الخميس، 13 أغسطس 2015

قراءة في "الهويات القاتلة"

يطرح أمين معلوف في كتابه "الهويات القاتلة" مسألة شائكة احتفظت براهنيتها رغم مرور ما يقارب العقدين على تأليفه لهذه "الشهادة" كما يصفها في آخر الكتاب وهو بالمناسبة ليس رواية كما يشير الى ذلك غلاف النسخة العربية منه.
ينطلق معلوف في بناء نصه من سؤال كثيرا ما وجه له: هل يعتبر نفسه لبنانيا ام فرنسيا؟ باعتباره كاتبا لبنانيا هاجر الى فرنسا و استقر فيها ازيد من عشرين عاما(الى حين تأليف الكتاب)،و يؤسس معلوف بناء على حالته الخاصة و على العديد من الامثلة التي قدمها لاحقا الاطروحة المركزية التي جاءت "الهويات القاتلة" لتدافع عنها وهي ان الهوية ليست معطى قبليا ونهائيا بل تتشكل بالتدريج في التجربة الخاصة و الحميمية لكل فرد على حدة،و لا يمكن الارتكاز الى احد انتماءات الفرد (سواء كانت جسمانية،دينية،عرقية،لغوية،ثقافية..) للحكم على هويته و مصيره.
لا يمكن للقارئ ان يكون محايدا تماما ازاء قراءة نص معلوف، فكل قارئ يتمثل نفسه تحديدا من خلال هوية معينة،و يفهم ما يقرأ –بوعي او بدون وعي- من خلال خلفية نفسية اجتماعية وفكرية ما،ومعلوف نفسه وان تحرى بمجهود واضح حدا معينا من الموضوعية والحياد في طرحه لافكاره فإن بعضا منها أبى الا ان يضعه في نفس الخندق الذي يسعى الى تحرير الهوية منه،خندق الرؤية الأحادية و المتمركزة حول الذات égocentrique.
عندما تبدأ بقراءة الكتاب يشدك التحليل الهادئ والرصين لموضوع شائك و ملغم مثل موضوع الهوية،وبالامثلة المتنوعة التي يسوقها معلوف تبدو اطروحته المركزية متماسكة جدا،إذ توجد في التاريخ الفردي لكل شخص الكثير من المكونات التي تحدد هويته وهو ليس مضطرا الى انكار البعض منها من اجل الانتصار الى البعض الآخر،فكل منها بنسب متفاوتة تحدد شخصيته و لكل منها اهميته.
في الفصل الاول والمعنون ب "هويتي انتماءاتي" ،وفي الجزء الذي يحاول فيه معلوف تحديد مفهوم الهوية،استوقفتني اشارته الى الميول الجنسية باعتبارها انتماء من الانتماءات التي تحدد هوية الفرد(ص17 من النسخة الفرنسية)،ولم اجد في الاسطر التي تلت شرحا لما قصده معلوف بهذا،فهل المقصود الميول الجنسية التي تجعل النساء تملن الى الرجال والعكس ام يقصد الميول الجنسية باطلاق والتي تتضمن ايضا ميل الافراد الى اشخاص من نفس جنسهم؟ إذ أن قراءة الفكرة على ضوء الشق الثاني من السؤال تنفتح على إشكال اوسع واكثر اثارة للجدل يتعلق بالهوية الجنسية،و هو النقاش الذي يتجاوز احد طرفيه القول بالجنسين (الذكر والانثى) ليقول بوجود جنس ثالث يتأسس وجوده على الميول الجنسية للافراد فيما يرفض الطرف الثاني (لاسباب دينية من ضمن اسباب اخرى) الاعتراف بمشروعية العلاقات المثلية باعتبارها شذوذا.
عدا هذا نجد في كل باقي الفصل الاول الكثير من الامثلة التي تسعى الى اقناعنا بالطابع المتعدد والمتغير لمفهوم الهوية وكيف ان الوعي بمختلف مكوناتها هو خطوة في طريق الاستفادة من غناها،بينما التوقف عند احد تلك المكونات بشكل متعصب يحولها الى هويات قاتلة تسعى الى تأكيد وجودها من خلال نفي الآخر.يحسب لمعلوف هنا دقته في اختيار امثلة متنوعة و محاولته التفكير في المواقف المتخذة من مسألة الهوية من خلال منظور الآخر،فكل طرف يبني مواقفه على مبررات محددة،والتحليل المنصف يقتضي استحضار مختلف الرؤى.
في نهاية الفصل الاول نجد اشارة انسانية عميقة مفادها انه ينبغي دوما التقدم نحو الاخر برأس مرفوع وايد مفتوحة،وانه لكي يفتح الانسان ذراعيه لاحتضان الاخر يحتاج اولا الى ابقاء رأسه مرفوعا،اي الى احترام الاخر لهويته وانتماءاته،لكن معلوف يفاجئ القراء (المسلمين تحديدا) عندما يحكم مباشرة بعد ذلك على ارتداء الحجاب بانه سلوك "ماضوي و رجعي" مشيرا الى ان بوسعه ان يوضح اسباب هذه القناعة مستندا على اطوار مختلفة من تاريخ البلدان الاسلامية ومعركة النساء من اجل التحرير (ص 54 من النسخة الفرنسية)،لكن السؤال الاهم في نظره يتعلق بالحداثة ولم احيانا يتم رفضها.
سؤال الحداثة مرتبط بسؤال الهوية في نظر معلوف لذلك يفرد له الفصل الثاني من الكتاب،و يحتفظ الكاتب بنفس أسلوبه الهادئ والرصين في التحليل،و يطرح اسئلة تدفع القارئ للتفكير معه في اعادة قراءة التاريخ مرة تلو الاخرى من اجل الفهم.لكن الموضوعية في هذا الفصل تحديدا تخون الكاتب الذي تمنى في اخر كتابه ان يكون قد توفق في التحليل بشكل لا يكون شديد الفتور ولا شديد الحماس(اي منصفا بما يكفي).
عندما نقتنع مع معلوف بان الهويات متعددة و متغيرة،وانها تغتني بالروافد المختلفة والمتنوعة عبر التجربة التاريخية،فإن ذلك لن يصح فقط بشأن هوية الفرد وانما أيضا بخصوص الهوية الجماعية (ان صح الفصل بينهما)،بهذا المعنى فقبولنا مع الكاتب ان الفرد الماثل في كل منا حصيلة تراكمات وتفاعلات طويلة،يعني ايضا القول بان الجماعة او الامة حصيلة تراكمات تاريخية وتفاعلات تقدمها كنتيجة لما هي عليه بين الجماعات او الامم، من هذا المنطلق يبدو من غير الموضوعي ان ينظر الى الحداثة ( ويركز معلوف فيها على مفهومي الديمقراطية وحقوق الانسان) على انها معجزة اوروبا المسيحية التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية والتي جعلت منها على خلاف كل الحضارات التي سبقتها حضارة مهيمنة(ص 82) ،ويفسر معلوف الامر بمماثلة يشبه فيها اوروبا المسيحية بالحيوان المنوي الذي يندفع مع باقي الحيوانات المنوية الى الرحم لكنه وحده يستطيع تخصيب البويضة،واي ثمرة لهذا الاخصاب ستكون شبيهة له وحده (الصفحة نفسها)،وهو ما يمكن تبريره حسب معلوف بعوامل متعددة يعود البعض منها الى كفاءة اوروبا المسيحية،والظروف المحيطة بها و قد تعود ايضا الى بعض الصدفة.
ينبغي ان اقول ان قراءة هذه الاسطر بالنسبة لي كانت اشبه بصرخة مرعبة وبشعة تشق اسماع شخص استغرق من مدة في سماع سمفونية هادئة،منسجمة ومتناغمة.لا يمكن الربط بينهما،ولا يمكن ان نصدق ان الصرخة جزء من الأداء،في الوقت الذي يتابع عقل القارئ تلاحق الافكار وتطورها في النص،تنبني لديه قناعة بان اسباب العداء مع الاخر تنتفي ما دمنا نشاركه دوما الانتماء الى شيء ما،وان الافراد المعزولين يساهمون في بناء موروث انساني فسيفسائي يغتني بتجربة كل منهم.فكيف يستقيم هذا و اعتبار مشروع الحداثة مشروعا خاصا تنفرد به اوروبا المسيحية كما لو انها ابدعته من لا شيء و غزت به العالم؟ هل كانت الاختراعات التي تحمس معلوف للاشارة اليها ابداعا اوروبيا مسيحيا خالصا؟ام ان علماء اوروبا مثل العلماء في كل زمان و مكان استرشدوا بشكل او بآخر بابحاث من سبقوهم؟ هل نتصور ان الحداثة طفرة حدثت هكذا دون توقع ام انها مرحلة توجت تراكمات تاريخية متعددة الروافد؟هل يحق لحضارة ما ان تنسب لنفسها وحدها "التقدم" وان تنكر اسهام الحضارات التي سبقتها او التي عاصرتها؟ هذا القول بتفوق الغرب المسيحي(او اروبا المسيحية) بالمناسبة امر غير مبرر بالنسبة لعدد من علماء الغرب انفسهم على سبيل المثال لا حصر نذكر عالم الانثربولوجيا كلود ليفي ستراوس.
بعد هذه الصرخة تعاود الاذن الاستماع الى السمفونية ببعض الريبة،و يتابع القارئ باقي فصول الكتاب متشككا خصوصا ازاء استخدام مصطلح "هيمنة" عند الحديث عن الحضارة الغربية كما لو كان امرا طبيعيا،لنذكر فقط ان كل هيمنة تتناقض مع النظرة الانسانية التي يسعى الكاتب الى اقرارها،الافراد المتساوون في الكرامة لا يهيمن بعضهم على بعض،والحضارات المبنية على قناعة عميقة بتساوي جميع البشر في الكرامة والحقوق لا يهيمن بعضها على بعض،لذلك يبقى حماس معلوف إزاء العولمة موضع تساؤل،و افكاره بهذا الصدد لا تعطي طرقا مقنعة نحو الحلول،في العالم الذي نؤمن فيه بتعدد الهويات وحقها في الانوجاد ونتخذ بناء على هذه القناعة سلوك الانفتاح على الاخر ينبغي ان يكون للآخر نفس القناعة ونفس السلوك،لكي تكون علاقتنا به متوازنة مبنية على التلاقح والتفاعل السوي،والا سيصبح للحضارة المهيمنة طرقا متعددة لممارسة الاستيعاب والوصاية على الشعوب بفرض رؤية وحيدة،رؤية مهما بدت جذابة (بحيث ينجذب اليها الافراد والجماعات احيانا بشكل تلقائي) فإنها تحرم الجميع من التفكير في ممكنات اخرى في احسن الاحوال،وتحكم على الاجيال المقبلة بان تعيش نفس اخطاءنا وترث نفس اعطابنا.
اشارة انسانية عميقة و جميلة ينهي بها الكاتب نصه،ولا نملك الا ان نشاطره اياها وهي امنيته ان يعيد احفاده "الهويات القاتلة" الى الرف بمجرد الاطلاع على محتواه،امنية بان يصبح هذا الموضوع الملغم يوما ما متجاوزا بان يعيش الناس هوياتهم في سلام بعد ان يتم ترويض الفهد بتعبير امين معلوف.

الفن كوسيلة لبناء الوعي الجمعي


بعد كل نقاش عن المنتوج التلفزيوني و السينمائي المغربي اصل دائما الى القناعة نفسها، كمشاهدة غير متخصصة اعتقد ان ما يعوزنا هو كتاب نصوص جيدة بالاضافة طبعا الى مخرجين مثقفين يملكون رؤية فنية حقيقية،لا ادري ان كان المتخصصون يشاطرونني هذا الرأي لكن اعتقد ان النص يكتسي اهمية كبرى (القصة، السيناريو والحوار)، في بعض المنتجات التلفزيونية و السينمائية الغربية يجعلك الحوار تنفتح على قضايا وتفكر و انت تتابع في الحلول الممكنة ثم تتأمل في حدود القراءة التي يقدمها المنتوج،حتى في الحوارات التي تجرى مع المخرجين و الممثلين تجد عبارة "نريد ان نجعل الناس يفكرون " تتكرر،بما يعني أن المنتوج الفني في النهاية وسيلة لتبليغ فكرة معينة و جعلهم بتفاعلون معها و ليس وسيلة لتكريس ثقافة الاستهلاك البليد، طبعا لا يعني هذا ان المنتجات الفنية الاجنبية تخلو من طابع تجاري او تتعالى عن الاسفاف دائما،لكنك تجد الى جانب المنتوج المبتذل منتجات اخرى تقع في مستوى تطلعات المتتبع الناقد والباحث عما هو هادف.
يمكن للفن ان يكون أداة قوية لتثقيف المشاهد بطرق ممتعة وهم في الغرب يدركون هذا بشكل جيد، عندنا يتتبع الكثيرون المنتوج فاغرين افواههم و لا يستوعبون منه سوى احداث القصة دون ان يعرفوا ما هي القضايا التي تنفتح عليها تلك القصص في قالب فني،اتذكر مسلسل الكرتوني "هيه آرنولد" وافكر انه ولا شك مرر لأطفال امريكا الكثير من قيم المواطنة والديمقراطية و غيرها من القيم الانسانية والكونية من خلال يوميات الطفل آرنولد و اصدقاءه وجديه وجيرانهما.
وقد شاهدت افلام انيميشن كثيرة تناقش افكارا انسانية بطرق رائعة،و ساعطي هنا امثلة لبعض مما شاهدت:
chicken run (وفيه تقرأ كمشاهد فكرة عن الايمان بالحق في الحرية وتقرير المصير حتى عندما تبدو العبودية واقعا طبيعيا و حتميا)
happy feet (ان تكون مختلفا عن بني بيئتك ليس سيئا بل يمكن ان يكون اختلافك اضافة تغني جماعتك او تنقذها)
horton hears a who ( هناك من الحقائق ما لا ندركه بشكل محسوس بالضرورة لكن هذا لا يمنع من الايمان بها وهي الفكرة التي بدت انثى الكنغر في الفيلم معارضة شرسة لها،اضافة الى الفكرة التي رددها الفيل هورتون خلال الفيلم : الحياة حياة مهما كانت صغيرة وفي هذا اشارة الى قداسة الحق في الحياة)
حسنا اعرف فيم تفكرون كلها امثلة عن منتجات كرتونية،انا احب الرسوم المتحركة هذا ليس سرا! émoticône tongue
لكن لو اردتم مثالا عن تحفة فنية اخرى اقترح عليكم الفليم الايراني winter sleep لثلاث ساعات يمكنك ان تشاهد و تتأمل حدود مواقف كاتب مثقف ازاء واقعه وهو بالمناسبة فيلم يمكنك مشاهدته مع افراد عائلتك دون ادنى احراج. émoticône smile
لست هنا بصدد رسم صورة مثالية للمنتجات الفنية الاجنبية اعرف الكثير من الامثلة التي تشهد على التحامل والتضليل بل والدعوة الصريحة الى الكراهية والتي تمارسها بعض المنتجات لكن ليس هذا موضوع هذه التدوينة،ما اكتبه هنا تعبير عن رغبة عميقة و ربما هي دعوة للكتاب الجيدين ممن يملكون الخيال الخصب والثقافة الواسعة والقدرة الادبية الكبيرة لخوض غمار تجربة الكتابة للتلفزيون والسينما، لماذا لا نصنع لاطفالنا وشبابنا ايقونات نابعة من محيطهم تتحدث لغتهم ،ترتدي لباسهم وتفكر في همومهم وتقترح عليهم حلولا ممكنة وتدفعهم للتفكير في المزيد منها؟ لماذا لا يفكر كل المؤمنون بضرورة التغيير بخلق احدى لبناته على مستوى وعي المشاهد بحيث تغدو قيم الاخاء و المساواة والعدل والحرية والمواطنة الفعالة وغيرها من القيم الاخلاقية والانسانية طبيعية ونابعة من معيشه اليومي؟

الأربعاء، 5 أغسطس 2015

فوضى القصاص




تحكي بضع صفحات من رواية "زمن الأخطاء" لمحمد شكري عن تفاصيل مريعة للفوضى او "السيبة" التي اجتاحت  مناطق من المغرب فجر الاستقلال،حيث كان التخوين والتعذيب و التقتيل سلوكا ينخرط فيه الافراد بشكل عفوي و  دون ادنى تفكير.
اتذكر هذا وانا اقرأ على مواقع التواصل الاجتماعي -بالصور احيانا- أنباء من هنا وهناك عن مواطنين يضربون لصا  ويفقأون عينيه او يرجمون آخر حتى الموت. ربما تعودت أبصارنا على جثث القتلى و مشاهد الدماء المتناثرة على صفحات الجرائد و القنوات الفضائية لكن ضمائرنا ينبغي الا تطبع مع كل هذا و  ان تبقى دوما يقظة لتطرح التساؤل حول ما حدث و يحدث..
ان يتدخل المواطنون بأنفسهم جماعة لمعاقبة "مجرم" او "جان" في دولة لها مؤسساتها و قوانينها فهذا مما يجب التوقف عنده بالكثير من الجدية،ليس فقط لأن عقوبتهم تجاوزت بكثير طبيعة الاعتداء (فقأ العينين والقتل من أجل سرقة) ولكن لأننا بصدد سلوك يفرغ الدولة من كل معنى و يغيب صفة المواطنة ليجعل الافراد تحت رحمة بعضهم بعضا.
ولا أكتب هذا لكي أسجل شكلا من أشكال التعاطف مع اللصوصية او الاجرام،بعيدا عن هذا على العكس من ذلك،لكنها دعوة للتفكير في مسببات سلوك المقتصين و أبعاده.دعوة الى التفكير كمواطنين في صورة أقل وحشية لمغرب لم نرد له ان يكون هكذا لكن مازال بإمكاننا ان نختار مغربا أفضل نعيش تحت حمايته.
عندما نحلل سلوك المقتصين نقرأ تعبيرا واضحا عن خوف ويأس و تفريغ لما احتقن من غضب  في شخص أول من شاء سوء حظه ان يصادفهم،ولا أدري الى اي حد يمكن ان نعتبر ما فعلوه سلوكا ثائرا لكن هيجانه امر لا شك فيه.
فلنتوقف عند الخوف أولا، المواطنون الذين لم يسبق لهم التعرض للسرقة تحت تهديد السلاح يعرفون على الاقل شخصا من ذويهم او معارفهم مر بتلك التجربة ،والذين ليسوا من هؤلاء ولا من أولئك يقرأون كل يوم على الجرائد و مواقع التواصل الاجتماعي أخبارا متنوعة عن حوادث اعتداء شنيعة.
 يتعمق الاحساس بعدم الامان كلما رأى الناس فيديوهات لضحايا غارقين في دمائهم بعد ان تم تشويه وجوههم او رأوا من جهة أخرى صورا وفيديوهات لمجرمين يتباهون بألبستهم وساعاتهم و سيوفهم دون ادنى اكتراث.يتعمق إحساس المواطنين بالخوف كلما ارتفعت مستويات الجريمة و تنوعت واغرقت في البشاعة،ومن البديهي ان تتعلق أعينهم بالقانون ومؤسسات الدولة لكي توفر لهم الحماية،ان كان بوعي منهم بمسؤوليتها الكاملة عن ذلك او عن جهل ممزوج بالعجز عن حماية انفسهم وذويهم و ممتلكاتهم في كل حين..وهنا ينبغي ان نتحدث عن تنامي شعور مقلق باليأس،يأس المواطنين من جدوى اللجوء الى الدولة ومؤسساتها،قصص كثيرة ترسخ هذا اليأس،قصص عن مجرمين عتاة حتى بعد القاء القبض عليهم وسجنهم لبضعة أشهر او بضع سنوات يخرجون ليعيثوا في الارض فسادا من جديد، وحتى عندما يقرر احدهم بعد عمر من الاجرام ان يتقاعد تكون شوارع الحي قد قدمت عددا من المراهقين اليافعين الذين التحقوا بقطار الجريمة للتو من أجل قيادته بكل عنف وعنفوان شبابهم..بقدر قتامة هذه الصورة بقدر ما يتنامى يأس الناس و يتضاعف قلقهم و توترهم.
لكن اسباب التوتروالغضب لا تقتصر فقط على السرقات التي تحدث هنا وهناك في احيائنا،لان الغضب الحقيقي الدفين ( دفين بسبب الجهل ممزوجا بالخوف) سببه سرقات اخرى تحدث على مستوى اعلى،على مستوى الاموال العمومية التي تعد بملايير الدراهم،سرقات اضحى المواطن المغربي اكثر وعيا بها مما مضى،بسبب ارقام تنشر من حين لآخر على وسائل الاعلام المختلفة حول اجورخيالية او امتيازات او تعويضات بغير استحقاق او نهب واختلاس مباشرين، يقرأ و يهتاج ثم يلزم الصمت دونما وسيلة للتأكد من صحة ما ينشر او نية للبحث والمطالبة بتفسير لما يقرأ،و ذلك طبعا مع يأس متجذر من اي تغيير،يقرأ المواطن عن مبالغ بملايير الدراهم تنهب او تبذر،ثم ينصرف في كمد الى هاجسه المعتاد في جعل راتبه او مدخوله الهزيل يسد حاجياته المتزايدة،وعندما يجد لصا في سوق او شارع عام او يسمع الاخرين يصرخون "لص !! لص !! " و ينهالون عليه ضربا او رميا بالحجارة ينخرط بكل غضب و حقد و يده مع يد الجماعة، وكأن الشخص الذي وقع بين أيديهم هو كل لصوص البلاد مجتمعين، وهم يهوون بقبضاتهم و حجارتهم لا يتساءلون: لماذا يسرق؟ كيف تحول الى لص؟ لماذا يعود الى السرقة وبشكل اعنف بعد مدة سجنه؟ أليس هناك ما يمكن فعله لمنع السرقات؟ والسؤال الاهم من كل سؤال اخر: هل سرق هذا الشخص فعلا؟
في السوق الشعبي حيث يقفون و في شارع المدينة حيث يقطنون،يشعر هؤلاء المواطنون ان لا تأثير لهم على ما يحدث في بلادهم،و انهم على بعد مسافات ضوئية من اللصوص الكبار،لذلك يصبون جام غضبهم على لص حقيبة وقع بين ايديهم،وفي العمق قد لا يكون هناك فرق بينه وبينهم، فمثلا عندما تسأل لصا لماذا تسرق؟فقد يبرر أفعاله بالفقر وضيق الحال وانعدام الافق،ولكي يحارب فقره يسرق من هم أفقر منه، كذلك المقتصون عندما يصبون غضبهم على مستضعف مثلهم.
العدالة لم تكن يوما ردود فعل انفعالية والا لما ارفق الله سبحانه وتعالى كل آية عن القصاص بأمر بالقسط والاحسان،وعظم اجر المحسنين،العدالة الحقيقية في احد أشكالها تقديم كل جان او معتد لمحاكمة عادلة،توضح فيها القرائن ويتحدث فيها الشهود ويمنح المتهم فرصة للدفاع عن نفسه و يصدر الحكم عن قاض مختص،وإذا كانت الاحكام غير زجرية او غير عادلة،ساعتها ينبغي النضال لتغيير القوانين ان كان ثمة قصور فيها،او النضال لمحاسبة القضاة ان كان ثمة شبهة فساد او الضغط على الحكومة بوزاراتها المختلفة للتعامل بشكل جدي مع الجريمة بشكل وقائي واستباقي.
ان لم تكن بالنضج والوعي والشجاعة الكافية لتنخرط في كل هذا فعلى الاقل لا تلطخ يدك بدم مواطن مثلك.فقد تفاجأ يوما ما بأحدهم يصرخ "لص !!لص !!" وقبل ان تجد متسعا من الوقت لتبحث عنه تنهال عليك الضربات من حيث لا تدري.

الثلاثاء، 12 مايو 2015

بدايات جديدة



أثارت قضية الوزيرين بن خلدون و الشوباني منذ مدة الكثير من اللغط الاعلامي،و حيث أن جولة سريعة في الصحف المتحدثة عن الامر لا تعطينا تصريحا مباشرا للمعنيين بالامر حول المسألة يبقى من الثابت طلاق الوزيرة المنتدبة و احجامها و زميلها في الحكومة عن ري ظمأ المتعطشين الى السبق الصحفي حول علاقتهما.
والسطور التالية ليست تعبيرا عن التموقف لصالح اي كان او ضد اي كان وانما هي دعوة الى التأمل فيما حصل..مع ذلك اود ان استهل كلامي بتوضيحين بسيطين:
اعتبر الرابطة الزوجية من العلاقات المقدسة التي لا يُفرِح انفصام عراها حتى لو كان ذلك برضى الطرفين..ففي كل طلاق هناك دوما شيء محزن و مؤسف..أما مسألة التعدد فهي في الحقيقة بحاجة الى الكثير من الجرأة الفقهية لتناولها و قراءة النصوص القرآنية التي ورد فيها الحديث عن التعدد بشكل يتجاوز الفهم السطحي و الذكوري الذي هيمن على تأويل النصوص الدينية لزمن طويل.
لكن الطلاق و التعدد ليسا ابرز ما يلفت اهتمامي في هذا السياق.بل موقف سيدة خمسينية تتقلد منصبا حكوميا هاما بما يعني انها شخصية عمومية تدرك تسليط الاضواء الاعلامية على حركاتها و سكناتها،تقرر هذه السيدة- باتفاق مع زوجها السابق حسب تصريحها- انهاء زواج دام ثلاثة عقود واثمر عن ابناء واحفاد. وهذا خلال تقلدها لمنصبها الوزاري وليس قبله او بعده.
قد تبدو بنخلدون بالنسبة لبعض المدافعين عن التمثيلية السياسية للنساء نموذجا سيئا للمرأة الوزيرة فهم يرجون من حضورها ان يكون حديديا وان تذكر في مجال الاستوزار بغير الزواج والطلاق والحب –الاطار النمطي الذي تحشر فيه المرأة عادة- اضافة الى ان زواجها المفترض من وزير متزوج قد يعتبر في نظرهم تكريسا لتقليد مهين تناضل المرأة المعاصرة لكسره و تجاوزه.
والواقع ان هناك بعدا مختلفا تماما يمكن قراءته في الحياة الشخصية لهذه السيدة وان كانت خياراتها في النهاية لا تعني احدا ممن يحبون اطلاق الاحكام سواء دفاعا عنها او ضدها.
يتعلق الامر بالخيارات المتاحة امام النساء في مجتمع تعود الا يمنحنهن الكثير منها، في ثقافة تجد من الطبيعي ان تستمر المرأة في زواج هو بمثابة موت يومي بطئ  لها ولكل من حولها حفاظا على مظهر العائلة المتماسكة حتى وان كانت في الحقيقة ابعد ما تكون عن ذلك.
النساء اللواتي يدركن ان عمرا من الاعتناء بالزوج والابناء قد ينتهي بعمر اخر من الوحدة والنبذ، يعرفن ان جملة "لم يعد يهمني امره،فليفعل ما يشاء،وانا سأعيش من اجل ابنائي" كانت في الحقيقة قرارا جبانا ومهينا للذات إذ أن مسؤولية المرأة تجاه أسرتها لا تعني نكرانها لذاتها وانمحاءها الا في ثقافة مريضة تبحث عن اي مبرر لاقصاءها.
في لحظة ما يكون على المرأة ان تقرر ما الافضل لها ولابنائها،و لا ينبغي ان تعني رسالتها المقدسة كأم ان تمحو باقي أّبعاد وجودها كامرأة،وفي هذه اللحظة يكون من الشجاعة ان تنسحب من علاقة غير مُرْضية بالنسبة لها،خصوصا ان كانت قد أدت ما عليها من واجبات تجاه اسرتها و مجتمعها..
ما من بطولة في الابقاء على زواج صوري، و ما من حكمة في التظاهر باننا عائلة واحدة عندما نكف فعليا عن ان نكون كذلك، وما من سن تتوقف عنده حظوظ المرأة في البدء من جديد، وما من تقليد يجعلها تقبل وضعا غير منصف او غير عادل.هذه من بين الرسائل التي  يقرأها المتأمل في طلاق سيدة خمسينية او محاولتها الزواج لمرة ثانية،ان تكون السيدة بنخلدون تحديدا قد أساءت اختيار طريق البدء من جديد، ان تكون ظالمة او مظلومة او الا تكون ايا منهما لا ينبغي ان يهمنا فهو امر شخصي لا يخص الا دائرة المعنيين بالامر، مقابل ذلك ما ينبغي ان يهمنا هو تكريس ثقافة تنال فيها المرأة (الزوجة) حظوظها كاملة في الاختيار بما يجعل بعض الأزواج يكفون عن التصرف كقدر حتمي لا مهرب للزوجة منه و يبذلون بعض الجهد للرقي بشروط المعيش المشترك.

الجمعة، 26 ديسمبر 2014

عنف اللاشعور

تلميذتي بالجذع المشترك..في شعرها الطويل الحريري والمنسدل دوما على جسدها الصغير..وفي ابتسامتها الخجولة وملامحها البريئة تأبى الطفولة ان ترحل و تخلي مكانها للمراهقة
انحنيت لاستفسر عن عينيها الدامعتين فاقتربت مني وقد انفجرت باكية..دب الرعب في أوصالي وانا استعد لتلقي أسوأ الانباء
"ما الخطب؟أخبريني"
اجابتني بصوت قطعته شهقاتها الباكية
"سم..ع..ته قال....وا...انا...لست..هكذا"
دفنت فجأة وجهها في صدري وكأنها تختبئ من شيء ما..ضممتها الي وانا اهدئ من روعها..
فهمت فيما بعد من خلال كلامها المتقطع ان زميلا لها بالقسم نعتها بالعاهرة ولذلك شعرت بالاهانة والالم..
"انت لست كما يصف؟" تهز هي رأسها بالنفي..و اقول أنا لنفسي:و كيف يمكن لطفلة بريئة مثلك ان تكون كذلك؟!
"حسنا اذن لا ينبغي لما قاله ان يؤثر فيك هكذا..ما قاله لا يعبر عنك ولكن يعبر عن الطريقة التي تعود زميلك ان يتحدث بها.." شعرت بها تهدأ تدريجيا..
اجتمع بعض من زملائها الذكور والاناث حولها متضامنين وهم يرمقون زميلهم "المعتدي" بنظرات غاضبة..
عرفت ان الشاب على الارجح تلفظ بما نسب اليه رغم اصراره على الانكار..وانه على الارجح وصف زميلته بالعاهرة ليس لانه يظنها كذلك و لكن فقط ليعبر عن استيائه وغضبه، اما منها او من واقع يعيشه لا علاقة لها به.
كان علي ان اتحدث الى الجميع عن ضرورة احترام مساحات الآخر وعدم الاضرار به حتى يكون لنا الحق في مساحة مقدسة خاصة بنا..
لكن ذهني شرد وانا افكر في جيل الشباب هذا الذي يعيد انتاج نفس اشكال العنف البغيضة السائدة: توجيه طاقة الغضب نحو الاخر،كما لو ان تحرير الذات من غضبها لا يتأتى الا بإيذاء الاخر.اقصاء و اختزال الأنثى اينما كانت في جسد الغواية والعار..فاي خلاف معها يؤول الى النظر اليها كعاهرة..هي وسيلة اللاشعور الجماعي لاخراس صوت المرأة و اقصائها..

أفكار

" لماذا لا تحمي الافكار الحكيمة اصحابها من الانهيار؟"
يجول هذا بخاطري و انا أقرأ لنيتشه و اتخيله تعيسا و فاشلا في الحصول على الحب والمحبوبة، تائها في عالم الجنون لسنوات قبل ان يفارق الحياة..
هل بوسع الفكرة ان تنقذ الانسان؟
الفيلسوف انسان..يضعف..يفشل..ينهار..قد يجن ايضا،فذاك جزء من كونه انسانا
والافكار في نهاية المطاف.. افكار،قد تتكوم في جانب من الذاكرة الى ان تنسى، و قد تتمازج مع غيرها الى ان تتغير معالمها تماما..
هل الافكار محايدة الى هذا الحد ام انها عاجزة عن انقاذنا؟
انظر الى كل شيء ملموس حولي وانا موقنة بأنه بدأ بفكرة في ذهن احدهم..
انظر الى العالم وانا موقنة بان للافكار سحرها عليه
الافكار فقط هي ما يجعلنا نستوعب العالم فنمنعه من استيعابنا
بالافكار فقط نسعى الى تعلم لغة الوجود فنجد من الالسن بعدد شعوب الارض
بالافكار فقط نتعلم لغة الاشجار و الجبال ونجوم السماء
وحدها الافكار من يقودنا الى تعلم السمفونية
تلك التي تنبع من اعمق مكان في انسانيتنا و تصدح بلحن الحياة الى ابعد مكان في الكون
فلماذا لا تحمي الافكار الحكيمة اصحابها من الانهيار؟

الأربعاء، 19 نوفمبر 2014

لعبة الموت

                                            


كتب فرويد ذات مرة ان الموت لا يكون له معنى بالنسبة للاحياء الا في زمن الحرب..فالناس يموتون بالجملة..يموتون فعلا..ولا يعود بامكاننا تجاهل الموت او وضعه على الرف..
ربما انت مثلي، تتذكر هذا الكلام فجأة وانت تتأمل عالم اليوم..انت مثلي ترى الجثث منتشرة هنا وهناك، تزف اليك انباء عن سبيها..تشريدها..تعذيبها..والاجهاز عليها : الحياة لم تعد مقدسة،و ربما في تاريخ البشر لم تكن يوما كذلك..
ربما انت مثلي تجلس باسترخاء و تتابع على شاشة حاسوبك او محمولك كيف يساق الناس الى موت محتوم..هل لاحظت ان وجوههم لا تقول شيئا؟ وجومهم لغز محير، اي حكمة انكشفت لهم وهم على بعد خطوة من مغادرة دنيا الاحياء؟ هل سمعت كلمات الاستعطاف الضعيفة التي ندت من احدهم مخاطبا جلاديه؟ كلماته لن تغير من مصيره شيئا،لا احد يفهم لم نطقها، لا هو نفسه،و لا جلادوه، ولا انا ولا انت..
انا..انت ..وغيرنا، نحن الجمهور نفسه  الذي اكثر من مشاهدة افلام الاكشن. تعود الا يهتم باحصاء الضحايا الذين يسقطون خلال الفيلم، في مشهد المطاردة حيث تنقلب بضع سيارات و تحدث اخرى فوضى عارمة في سوق للخضار، او مشهد التفاوض مع الأشرار حيث يقدم هؤلاء على اعدام بعض الرهائن بدم بارد لاقناع المسؤولين بجدية مطالبهم،كل هذا تمحوه سعادتنا بالتئام شمل اسرة البطل و... انقاذ كلبهم في النهاية..
نحن حشود لا تملك غير مشاعرها،تتعاطف مع الضحايا و تكره المعتدين،ثم تضغط على الزر لتغيير القناة و تتابع اعمالها اليومية بدون اكتراث.
نحن جمهور قسري للعبة الكترونية ضخمة ابتلعت الكوكب منذ زمن بعيد، بعيد لدرجة انه لا احد يتذكر متى بدأت الحكاية..ولا احد يستطيع التأريخ لها
على الطرقات يختار الناس مركباتهم و يضغطون على الدواسات، بسرعة جنونية يتجاوزون كل شيء أمامهم..ما قيمة سيارة لا تمتحن قوتها على الطرقات كل يوم؟ ليس المهم في اللعبة ان تصل الى خط النهاية ولكن ان تصل بسرعة اكبر ومهارة اكثر وحماسة أعلى..كل السر في ان تغازل الموت المرة تلو الاخرى..و تفلت في كل مرة..
فقط عندما يدوي صوت الارتطام ويصم مسامعك، وقبل ان تجد وقتا للانتشاء بحماستك،ينتهي كل شيء، يغازلك الموت هذه المرة..و يمضي..تنظر من بين دمائك الى اشلاء الاشخاص والاشياء حولك، لا زلت حيا،نعم، لكن ما قيمة الحياة عندما تفقد كل شيء آخر؟ انتهت اللعبة.
حسب المزاج، يختار المقاتلون اسلحتهم أولا وقضاياهم بعد ذلك، في عالم الارقام هم جزء من لعبة ثلاثية الابعاد، يدمرون بعض المباني، يفجرون بعض المركبات،يسفكون بعض الدماء و هم يرددون جملا رتيبة..  كل تقدم على ارض اللعب يعني اننا نجحنا في الانتقال بوحشية القتل الى مستوى أعلى...
من مكان ما، يوقفون اجهزتهم متثائبين، يقصدون  فراش نومهم في ملل، ينامون  هادئي البال والضمير، غدا سيجدون وقتا للتسلي باللعبة من جديد..
لكن ارواح من قضوا نحبهم في كل الحروب  تطوف حول أَسِرتهم في ضياع..تئن  مستغربة:لماذا لا يدرك هؤلاء معنى الموت؟ أليس الموت ما يعطي - بشكل جدلي- للحياة معنى؟
انت وانا يمكن ان نفهم لماذا؟ لقد راقبنا طويلا جدا كل ما يجري..طاف الموت قريبا منا..اخذ احباءنا، رأينا  العدم الذي يخلفه الموت على الوجوه، رأينا عيونهم المحبة وقد انطفأ بريقها فأصبحت تحدق في اللاشيء ولا تفصح عن شيء، اجسامهم التي ضجت يوما ما بالحياة وقد صارت شيئا باردا لا يكترث لمن يولول او يشتاق..

انت وانا ندرك اننا –شيئا فشيئا – بدأنا نفقد هذا أيضا..هذا المعنى الصارخ لأن يموت انسان بيننا..فالانسان يموت فينا كل يوم.. يطوف الموت قريبا منا كل يوم دون ان يصلنا  اي معنى..صرنا اشبه بقطيع ضخم مستسلم بشكل تام لحتمية انتقاء وحشي لا يبقي غير الاقوى والاكثر فتكا..وليس الاصلح بالضرورة..