الجمعة، 15 نوفمبر 2013

خواطر قلقة...


لكل حقيقة وجهان...حسنا ربما اكثر من وجه...ولك ان تؤمن باي وجه شئت او الا تؤمن باي منها وتصنع حقيقتك الخاصة بك..المفارقة الغريبة هنا انه بوسعك ان تكون دوما على صواب(في نظر نفسك ونظر من يشاطرونك الرأي) لكنك لن تكون على صواب ابدا..فمقابل الحقيقة التي تؤمن بها وتدافع عنها هناك دوما عشرات الحقائق المناقضة..والجميع يطالب (وانت معهم) بالحق في الاختلاف...هكذا يكون الحق مع الجميع ولا أحد على صواب...اليس هذا مربكا؟ انه الشعور الذي يخالج المرء وهو يتأمل احداث الازمنة المعاصرة وهي تتلاحق في جنون.
يلقى القبض على جنرال متهم بجرائم ضد الانسانية في حرب ما...يقول البعض: "يجب ان يحاكم ويقتص منه"...ويندد البعض بالقاء القبض عليه من الاصل قائلين انه بطل حرب ويجب ان يكرم لا ان يحاكم!!ا
تجيش الجيوش لتنفيذ عملية عسكرية في مكان ما في العالم فيعلق البعض انها عملية تحرير لشعب تلك المنطقة فيما يصرخ البعض الاخر قائلين انها عملية احتلال واستغلال!!ا
تقرأ لخبير اقتصادي عن وحشية النظام الرأسمالي ودوره في افقار الفقراء واغناء الاغنياء،فيما يحاول خبير اقتصادي اخر اقناعك بانه اكثر الانظمة الاقتصادية عدلا لدوره في تطوير الثروات وتحقيق الرفاه لعدد متزايد من البشر
تقرر انك اكتفيت من نشرات الاخبار ومن عناوين المقالات والكتب،فتخرج في جولة لتنشق بعض الهواء..لكن لا تكف الحقائق ذات الاربع والاربعين وجها تلاحقك...تخرج من جنبات الطريق الملئ بالحفر...تطل عليك من المحلات والمتاجر..تفاجئك عند ابواب المساجد..ولا تكثرت كثيرا لتلونها في الادارات العمومية...
ترأف لحال طفل مشرد فتهم بان تعطيه قطعة نقدية..فيتدخل شخص يسير الى جوارك محذرا اياك من اعطاءه النقود لانه سيستغلها في الحصول على مواد مخدرة وانه سيستسيغ حياة التشرد والتسول فيشجع قاصرين اخرين على الهروب من منازل اسرهم،فيعترض شخص ثان قائلا ان تفكيرا متحجرا وضيقا كهذا يجعل العشرات من الاطفال المشردين يعانون الجوع والبرد بشكل يجعلهم يهاجمون الناس لاجل سرقتهم..وانه قبل محاكمة المشرد علينا ان نحاكم المجتمع الذي ينتج الظاهرة نفسها
تمر على شباب مخمورين يهذون في صخب من فرط السكر,,,تفكر ان سكان الحي سيسارعون الى ابلاغ السلطات التي ستفعل ما يلزم "لملاحقة كل من يخل بالامن والنظام العام"، لكنك تقول لنفسك بسخرية: لماذا يتم توفير المشروبات الكحولية في المراكز التجارية ثم ملاحقة متعاطيها؟
تهز رأسك محاولا تخليصه من ضجيج الاسئلة التي تتعبه..انه القلق..قلق يلازم الانسان المعاصر الذي يبدو اقل حظا من انسان القرون الماضية...اذ في الماضي عرف الناس بماذا يؤمنون..وضد ماذا يناضلون..عرفوا العدو..عرفوا الغاية والهدف..اما اليوم فقد سمحنا لنسبية القيم بان تسحبنا ببطء الى حالة من الفراغ القيمي..لهذا يحذر انسان الازمنة المعاصرة كثيرا قبل ان يؤمن باي شيء او اي شخص..لان لكل حقيقة يعتقد بها اكثر من وجه..وقد وجد انسان الازمنة المعاصرة نفسه مرارا وقد استعبده الاخرون مستخدمين قناعاته نفسها عن الحرية والتحرر!!ا
الطريف في الامر ان انسان العالم الثالث هو الاقل حظا من بين الجميع..اذ لا زال عليه ان يحارب صنفين من الاعداء..صنف من بقايا القرون الماضية،يعلن نفسه صراحة عدوا لكل حلم بالمساواة والعدالة الاجتماعية..وصنف ديماغوجي هجين من انتاج زمن العولمة،كلما هممت بالايمان بقيمة من القيم سبقك اليها وجعلها شعارا لاحدى حملاته او مشاريعه ورددها على مسامعك حتى انهك محتواها واصابك من التقرف لمجرد سماعها من جديد!!ا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق