الجمعة، 15 نوفمبر 2013

الفيلم المسيء فيلم سياسي بامتياز


لقد صدق  صاحب براءة المسلمين في امر واحد على الاقل،وهو ان فيلمه ليس دينيا بل سياسيا،فهو لم يناقش ولم ينتقد ولكن حكم على الاسلام ونبيه من منظور ايديولوجي محدد، فالخطابات التي تحوم حول التاكيد على وجود (او ايجاد) صراع بين الحضارات والثقافات المختلفة سواء صدرت عن اكاديميين كالاستراتيجي الامريكي صموئيل هنتنغتون او عبرت عنها الاعمال "الفنية" التي تطرح بين الفينة والاخرى،اقول تلك الخطابات اعطت دوما للسياسيين مبررات لتحقيق مكاسب لم يكونوا ليتمكنوا من تحقيقها لولا ذلك،ففي مناسبات متعددة ادى اللعب على وتر الخوف لدى المواطنين (من المسلمين المتطرفين او من الارهاب) الى القبول بتمرير قوانين لم تكن لتمرر لو لم تتم تغذية مشاعر الخوف لدى الناخبين،قوانين تشرعن لمحاصرة الحريات الفردية واخضاع المواطن لرقابة الحكومة بشكل مستمر(كقوانين مكافحة الارهاب التي تتضمن اجراءات استثنائية تسمح بتفتيش المنازل ومراقبة الاتصالات الهاتفية وفتح المراسلات وغيرها وهي قوانين تم اعتمادها تباعا في عدد من الدول التي تعرضت لهجمات ارهابية).
في حالة الفيلم الذي نتحدث عنه هنا،فالخطأ الذي يقع فيه المسلمون هو التحرك بعنف للرد على كل محاولة استفزاز لمشاعرهم الدينية ولمقدساتهم والاولى ان يسعوا عبر الحوار الهادئ الى ترسيخ ارضية من الاحترام المتبادل بينهم وبين غيرهم،على اساس ان الاخر لا يمكنه ان يحترم بصدق ما لا يعرفه وان اول ما يعرفه عن الاسلام هو سلوك المسلمين ولذلك فكل مسلم مسؤول عن تحري قيم الدين واخلاقياته في سلوكاته وتعاملاته اليومية.اما الخطأ الذي يقع فيه غير المسلمين فهو التجاوب مع محاولات التخويف بالخوف الفعلي من دين يجهلونه واتخاذ موقف عدائي على اساس ما ينقله ويخبر به اشخاص اخرون،وقد حدث ذلك من قبل عند تصويت السويسريين بالاغلبية على قرار منع بناء مآذن المساجد تجاوبا مع الخطاب التخويفي لحزب يميني متطرف.وهو تكتيك ناجح سياسيا،فالشخص الخائف لا يفكر فيما اذا كان خوفه مبررا او اذا كان موضوع خوفه مخيفا فعلا،او اذا كان في خطر حقيقي،او ما اذا كان الاجراء المتخذ مناسبا لحجم الخطر المحتمل..ان الشخص الخائف يبحث عن الامان،وهنا يتقدم رجل السياسة لطمأنته بان لديه المشروع السياسي اللازم لتأمينه وانه ان وضع ثقته فيه سيعمل على درء الخطر عنه...ينبغي فقط ان نقول ان الخائف ليس حرا ازاء ما يتخذه من خيارات...واذا كانت الدساتير تكفل حرية التعبير لافرادها،فانها ايضا يجب ان تكفل مناخا من الابداع بعيدا عن خطاب التخويف،وليدع المبدع جمهوره يكتشف بالحجة والاقناع ما لا يوافق مبادئه ( مبادئ الجمهور) عوض استثارة خوف الناس ورعبهم مما لا يعرفون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق