الجمعة، 15 نوفمبر 2013

"إما..." / "أو...."


"يستطيع الانسان التحرر وتجاوز الوضعيات القائمة وابتكار ممكنات جديدة" لا اذكر عدد المرات التي توقفت فيها عند هذه الفكرة خلال حصص مادة الفلسفة،لكني اذكر جيدا اني في كل مرة اناقش الامر مع تلاميذي كنا نقف على النتيجة نفسها، ليس هناك حرية مطلقة ولكن هناك امكانية دائمة لتوسيع مجال الممكن ضمن ما هو حتمي.
يتعلق الامر اذن بخياراتنا،وليس جزافا نكتب الخيارات بصيغة الجمع، اذ عندما نكون امام خيارين فقط فنحن لا نختار حقيقة،التعامل مع صيغة ال "اما" / "أو" ليست ممارسة فعلية لحرية الاختيار.
بنفس المنطق رمى البشر انفسهم في مغامرة تصنيع مؤذ للبيئة معتبرين انه لا خيار اخر،فاما القبول بالتقدم التقني مع تهديده لتوازن الطبيعة او القبول بحياة بدائية بدون امكانيات تقنية.الان فقط بدأنا نفكر بشكل خجول جدا في التعامل مع تبعات قرون من التلويث المنتظم للكوكب والتلاعب الاخرق بنظامه،الان فقط بدأنا نفكر في تبني شعارات صديقة للبيئة.طوال قرون من البحث العلمي والتصنيع المكثف كنا نتحرك ضمن خيارين فإما تقنية مدمرة او لا تقنية اطلاقا،لم يكن بوسعنا ان نفكر لمزيد من الوقت في خيارات اخرى لابتكار تقنية تنبع من صلب توازن الطبيعة وتتعايش مع احتياجات البشر والكوكب على حد سواء.
لا زال البعض من الناس  يسيرون في نفس هذا الاتجاه عندما يعلقون على احداث الحراك العربي وطبيعة الانظمة السياسية المطلوبة قائلين : اما نظام فاسد او حرب أهلية و يحاجونك مذكرين بان الانظمة الاكثر ديمقراطية في العالم ليست سوى صورة خفية لأفظع انواع الاستعباد وان الامر دوما يتعلق بقلة مهيمنة وأغلبية مهيمن عليها اما طوعا او كرها.وتجدهم مستعدين للتعايش مع احد هذين الخيارين دون التفكير في امكانية وجود خيارات اخرى لا تتضمن القبول بالذل ولا الاقتتال.
عميقا في لب اسرنا، وحين اخوض حوارا مع الاباء والامهات اجد نفس ثنائية ال "إما" / "أو"، فحتى عندما يكون الاهل فعلا مهتمين بتربية الابناء وفق قيم ومعايير محددة، تجد الكثير منهم لا يرى الا خيارين اثنين، فإما ان يتم التعامل بصرامة مع الابن او الابنة ( والصرامة هنا تتضمن طبعا سنوات من عمر الاطفال يتعرضون خلالها للعقاب الجسدي وقد يستمر الامر الى اخر سنين مراهقتهم) واما ان تفسد تربيته، لا يسع الاشخاص الذين تعرضوا هم انفسهم للعقاب الجسدي في صغرهم الا ان يفكروا من خلال هذه الثنائية، لا يتصورون وجود خيارات اخرى ينشأ فيها الابناء على احترام عميق لذواتهم و يمتثلون فيها عن طواعية وقناعة لما ينتظر منهم.
في الكثير من علاقاتنا اليومية يطغى خيار " اما" / "أو"، في الفريق الذي يعمل معا فان كفاءة البعض تتضمن تلقائيا فشل البعض الآخر فاما ان اكون الاكثر كفاءة او الا اكون ، وهذا يعني احيانا ان ابذل الجهد ليس لتطوير ادائي بل لعرقلة اداء الآخرين فكلما فشل الاخرون في اداء مهامهم الا وبدوت بأفضل حال حتى لو بذلت القليل من الجهد فقط.ومن الواضح ان موقفا كهذا يعكس غيابا تاما للتفكير في خيارات اخرى لا تتضمن محو الاخر من اجل اظهار الذات.
في خلاف بسيط بين شخصين حول امر تافه يصبح الشارع العام مسرحا لأحد الخيارين ، اذ امام جمهور المتفرجين ، اما ان يكون الشخص غالبا او مغلوبا، لا يتعلق الامر بما اذا كان سبب الخلاف يستحق بذل الجهد في العراك او السباب او يستحق انكسار وحنق "المغلوب" على امره في النهاية، اذ من الواضح ان لا احد يفكر في وجود خيار اخر غير الغالب او المغلوب.
ولو تأملنا حياتنا لوجدنا انفسنا بلا انقطاع ننقاد انقيادا الى احد خياري "اما " / "أو" دون تفكير،ربما استسلاما منا الى سلطة ما تعودنا عليه، ربما لان فكرنا الذي يمتح خياراته مما هو متاح دوما لا يمنحنا خيارات غيرها.لكن عندما نشعر بوطأة احد الخيارات على ارادتنا ( وقد يكون هذا في الدراسة او العمل او الحياة العائلية او الاجتماعية)، ساعتها فقط نبدأ بالتفكير، ثم نتنبه الى كل الوضعيات المماثلة التي اضطرتنا  ان نختار بين امرين، يزداد غضبنا كلما فكرنا انه احيانا كثيرة خيرنا بين اشياء لا تناسبنا في كل الحالات،نشعر بالحيف  يحيط بنا.. يمكن ان نستسلم ببساطة الى منطق العادة قائلين لانفسنا: ماذا تتوقع؟ الحياة غير عادلة احيانا كثيرة... ويمكن ان نختار الا نختار ايا مما هو مفروض..تعطشنا للعدالة قبل تعطشنا للحرية يدفعنا ان نقول بهدوء او صارخين: لا...هناك بدائل اخرى..عندها فقط يصح فينا القول اننا كائنات حرة وقادرة على تجاوز ما هو معطى...

اليوم.... يومها



لا احد يملك أن يزايد على المرأة المغربية،ففي تاريخها الكثير جدا من الأسماء التي لا تستحق مجرد يوم نتذكرها ونكرمها من خلاله،بل تستحق ان نقف بإجلال أمام انجازاتها كل يوم،فعالمة الفلك والفقيهة والمناضلة والمقاومة فخر لكل المغاربة رجالا ونساء.
ولأن الكثير من الأبطال يعيشون بيننا في صمت،نشير الى بطولة النساء في اعالي الجبال،أولئك اللواتي يجلبن الحطب و الماء من مسافات بعيدة متحملات قسوة المناخ،نحيي تلك الأيادي التي تنظف ملابس الاسرة على مياه نهر ببرودة الثلج واذا سئلت لا تختار آلة غسيل أوتوماتيكية او فرنا كهربائيا بل فقط منزلا بسقف يحمي من الثلوج ومستشفى قريب ومدرسة تعلم فيها أبناءها،وفي انتظار وعود التنمية التي قد تتحقق أو لا تتحقق  تبتسم المرأة منهن -اذا ابتسمت- لكاميرات التلفزة في حياء ثم تواصل كفاحها اليومي في صمت، دون ان تبحث عن وسام أو تطالب بمساواة لانها ترى جيدا ان الجميع في البؤس سواء.
في يوم المرأة المغربية أحيي في كل امرأة وقوفها اليومي في موقعها بما تقتضيه كلمة الوقوف من مسؤولية وكفاح، في البيت والعمل وفي اي موقع آخر.ولأن هذه المرأة هي أنا وأنتِ وهذه وتلك فإن الصورة المشرقة عنها فخر لنا جميعا،واي صورة أقل اشراقا تهمنا جميعا.
لن اتحدث هنا عن المرأة الموصومة بالدعارة في بعض الانتاجات التلفزيونية العربية،لأن الذي أخذ عناوين ملاهينا الليلية وكازينوهاتنا من مواقع الانترنت وغادر بلاده  الى بلادنا متوجها رأسا الى تلك الاماكن الموبوءة لا يعرف عن نساءنا الا نموذج المرأة الغانية.
بمقابل ذلك سأتوقف عند وقائع لاحظتها،لا أدري ان كانت ترقى الى مستوى الظواهر لكني سأسجلها على أية حال.منها اتجاه عدد من الاسر الى تزويج بناتهن في سن مبكرة برضاهن غير معنيين بنضال الحقوقيات في حربهن ضد تزويج القاصرات، وما لاحظته هنا هو انه سواء تم الزواج قبل سن الثامنة عشر او بعدها فإن مفهوم الأمومة ومسؤولية الاسرة والابناء مفاهيم غائبة احيانا وملتسبة احيانا كثيرة لدى العديد من الامهات الشابات،فمع نظامنا التعليمي المأزوم تخرج الكثير من الشابات بقدر متواضع من الثقافة سواء حصلن على شواهد الباكالوريا ام لم يحصلن عليها،ومع تدهور نظامنا القيمي نصبح امام مشاهد مألوفة لأمهات شابات يشتمن ابناء في عمر الزهور بالفاظ نابية وشتائم تمس بقداسة الدين واعراضهن هن انفسهن،ومشاهد اخرى لأطفال في سن الثالثة اوأقل يلعبون في الازقة والاحياء دون رقابة خلال الأوقات المفضلة لحركة المجرمين ومغتصبي الاطفال،في الصباح الباكر او الظهيرة او بعد حلول الظلام بوقت طويل.
ناضلت النساء في وقت ما من اجل اقتحام ميدان العمل،وأبدعن احيانا في مجالات عملهن.بالنسبة لجيل اخر من النساء لم يكن خيار العمل تحديا لمورث ما ولكن حاجة املتها الاوضاع الاقتصادية،فعملت الزوجة الى جانب زوجها والابنة الى جانب ابيها واخيها،وهنا نجد الكثير من النساء المكافحات اللواتي وقفن كشريكات حقيقيات حملن عبء الاسرة حتى في حالة عجز الاب او الاخ او الزوج لمرض او غيره (اواحيانا لان الرجل اتخذ خيارا انانيا بالقاء مسؤولية الاسرة على كاهل المرأة طالما انها برهنت على قدرتها على تحملها)،فقدمت النساء من عرقهن وشبابهن لضمان استقرار اسرهن ورفاهها.
و الى جانب هؤلاء النسوة اخريات فضلن عدم خوض تجربة العمل خارج البيت، ومنهن من تدرك جيدا ان أهمية دورها في الاسرة مساوية لاي مما تقدمه النساء العاملات ، لكن منهن كثيرات غائبات طوال الوقت حتى عندما يحضرن، تطالبن بالمزيد من التجهيزات الكهربائية لتسهيل الاشغال المنزلية، تتذمرن من حظهن مع الزوج والابناء،تنتظرن وساما على كل وجبة تقمن باعدادها او غرفة تقمن بتنظيفها،وترغبن باجازة من الاعتناء بالابناء كلما تمَكن من ذلك (اي طوال الوقت).
وللإشارة فلست ممن يحيون التنشئة الذكورية التي تلقي بأعباء المنزل وتربية الابناء على المرأة وحدها.لكنى اومن ان الاسرة شراكة وتوافق، وهنا لا داعي لان يركن احد من الاطراف الى دور الضحية، والا فان الضحايا الحقيقيين لإهمال الاسر و تجاهلها لمسؤولياتها هم الابناء الذين هم بدورهم نواة لاسر اخرى تنشأ مستقبلا. من هنا فأي بذرة سيئة نزرعها سنستمر في جني ويلاتها اجيالا طويلة.
بعض الحديث عن المرأة المغربية يفرح ويثلج الصدر،لكن الكثير منه ان كان صريحا بما يكفي يجعلها تعترف ان معاركها مع كل ما يعوق تقدمها وانفتاحها من خارج( سواء كان أزمة اقتصادية،فسادا سياسيا،او ذهنيات اجتماعية منغلقة...) هي بنفس قدر اهمية معركتها مع ذاتها لتختار ان تكون ابنة افضل،اختا افضل،زوجة افضل،اما أفضل،انسانة افضل...ترفض ان تهين او تهيمِن اوتهمِل او تستغِل حتى وان سنحت لها الفرصة،حتى وان كانت هي نفسها في مرحلة من تاريخها تعرضت لاي من ذلك،وحتى اثناء معركتها ضد كل ذلك..النساء اللواتي اتخذن هذا الخيار اخترن ان يكن منبع الكثير من القيم الانسانية الكفيلة بجعلهن رموزا تخلد بعد موتهن، فتعيش القيم بهن و من بعدهن  في كل اسرة متماسكة،في كل انسان مسؤول (رجلا كان او امرأة)، في كل كتاب يؤلف، في كل مدرسة تخرج أفواج الناجحين في الحياة، في كل مسجد يعج بمتدينين حقيقيين،في كل شارع نظيف،وفي كل فكر نظيف.

سؤال التغيير


 

انطلقت هذه الايام بمبادرة من احد النشطاء على الفيسبوك حملة  "من انتم؟" وهي مبادرة تهدف الى القاء الضوء على العديد من السلوكات الخاطئة وغير المسؤولة التي تصدر عن الكثير منا بشكل يومي..
حملة "من انتم؟" هي تعبير رمزي عن ارادة التغيير في مجتمع يعرف الكثير منه لكنه تغيير لا يسير في الاتجاه الصحيح دوما،وسؤال التغيير يطرح نفسه وبإلحاح منذ عقود، متى؟ كيف؟ وبأي الادوات والوسائل؟ كتب عنه الكثير جدا لدرجة ان المرء يتسائل فيما اذا كان الحديث عن التغيير يغير من واقع اللاتغيير شيئا.لكن السؤال الاستنكاري الساخر في حملة "من انتم؟" يغري بالحديث عن بعض الظواهر المرتبطة بالتغيير او على الاقل ارادة التغيير.
سأبدأ بالحديث عن التغيير نحو المزيد من التدين، كلما رأينا اعداد الملتحين والمحجبات والمنقبات في تزايد خلق لدينا اعتقاد بان مجتمعنا يتجه نحو المزيد من التشبت بالدين او ما يسميه البعض ب "الصحوة"، لكننا نعرف جيدا ان الامر لا يتعلق بلباس الشخص ومظهره بل وحتى طبيعة انشطته الاجتماعية،لا زلت اتذكر صدمتي عند باب المسجد قبل سنة عندما شتمتني شابة منقبة ونعتتني ب"المعاقة" - رغم سلامتي ولله الحمد من اي نوع من الاعاقات- فقط لاني طلبت منها بأدب  ألا ترتدي حذاءها داخل المسجد وعلى سجاده حيث يضع المصلون جباههم.لكنت اعتبرت هذا الموقف من قبيل الشاذ الذي لا حكم له لولا اني كنت شاهدة على مواقف كثيرة يتصرف فيها اشخاص بزي "اسلامي" بشكل بذيء جدا يتنافى مع ابسط قواعد اللياقة،هل يتعلق الامر باشخاص بسطاء (بساطة في الفهم) يكتفون من التدين بزيه ولا يقوون على التحلي بما يفترضه من جهاد وتأديب للنفس؟ ربما لكن الامر يتجاوز تلك الفئة من الناس فقد حضرت محاضرات و جلسات دينية لرجال ونساء يفترض ان لهم نصيب من الثقافة والوعي لكن يأخذهم العجب بما يقولون وما يعتقدون لدرجة لا يقدرون معها على تحمل وجود منتقد او مخالف في الرأي في نفس مكان تواجدهم.
التغيير: ليس ان نكتفي من التدين بزي معين او ان نجند انفسنا من اجل دعوة الغير ليكونوا بدورهم "متدينين"،انه عمل شاق ويومي يفترض ان تعلم نفسك كيف تخاطب الاخرين بادب مهما  قل شأنهم (في نظرك) ومهما كان الخلاف او موضوعه،ان تقبل بان للآخرين اراؤهم وان تحترم اختلافها،ان تعبر حركات جسدك وعيونك عن الحياء- مثلا- قبل ان تنطق به ملابسك وكلماتك الذاكرة لله..واللائحة طويلة.
قبل ان ينعتني القارئ الكريم بالتحامل على المتدينين الفت الانتباه الى ان الامر لا يختلف كثيرا مع  البعض من غير المتدينين (كما يفضلون ان يصفوا انفسهم)،البسطاء منهم (بساطة في الفهم مرة اخرى) يذكرونني بشخص  صرح لي قائلا:
"انا شخص منفتح وحداثي اشاهد المسلسلات المدبلجة مع زوجتي وابنائي واناقش معهم القضايا الاجتماعية والعاطفية المهمة التي تطرحها،لا اقبل بوجود الطابوهات او القيود على الابداع الفني".
اتذكر اني فشلت تماما في اقناع هذا الشخص ان الامر لا يتعلق بالحكم على هذا "المنتوج الفني الاعلامي" من زاوية التحريم او الاباحة ولكن من زاوية حق المواطن في تدبير الانفاق على الاعلام العمومي بما يخدم قضاياه ذات الاولوية وليس بتخديره بزخم لا ينتهي من القصص والنماذج البشرية التي لا توجد الا في المسلسلات.
الاكثر الماما يظهرون شراسة في مهاجمة ما يعتبرونه الوجه البالي لمجتمع متأخر،يحرص الرجال والنساء منهم في المؤتمرات والمحاضرات على تحية بعضهم البعض بقبل على الوجنتين،يتحدثون عن الحق في الافطار  خلال نهار رمضان علنا،الحق في الاجهاض و الحرية الجنسية والبعض منهم يذهب الى حد الحديث عن حق المثليين في ان يعيشوا "حياة طبيعية" على حد تعبيرهم.وكلها مواقف تجد سندا لها في المبدأ القائل بحق الشخص المقدس وحريته المطلقة فيما يتعلق بجسده.لكن بمجرد ان يتعلق الامر بحقوق وحريات المخالفين تسقط القداسة عن كل الحقوق والحريات وينهار كل ما حاضروا بشأنه حول فكرة الديمقراطية.
التغيير: ليس ان نكتفي من الحداثة بعرض الجسد وكشف عورته،ليس باستبدال اصنام المجتمعات المتأخرة علميا وتقنيا باصنام جديدة تصنعها ايقونات عالم الاستهلاك،التغيير الحقيقي نحو الحداثة هو ان تنتج بشكل اصيل وتتقن ما تقوم بانتاجه مهما كان موقعك بالمجتمع،ان يدفعك ايمانك بشروط اللعبة السياسية الديمقراطية-مثلا- الى القبول بنتائج الانتخابات مهما كانت وان تمارس حقك في المعارضة بشكل موضوعي دون سعي الى ممارسة الوصاية على الناخبين والتحدث باسمهم فيما لا يمثل الا احقادك او مصالحك.
التغيير ليس ان اتحدث كثيرا عن رمي الازبال في الشوارع واتذمر من سوء تدبير ذلك من طرف الجهات المسؤولة ولكن ان التزم بالتخلص من النفايات في الاماكن المخصصة لها،ان احمل اكياس القمامة التي يضعها الجيران -رغم احتجاجي- عند باب منزلي الى حاوية القمامة في هدوء وان اكرر ذلك متى لزم الامر لإفهامهم ان المسافة بين باب منزلي وحاوية القمامة ليس بعيدة الى هذا الحد.في كل الاحوال فالسلوك المنسجم مع الفكرة يدافع عنها افضل من الف محاضرة.
التغيير ليس ان انتقد المرتشين وارضخ لتقديم الرشوة عند اول مناسبة،ليس ان ادخل هذه الادارة او تلك المصلحة باعتزاز وانفة لان مديرها او موظفيها من معارفي،التغيير ان اتحرك فيها بخطى واثقة يدعمها الايمان بتساوي قيمتي بقيمة غيري وبكوني مواطنا ما وجدت تلك الادارة بموظفيها الا لخدمتي.
 التغيير ليس ان ارفض غش التاجر وغش المقاول وامارس الغش للحصول على شهادة او منصب عمل بل ان اشرع فورا في العمل الذي يمكنني من الحصول عليهما بشكل مستحق مهما كلف من جهد او وقت.
التغيير ليس ان انادي بالمساواة وابحث عن طريقة لتجاوز صفوف من ينتظرون دورهم..
التغيير يبدو شيئا سهلا عند الحديث عنه،فجميعنا ندرك بسهولة ما ينبغي تغييره،لكن الامر كثيرا ما يتوقف عند كونه حديثا عن التغيير،لان القليلين فقط يملكون من القوة والشجاعة ما يكفي لكي يشرعوا بتغيير انفسهم اولا وتدريبها على برمجة مغايرة لما تعودت عليه.

"وافقوا الوقفة توقف"



ما قادني الى وقفة يوم أمس أمام القنصلية الاسبانية كان إحساسا بالقهر والحرقة بعد أن علمت بأمر إطلاق سراح المغتصب دانيال رغم ادانته بهتك أعراض 11 طفلا مغربيا..شعرت ان أعراض المغاربة جميعا استبيحت.
رأيت من تعليقات أصدقائي على الفيسبوك أن هناك استعدادا لتنظيم وقفة أمام البرلمان بالرباط ،تمنيت لو كانت هناك وقفة باكادير لأخرج واحتج، سرعان ما وصلتني دعوات من بعض الصديقات للمشاركة في وفقة أمام القنصلية الاسبانية فاثلج ذلك صدري.
رأيت كما الجميع صورا وفيديوهات عن قمع وقفة الرباط مساء الجمعة الماضي..وازداد القهر قهرا..ماذا؟ !! لا يمكننا حتى ان نحتج بشكل سلمي؟ !!!
شعرت كما الجميع بالقلق على ملامح وجهي من ان تتغير معالمها فلا يعود تلاميذي قادرين على التعرف علي ،بعد أن رأيت أساتذة واطباء ومهندسين بوقفة الرباط تجذع انوفهم وتكسر جباههم وتدمي افواههم كي تخرس عن قول الحق،لكني قلت: وليكن،لا يمكن ان ألقى الله بالصمت على مثل هذا المنكر.
عندما وصلت الى مكان الوقفة قبل الخامسة بقليل، وجدت الكثير جدا من عناصر الأمن،عدد منهم بلباس مدني..كان عددهم أكبر بكثير من الشباب والشابات الذين حاولوا الوقوف امام القنصلية قبل ان يدفعهم رجال الامن الى الابتعاد الى الشارع المقابل حيث كنت اقف، تقدم مني رجل امن بلباس مدني وطلب الي بأدب اثار استغرابي (بعدما سمعته من سب المتظاهرين بالرباط) أن اغادر المكان كي لا "اختلط" مع الباقين،فأخبرته اني هنا من اجل الوقفة واني اريد الاحتجاج بشكل سلمي..دار بيننا حديث قصير عن جدوى الوقفة قبل ان أقول له انه لن يرضى شيئا مماثلا لابنائه،فاجابني بانه لو اعتدى شخص على ابن من ابنائه لقطع اوصاله بلا رحمة..قلت له اننا نعرف هذا الشعور بالغضب ايضا لكننا لا نستطيع الا الالتجاء الى القانون لذلك نحتج عندما لا ينصفنا..غادر رجل الامن مبتعدا وعلى وجهه ملامح رجل يضيق ذرعا بالمهمة الموكولة اليه..كما لو كان في داخله صراع بين ما يتوجب عليه فعله كأب وانسان وما يتوجب عليه فعله كرجل أمن.
سرعان ما تشكل تجمع للمتظاهرين في طرف من الشارع فركضت لكي انضم اليهم..تحركنا نحو الساحة المقابلة للقنصلية..وبدأ ترديد شعارات قوية..وارتفعت اصواتنا..واطلق الكثير منا العنان لحرقته وألمه على بلاده واطفالها..تجمع الكثير من الناس،وبدأت أرى أناسا من مختلف الأعمار ينضافون الى الشباب اليافعين الذين شكلوا النواة الاولى للوقفة..فوجئ الجميع بعد أقل من نصف ساعة على بدء الوقفة ان شبابا "من الجهة المنظمة" كما وصفوا أنفسهم يعلنون عن تعليق الوقفة بعد أن سجلوا موقف الرفض ضد العفو وأعلنوا مطالب تتعلق باستقلال القضاء..
انطلقت الاصوات بالاحتجاج على "وقف الوقفة"،وفهمت لماذا تسابق الجميع الى الصفوف الاولى..فعند انتهاء التقاط الصور بدأ الاستعداد للمغادرة نزولا عند أوامر رجال السلطة الذين وقفوا يراقبون في صمت..وبعد أن رفض المحتجون المغادرة واستمروا في ترديد الشعارات دخل احد رجال الامن بزي مدني وسط الحلقة التي شكلها المتظاهرون وهمس شيئا في اذن احد "المنظمين" وسرعان ما سمعنا اعلانا غريبا من احدهم يطلب من الاشخاص الذين جلبوا اطفالهم ومن النساء مغادرة الوقفة..فارتفعت الاصوات محتجة..في الدقائق التي ستلي سيختفي المنظمون تباعا..وستنشب مشادة كلامية بين أشخاص ينتمون الى احزاب وتيارات وفصائل متباينة..الكل يريد ان يزايد..والبعض هناك لينفذ مهمة تحويل الوقفة عن مسارها وعن موضوعها..وقد نجحت المهمة فعلا..فلم ينفع تدخلي ولا تدخل البعض لاعادة احتجاجنا الى صلب موضوعه الاصلي وهو العفو عن مغتصب اطفالنا..سرعان ما تعب الناس من الوقوف صائمين تحت حرارة الشمس المحرقة للاستماع الى مشادة كلامية فارغة بين فصائل وتيارات مختلفة..وبدأت اعداد الواقفين تقل تدريجيا..
استمرت وقفتنا تقريبا ساعتين..وعندما أقول "نا" اقصد نفسي ومجموعة من الاشخاص الذين قادهم الى امام القنصلية الاسبانية ليس انتماؤهم الى حزب اوحركة او فصيل – طالما معظم على الاغلب مثلي ينأون بانفسهم عن اي انتماء من هذا النوع- ولكن غيرتهم على عرض وطنهم ورغبتهم في التموقف ضد الاعتداء الشنيع على براءة اطفاله.
في وقفة اكادير لم يتدخل رجال الامن لقمع المتظاهرين،بل وقفوا يراقبون الوضع في صمت..لكان المشهد أثلج صدري لولا اني اعرف اني في المغرب حيث تتعدد الوسائل التي يلجأ اليها المخزن لكن النتيجة دوما لصالحه..
يبقى ان أقول: كل الخزي والعار لمن يسمحون لأنفسهم بالتشدق بشعارات لا يؤمنون بها ويرتدون زي النضال نفاقا لتلميع صورة فصيل اوتيار او حزب...كل الخزي والعار لمن يتواجدون في الوقت المناسب والمكان المناسب لاعلاء انسانيتهم وانسانية غيرهم فيلتقطون لانفسهم صورا لا تعبر الا عن حقيقتهم..مجرد صور..مجرد صور مزيفة...