل، والبحوث العلمية لإسرائيل...أم دونيتنا و نحن نتباكى على من قتلهم الغش والاهمال و نعود بعد عويلنا بكل هدوء لكي نغش في كل عمل نقوم به..
لاأدري أيهما أسوأ؟
أن أقرأ في صمت ما كتب عن فاجعة الانسانية فينا، في مختلف ارجاء الوطن العربي الاسلامي،و بداخلي احساس بلا جدوى الحديث او الكتابة...أم استسلامي في الاخير لرغبة الكتابة رغم احساسي بعقمها ولا جدواها

اختبار...

اصابع متوترة تنقر على لوحة مفاتيح الحاسوب و الهاتف المحمول..نبضات القلب تتسارع..ماذا لو...؟ يرتفع ضجيج الافكار لمجرد التفكير في الاحتمال...تحميل الصفحة يأخذ وقتا...اللعنة !! المزيد من الانتظار..يجف الحلق و تتلاحق الانفاس.. تشرئب اعناق الام و الاخوة في ترقب..ماذا؟ ماذا؟ يدخل رقمه الوطني ثم يضغط الزر فيعطي اشارة لا ارادية لمغص يعتصر معدته دون سابق انذار..
يحدق الى المعطيات امامه غير مستوعب للحظة..ثم يصرخ فجأة في وجه الجميع:نجااااااااااااااااااااااااحت..فتضج الغرفة باصوات من فيها..اصوات وحركات في المجمل غريبة وعشوائية لكن لغتها جميعا هي الفرح..
غير بعيد..يمتقع الوجه..و تتلألأ بضع دمعات في العين رافضات ان تسيل محرقات على خدين محتقنين..انه يكره كلمة مستدرك..يكره كل عدد اقل من عشرة.. و كالمقامر، يزداد غضبه كلما فكر انه كان على وشك هذه المرة..على وشك..تعود اليه ذكرى اخر لحظات الاستعداد و اجاباته المقدمة مسترسلة كما لو كانت احدى حلقات الوثائقي: لحظات ما قبل الكارثة..يشعر انه حزين و محبط..يعي انه حزين و محبط..يضع الهاتف المحمول في جيبه..ثم ينظر الى كل دفاتره و كتبه..شيء فيه يصرخ:اكرهها!!..لكنه يتأملها في هدوء مخاطبا اياها: بيني وبينك معركة لم تنته بعد..و لست انا من يضع سلاحه بسبب كلمة "مستدرك"..اريد ان اتذوق طعم النجاح و اذا كان هذا يعني ان اقرأ اكثر و اذاكر اكثر فسانتزع انتصاري من سواد مدادك...

عبث

احذر من كل الاشياء التي تقول بكامل الثقة انك لن تفعلها يوما
احذر من كل ما تؤمن بعمق بانك لن تكونه يوما
يكفي ان تطالبك الحياة بالمزيد من القتال في الوقت الخطأ
يكفي ان تحيط نفسك بالاشخاص الخطأ
وان تتخذ قرارا او اثنين من القرارات الخطأ
لكي تتحول دون ان تشعر الى ذلك الكائن الذي لطالما سخرت منه