الجمعة، 15 نوفمبر 2013

"إما..." / "أو...."


"يستطيع الانسان التحرر وتجاوز الوضعيات القائمة وابتكار ممكنات جديدة" لا اذكر عدد المرات التي توقفت فيها عند هذه الفكرة خلال حصص مادة الفلسفة،لكني اذكر جيدا اني في كل مرة اناقش الامر مع تلاميذي كنا نقف على النتيجة نفسها، ليس هناك حرية مطلقة ولكن هناك امكانية دائمة لتوسيع مجال الممكن ضمن ما هو حتمي.
يتعلق الامر اذن بخياراتنا،وليس جزافا نكتب الخيارات بصيغة الجمع، اذ عندما نكون امام خيارين فقط فنحن لا نختار حقيقة،التعامل مع صيغة ال "اما" / "أو" ليست ممارسة فعلية لحرية الاختيار.
بنفس المنطق رمى البشر انفسهم في مغامرة تصنيع مؤذ للبيئة معتبرين انه لا خيار اخر،فاما القبول بالتقدم التقني مع تهديده لتوازن الطبيعة او القبول بحياة بدائية بدون امكانيات تقنية.الان فقط بدأنا نفكر بشكل خجول جدا في التعامل مع تبعات قرون من التلويث المنتظم للكوكب والتلاعب الاخرق بنظامه،الان فقط بدأنا نفكر في تبني شعارات صديقة للبيئة.طوال قرون من البحث العلمي والتصنيع المكثف كنا نتحرك ضمن خيارين فإما تقنية مدمرة او لا تقنية اطلاقا،لم يكن بوسعنا ان نفكر لمزيد من الوقت في خيارات اخرى لابتكار تقنية تنبع من صلب توازن الطبيعة وتتعايش مع احتياجات البشر والكوكب على حد سواء.
لا زال البعض من الناس  يسيرون في نفس هذا الاتجاه عندما يعلقون على احداث الحراك العربي وطبيعة الانظمة السياسية المطلوبة قائلين : اما نظام فاسد او حرب أهلية و يحاجونك مذكرين بان الانظمة الاكثر ديمقراطية في العالم ليست سوى صورة خفية لأفظع انواع الاستعباد وان الامر دوما يتعلق بقلة مهيمنة وأغلبية مهيمن عليها اما طوعا او كرها.وتجدهم مستعدين للتعايش مع احد هذين الخيارين دون التفكير في امكانية وجود خيارات اخرى لا تتضمن القبول بالذل ولا الاقتتال.
عميقا في لب اسرنا، وحين اخوض حوارا مع الاباء والامهات اجد نفس ثنائية ال "إما" / "أو"، فحتى عندما يكون الاهل فعلا مهتمين بتربية الابناء وفق قيم ومعايير محددة، تجد الكثير منهم لا يرى الا خيارين اثنين، فإما ان يتم التعامل بصرامة مع الابن او الابنة ( والصرامة هنا تتضمن طبعا سنوات من عمر الاطفال يتعرضون خلالها للعقاب الجسدي وقد يستمر الامر الى اخر سنين مراهقتهم) واما ان تفسد تربيته، لا يسع الاشخاص الذين تعرضوا هم انفسهم للعقاب الجسدي في صغرهم الا ان يفكروا من خلال هذه الثنائية، لا يتصورون وجود خيارات اخرى ينشأ فيها الابناء على احترام عميق لذواتهم و يمتثلون فيها عن طواعية وقناعة لما ينتظر منهم.
في الكثير من علاقاتنا اليومية يطغى خيار " اما" / "أو"، في الفريق الذي يعمل معا فان كفاءة البعض تتضمن تلقائيا فشل البعض الآخر فاما ان اكون الاكثر كفاءة او الا اكون ، وهذا يعني احيانا ان ابذل الجهد ليس لتطوير ادائي بل لعرقلة اداء الآخرين فكلما فشل الاخرون في اداء مهامهم الا وبدوت بأفضل حال حتى لو بذلت القليل من الجهد فقط.ومن الواضح ان موقفا كهذا يعكس غيابا تاما للتفكير في خيارات اخرى لا تتضمن محو الاخر من اجل اظهار الذات.
في خلاف بسيط بين شخصين حول امر تافه يصبح الشارع العام مسرحا لأحد الخيارين ، اذ امام جمهور المتفرجين ، اما ان يكون الشخص غالبا او مغلوبا، لا يتعلق الامر بما اذا كان سبب الخلاف يستحق بذل الجهد في العراك او السباب او يستحق انكسار وحنق "المغلوب" على امره في النهاية، اذ من الواضح ان لا احد يفكر في وجود خيار اخر غير الغالب او المغلوب.
ولو تأملنا حياتنا لوجدنا انفسنا بلا انقطاع ننقاد انقيادا الى احد خياري "اما " / "أو" دون تفكير،ربما استسلاما منا الى سلطة ما تعودنا عليه، ربما لان فكرنا الذي يمتح خياراته مما هو متاح دوما لا يمنحنا خيارات غيرها.لكن عندما نشعر بوطأة احد الخيارات على ارادتنا ( وقد يكون هذا في الدراسة او العمل او الحياة العائلية او الاجتماعية)، ساعتها فقط نبدأ بالتفكير، ثم نتنبه الى كل الوضعيات المماثلة التي اضطرتنا  ان نختار بين امرين، يزداد غضبنا كلما فكرنا انه احيانا كثيرة خيرنا بين اشياء لا تناسبنا في كل الحالات،نشعر بالحيف  يحيط بنا.. يمكن ان نستسلم ببساطة الى منطق العادة قائلين لانفسنا: ماذا تتوقع؟ الحياة غير عادلة احيانا كثيرة... ويمكن ان نختار الا نختار ايا مما هو مفروض..تعطشنا للعدالة قبل تعطشنا للحرية يدفعنا ان نقول بهدوء او صارخين: لا...هناك بدائل اخرى..عندها فقط يصح فينا القول اننا كائنات حرة وقادرة على تجاوز ما هو معطى...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق