الجمعة، 4 مارس 2016

ما هي خياراتنا؟


 
يحل بعد أيام  الثامن من مارس الذي يوافق اليوم العالمي للمرأة، وهو اليوم الذي تتوقف عنده الملايين من النساء عبر العالم لتقييم ما أحرزنه من نقاط في مرمى عالم لطالما كان ذكوريا و لا يزال في العديد من المناحي.
سيكون من التجاوز اعتبار النساء شريحة واحدة منسجمة المطالب و التطلعات،قطعا تريد كل واحدة منهن واقعا أفضل، لكن كيف للمرأة أن تحدد الواقع الأفضل دون تتلون رؤيتها لهذا الواقع برواسب التنشئة الاجتماعية الذكورية تارة، أو-على العكس من ذلك- بالثورة على كل ما تعتبره إرثا ذكوريا تارة أخرى؟
عندما تتساءل المرأة عن الخيارات الممكنة فذلك يعني في المقام الأول التعبير عن وعيها بحريتها، تلك الحرية التي تملكها بحكم طبيعتها ككائن إنساني، لذلك يبدو من غير المقبول في القرن الواحد والعشرين أن تفرض على المرأة خيارات ضيقة،او تحرم من نفس الفرص التي تتاح للرجل لمجرد كونها امرأة، وربما يكون هذا هو المبدأ الذي يقوم عليه جعل مطلب المناصفة شعارا لليوم العالمي للمرأة للعام 2016 انسجاما مع الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة المحددة من طرف هيئة الأمم المتحدة لعام 2030، لكن تحقيق "تناصف الكوكب" بحلول هذا التاريخ يحتاج إلى مؤشرات إجرائية لتتبع وتقييم ما تم انجازه، لهذا السبب تصبح الأرقام التي تشير إلى التمثيلية السياسية للنساء في البرلمانات و المجالس المنتخبة وتلك التي تعبر عن التمكين الاقتصادي للنساء ذات أهمية قصوى بالنسبة للأطراف المعنية من حكومات و هيئات حقوقية محلية و دولية، هذه الأطراف التي تعنى أيضا بمناقشة تدابير الحماية القانونية التي يمكن أن تتخذ لمحاصرة أشكال العنف الممارس في حق النساء.
نقاش آخر يتعلق بحرية المرأة في التمتع بجسدها وفق ما تمليه إرادتها الخاصة، و يتسع النقاش ليتجاوز الحديث عن الحق في الإجهاض و ممارسة الجنس خارج مؤسسة الزواج إلى الحديث عن حرية اختيار الشريك (ة) او حرية ممارسة الدعارة.
على هذا الكوكب إذن وفي الزمن نفسه تعيش نساء بمطالب تعود إلى أزمنة مختلفة، فمنهن من تعيش تحت الحصار في مناطق النزاع المسلح وتنجب للحرب وقود رحاها من بنين و بنات،وتفقد أحباءها كل يوم بالجملة، وتصرخ منادية بالسلام كما فعلت النساء قبل نحو قرن في روسيا (1917) ليضيع صوتها تحت القصف.فمن يحميهن من هذا العنف؟
ومنهن من يطالها الفقر بكل أشكاله، فقر المعيل، وفقر أخلاقه، فقر مخططات التنمية و فقر عواطف الدولة تجاه المنسيين من أبنائها، بوسع الواحدة منهن أن تعبر للأمم المتحدة عن تحقيق المناصفة التامة بينها وبين الرجل في ذلك الدوار المنسي، فكلاهما يعاني التهميش و الجهل والإهمال على قدم المساواة، وقد تطالب بمقابل ذلك بنفس حظوظ أختها في المدينة: نفس الفرص في الاستفادة من خدمات التعليم والصحة والعمل (على علاتها ومساوئها). فهل يعبر عنهن مؤشر التمكين الاقتصادي؟
من نساء هذا الكوكب من تحارب من اجل انتزاع نصف المقاعد في البرلمانات و المجالس ليقلن للرجال بكل قوة: "نحن هنا" و منهن أخريات  يعملن في هدوء لخلق عالم أفضل بعيدا عن عدسات الكاميرات و أرقام الإحصاءات. من بين هؤلاء وهؤلاء، النساء الحقيقيات فقط من يحفلن بالإجابة عن السؤال : "ما تأثيرنا؟" عوضا عن سؤال : "كم نمثل؟"
من نساء هذا الكوكب من تعتبر الأمومة خيارا، ومنهن من تعتبرها قيدا، منهن من تعتبر العمل المأجور فرصة للتحرر، ومنهن من اكتشفت فيه بشاعة وجه آخر للاستلاب و العبودية للزوج أو الأقارب، منهن من ترى جسدها صفحة عمومية  لتدوين بياناتها الثورية، ومنهن من ترى فيه جزء من وجودها غير القابل للاختزال كشيء.
بعض من نساء هذا الكوكب قلقات..وهنا على الأقل نقطة التقاء مسارين يبدوان مختلفين..القلق يسكن عددا من النساء التائهات والرجال التائهين، وهو فضاء لا يسكنه إلا هؤلاء تحديدا، فهو لا يقدم الإجابات جاهزة، وهم لا يقنعون بالجاهز، فيه الكثير من الأسئلة وهم يحبون طرح الأسئلة، تبنى فيه الخيارات بكل روية وهم مستعدون لأخذ الوقت الكافي من أجل بناء خياراتهم.
"ما هي خياراتنا؟ " يقول الجميع رجالا و نساء.. عندما تطرحين هذا السؤال تكونين بذلك قد خطوت الخطوة الأولى على درب الوعي بحريتك والتصرف على أساسها،على أساس ان هناك دوما خيارات أخرى.
فأن تكوني ضد العنف لا يعني بالضرورة أن تمارسي العنف المضاد.
أن تكوني ضد الهيمنة الذكورية لا يعني أن تؤسسي لهيمنة انثوية.
أن تكوني على وعي بحقوقك لا يعني ان تلوحي بها فقط للتملص من واجباتك.
أن تكوني امرأة لا يعني أن تكوني رجلا آخر او نقيضا للرجل، بل يعني ان تكوني ذاتك وحسب.
تذكري ان الخيارات المتوفرة لا تصنع منا ما نكون عليه، بل نحن الذين نصنع باستمرار خياراتنا في ظل هذه الوضعية او تلك.
تذكري أن توفري لنفسك شروط الاختيار ومن ثم التحرر، أتمي تعليمك حتى لو كنت تنوين الاستقرار في البيت و رعاية الأبناء، ابقي نفسك دوما على اطلاع بما يستجد حول مجالات الحياة اليومية من أفكار ومعارف وتقنيات.قبل قرون اعتقد فرانسيس بيكون أن "المعرفة تحكم في الطبيعة"، واليوم صرنا نعلم جيدا ان المعرفة تأشيرة للاستقلالية، تحرر من استغلال الآخر والتبعية اليه سواء كان هذا الآخر فردا أو جماعة.
تذكري أن كل حكايات الهيمنة و العنف و الإقصاء بدأت بشكل ما من منازلنا، ان كنت تثمنين وجودك كأنثى بما فيه الكفاية، ستحرصين على تصحيح كل السلوكات الميزوجينية، و تكسير الصور النمطية التي تقوم عليها، ستجدين الطريق الى الخطاب الحر الذي لا يقبل التبخيس ولا يمارسه، ازرعي الكلمات في نفوس من حولك واسقيها بإيمانك واصرارك  ثم انتظري بثقة حلول الربيع.





الثلاثاء، 16 فبراير 2016

الشيء الجميل الممتع




تتعرض النساء للتعنيف،ليس هذا بالأمر الجديد، فمنذ فجر التاريخ بدت النساء من بين الحلقات الأضعف في المجتمعات البشرية، و وجد الكثيرون طريقا للنضال في تخليصهن من أشكال العنف المادي والرمزي التي يكن ضحية لها بشكل أو بآخر.
من الصعب أن نحاصر إشكالية العنف ضد النساء دون الغوص في مسبباتها ومن الأصعب ان نفصل في تلك المسببات بين ما هو نفسي وما هو بيولوجي وما هو محض ثقافة.يمكن للمناضلين من اجل حقوق النساء ان يتحمسوا في تصوير المرأة و كأنها الكائن الوحيد المستهدف بالعنف في المجتمع،لكن موقفا كهذا يتجاهل حقيقة واضحة تنطق بها نشرات الأخبار في كل حين: نحن نعيش في عالم يسوده العنف و يختار البعض فيه استعمال القوة من أجل إخضاع البعض الآخر.لماذا؟ بكل بساطة لأنهم يستطيعون ذلك.
أحيانا كثيرة لا يقلقنا العنف إلا إذا صار صارخا، فمشهد رجل يعنف زوجته (أو زوجته السابقة) على الملأ بشكل وحشي يصدم الكثيرين خصوصا ممن اعتقدوا أن تغيير القوانين يمكن ان يكون رادعا نهائيا ضد السلوكيات العنيفة، والحال أن القوانين على أهميتها القصوى لن تمنع دوما حقوق النساء من الانتهاك.كيف بوسع القانون ان يمنع تحول الزوج من رجل محب يخطب ود المرأة و يتعهد برعايتها إلى وحش ضار يكيل إلى جسمها الضربات كما لو كان في نيته إنهاء حياتها؟
من الواضح ان علاقة تنتهي بهذا القدر من العنف لم تكن قائمة من الأصل على أسس سوية، الأمر أشبه باستخدامك لأداة ما لمدة من الزمن ثم عندما يحدث خطب ما تسمح لنفسك بالانفجار غضبا ثم تحطيمها بحجة انها "عْكْسْتْ !!"
ينزع العنف  صفة الإنسانية عن الشخص المعنف (بفتح النون) و يجعل منه مجرد شيء، هذا التشييء هو ما يوهم العنيف على ان بوسعه ان يفعل ما يحلو له، و يجد دوما مبررات لفعله: "كنت غاضبا جدا" "لا تفعل ما أطلب منها" ، "تتحدى أوامري" ،اذا اقتنيت آلة ما فإنك تفكر انها صممت لإرضائك ولن تتوقع أو تسمح لها بأن تشتغل على هواها و يكون بوسعك في كل وقت ان تستبدلها بأخرى او تبيعها او تتركها في ركن مهمل من البيت.
قد يبدو هذا تشبيها فجا، لكن العديد من الرجال يتعاملون مع نسائهم وفق المبدأ الذي يسمح لإنسان  بأن "يستخدم" إنسانا آخر فالمسألة بعيدة كل البعد عن تأسيس شخصين لعلاقة إنسانية، و يمكن -بالمناسبة -للمرأة أيضا ان تمارس هذا النوع من التشييء والعنف في حق الرجل.
قصص العنف الزوجي قد تنسج في واقع التفقير و التهميش، هذا الواقع هو بحد ذاته عنف  يمارس في حق شرائح اجتماعية كاملة تحرم من فرص العيش الكريم و تفرض عليها خيارات ضيقة، لكنه لا يفسر لوحده إقدام بعض الأزواج على إيذاء شريكاتهم، لأن العلاقات الإنسانية السوية لا تتقوى بالظروف المادية  وحدها ( وإلا لكان الأزواج الميسورون تلقائيا أسعد من غيرهم وهو أمر غير واقعي) ،فكون العلاقة إنسانية هو تحديدا ما يجعلها غير قابلة للاختزال في البعد المادي للأخذ والعطاء، بعبارة أوضح، عندما تختزل المرأة في مقدار شبابها وجمالها أو مهارتها في تدبير المنزل أو حتى مقدار ثرائها... فإنها لن تكون أبدا طرفا في علاقة سوية ، تماما مثل رجل يختزل في مقدار شبابه أو وسامته أو سعة إنفاقه أو مكانته الاجتماعية أو غيرها...عندما لا ترى في الآخر إلا ما يمكنك الحصول عليه منه تسقط في العلاقة التشييئية التي تتيح لك فورا ممارسة العنف متى عن لك ذلك، فأنت لست إزاء إنسان يمتلك من الكرامة والقيمة  قدرا مساويا لما تملك أنت نفسك، بل إزاء شيء يفترض به إرضاؤك وإلا فلم الإبقاء عليه؟
قد ينتهي هذا النوع من العلاقات غير السوية بمشهد عنف وحشي، و قد يثمر ظواهر أخرى لا تقل عنفا رغم أنها أقل إقلاقا للشعور الجمعي على اعتبار ان الضرر منها أقل ( ولكن هل هو كذلك فعلا؟ !)، تعرض المرأة على أنها "الشيء الجميل الممتع" في الإعلانات و الأفلام، و تساهم دور الأزياء و شركات التجميل في ترسيخ هذه الفكرة لدرجة تتماهى معها المرأة نفسها فتجتهد طوال الوقت في ان تكون "النموذج الجميل و الممتع" الذي يتحدث عنه الجميع، وهي مستعدة في سبيل ذلك لتغيير ما يلزم تغييره من تفاصيل جسمها و عاداتها الغذائية واليومية بما قد يعرض صحتها الجسدية و النفسية للخطر أحيانا وغايتها أن تكون "شيئا جميلا و ممتعا" بالنسبة إليه. لكنه ليس مرشحا دوما لأن يكون شريكا حقيقيا، إذ بما أنها صارت "شيئا جميلا"  ،وصار هناك الكثيرات جدا مثلها، فقد يصير هو تلصصيا او متحرشا، فهو يمتلك كل امرأة تقع عليها عيناه، لمجرد انه دفع ثمن فنجان في مقهى على رصيف الشارع العام.
تستوقفني في كل مرة كلمتان وصف بهما الله سبحانه و تعالى العلاقة بين الزوجين: المودة و الرحمة، المودة ليست ذلك العشق الذي تفقد نيرانه توازن المرء ثم تخبو جذوته كأن لم يكن يوما، المودة كزخات مطر خفيفة تسقي الأرض على مهل،هي بالضبط  ذلك المقدار من الدفء الذي تحتاج إليه لكي تطمئن في كل حين على استثمارك لسنوات الشيخوخة، أما الرحمة وهي من صفات الرحمن عز و جل، تجعل كل طرف يرحم اختلاف الآخر، يرحم كبواته، و يرحم ضعفه متى ضعف، فيكون سندا له.
هذا المثال Idéal   قد يتحقق على أرض الواقع احيانا، ولكن أحيانا كثيرة نضل طريقنا إليه، يمكن بسهولة ان يجد المرء منا نفسه ضحية لعنف الآخر، وقد نجد انفسنا مرتكبين لهذا العنف، إذا كان الخطأ جزء من تركيبتنا كبشر، فإنه لا ينبغي ان نضل بأي شكل الطريق الى أنفسنا، وكلما كانت طريقنا الى ذواتنا واضحة، كلما استطعنا ان نختار الصواب متى وجدنا أنفسنا في مواجهة العنف.
لا أحد محصن بما يكفي ضد العنف، يكفي ان تتزعزع ثقتكِ بقيمتكِ لسبب من الأسباب،فتشرعين في تبرير سلوكاته و تلومين نفسك عليها،ثم يتحول عنفه اللفظي الى تهديدات، فلا تلقين لها بالا، ثم سرعان ما يشرع في ممارسة العنف الجسدي، فتسامحين لأنها المرة الأولى ثم لأنه كان غاضبا ثم لأنه كان نادما..في لحظة ما يكون عليك ان تعترفي لنفسك ان العلاقة غير سوية عندما تجدين مؤشرات حقيقية على أنها كذلك، وعندها يكون عليك ان تختاري طريق الخلاص، وقد يمر طريق الخلاص بالنسبة الى امرأة معنفة بممارسة العنف المضاد في حق الرجل، و يتطلب الأمر امرأة حرة، امرأة حقيقية لكي ترفض العنف دون ان تسقط في ممارسته.
تذكري الا تضيعي الطريق الى تلك المرأة الحرة.


الخميس، 14 يناير 2016

ذات أرق

"ما تما معنى" يقول المغاربة
"حيث لا معنى ، لا حياة" عبارة قيل انها كتبت على جدار البرلمان الكندي.
هل هذا المعنى يكون معطى و جاهزا و ما علينا الا اكتشافه و تملكه بهذا الكشف؟
ام انه انجاز و نتيجة لجهد بشري محكوم بالنقصان و المحاولة والخطأ؟
معادلة بسيطة: مع كل معنى نحققه هناك حياة ممكنة
يبدو الانسان كائنا قلقا، كائنا عاطفيا و حساسا وهو يقف مطولا امام اسئلة من قبيل: من اين اتيت؟ وما هو مصيري؟ وما بين الاصل و المنتهى ما الاجدر بي ان افعله؟
اتأمل جرحا يلتئم على ذراعي و افكر ان بعض الحقائق بسيطة و مبهرة،لا شك ان النظام الذي يجعل جرحي يلتئم تلقائيا كامن في كل شيء آخر، و هو قطعا من تدبير عقل اكثر ابهارا وتنظيما..هذه على الاقل حقيقة ذات معنى تجعلني اطمئن..
لو حصل الانسان على اجوبة لكل اسئلته العالقة هل كان قلقه ليختفي؟هل مشكلته بالضرورة مشكلة معرفة؟
ام مشكلته ما يفعل هو وما يفعل غيره بما يعرفه؟
الألم و بؤس الحياة يدفعنا للتفلسف كما يقول شوبنهاور، مرة اخرى يكون الشقاء هو الثمن الذي ندفعه لقاء المعنى، لقاء حكمة ما تجعل الحياة ممكنة..

الأربعاء، 13 يناير 2016

الكرامة شأن حكومي

بضع ملاحظات للتفكير بصوت عال:
- يتم تعنيف المحتجين بشكل دموي في مدينة انزكان و في اليوم الموالي يحل وزير العدل الرميد في مدينة اكادير لحضور اشغال ندوة حول استقلال القضاء، وحسب ما نشرته بعض الصحف طلبت الوالية زينب العدوي من الرميد الاجتماع بمجموعة غاضبة من الاساتذة المتدربين الذين كانوا هناك اثناء الندوة
- تصريحات لمسؤولين مختلفين (من بينهم رئيس الحكومة) تفيد تارة بعدم علمهم بتعنيف المحتجين وتارة اخرى بدعمهم لقرار المنع
- تصريح لوزير الداخلية اكد فيه ان قرار المنع تم باتفاق مسبق مع رئيس الحكومة
- تصريح لرئيس الحكومة امام مجلس المستشارين يقسم فيه انه لم يكن على علم بتعنيف المحتجين لكنه يتحمل مسؤولية ما حدث
- بثت القناة الثانية في نشرتها المسائية تصريح وزير الداخلية دون اي اشارة الى تصريح رئيس الحكومة.
لدي اعتقاد ان رئيس الحكومة لم يكن في الغالب على علم بتعنيف المحتجين ( موافقته على منع التظاهر لا تعني الموافقة على التعنيف لان المنع يمكن ان يتم بطرق مشروعة بعيدة تماما عن التنكيل)
يحاول رئيس الحكومة في دعمه لرجال الامن ان يحافظ على تماسك بيته الحكومي وقد ذكرني كلامه الموجه ل "سي حصاد" (ولا ادري الى اي حد تجوز المقارنة في هذا السياق) بخطاب مطول للرئيس المصري السابق محمد مرسي وهو يوجه كلامه لعناصر الجيش: "عندنا في الجيش رجالة زي الذهب..." وكان في الصف الامامي من الحضور الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي وكان وزيرا للدفاع انذاك، كان يجلس في ثقة وعلى وجهه ابتسامة ذات معنى، فكرت في نفسي ساعتها ان مرسي يحاول المهادنة لكن شيئا ما اخبرني ان ذلك لن يفيد بشيء، و بالفعل لم يفد بشيء لانه في واقعة غريبة يقبل وزير الدفاع على ازاحة الرئيس المنتخب و يزج به في السجن ليحل محله لاحقا.
يحاول عبد الاله بنكيران المهادنة، ولسان حاله و وزراء حزبه "نحن نحاول الاشتغال في ظروف ممانعة شرسة، لا يمكن ان تكون الملفات الحقوقية اولوية بالنسبة الينا في الظرفية الراهنة"
لذلك في واقعة غريبة اخرى يصدر قرار بتعنيف دموي للمحتجين ينفذه رجال الامن و يصرح رئيس الحكومة بعدم علمه به.
ان يتحمل مسؤولية ما حدث ستعني في الغالب ان يتحمل غضب و شتائم الجماهير و يتلقاها بصبر لان خيار فتح تحقيق و تقديم المسؤول عن تعنيف المحتجين للعدالة لا ينسجم مع خيار المهادنة
ان كان القصد هو احراج الوزراء الملتحين وشحذ الغضب الشعبي ضدهم فالامر ينجح تماما، لان الناس لن يتفهموا -وهذا حقهم- كيف يتم تعنيف مواطنين مسالمين بشكل وحشي ثم يتصرف ممثلوهم الذين وصلوا الى المناصب الحكومية باصوات الناخبين بشكل سلبي كما لو ان دماء الضعفاء كرامتهم ليست شأنا حكوميا.

السبت، 9 يناير 2016

في الحاجة الى الأمل...



أتعلمون أني أحب عملي؟
لست من الاشخاص الذين تقول عنهم النكتة انهم يبدأون يومهم بدعاء الذهاب الى العمل: "الله ينعل بوها خدمة !" ، لا، قد يحدث أن أتذمر أحيانا، لكني لا ألعن اليوم الذي شاءت لي فيه الأقدار أن أكون أستاذة ،و لو انه لم يكن اختياري في البداية، فقد أصبح شغفي في النهاية.
لذلك، أجل أنا احب عملي
أستمتع كل سنة بتأمل تعابير التلاميذ، وهم يفكرون، و هم يبحثون عن كلمات تحتوي أفكارهم و تجعلها تطير بحرية المحاولات الاولى، وهم يتلعثمون ثم وهم يضحكون من أخطائهم...
مثل عدد من زملائي الأساتذة، لم يتأثر حبنا للعمل بكثرة الأقسام التي ندرسها، يمر على الواحد منا في الاسبوع الواحد ما يعادل العشرة اقسام او أقل بقليل، في كل منها اكثر من اربعين تلميذا في الغالب، لا يمكننا حتى تذكر ملامح تلاميذنا فمابالك بتذكر أسمائهم..لكن حصصا اسبوعية سريعة تكفي لكي تصنع علاقات إنسانية رائعة هي في العمق ثروتنا الحقيقية التي نراكمها من مهنة التدريس في صمت لكن في رضى تام..
عندما لا تكفي الحصص الرسمية لإنهاء المقررات،يخصص البعض منا حصصا إضافية من وقت فراغه و راحته لإنهائها.. تعويضاته الحقيقية يحصل عليها و هو يبحث بلهفة الأب او الأم في لوائح الناجحين عن أسماء تلاميذه ثم يهنئهم بكل اعتزاز كما لو كان هو الناجح لا هم..
نقرأ على مسامع تلاميذنا مقاطع من رواياتنا المفضلة و من قصائد ألهمتنا، و نحن نعرف اننا نبدو بمظهر "غريبي الأطوار"  بالنسبة إليهم، لكننا نقرأ رغم ذلك و كلنا أمل أن ننقل إليهم عدوى المطالعة في مجتمع أكسبهم مناعة قوية ضدها..
نرسم و إياهم  بريشة الافكار ملامح مستقبل ممكن، نعزف ذات اللحن الذي جمعنا اليوم في المدرسة العمومية، و يجمعنا دوما تحت سماء الوطن.
نستمع الى حكاياتهم عن عالم نعيش فيه و إياهم لكنه يفيض بعبثية و جنون أكثر مما يحتمله درس فلسفي، و أكثر قطعا مما تحتمله قلوبنا المتعبة و قلوبهم الغضة، ثم ترى الواحد منا كبهلوان يلهو بالقبعات فتارة يضع قبعة الأب او الأم، وتارة قبعة الصديق، وتارة قبعة الاستشاري النفسي، ثم تسقط جميع القبعات عن رأسه عندما تفلت خيوط الحكايات من بين يديه و تتشابك فلا يدري أين بدأ وأين ينتهي..
كل ذلك أضحى روتيننا اليومي..نتذوق من الكأس و نستطيع بحكمة ما ان نتلذذ بالحلاوة فيها دون ان نلقي بالا لمرها.
لو سئلنا عن رأينا لطلبنا مناهج عن التفكير لا عن اجترار الأفكار، و أقساما لا يتجاوز عدد تلاميذها الخمسة و عشرين تلميذا، قاعات أوسع للمطالعة و خزانات كتب أغنى و بمحتوى أفضل، لطلبنا خبيرا نفسيا و برنامجا محترما للعلاج من آفة الإدمان في كل مؤسسة تعليمية...لطلبنا...
لو سئلنا عن رأينا لطلبنا الكثير من الأشياء الأخرى، لكن لا احد يهتم برأينا حتى و لو كان لنا رأي، و يكررون على مسامعنا دوما ان موارد الدولة لا تكفي.. سمعنا هذا لدرجة اننا كدنا نتوقف عن الحلم و التمني..
عندما يقف الواحد منا امام ما يقارب الخمسين مراهقا، منهم فئة مقلقة راكمت تعثرات دراسية بالجملة، بدءا بالمهارات اللغوية البسيطة الى  المهارات التحليلية المركبة، عندما يقف الواحد منا، كل يوم، يمتح طاقة كلماته من الإيمان بجدواها، يفلح بكثير من الجهد في إقناع عدد منهم بجدوى العمل، وجدوى الامل، بإشراقة أفق ممكن ببعض الاجتهاد..ينهي تلاميذه حصصهم و تبدأ دروس العالم الواقعي، حيث يغتني لاعبو الكرة في أفق تسديدة واحدة، وتصبح المغنيات ملكات ب "آه يا قلبي" و فستان أقصر من كعب حذاء الواحدة منهن، تردد على تلاميذك جملا من قبيل "المال ليس اهم شيء، افعل شيئا يجعل مجتمعك يعترف بكفاءتك" ثم تكرم مغنية في نفس السنة مرتين فيما يتم تجاهل الكفاءات العلمية الحقيقية، تعاند و تقول لتلاميذك "اشتغلوا بجد أكثر  درجاتكم العلمية سترفع من حظوظكم وتفتح لكم افقا لحياة أفضل" ثم تشعر بالغبن وأنت ترى خيرة من تلاميذك السابقين و قد اجتازوا اختبارات الولوج الى كلية الطب يتشردون في شوارع المدن طويلا قبل ان يتم التحاور بشكل جدي حول مطالبهم المشروعة، بالكاد تنسى ذلك لكي تفاجأ بتدخل عنيف و همجي في حق أساتذة متدربين كل ذنبهم احتجاج سلمي حول مطالب مشروعة...
لو سئلنا عن رأينا لقلنا وظفوا المزيد منهم لكي تكون أعداد التلاميذ في القاعات معقولة بما يسمح بتدريسهم لا "حراستهم"..
لو سئلنا عن موقفنا لقلنا بدهشة الاطفال اننا لن نستوعب أبدا أن يجلس الأشخاص بأريحية على كراسي مكاتبهم الوتيرة و يعطون أوامر بالضرب و الرفس و تكسير عظام مواطنين مسالمين...
لقلنا بوعي البالغين ان المسؤول عن ذلك يجب ان يقدم للمحاكمة و يحاسب حتى ننتهي من زمن "الحكرة" المقيت هذا...
لكننا عندما ننتهي من قول كل ذلك، نعود الى عملنا بشرخ عميق في أرواحنا، ماذا تركوا لنا كي نؤمن بجدواه؟ كيف بوسعنا ان نضيء شموع الامل في طريق تلاميذنا و هم يطفئونها الواحدة تلو الاخرى؟ وهم يغرقوننا في عتمة الظلم...
و احلامنا تحتضر بين امواج طغيانهم ...
و برُ أمانِنا منهم مؤسساتٌ لا تطؤها أقدامنا الا لكي تتهاوى قصورها الرملية فوق رؤسنا كالخديعة..
نعود الى عملنا لكي نتذوق من الكأس..و بحكمة ما نستطيع ان نستمرئ ما نشربه حتى لو غدا بطعم اللامعنى..

الأربعاء، 11 نوفمبر 2015

الإرث و مطلب المناصفة



يعد النقاش المطروح حول المناصفة في الإرث من المواضيع المثيرة للجدل في أوساط الرأي العام المغربي، و الحقيقة أننا - قبل اتخاذ أي موقف  بشأن توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان- بحاجة إلى ترسيخ ثقافة الحوار الهادئ و الابتعاد عن اختلاق معارك شرسة بصدد كل شيء و أي شيء. إن الجهد الذي نبذله في سبيل الدفاع عن موقف جاهز يمكن ان نصرفه في تجميع المعطيات الكافية التي تسمح لنا  بترجيح موقف على حساب آخر وبشكل موضوعي ودون تهافت،لهذا فالمقال التالي يدعو قارئه الكريم الى التفكير في السؤال التالي: هل نملك من المعطيات ما يجعلنا متأكدين من خوض النقاش السليم و اتخاذ الموقف السليم؟
يمكن للمواطن العادي ان يلاحظ ان النقاش الحالي حول الإرث يتقاطع مع مواضيع أثيرت ولا زالت تثار ( من قبيل النقاش حول الحرية الجنسية، الاجهاض،حقوق المثليين...الخ) ونقطة التشابه هنا هي في كون كل تلك القضايا تسائل ما يعتبر بالنسبة للمغاربة (أو على الاقل بالنسبة لشريحة منهم) مرجعية دينية، قيمية و أخلاقية، فهي – وخصوصا فيما يتعلق بالإرث – تقترح تعديل (أو تجاوز) ما تشرعه نصوص قرآنية قطعية و صريحة، لهذا السبب تستعر المعارك سريعا بين فريقين أحدهما يدعي تمثيل الحداثة و الآخر يدعي الحديث باسم التراث وثوابت الأمة الدينية، و هي معركة استقطاب تضيع على الجميع فرصة النضال جنبا الى جنب من اجل انتزاع المزيد من الحريات السياسية و المطالب الاجتماعية المشتركة.
إذا كان هذا النقاش آت لا محالة،فهل توقيته مناسب لا سيما انه يخلق من الخصوم (الفكريين في أحسن الأحوال) أكثر مما يقدم من الأجوبة؟
هل نملك معطيات احصائية علمية موضوعية ومستقلة عن توجهات عموم المغاربة كي نحسم فيما إذا كانوا أكثر توجها نحو الخيارات "الحداثية" او انهم لايزالون شعبا "محافظا" ؟
يمكن للمرء ان يكرر مقولاته في كل الندوات و المؤتمرات،وان يدعي الحديث باسم المواطنين من منابر إعلامية متعددة، لكن ذلك لن يكون أساسا منصفا لمشروعية أي موقف. عندما نتحدث باسم المغاربة دون ان نملك معطيات دقيقة حول آرائهم فنحن نمارس نوعا من الوصاية والحجر على إرادتهم.وفي هذا الصدد ليست هناك وصاية جيدة و وصاية سيئة،هناك وصاية وهي دوما مرفوضة، لأن الطريق الآمن نحو مجتمع ديمقراطي سليم يمر أساسا عبر تمكين الناس من القدر الكافي من المعطيات التي تسمح لهم بالحكم بأنفسهم بشكل واع و مسؤول.
تستند الدعوة الى تحقيق المناصفة في الإرث على مصادقة المغرب على الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الانسان ،و بالعودة الى نصوص الشرعة الدولية مجتمعة وتحديدا اتفاقية سيداو حول مناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة ،لا نجد ما يمكن الاستناد عليه بشكل موضوعي للقول بتعارض التقسيم الشرعي للإرث و البنود المنصوص عليها في هذه الاتفاقيات، ففي المادة الاولى من اتفاقية سيداو تعريف للتمييز على انه كل "تفرقة او استبعاد او تقييد يتم على أساس الجنس و يكون من آثاره أو أغراضه النيل من الاعتراف للمرأة على أساس تساوي الرجل والمرأة بحقوق الانسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية و الثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر،أو إبطال الاعتراف للمرأة بهذه الحقوق او تمتعها بها او ممارستها لها بغض النظر عن حالتها الزوجية" بينما تذهب باقي مواد الاتفاقية الى تأكيد المبدأ الأساسي في سيداو وهو المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات،مع الاعتراف لها بحقوق استثنائية خاصة بوظيفة الامومة.
ولا يمكن القول بشكل موضوعي إننا بصدد وضع تمييزي،فالمرأة في نظام الإرث الإسلامي لها الحق في الإرث بشكل مساو للرجل،والاختلاف بينهما يكمن في نصيب كل منهما،وهنا تستوقفنا نقطة أساسية في الدعوة الى تحقيق المناصفة في الإرث بين الرجل والمرأة، فهل يتعلق الأمر تحديدا بالآية القرآنية: "للذكر مثل حظ الأنثيين" ؟ أم يتعلق بتحقيق المناصفة في جميع حالات الإرث؟
إذ ان الآية الكريمة تهم الذكور والإناث الذين يتمتعون بنفس درجة القرابة من المتوفى، ولا يمكن الحديث هنا عن "رجل" و "امرأة" بإطلاق،فكل منهما قد يكون من الأبناء أو احد الزوجين،أو الأبوين،أو الإخوة..إلى غير ذلك من حالات القرابة،و قد خصص نظام الإرث في الإسلام للمرأة في حالات متعددة نصيبا أكثر من نصيب الرجل (على سبيل المثال لا الحصر :قد ترث أم المتوفى ثلث التركة و يرث والده السدس،و قد يرث زوج المتوفاة الربع و ترث ابنتها النصف)، لهذا فتأسيس الدعوة الى تعديل او إلغاء العمل بالنص الشرعي اعتراضا على حالة محددة لا يبدو منطقيا ولا متماسكا، لأنها تخرج الآية القرآنية  من سياقها العام و تعطيها أبعادا تمييزية غير صحيحة وغير مبررة.
ولا اظن ان أنظمة الإرث الوضعية في الدول الغربية تستجيب لهاجس المناصفة في كل الحالات،فعلاوة على فرضها ضرائب مرتفعة على التركة في بعض الدول كفرنسا،فإنها في قوانين دول أخرى كالولايات المتحدة لا تسمح بأن يرث الأبناء من الزواج الأول أي شيء من التركة سواء كانوا ذكورا او إناثا.
يبقى المبدأ الأساسي هو حق الإرث للرجال والنساء على حد سواء،أما اختلاف ما يحصل عليه كل واحد فهو أمر لا مفر منه حتى لو تجاوزنا النص الشرعي واعتمدنا اجتهادات وضعية صرفة،تماما كما ندافع عن تمتع الرجال والنساء بالحقوق الاقتصادية نفسها،ثم نقبل دون تردد بالإجراءات التي تهدف الى حماية النساء الحوامل والأمهات، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارها إجراءات تمييزية في حق الرجال.
وبناء عليه، لا يبدو الصدام المفترض بين التشريع القرآني المتعلق بالإرث و نصوص الشرعة الدولية (لا سيما منها اتفاقية سيداو) مؤسسا بشكل منطقي، إذ ليس في مقتضياتها ما يحرج المغرب و بالتالي يلزمه  بإعادة النظر في قوانين الإرث بغض النظر عن اختلافنا او اتفاقنا حول هذا التعديل من ناحية المبدأ.
أمر آخر غير متماسك يستوقفنا في هذه القضية، وهو الاعتماد فيها على تزايد اسهام النساء  في إعالة الأسر المغربية، بحيث تصبح الدعوة الى المناصفة في الإرث اعترافا بمساهمتهن في مراكمة الثروة و بالتالي في حقهن من نصيب مساو لنصيب الرجل منها.والحقيقة ان ادعاء مماثلا فيه من الديماغوجية ودغدغة العواطف أكثر مما فيه من الحجج المقنعة برغبة حقيقية في إنصاف النساء العاملات، فالتشريع القرآني يعترف للمرأة بالأهلية القانونية للتصرف في أموالها و خيراتها بيعا و شراء،لذلك لا شيء يمنعها من حماية أموالها و تسجيل الممتلكات باسمها وبالطرق القانونية اللازمة،وعوض توعيتها بالمشاكل الناجمة عن الاستثمار في الأملاك المشتركة دون ضمانات كافية نقترح تعديل نص شرعي و حرمانها بالتالي من الاستفادة من الحالات التي ترث فيها أكثر من الرجل.
كل الملاحظات السابقة تبين أن النقاش حول المناصفة في الإرث بني في الأساس على الكثير من المغالطات، افتراض الصدام بين التشريع القرآني ونصوص الشرعة الدولية حول حقوق الإنسان، المطالبة بإعادة قراءة النص الشرعي حول الإرث بناء على اجتزاء و اختزال لمعنى آية من آياته، تحويل النقاش عن ظروف عمل المرأة و شروط الحماية الاجتماعية المتوفرة لها عند العمل، عند المرض،وفي حالة الشيخوخة الى نقاش حول نصيبها من الإرث، و الحديث باسم شعب نعرف انه يعيش تحولات عميقة لكن ليست لدينا معطيات دقيقة لقراءة اتجاهات هذه التحولات.
و بالتالي فالنقاش حول المناصفة في الارث يضعنا أمام احتمالين،الأول :سوء فهم مطلب المناصفة في حد ذاته،بما يعني سوء اختيار المعركة المؤدية الى تمكين حقيقي للمرأة و تعزيز دورها ومشاركتها في أوجه الحياة الجماعية، الثاني: جعله عن قصد سلاحا للمزيد من الاستقطاب و خلق حالة تدافع وهمي من شأنها توجيه أنظار الرأي العام عن القضايا الحقيقية و تنفيس غضب البعض في وجه البعض الآخر.






السبت، 7 نوفمبر 2015

بنشقرون في ذمة الله

أقرأ عن خبر وفاة المخترع المغربي عبد الله بنشقرون
يستوقفني للحظات خبر موت شاب في الثلاثين بأزمة قلبية ثم أقول في نفسي كل شيء محتمل
لكني اتوقف طويلا و بغصة في الروح عند حقيقة مؤلمة: هذا الوطن يستمر في عقوقه للكفاءات من أبنائه و لو كانوا بررة به، لا يهم ان غادروه مبكرا مثل بنشقرون او عمروا بما يكفي لكي يرغموه على مشاهدة بعض من قبحه في مرآة شجاعتهم مثلما فعل و بكل أصالة المرحوم المهدي المنجرة.
ستكون أيها الوطن بخير عندما تبادل أبناءك الحب والاعتزاز و الاعتراف،ستكون بخير عندما ترفع اسماء المتميزين منهم،أولئك الذين يحظون بعشرات الاعترافات من الدول الاخرى و يموتون توقا لاعترافك،يموتون دونه، يموتون قبل ان ترأف و تمكنهم منه.
انهم يموتون يا وطني،وتموت انت شيئا فشيئا في الأحياء من ابنائك،و يبقى حبك في قلوب الجميع سرياليا،تأبى أنت ان تحبهم كما يستحقون،و تأبى قلوبهم أن تحب وطنا غيرك.