الجمعة، 15 نوفمبر 2013

الاساءة الى رسول الاسلام......مجددا !!



ملاحظة: مقال نشرته في 19 سبتمتبر 2012 اعيد نشره بعد ان حذفته خطأ
كانت ذكرى احداث 11 من سبتمبر لهذا العام بطعم خاص،فقد قتل خلالها السفير الامريكي في ليبيا,,,,,,, رفقة ثلاثة من معاونيه اثر هجوم على القنصلية الامريكية في بنغازي.وجاء الهجوم احتجاجا على بث مقاطع فيديو من شريط مطول حول النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) على مواقع انترنت لا سيما موقع اليوتيوب المعروف.
أثار بث مقاطع الفيديو موجة احتجاجات بدأت من الشارع المصري والليبي قبل ان تتخذ صبغة رسمية بمطالبة الرئيس المصري محمد مرسي بمقاضاة منتجي الفيلم.
براءة المسلمين
هو عنوان الفيلم الذي كتبه وانتجه واخرجه اسرائيلي يحمل الجنسية الامريكية في الخمسينات من عمره يدعى سام باسيل Sam Bacile وحسب صحيفة الوول ستريت جورنال فان انتاج الفيلم تطلب جمع 5 ملايين دولار من يهود فضلوا الابقاء على سرية هوياتهم،واستغرق انتاجه ثلاثة اشهر بفريق مكون مما يزيد عن المائة شخص.
وبحسب الصحيفة نفسها فقد صرح باسيل بانه بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر فان الجميع يجب ان يحاكموا بما في ذلك المسيح او محمد،لكنه اكد مع ذلك ان فيلمه سياسي وليس دينيا وانه ينوي انتاج افلام تصل الى مائتي ساعة حول نفس الموضوع.باسيل صرح بعد الهجوم على القنصلية الامريكية في بنغازي بانه لم يتوقع ردة الفعل هاته وبانه غاضب مما حدث.وتذكر الصحيفة على موقعها الالكتروني ان صاحب الفيلم اختفى من كاليفورنيا (مقر اقامته) بعد ما حصل.
فيلم براءة المسلمين تلقى دعاية من قبل القس الامريكي المثير للجدل تيري جونز الذي اكد على ان الفيلم لا يهدف الى مهاجمة المسلمين ولكن الى اظهار ايديولوجيا الاسلام المدمرة.تيري جونز معروف بمواقفه العدائية للاسلام لا سيما بعد اقدامه على حرق نسخ من المصحف الشريف على الملأ واتخاذه موقفا معارضا لبناء مسجد في المنطقة,,,,,,, في مناسبات سابقة.
الفيلم عرف ايضا دعاية من قبل بعض الاقباط المصريين المقيمين في امريكا نذكر من بينهم موريس صادق و,,,,,,,,,,,,,,,وهو ما قرأ فيه بعض المتابعين في مصر محاولة لزرع الفتنة بين مسلمي مصر ومسيحييها مما جعل بعض رموز الاقباط ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, يصدرون بيانات يعلنون فيها عن رفضهم للفيلم ومعارضتهم لكل ما يسيء بالاديان الاخرى او يخل باحترام مقدساتها.

خواطر قلقة...


لكل حقيقة وجهان...حسنا ربما اكثر من وجه...ولك ان تؤمن باي وجه شئت او الا تؤمن باي منها وتصنع حقيقتك الخاصة بك..المفارقة الغريبة هنا انه بوسعك ان تكون دوما على صواب(في نظر نفسك ونظر من يشاطرونك الرأي) لكنك لن تكون على صواب ابدا..فمقابل الحقيقة التي تؤمن بها وتدافع عنها هناك دوما عشرات الحقائق المناقضة..والجميع يطالب (وانت معهم) بالحق في الاختلاف...هكذا يكون الحق مع الجميع ولا أحد على صواب...اليس هذا مربكا؟ انه الشعور الذي يخالج المرء وهو يتأمل احداث الازمنة المعاصرة وهي تتلاحق في جنون.
يلقى القبض على جنرال متهم بجرائم ضد الانسانية في حرب ما...يقول البعض: "يجب ان يحاكم ويقتص منه"...ويندد البعض بالقاء القبض عليه من الاصل قائلين انه بطل حرب ويجب ان يكرم لا ان يحاكم!!ا
تجيش الجيوش لتنفيذ عملية عسكرية في مكان ما في العالم فيعلق البعض انها عملية تحرير لشعب تلك المنطقة فيما يصرخ البعض الاخر قائلين انها عملية احتلال واستغلال!!ا
تقرأ لخبير اقتصادي عن وحشية النظام الرأسمالي ودوره في افقار الفقراء واغناء الاغنياء،فيما يحاول خبير اقتصادي اخر اقناعك بانه اكثر الانظمة الاقتصادية عدلا لدوره في تطوير الثروات وتحقيق الرفاه لعدد متزايد من البشر
تقرر انك اكتفيت من نشرات الاخبار ومن عناوين المقالات والكتب،فتخرج في جولة لتنشق بعض الهواء..لكن لا تكف الحقائق ذات الاربع والاربعين وجها تلاحقك...تخرج من جنبات الطريق الملئ بالحفر...تطل عليك من المحلات والمتاجر..تفاجئك عند ابواب المساجد..ولا تكثرت كثيرا لتلونها في الادارات العمومية...
ترأف لحال طفل مشرد فتهم بان تعطيه قطعة نقدية..فيتدخل شخص يسير الى جوارك محذرا اياك من اعطاءه النقود لانه سيستغلها في الحصول على مواد مخدرة وانه سيستسيغ حياة التشرد والتسول فيشجع قاصرين اخرين على الهروب من منازل اسرهم،فيعترض شخص ثان قائلا ان تفكيرا متحجرا وضيقا كهذا يجعل العشرات من الاطفال المشردين يعانون الجوع والبرد بشكل يجعلهم يهاجمون الناس لاجل سرقتهم..وانه قبل محاكمة المشرد علينا ان نحاكم المجتمع الذي ينتج الظاهرة نفسها
تمر على شباب مخمورين يهذون في صخب من فرط السكر,,,تفكر ان سكان الحي سيسارعون الى ابلاغ السلطات التي ستفعل ما يلزم "لملاحقة كل من يخل بالامن والنظام العام"، لكنك تقول لنفسك بسخرية: لماذا يتم توفير المشروبات الكحولية في المراكز التجارية ثم ملاحقة متعاطيها؟
تهز رأسك محاولا تخليصه من ضجيج الاسئلة التي تتعبه..انه القلق..قلق يلازم الانسان المعاصر الذي يبدو اقل حظا من انسان القرون الماضية...اذ في الماضي عرف الناس بماذا يؤمنون..وضد ماذا يناضلون..عرفوا العدو..عرفوا الغاية والهدف..اما اليوم فقد سمحنا لنسبية القيم بان تسحبنا ببطء الى حالة من الفراغ القيمي..لهذا يحذر انسان الازمنة المعاصرة كثيرا قبل ان يؤمن باي شيء او اي شخص..لان لكل حقيقة يعتقد بها اكثر من وجه..وقد وجد انسان الازمنة المعاصرة نفسه مرارا وقد استعبده الاخرون مستخدمين قناعاته نفسها عن الحرية والتحرر!!ا
الطريف في الامر ان انسان العالم الثالث هو الاقل حظا من بين الجميع..اذ لا زال عليه ان يحارب صنفين من الاعداء..صنف من بقايا القرون الماضية،يعلن نفسه صراحة عدوا لكل حلم بالمساواة والعدالة الاجتماعية..وصنف ديماغوجي هجين من انتاج زمن العولمة،كلما هممت بالايمان بقيمة من القيم سبقك اليها وجعلها شعارا لاحدى حملاته او مشاريعه ورددها على مسامعك حتى انهك محتواها واصابك من التقرف لمجرد سماعها من جديد!!ا

احلام صبي...



كنت منهمكة في تصحيح اوراق الامتحانات،القيت نظرة خاطفة الى ساعة يدي فوجدتها قد تجاوزت السادسة و النصف مساء بقليل.
تناهى الى مسمعي صوت طفل خارج القاعة،قلت لنفسي لا بد انه محمد ابن عون المؤسسة يلعب خارجا كالمعتاد.اقترب من باب القاعة المفتوح في فضول ثم دخل،كان يقفز في براءة هنا وهناك مرددا بعض الكلمات بالامازيغية.نظر الي في فضول يتناسب و طفل في ربيعه الخامس،كنت اشعر  بالتعب،فقررت ان اتوقف قليلا لاجاذبه اطراف الحديث.قلت له-اتساعدني في تصحيح هذه الاوراق؟
-
لا اعرف كيف...لم اذهب للمدرسة اليوم..
-
عندما تكبر و تصير استاذا ستاتي لمساعدتي؟
-
لكني لن اكون استاذا.اثار جوابه اهتمامي فسالته:
-
لماذا؟
اجاب في براءة:لان ابي ليس استاذا.فاجاني جوابه قليلا فقلت له:
-
عندما تكبر تستطيع ان تمتهن اي مهنة تريد،وليس شرطا ان تمارس نفس مهنة ابيك،يمكنك ان تعمل ماشئت
لمعت عينا الصبي و كانما كشف له كلامي للتو شيئا غير متوقع فقال:اتعلمين ماذا ساكون عندما اكبر؟قلت مبتسمة:ماذا؟
قال صائحا بصوت عال:ساكون شرطيا
ضحكت وقلت في نفسي:سبحان الله الهذا الحد يكون حب السلطة و القوة متجذرا في نفوسنا منذ الطفولة؟لا شك ان الصبي لاحظ مظاهر الاستقواء المرتبطة بمهنة الشرطي او المهن القريبة منها.
تناولت ياغورت من حقيبتي و قدمته له قائلة:هذا لتكبر بسرعة و تصير شرطيا و تحارب الاشرار.استمع الي باهتمام ثم غادر فرحا.نظرت اليه يبتعد وقلت لنفسي لائمة:
الست اخدع الصغير بتلقينه قناعات لم تعد تصمد في واقع ايامنا هذه فمابالك بالواقع الذي سيعيشه هو بعد عقد او عقدين من الزمن؟
هل سيستطيع فعلا ان يمتهن اي مهنة يريدها او تؤهله اليها ميوله ومواهبه؟
الن تحكم عليه ظروفه الاجتماعية و الاقتصادية و الطبقية باختيارات محددة لا يستطيع تجاوزها او الانفلات منها؟
هل سيستطيع فعلا محاربة الاشرار لو صار شرطيا مستقبليا؟
اعاد السؤال الى ذهني جدلية الخير و الاخيار من جهة و الشر و الاشرار من جهة ثانية.في الروايات التي كنت شغوفة بقراءتها عندما كنت طفلة و كذا في قصص الرسوم المتحركة،كان تمييز الاشرار سهلا بدءا من ملامحهم الجامدة و الحادة و حواجبهم الكثيفة ونظرات الحقد في اعينهم وصولا الى السنتهم السليطة.في حين كان الاخيار عكس ذلك تماما...
كبرت بعد ذلك لاكتشف ان لمعظم الناس مهارة عالية في الاحتفاظ ببراءة ملامحهم رغم ارتكابهم لافظع الجرائم،يستطيع اغلبهم ان يخاطبك بنفس كلام الانبياء و الصالحين،و ان يبدع في تسمية الاشياء بغير مسمياتها حتى لا تصدم قناعاتك او تمس مبادئك فتقبل كل مايقال لك في سلاسة و هدوء...
كبرت لاكتشف ان الشر لا يوجد بشكل مطلق في بعض الناس دون غيرهم،بل انه يتواجد جنبا الى جنب مع الخير في كل واحد منا..
فهل ستكون محاربة الشر بالسهولة التي نصورها لانفسنا و لابنائنا في تربيتهم؟
امسكت قلمي و عدت لاكمل عملي في صمت

الجمعة، 25 أكتوبر 2013

شخصيات ألهمتني...(1)



بعض الاشخاص يتحدثون كثيرا عما ينبغي فعله...بعضهم يفع
لونه ببساطة.لهذا لا نحتاج كثيرا الى البحث عن نماذج ملهمة بين المشاهير والعظماء- ولو ان أغلبهم مصدر إلهام حقيقي للكثير منا- بل يكفي أحيانا أن ننظر جيدا حولنا لنجد أن معيشنا اليومي يزخر بالكثير من الشخصيات التي تعيش حياتها في صمت.. وتبدو بلا تأثير في مسار الأشياء حولها...لكنها تحمل قيما ربما لو تبناها كل منا لخلقت الكثير من الفرق في حياتنا جميعا.
في هذا المقال أحيي أشخاصا في الغالب لن تصلهم كلماتي، لكني أحيي من خلالهم هذه القيم أحيي كل من يحملها ومن يحمل مثلها في سموها.هم أشخاص حقيقيون صادفتهم في مرحلة ما من حياتي،ولا زلت أتعامل مع بعضهم،و كل منهم كان مصدر إلهام لي بشكل أو بآخر.
أولهم مدير المدرسة الابتدائية التي درست بها وانا طفلة،لا أدري إن كان لا يزال على قيد الحياة،فقد تقاعد وأنا لا زلت في مرحلتي الاعدادية ( اي بعد مغادرتي المدرسة بقليل) لكني في مطلق الأحوال أسأل الله عز وجل أن يرحمه ويجازيه خير جزاء حيا كان او ميتا.
ذكريات طفولتي المرتبطة بالمدرسة ترتبط على نحو آلي بشخصية هذا الرجل الذي كانت السمة الغالبة على طبعه هي الصرامة والحرص على الانضباط داخل المؤسسة، كنا نخشاه كثيرا،فقط بعد أن كبرت واتخذت ذكرياتي عنه معنى قدرت فعلا اي شخص متفرد كان..اي مدير كان..
المدير الذي كان يرتدي بذلة بربطة عنق و... حذاء مطاطيا طويلا (Des bottes) لكي يتمكن من اداء عمله في الإدارة والتنقل بسهولة للإشراف على عملنا –نحن التلاميذ - في بستان المدرسة وأشجار ساحتها التي زرعنا البعض منها بانفسنا..وعندما أقول بستانا فانا أقصد بستانا حقيقيا تم إنشاؤه في فضاء مهمل خلف قاعات الدراسة لم يكن مستغلا،فاصبح حقلا صغيرا بطماطم وفجل وفول..أما الاشجار فقد زرعناها بأنفسنا أيضا بعد ان تم تقسيمنا الى مجموعات وكتبنا أسماءنا في ورقة وضعناها  اسفل الشتلة قبل غرسها..اتذكر اننا قلنا آنذاك ان اسماءنا ستبقى دوما مادامت شجرتنا حية تكبر وتنمو..وقد كبرت بالفعل ونمت الى ان اطلت باغصانها خارج سور المدرسة..لطالما نظرت اليها والى اغصانها العالية واوراقها الكثيفة وانا أقول مفاخرة لزميلاتي بالاعدادية: انظرن الى تلك الشجرة هناك..انا زرعتها مع أصدقائي عندما كنت تلميذة بهذه المدرسة..
المدير كان يعرف كل تلاميذ المدرسة تلميذا تلميذا،ويعرف آباءهم وأولياءهم واحدا واحدا،يصافحهم بحرارة عند قدومهم الى المدرسة ويثمن في أبناء هذا نظافتهم وفي ابناء ذاك جدهم واجتهادهم ولا يحفل بغنيهم ولا فقيرهم.
مدير علمني المطالعة وحب الكتب،أشرف على إنشاء مكتبة المدرسة وكانت فضاء صغيرا جدا أسفل السلم المؤدي الى قاعات الطابق الأول..فيه بعض القصص والكتب..اقتربت من المكتبة في فضول..فشجعني على التقدم،وكنت أدرس بالقسم الثاني الابتدائي،وناولني قصة عن ديك (لم اعد اتذكر تفاصيلها) وقال لي أني إذا أنهيت قراءتها بامكاني الحصول على اخرى،ومنذ ذلك اليوم بدأت قصة حبي للكتب.
مدير رغم صرامته وخوفنا منه،يفتح لنا باب منزله فندخله فرادى وجماعات خلال "الأنشطة" وهي التسمية التي كنا نطلقها على كل عمل أو نشاط نقوم به خارج أوقات الدراسة،وكانت تستقبلنا مخلوقة رائعة قيل لي أنها زوجته،كتلة من الحنان والابتسام الدائمين.
مدير يحرص نهاية كل سنة دراسية وبمعية أساتذة المدرسة على تنظيم حفل يتم فيه تكريم المتفوقين بجوائز كانت رمزية لكنها كانت مصدر اعتزاز لنا ولذوينا الذين ينادى على ابناءهم من فوق منصة الحفل ويستقبلون بالتصفيق و التهنئة..كانت تلك لحظة لتكريم التلميذ وأهله..
لازالت في ذاكرتي صور حية عنه وهو يتحدث إلينا أثناء أعمال البستنة ويشرح لنا عن تاريخ المدرسة وكم الناجحين المتخرجين منها..كنا احيانا ندخل نقاشا جماعيا حول فوائد هذا النوع من الخضر او خصائص ذاك النوع من النبات..ونتنافس نحن التلاميذ لاستعراض معلوماتنا أمامه فيبتسم ويشجعنا بحرارة عن كل معلومة جيدة.
         لازلت أتذكر تأكيده في كل مرة على نظافة هندام الشخص ونقاء سلوكه وأدبه واخلاقه وجده في طلب العلم لأن ذلك ما يجعله حقا جديرا بالاحترام.
أتصور فقط لو ان لدينا في كل مؤسسة تعليمية شخصا بمثل هذه الطاقة وبمثل هذه الجدية في تحمل رسالة التربية قبل تحمل أمانة المهنة لربما وجد صغار السن لدينا بعض القدوة التي  يفتقدونها في جيل الكبار.
عندما كنت طفلة كنت أخشاه كثيرا..فقد كان العقاب الجسدي (الضرب) طريقته في التأديب، لكنه كان بمثابة الأب للجميع، وشعرت بشعور غريب عندما عدت لزيارة مدرستي بعد فترة من مغادرتي اياها،عندما دخلت مكتبه ووجدت شخصا آخر يجلس مكانه، فبدات اتحدث عنه تلقائيا وتابع المدير الجديد حديثي بابتسامة لم افهم مغزاها الا لاحقا...عرفت أن "المدير" الذي عرفناه لم يكن أبا ومربيا ومعلما فقط لأنه مدير،بل لأنه شخص حامل لقيم تدفعه الى أن يكون ما كان عليه..
مدير مدرستي الابتدائية ألهمني الكثير من القيم لكن واحدة منها تتكرر في ذهني بإلحاح كلما تذكرته:
" أن تؤمن بما تفعل..وأن تنخرط فيه كل الانخراط"
        

        

الاثنين، 26 نوفمبر 2012

مسألة عنف

وانا أطالع أخبار العالم قبل ايام،استوقفني خبر نشرته قناة العربية عن مقتل طفلة في الخامسة من عمرها، كان القاتل هو والد الطفلة نفسه والذي دفعه الشك في سلوكها الى تعذيبها بوحشية ادت الى وفاتها.
ترددت في ذهني الكثير من التساؤلات،كيف يمكن الشك في عذرية طفلة في الخامسة وفي براءة سلوكها؟ كيف يمكن ان يكون مرتكب الجريمة متدينا وداعية وواعظا تربويا على شاشات الفضائيات؟
وسرعان ما أدى بي تقليب الاجوبة المحتملة في ذهني الى طرح السؤال الذي بدا لي أكثر بداهة ولو انه لا يطرح نفسه بشكل تلقائي: لماذا يلجأ الناس الى أعنف الطرق واكثرها وحشية للتعامل مع مشكلاتهم (سواء كانت مشكلات حقيقية او متوهمة)؟
في اعتقادي،فان مأساة الطفلة لمى (ضحية الخبر المنشور اعلاه) لو حشرت في إطار العنف المنزلي او فسرت فقط من خلال العنف الممارس على المرأة (بالغة او طفلة) لكانت مقاربتنا في فهمها جزئية بل سطحية تماما.
هل سننجح في فهم العنف الممارس على الفتيات الصغيرات والزوجات داخل الاسرة،والعنف الممارس على النساء خارج الاسرة،سواء كان هذا العنف ماديا او رمزيا دون وضعه في سياق مجتمع ينتج ويعيد انتاج العنف على مستوى مؤسساته،سلوكيات افراده وانماط تفكيرهم؟
ما علينا الا ان نفحص عددا من المشاهد التي نجدها في واقعنا المعيش لنجد الجواب
في اللعب التي نشتريها لأطفالنا على شكل أسلحة،نعلمهم ان القتال والقتل يمكن ان يكون تسلية الأقوى،وقد نشاطرهم اختيار الاسلحة في العاب الفيديو واتقان إفراغ الدخيرة في رؤوس الاعداء الافتراضيين،والصراخ انتصارا برؤية دماءهم تسيل على الجدران القاتمة.
في الرياضة حيث نحول بشغف غريب لعبة ككرة القدم الى حرب بين المشجعين،ومن اجل اثبات الانتماء الى فريق ننسلخ عن الانتماء الى الانسانية.
في العالم الافتراضي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي لا نتحمل التواجد مع المخالفين لنا في نفس الفضاء،فنخوض حروبا كلامية متعصبة لا نرضى الا وقد خرجنا منها منتصرين باثبات ان رأينا هو الاصح والاصلح في كل الاحوال.
في الافلام والاعمال السينمائية نمجد العنف، فلا ينال رضانا الا العمل الذي استغرق ميزانية ضخمة للإبداع في فن التدمير،بدءا بتدمير الاشخاص والاشياء،الى تدمير الكوكب،وصولا الى تدمير المجرات..
خلف كل تلك المشاهد أمر لا يختلف عن تعنيف الاب لأبناءه (ذكورا او اناثا) او عن تعنيف الزوج لزوجته،فالمبدأ هو نفسه دوما إخضاع الاخر بالقوة لإرادة الذات،ومرده الى الإحساس بتفوق الذات ودونية الآخر.
فالحياة بهذا المعنى ليس لها القيمة نفسها بالنسبة لكل الاحياء،لان حياة البعض تضحي أثمن من حياة البعض الآخر..
وللبعض كرامة إنسانية بينما ليس للبعض الآخر نصيب منها..
والبعض وجد ليسود فيما وجد البعض الآخر ليكون له تابعا..
وهي امور تتوضح لدى الكثيرين اكثر عندما تتعلق بالممارسات السياسية،في الأنظمة الشمولية حيث يسود الاستبداد وسياسة الحديد والنار مقابل ثقافة المواطنة وحقوق الانسان..
في المعتقلات وأقسام الشرطة حيث يتم تعذيب الموقوفين بوحشية لاستخلاص أقوالهم...
في العلاقات الدولية حيث يقصف المدنيون (كما يحصل في سوريا وغزة) ويتعود المجتمع المدني العالمي على تكرار واستمرار ذلك متى كان مفيدا سياسيا وجيوستراتيجيا..
ورغم اختلاف المشاهد فالمبدأ الذي يحكم العنف فيها وينتجه ويعيد إنتاجه مبدأ واحد،في كل وضعية هناك طرف يؤمن بتفوقه ويعتقد بدونية من هو أمامه..لذلك يرى أن بإمكانه ان يسود ويسيطر بالقوة،وكلما كان الطرف الثاني اضعف من ان يواجه،كلما قلت مقاومته،كلما تأكدت فرضية التفوق لدى كليهما..
يتأكد الاحساس بالتفوق لدى الطفل الذي يستطيع التحكم في شخوص اللعبة والتسلي بإيذائهم وقتلهم باستمرار،فالذي يملك ادوات التحكم يمكنه ان يفعل ما يشاء بغيره..
و يتأكد لدى رب الأسرة الذي يعتبر نفسه الأقوى والأكثر تحكما،ويرى في الأسرة مملكته التي يجب ان تسير على هواه،وكلما قلت مقاومة أهل البيت،وحظي بتشجيع من المجتمع أمعن في إظهار قوته وهيمنته،خصوصا عندما تروج الثقافة السائدة صورة الذكر المهيمن على أنها المثال الذي يجب أن يحققه كل رجل..
وعلى مستوى اوسع قليلا فهو نفس شعور التفوق الذي يهيمن على مخيلة الحكام المستبدين عندما يتصورون الوطن كمنزل ضخم يقطنونه بحرية هم واتباعهم،ولا يلعب فيه المواطنون إلا دور قطع الديكور الجامدة التي تزين بابتسامات فارغة كل الجدران والردهات،وإذا تململ البعض منها عن مكانه نقلوه الى المشغل ليعاد صقله او رموا به في قبو منسي..
هذا التفوق الذي لا يثير حفيظتنا إلا عندما نستشعره في مواقف الدول العظمى وهي تتعامل مع الكوكب كرقعة شطرنج تملكها،تتسلى بتحريك قطعها لكي تثبت في كل مرة انها دوما الأذكى والأقوى،فكل ما تراهن عليه من خيرات في اي منطقة في العالم تأخذه وفق قوانين لعبة من اختراعها...
مشكلتنا مع العنف اذن- ان كان العنف يشكل مشكلا بالنسبة لنا على الأقل- لا يجب اختزالها في ابعاده الضيقة..تسعى الخطابات المدافعة عن المستضعفين من ضحايا العنف بأشكاله المختلفة الى إعادة الاعتبار اليهم، لكن غضب الضحايا سرعان ما يتحول الى عنف مضاد، لهذا تتنامى جرائم الاحداث الجانحين،والجرائم ضد الاصول،وعنف النساء ضد الرجال،ولهذا ايضا تتلون كل ثورة ضد الاستبداد والاستغلال بلون الدماء،ليست فقط دماء من يستشهدون من أجل الحرية ولكنها ايضا دماء من تطالهم ايدي الشعوب الغاضبة (كما حصل في استهداف الأشخاص ذوي الاصول الافريقية في ليبيا قبل سقوط نظام القذافي).فكلما وجد الضحايا انفسهم في موقع قوة أنتجوا عنفا مماثلا للذي مورس عليهم او أسوأ منه، فقد تخلصوا (او على الاقل يسعون للتخلص) من أثر الدونية الذي كان لصيقا بهم لكي يصبح لديهم إحساس بتفوقهم هم ودونية من غيرهم.
ربما نحتاج الى خطاب يذكر الجميع وباستمرار (الجلادون والضحايا على حد سواء) ان البشر سواء،وان إنسانية كل كائن بشري محط تكريم واحترام بذاتها.ولأن الخطابات وحدها لم تكن يوما كافية كان لزاما علينا التأصيل لهذه الثقافة التي تعلي من شأن الانسانية وتحميها في كل سلوك يومي لنا كأفراد داخل أسرنا وكمواطنين داخل الدولة وكمواطنين داخل المجتمع البشري غير المحدد بزمان او مكان معينين.وبالنهاية لا نملك إلا نحيي كل أشكال النضال للحد من العنف ضد النساء لكن القضية العادلة تخسر الكثير من فرصها في الانتصار عندما يتشرذم مناضلوها و يقتطعون منها قضايا فرعية تصبح مع الممارسة التاريخية غريبة عن بعضها البعض،وغريبة عن القضية الأصلية،فمجتمعاتنا في عمقها ليست فقط مجتمعات تعنف النساء،ولكنها مجتمعات تخلق دائما أفرادا ضعفاء وتجعل غيرهم يستقوون بضعفهم.