الجمعة، 15 نوفمبر 2013

"وافقوا الوقفة توقف"



ما قادني الى وقفة يوم أمس أمام القنصلية الاسبانية كان إحساسا بالقهر والحرقة بعد أن علمت بأمر إطلاق سراح المغتصب دانيال رغم ادانته بهتك أعراض 11 طفلا مغربيا..شعرت ان أعراض المغاربة جميعا استبيحت.
رأيت من تعليقات أصدقائي على الفيسبوك أن هناك استعدادا لتنظيم وقفة أمام البرلمان بالرباط ،تمنيت لو كانت هناك وقفة باكادير لأخرج واحتج، سرعان ما وصلتني دعوات من بعض الصديقات للمشاركة في وفقة أمام القنصلية الاسبانية فاثلج ذلك صدري.
رأيت كما الجميع صورا وفيديوهات عن قمع وقفة الرباط مساء الجمعة الماضي..وازداد القهر قهرا..ماذا؟ !! لا يمكننا حتى ان نحتج بشكل سلمي؟ !!!
شعرت كما الجميع بالقلق على ملامح وجهي من ان تتغير معالمها فلا يعود تلاميذي قادرين على التعرف علي ،بعد أن رأيت أساتذة واطباء ومهندسين بوقفة الرباط تجذع انوفهم وتكسر جباههم وتدمي افواههم كي تخرس عن قول الحق،لكني قلت: وليكن،لا يمكن ان ألقى الله بالصمت على مثل هذا المنكر.
عندما وصلت الى مكان الوقفة قبل الخامسة بقليل، وجدت الكثير جدا من عناصر الأمن،عدد منهم بلباس مدني..كان عددهم أكبر بكثير من الشباب والشابات الذين حاولوا الوقوف امام القنصلية قبل ان يدفعهم رجال الامن الى الابتعاد الى الشارع المقابل حيث كنت اقف، تقدم مني رجل امن بلباس مدني وطلب الي بأدب اثار استغرابي (بعدما سمعته من سب المتظاهرين بالرباط) أن اغادر المكان كي لا "اختلط" مع الباقين،فأخبرته اني هنا من اجل الوقفة واني اريد الاحتجاج بشكل سلمي..دار بيننا حديث قصير عن جدوى الوقفة قبل ان أقول له انه لن يرضى شيئا مماثلا لابنائه،فاجابني بانه لو اعتدى شخص على ابن من ابنائه لقطع اوصاله بلا رحمة..قلت له اننا نعرف هذا الشعور بالغضب ايضا لكننا لا نستطيع الا الالتجاء الى القانون لذلك نحتج عندما لا ينصفنا..غادر رجل الامن مبتعدا وعلى وجهه ملامح رجل يضيق ذرعا بالمهمة الموكولة اليه..كما لو كان في داخله صراع بين ما يتوجب عليه فعله كأب وانسان وما يتوجب عليه فعله كرجل أمن.
سرعان ما تشكل تجمع للمتظاهرين في طرف من الشارع فركضت لكي انضم اليهم..تحركنا نحو الساحة المقابلة للقنصلية..وبدأ ترديد شعارات قوية..وارتفعت اصواتنا..واطلق الكثير منا العنان لحرقته وألمه على بلاده واطفالها..تجمع الكثير من الناس،وبدأت أرى أناسا من مختلف الأعمار ينضافون الى الشباب اليافعين الذين شكلوا النواة الاولى للوقفة..فوجئ الجميع بعد أقل من نصف ساعة على بدء الوقفة ان شبابا "من الجهة المنظمة" كما وصفوا أنفسهم يعلنون عن تعليق الوقفة بعد أن سجلوا موقف الرفض ضد العفو وأعلنوا مطالب تتعلق باستقلال القضاء..
انطلقت الاصوات بالاحتجاج على "وقف الوقفة"،وفهمت لماذا تسابق الجميع الى الصفوف الاولى..فعند انتهاء التقاط الصور بدأ الاستعداد للمغادرة نزولا عند أوامر رجال السلطة الذين وقفوا يراقبون في صمت..وبعد أن رفض المحتجون المغادرة واستمروا في ترديد الشعارات دخل احد رجال الامن بزي مدني وسط الحلقة التي شكلها المتظاهرون وهمس شيئا في اذن احد "المنظمين" وسرعان ما سمعنا اعلانا غريبا من احدهم يطلب من الاشخاص الذين جلبوا اطفالهم ومن النساء مغادرة الوقفة..فارتفعت الاصوات محتجة..في الدقائق التي ستلي سيختفي المنظمون تباعا..وستنشب مشادة كلامية بين أشخاص ينتمون الى احزاب وتيارات وفصائل متباينة..الكل يريد ان يزايد..والبعض هناك لينفذ مهمة تحويل الوقفة عن مسارها وعن موضوعها..وقد نجحت المهمة فعلا..فلم ينفع تدخلي ولا تدخل البعض لاعادة احتجاجنا الى صلب موضوعه الاصلي وهو العفو عن مغتصب اطفالنا..سرعان ما تعب الناس من الوقوف صائمين تحت حرارة الشمس المحرقة للاستماع الى مشادة كلامية فارغة بين فصائل وتيارات مختلفة..وبدأت اعداد الواقفين تقل تدريجيا..
استمرت وقفتنا تقريبا ساعتين..وعندما أقول "نا" اقصد نفسي ومجموعة من الاشخاص الذين قادهم الى امام القنصلية الاسبانية ليس انتماؤهم الى حزب اوحركة او فصيل – طالما معظم على الاغلب مثلي ينأون بانفسهم عن اي انتماء من هذا النوع- ولكن غيرتهم على عرض وطنهم ورغبتهم في التموقف ضد الاعتداء الشنيع على براءة اطفاله.
في وقفة اكادير لم يتدخل رجال الامن لقمع المتظاهرين،بل وقفوا يراقبون الوضع في صمت..لكان المشهد أثلج صدري لولا اني اعرف اني في المغرب حيث تتعدد الوسائل التي يلجأ اليها المخزن لكن النتيجة دوما لصالحه..
يبقى ان أقول: كل الخزي والعار لمن يسمحون لأنفسهم بالتشدق بشعارات لا يؤمنون بها ويرتدون زي النضال نفاقا لتلميع صورة فصيل اوتيار او حزب...كل الخزي والعار لمن يتواجدون في الوقت المناسب والمكان المناسب لاعلاء انسانيتهم وانسانية غيرهم فيلتقطون لانفسهم صورا لا تعبر الا عن حقيقتهم..مجرد صور..مجرد صور مزيفة...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق