الجمعة، 15 نوفمبر 2013

سؤال التغيير


 

انطلقت هذه الايام بمبادرة من احد النشطاء على الفيسبوك حملة  "من انتم؟" وهي مبادرة تهدف الى القاء الضوء على العديد من السلوكات الخاطئة وغير المسؤولة التي تصدر عن الكثير منا بشكل يومي..
حملة "من انتم؟" هي تعبير رمزي عن ارادة التغيير في مجتمع يعرف الكثير منه لكنه تغيير لا يسير في الاتجاه الصحيح دوما،وسؤال التغيير يطرح نفسه وبإلحاح منذ عقود، متى؟ كيف؟ وبأي الادوات والوسائل؟ كتب عنه الكثير جدا لدرجة ان المرء يتسائل فيما اذا كان الحديث عن التغيير يغير من واقع اللاتغيير شيئا.لكن السؤال الاستنكاري الساخر في حملة "من انتم؟" يغري بالحديث عن بعض الظواهر المرتبطة بالتغيير او على الاقل ارادة التغيير.
سأبدأ بالحديث عن التغيير نحو المزيد من التدين، كلما رأينا اعداد الملتحين والمحجبات والمنقبات في تزايد خلق لدينا اعتقاد بان مجتمعنا يتجه نحو المزيد من التشبت بالدين او ما يسميه البعض ب "الصحوة"، لكننا نعرف جيدا ان الامر لا يتعلق بلباس الشخص ومظهره بل وحتى طبيعة انشطته الاجتماعية،لا زلت اتذكر صدمتي عند باب المسجد قبل سنة عندما شتمتني شابة منقبة ونعتتني ب"المعاقة" - رغم سلامتي ولله الحمد من اي نوع من الاعاقات- فقط لاني طلبت منها بأدب  ألا ترتدي حذاءها داخل المسجد وعلى سجاده حيث يضع المصلون جباههم.لكنت اعتبرت هذا الموقف من قبيل الشاذ الذي لا حكم له لولا اني كنت شاهدة على مواقف كثيرة يتصرف فيها اشخاص بزي "اسلامي" بشكل بذيء جدا يتنافى مع ابسط قواعد اللياقة،هل يتعلق الامر باشخاص بسطاء (بساطة في الفهم) يكتفون من التدين بزيه ولا يقوون على التحلي بما يفترضه من جهاد وتأديب للنفس؟ ربما لكن الامر يتجاوز تلك الفئة من الناس فقد حضرت محاضرات و جلسات دينية لرجال ونساء يفترض ان لهم نصيب من الثقافة والوعي لكن يأخذهم العجب بما يقولون وما يعتقدون لدرجة لا يقدرون معها على تحمل وجود منتقد او مخالف في الرأي في نفس مكان تواجدهم.
التغيير: ليس ان نكتفي من التدين بزي معين او ان نجند انفسنا من اجل دعوة الغير ليكونوا بدورهم "متدينين"،انه عمل شاق ويومي يفترض ان تعلم نفسك كيف تخاطب الاخرين بادب مهما  قل شأنهم (في نظرك) ومهما كان الخلاف او موضوعه،ان تقبل بان للآخرين اراؤهم وان تحترم اختلافها،ان تعبر حركات جسدك وعيونك عن الحياء- مثلا- قبل ان تنطق به ملابسك وكلماتك الذاكرة لله..واللائحة طويلة.
قبل ان ينعتني القارئ الكريم بالتحامل على المتدينين الفت الانتباه الى ان الامر لا يختلف كثيرا مع  البعض من غير المتدينين (كما يفضلون ان يصفوا انفسهم)،البسطاء منهم (بساطة في الفهم مرة اخرى) يذكرونني بشخص  صرح لي قائلا:
"انا شخص منفتح وحداثي اشاهد المسلسلات المدبلجة مع زوجتي وابنائي واناقش معهم القضايا الاجتماعية والعاطفية المهمة التي تطرحها،لا اقبل بوجود الطابوهات او القيود على الابداع الفني".
اتذكر اني فشلت تماما في اقناع هذا الشخص ان الامر لا يتعلق بالحكم على هذا "المنتوج الفني الاعلامي" من زاوية التحريم او الاباحة ولكن من زاوية حق المواطن في تدبير الانفاق على الاعلام العمومي بما يخدم قضاياه ذات الاولوية وليس بتخديره بزخم لا ينتهي من القصص والنماذج البشرية التي لا توجد الا في المسلسلات.
الاكثر الماما يظهرون شراسة في مهاجمة ما يعتبرونه الوجه البالي لمجتمع متأخر،يحرص الرجال والنساء منهم في المؤتمرات والمحاضرات على تحية بعضهم البعض بقبل على الوجنتين،يتحدثون عن الحق في الافطار  خلال نهار رمضان علنا،الحق في الاجهاض و الحرية الجنسية والبعض منهم يذهب الى حد الحديث عن حق المثليين في ان يعيشوا "حياة طبيعية" على حد تعبيرهم.وكلها مواقف تجد سندا لها في المبدأ القائل بحق الشخص المقدس وحريته المطلقة فيما يتعلق بجسده.لكن بمجرد ان يتعلق الامر بحقوق وحريات المخالفين تسقط القداسة عن كل الحقوق والحريات وينهار كل ما حاضروا بشأنه حول فكرة الديمقراطية.
التغيير: ليس ان نكتفي من الحداثة بعرض الجسد وكشف عورته،ليس باستبدال اصنام المجتمعات المتأخرة علميا وتقنيا باصنام جديدة تصنعها ايقونات عالم الاستهلاك،التغيير الحقيقي نحو الحداثة هو ان تنتج بشكل اصيل وتتقن ما تقوم بانتاجه مهما كان موقعك بالمجتمع،ان يدفعك ايمانك بشروط اللعبة السياسية الديمقراطية-مثلا- الى القبول بنتائج الانتخابات مهما كانت وان تمارس حقك في المعارضة بشكل موضوعي دون سعي الى ممارسة الوصاية على الناخبين والتحدث باسمهم فيما لا يمثل الا احقادك او مصالحك.
التغيير ليس ان اتحدث كثيرا عن رمي الازبال في الشوارع واتذمر من سوء تدبير ذلك من طرف الجهات المسؤولة ولكن ان التزم بالتخلص من النفايات في الاماكن المخصصة لها،ان احمل اكياس القمامة التي يضعها الجيران -رغم احتجاجي- عند باب منزلي الى حاوية القمامة في هدوء وان اكرر ذلك متى لزم الامر لإفهامهم ان المسافة بين باب منزلي وحاوية القمامة ليس بعيدة الى هذا الحد.في كل الاحوال فالسلوك المنسجم مع الفكرة يدافع عنها افضل من الف محاضرة.
التغيير ليس ان انتقد المرتشين وارضخ لتقديم الرشوة عند اول مناسبة،ليس ان ادخل هذه الادارة او تلك المصلحة باعتزاز وانفة لان مديرها او موظفيها من معارفي،التغيير ان اتحرك فيها بخطى واثقة يدعمها الايمان بتساوي قيمتي بقيمة غيري وبكوني مواطنا ما وجدت تلك الادارة بموظفيها الا لخدمتي.
 التغيير ليس ان ارفض غش التاجر وغش المقاول وامارس الغش للحصول على شهادة او منصب عمل بل ان اشرع فورا في العمل الذي يمكنني من الحصول عليهما بشكل مستحق مهما كلف من جهد او وقت.
التغيير ليس ان انادي بالمساواة وابحث عن طريقة لتجاوز صفوف من ينتظرون دورهم..
التغيير يبدو شيئا سهلا عند الحديث عنه،فجميعنا ندرك بسهولة ما ينبغي تغييره،لكن الامر كثيرا ما يتوقف عند كونه حديثا عن التغيير،لان القليلين فقط يملكون من القوة والشجاعة ما يكفي لكي يشرعوا بتغيير انفسهم اولا وتدريبها على برمجة مغايرة لما تعودت عليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق