يشير مصطلح الصعاليك في سياق الأدب العربي
الى فئة من الشعراء الجاهليين الذين تمردوا على روابط القبيلة و زعاماتها و أسسوا
لموقف احتجاجي عبرت عنه اشعارهم و نمط عيشهم على حد سواء.
وإذا ما تجاهلنا الحكم-من زاوية اخلاقية او
حقوقية- على أعمال الغزو والنهب التي قاموا بها فيمكن ان ننظر الى الصعاليك كرمز
للتجاوز بمفهومه عند الفيلسوف الوجودي جون بول سارتر،إذ كلما وجد الإنسان نفسه في
وضعية معطاة إلا و فعل شيئا بما يُفعل به، من هنا تكون الصعلكة رمزا
للاحتجاج،للتمرد و التحرر مما قد يبدو واقعا اجتماعيا حتميا.
ربما لهذا السبب انجذب مواطن مغربي في وضعية
إعاقة هو عادل اوتنيل الى جعل الصعاليك موضوعا لرسالة الدكتوراه ( والتي بالمناسبة
لم يحصل على حق مناقشتها دون احتجاج)، فقد شاءت له ظروفه الاقتصادية ان يتصعلك
بالمعنى اللغوي للكلمة،فعاش الفقر وضيق الحال، و لم تكن كبرى مشاكله ان وجد نفسه
في جسد يضيق بروحه الحرة بل ان يجد نفسه مواطنا في دولة تضيق بأنفته وعزة نفسه، فلم يكن له إلا ان
يتصعلك بالمعنى الاصطلاحي للكلمة.
وما بين صعلكة الجاهلية و صعلكة القرن الواحد
والعشرين ردح من الزمن تحول فيه الوطن من قبيلة الى دولة لها مؤسسات تحتكم الى
قوانين و يفترض ان غايتها احقاق الحقوق والحريات، فكان احتجاج عادل اوتنيل متحضرا
بما يتناسب و تقدم هذا الكيان الرمزي المسمى دولة،فخاض اضرابا شجاعا عن الطعام لما
يزيد عن أربعين يوما من أجل الحصول على حقه في العيش الكريم، وبعد ان تدهورت حالته
الصحية تناقلت بعض وسائل الإعلام نبأ عن تعليق أوتنيل لإضرابه عن الطعام بعد حصوله
على مسكن.
ما يستوقفني في حكاية اوتنيل أمران في
الواقع، يتعلق الأول منهما بمثابرة هذا الشاب، إذا كنت تعرف حجم الجهد والصبر
والتضحيات التي يتطلبها التحصيل العلمي في وطننا العزيز تخيل معي حجم كل ذلك عندما
تكون فقيرا وفي وضعية إعاقة.
في الوقت الذي يترك شباب أصحاء الدراسة مبكرا
متعللين بأعذار مختلفة يصعد اوتنيل الدرجات العلمية درجة درجة و لا يتوقف الا
ببلوغ أعلاها و لسان حاله يقول أن الإعاقة الحقيقية هي تمثلنا للإعاقة.
الأمر الثاني يتعلق بحصوله على مسكن لائق، فالمواقع
الالكترونية القليلة التي تداولت خبر إنهاء اوتنيل لإضرابه عن الطعام لم تشر الى
الجهة المانحة لهذا السكن فيما ان كانت جهة حكومية او احد المحسنين.
فيما يتعلق باوتنيل تحديدا و بصرف النظر عن
الجهة المانحة فإن حل ملفه يعد انتصارا لشجاعته و مثابرته، لكنه ليس الوحيد،إذ هناك
الكثير من الاشخاص في وضعية إعاقة، من غير الإنساني أن يواجهوا قسوة ظروف المعيش
دون اي حماية او دعم، من غير الإنساني الا يُلتفت الى وضعية الواحد منهم إلا بخوضه
إضرابا عن الطعام، ومن غير المعقول أن يترك مصيرهم لتعاطف جمهور المحسنين.
المغرب الذي يريد لنفسه ان يكون دولة حق
وقانون،البلد الذي التزم باتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة هو ملزم بالتالي بتوفير فرص الادماج الحقيقية لهذه الفئة من
المواطنين.
أن تتطوع شركات او أفراد لإغاثة هذا الشخص أو
ذاك شيء جميل و إنساني (بغض النظر عن دوافعه)،لكنه لا يغير شيئا من قبح وجه الدولة
التي تتجاهل مواطنيها و تترك الفئات الهشة لمواجهة مصائرها وحيدة.
عندما لا يحصل المواطن من الدولة التي تدبر شأنه
العام على معاملة كريمة تليق بإنسانيته يحدث ما نراه في شوراعنا كل يوم، حيث يتسول
الناس طوال الوقت بإعاقاتهم و أمراضهم ويحتال آخرون بلعب دور المريض والمعاق، و
يحدث ان يشهر البعض أسلحتهم البيضاء لكي
يسلبوا الناس أموالهم دونما حاجة الى الاستعطاف، وكلها أعراض أمراض اجتماعية
مقلقة.
لكن يحدث أيضا ان يتمرد مواطنون آخرون و
ينهجوا أساليب الاحتجاج السلمي لكي يذكروا الدولة بقواعد التعاقد الذي بموجبه
تستمد شرعية وجودها: احقاق الحقوق والحريات، وهذا كان خيار اوتنيل، وهو خيار ينبغي
للدولة ان كانت تروم الاستقرار والسلم الاجتماعي ان تحتفي به وتستمع لمطالب أصحابه
بجدية، لأنه افضل لأمن البلاد من خيار
الذين يرمي بهم اليأس من المؤسسات في أحضان التشرميل او التنظيمات الجهادية،إذ
نكون هنا إزاء نوع من الصعلكة ندفع جميعا ثمنه باهضا أفرادا و مؤسسات.