الجمعة، 4 أبريل 2014

هل نحن عنصريون؟

مع تصاعد الحديث حول مناهضة العنصرية بالمغرب، يطرح التساؤل حول نزوع المغاربة الى ممارسة الميز العنصري وحدود الواقعي والمتخيل حول هذا النزوع. لذلك يقترح هذا المقال تحليل مسألة التفرقة العنصرية او الميز العنصري عبر ثلاث مداخل أساسية :
أولا البحث في الثقافة المحلية عما يمكن ان يدعم مزاعم وجود سلوك من هذا النوع لدى المغاربة
ثانيا ربط دعاوى مناهضة العنصرية بالشروط الاقتصادية والسياسية المساوقة للعداء المفترض للافارقة
ثالثا واخيرا، اثارة التفكير في مغرب بلا عنصرية سواء من منطلق التعامل مع ظاهرة موجودة واقعيا في حال ثبت ذلك او من منطلق الوقاية من شبح ظاهرة قد يعرفها مغرب غدا مفتوحا من جميع جهاته على انتماءات عرقية دينية مذهبية مختلفة..
1.     لم يكن المجتمع المغربي قط مجتمعا متجانسا تماما،فقد ضم منذ أمد بعيد شرائح مختلفة، أقليات دينية كاليهود والمسيحيين، وتشكل تاريخه طوال الوقت من تمازج بين مكونين عرقيين لكل منهما اهميته الى اليوم،ونتحدث هنا عن الامازيغ والعرب.وكان لاتساع نفوذ الدولة المغربية في مراحل متعددة من تاريخها أثر في دخول افارقة جنوب الصحراء كمكون في المجتمع المغربي خصوصا بعد تجنيدهم من قبل بعض سلاطين المغرب (كما هو شأن عبيد البخاري في عهد المولى اسماعيل).لذلك يمكن القول بناء على الملاحظات السابقة ان المغرب التاريخي لم يتشكل الا من خلال تعدد اثني وعرقي وديني لا يسعنا تجاهله.
يمكن لبعض الامثال الشعبية والالفاظ المتداولة ان تمنحنا مؤشرا لفحص مدى حضور ثقافة الميز لدى المغاربة، وبالفعل فان هناك أمثلة عديدة – مما لا يسع تعداده في هذا السياق- من الامثال الشعبية و النكت او التسميات الخاصة بالاشخاص من ذوي البشرة السمراء والتي  تعطي انطباعا بوجود صور نمطية تكرس نوعا من التفرقة العنصرية،لكن لا ينبغي الاستناد الى ملاحظات متسرعة في هذا الباب، فالقراءة المتأنية لنفس العناصر من ثقافتنا الرمزية تضعنا أمام العديد من الصور النمطية التي تهم شرائح اجتماعية أخرى : النساء، الاطفال، اصحاب مهن معينة،مدن او مناطق جغرافية بأكملها بغض النظر عن جنس او لون او مذهب قاطنيها، ولا يعني هذا القبول إنسانيا بهذا النزوع الى التنميط والاستهزاء بالاخر، لكنه يعني من الناحية العلمية أن كل ما سبق مؤشر على تقوقع الذات (سواء  الاثنية او غيرها) على نفسها  و هو انغلاق يمكن تفسيره بأسباب مختلفة منها  النزوع السيكولوجي الى الاعتداد بالذات من خلال التنقيص من الاخر، ومنها الجهل بالاخر-مع ما ينتج عنه من خوف من الاخر ايضا-  وقد زكاه في وقت من الاوقات بعد المسافات الجغرافية بين مناطق المغرب وقلة وسائل المواصلات والتواصل،اضافة الى اصطدام المجموعات السكانية من مناطق مختلفة ببعضها البعض من خلال ظواهر غير صحية كالهجرة المكثفة وما يصاحبها من امراض اجتماعية، هذا دون ان ننسى الدور الذي تلعبه وسائل الاعلام والمنتوجات الفنية في ترسيخ صور نمطية متكررة حول هذه الفئة او تلك.. لكن هذا التقوقع في جميع الحالات لا يصل  إلى درجة تهديد الامن والتعايش الاجتماعيين ، و يمكن الاستناد الى مؤشرين أساسيين للاستدلال على ذلك، اولهما علاقات المصاهرة و الزواج المختلط ، فالاسر المغربية اضحت اكثر مرونة و انفتاحا على اثنيات وانتماءات جغرافية بل وحتى دينية مختلفة بعد ان كانت لزمن طويل متشبتة بربط علاقات المصاهرة مع الافراد من نفس العائلة او القبيلة ، اما المؤشر الثاني فيتعلق بالوضعية الحقوقية والقانونية للمغاربة من ذوي البشرة السمراء    اذ لا يوجد ما يوحي بأنهم في وضعية تجعلهم مواطنين اقل حظا من غيرهم.
قد يبدو للقارئ ان المقال يناقش قضية مختلفة عندما يتحدث عن الميز في حق المغاربة من ذوي البشرة السمراء،و الحقيقة ان ما نسعى لإثباته هنا هو أنه لو كان لدى المغاربة  سلوك الميز القائم على اساس اللون لأفصح عن نفسه في مواجهات بين المواطنين البيض والسود على غرار النموذج الامريكي، والحال انه في تاريخ بلادنا لم نعرف ظواهر من هذا النوع،فإذن يجدر وضع دعاوى مناهضة العنصرية الراهنة في السياق الاقتصادي والسياسي الذي انتجها.
2.     إن وجود أفارقة جنوب الصحراء في بلادنا أمر لا يمكن لأحد تجاهله، والعديد منهم لم يعد يعتبر المغرب بلد عبور يهاجر منه بشكل سري الى اوروبا بل استقر هنا  الى اجل غير مسمى. يمكنك ان تجدهم في الاسواق الشعبية وعلى جنبات الشوارع ببضاعاتهم المختلفة، تصادف البعض منهم في الغابات البعيدة عن المجال الحضري واخرين في عمق المدن بين الازقة والمنازل،فإلى اي حد يمكن القول بوجود عدوانية من طرف المغاربة ضدهم؟
بداية لا يمكن للحديث عن التفرقة العنصرية ان يكون علميا الا بالاستناد الى معطيات احصائية دقيقة، اذ لا يمكننا الاستناد الى حالات متفرقة و إلا لجاز لنا ايضا ان نستند الى حالات اغتصاب او سرقة ارتكبها افارقة لإعلان حالة الطوارئ والقول بأن وجودهم يهدد الأمن العام، ولذلك يجب الابتعاد عن اي موقف متطرف بهذا الشأن، نعرف جيدا ان احتمالات التوجه الى الجريمة او الانحراف  تتزايد بالنسبة لاي شخص وجد نفسه بلا عمل وفي وضعية تشرد، فهو قد يلجأ الى السرقة او التسول او الاغتصاب لتلبية حاجياته الاساسية، ولا يعني هذا تسويغ هذا النوع من النزوع ولكن جزء مهما من الحل بالنسبة لاي مشكلة هو احتواء اسبابها.
ان اوضاع الحرب والظلم والقهر الاجتماعي هي ما يدفع هؤلاء الاشخاص الى عبور آلاف الكيلومترات للوصول الى بلادنا، وربما علينا ان نبذل جهدا اكبر لحماية حدودنا لكن ذلك لن يكون كافيا دون التفكير في صيغ تعاون  اقتصادي تنهض باقتصاديات دول الجوار.بهذا ينضاف ملف ثقيل اخر الى الملفات التي ينبغي على الحكومات المغربية ان تعنى بمعالجتها بكثير من الجدية، فالمسألة لم تكن أبدا مشكل اندماج او صدام اثني او عرقي كما قد يصوره البعض، فامتهان المهاجرين الافارقة لمهن مختلفة تمر من  التجارة وصولا الى الطب مؤشر على امكانية  فعلية لاندماجهم وهو ما يفنذ اي مزاعم بوجود نزوع لدى المغاربة لرفضهم، اهم من ذلك فهذا المؤشر يفسر من ناحية أخرى بعض مظاهر الاستياء التي قد تصاحب ظهورهم في الحياة العامة،ففي المغرب تعاني شرائح اجتماعية واسعة من "الحكرة" والفقر وتردي الاوضاع المعيشية، وبنظر البعض فهؤلاء القادمون الجدد ينافسون فقراء المغرب حول "رغيف الخبز".المسألة اذن ليست مسألة عرق أسود او ابيض، انها مسألة العدالة الاجتماعية الغائبة في بلدانهم وبلادنا، مسألة الاستغلال الاقتصادي الذي يجعل فقراءهم وفقراءنا في مواجهة بعضهم البعض،و مسألة هشاشة اجتماعية تفرخ التسول والسرقة والتشرد وكل الامراض الاجتماعية اينما وجدت.
3.     "التفرقة العنصرية" في المغرب ان وجدت بعض من صيغها او مظاهرها هي في تقديري طاقة غضب وسخط موجهة بشكل خاطئ الى الاشخاص الخاطئين، ولذلك فأي تفكير في مغرب بلا عنصرية ينبغي ان يأخذ بالحسبان هذا المعطى. يعترف الدستور للمغاربة بمساواتهم أمام القانون مهما كانت انتماءاتهم، وهذا الحق الدستوري ينبغي ان تعززه ممارستنا الواقعية بان ننأى بأنفسنا عن رواسب ثقافة "الحكرة" او الاستهانة بالاخر مهما بدت لنا غير مؤذية، في التسميات او النكت او غيرها.
أما عند تعاملنا مع غير المغاربة فينبغي ان نتذكر انهم بشر مثلنا يسعون الى توفير حياة افضل لانفسهم ولذويهم،لذلك غامروا بحياتهم في مجاهل الصحراء كما يغامر شبابنا كل يوم في قوارب الموت، ويشاطروننا فرص الشغل في ظل أوضاع اقتصادية مأزومة كما يشاطر مغاربتنا الاوروبيين فرص شغل محدودة في ظل ازمة اقتصادية خانقة. ليسوا أصل المشكلة وان كانوا في الواجهة..ان كان ثمة ما ينبغي التحيز ضده فهو أنظمة الاستبداد السياسي والاستغلال الاقتصادي التي جعلت بلادنا ملاذا يفر اليه أفارقة جنوب الصحراء كما  يفر اليه السوريون على بعد المسافة الفاصلة جغرافيا بين المغرب وسوريا.
مع استمرار الاوضاع على ما هي عليه سيكون علينا ان نتدبر امر التعايش معا على هذه الرقعة من الكوكب، وان نحذر الانخراط في معارك وهمية، فالمهاجر الافريقي الذي يصطدم بلافتة كتب عليها "ممنوع الكراء لافارقة جنوب الصحراء" ليس اكثر او اقل انسانية من سائح اوروبي يرفض سائق تاكسي مغربي نقله الى وجهته اذا  طالب بتشغيل العداد، وكلاهما لا يختلفان في شيء عن مواطن مغربي يتصل بشأن عقار معروض للبيع فيرفض صاحبه التجاوب بحجة ان اعلانه مخصص  للاجانب و ليس للمغاربة !!
تكشف الامثلة السابقة -وغيرها كثير- ان المواطنة (سواء بمفهومها الضيق او الواسع)  تعاني في بلادنا غموضا على مستوى الدلالات و تضاربا ما بين التشريع والممارسة،فاذا كانت القوانين في حالات متعددة تعترف بالحقوق الاساسية فان  تلك الحقوق تظل مغيبة على مستوى الممارسة الفعلية، لذلك كثيرا ما يجد المواطن المغربي نفسه بلا حيلة أمام الجشع والاستغلال،ولذلك ايضا يكون  للاجانب  نصيب من الاستغلال والحيف الذي يلحق بالمواطن المغربي كل يوم.

تحتاج بلادنا اذن أكثر من أي وقت مضى الى ارساء دعائم المواطنة الحقة،حيث تكون القواعد المنظمة لكل مجال من مجالات الحياة العامة واضحة ومعلومة وملزمة للجميع بلا استثناء، فكلما رسخت الممارسة الواقعية لدى المغاربة احتراما لانسانيتهم و شعورا قويا بكرامتهم كبشر كلما أمنت جو التعايش الآمن بينهم وبين غيرهم في اطار التعدد والغنى وبعيدا عن الاقصاء والتهميش.

الأربعاء، 2 أبريل 2014

سلطة...

يحب الانسان -على ضعفه- ان يعرف بنفسه انطلاقا من السلطة التي يمارسها،
وبالنسبة لمخلوق يعشق السلطة فان الانسان يمارسها اما على الاشياء فيغيرها و يجعلها طوع حاجاته ورغباته، و إما على الاشخاص فيخضعهم لإرادته. 
يحب الانسان كثيرا ذلك الاحساس بالتحكم الذي تمنحه السلطة على عالم الاشياء و الاغيار..مع ذلك هناك نوع ثالث من السلطة يحتاج قوة اكبر و يمنح رضا اعمق و هو السلطة على الذات..هذا الشعور العميق بالسيادة على الذات الذي يتحكم بأسوأ ما فيها لكي يمنح الاخرين افضل ما فيها ( بتعبير طارق رمضان) لا يحظى في عالمنا بالاهتمام الكافي..يحب الكل ان يبدو مسيطرا و ذا تأثير و لا يكون التأثير مرئيا الا اذا كانت موضوعاته خارجة عن الذات بمنطق البعض.. بمقابل ذلك يمكن لمن يتمتع ببعض السيطرة على الذات ان يحدث الفرق اينما حل.. كم من السلطة على الذات نحتاج لتدريبها على الانصات الى نظام الطبيعة من اجل فهمه عوض تحطيمه؟  كم من القوة نحتاج للسيطرة على جموح الغضب و اعتباطية العنف فينا؟ عندما نهيمن على الاشياء و على الاشخاص فنحن لا نعبر عن اي قوة سوى قوة مخاوفنا وحاجتنا الى التخلص منها..بينما في المملكة التي نسود فيها انفسنا بامكاننا احتواء كل الاشياء و الاشخاص فهما و تواصلا..السلطة الحقيقية ان نسود انفسنا..

السبت، 22 مارس 2014

العبث او اللامعنى

يتيقظ ذهني لكي يكتشف زيف المتداول من المعاني..و خلف كل الاكاذيب التي تعلن نفسها بلا مبالاة حقائق العصر..تواجهني حقيقة مقلقة جدا..العبث..و يتعب ذهني من التفكير..لا يمكنك الارتكاز الى العبث..فهو بالضبط اللامعنى..الزئبقي..ما لا يقبل ان تفهمه على وجه واحد او تنتظر منه شيئا محددا..اللانظام...وعقلك يحتاج بشدة الى فهم نظام الاشياء كي يكون قادرا على احتوائها ومن ثم التحكم فيها..العبث يجعلك عاجزا امامه..هل تواجه العبث بعبث اخر؟ بهذا يفلت مصيرك من بين يديك..لا يمكنك التخطيط للعبث والافلن يعود مجرد عبث..هل تحاول ان تخلق معان جديدة؟ استعد لحرب طويلة الامد..حرب على القيم والمعتقدات والعادات... هل تحاول اكتشاف المعنى خلف ما يبدو بلا معنى؟ لن تكون متيقنا تماما من ان ما اكتشفته موجود فعلا ام انه تأويلك الخاص لما يحيط بك...
لا أحفل كثير بالاشياء المزيفة، فهي صنعت لكي تكون كذلك..بامكانك دوما ان تتأكد ببعض الخبرة او الاستفسار فتميز الشيء الاصيل من المزيف..
بالمقابل اكره الافكار المزيفة والاشخاص المزيفين...الافكار المزيفة تنتشر الى تصبح نمط تفكير فتنشر عدواها الى العقل المنتج للأفكار فيفقد أصالته...ويبدأ في انتاج الاوهام دون قصد..
الاشخاص المزيفون هم أصل كل العبث الذي يحيط بنا..هم سفسطائيون بامتياز..بامكانهم دوما اقناعك بالشيء ونقيضه..فقط لكي يصلوا بك الى عدم الاقتناع باي شيء..فتقبل بالعبث على انه من طبيعة الاشياء...

الأربعاء، 19 مارس 2014

ليس في الامر اي لغز...

العالم الذي قيل لنا مرارا انه اصبح قرية صغيرة لا يستطيع ان يجد طائرة ضخمة واكثر من مئتي شخص على متنها!! من يهتم لمصير هؤلاء الاسيويين ولا لمشاعر ذويهم؟! الحياة على هذا الكوكب اضحت مهددة اكثر من اي وقت مضى..ليس فقط بسبب حالات الموت بالجملة في الحروب والنزاعات المسلحة والعمليات الارهابية..ولكن بسبب تدني قيمة حياة البعض مقابل حياة البعض الآخر...يتابع الناس  تطورات أحداث تودي بحياة آخرين كما لو كانوا يتابعون مسلسل اكشن..يذكرني هذا بغرق غواصة روسية قبل سنوات..وكيف أن العالم وقف متفرجا يعد الايام في انتظار ان ينفق افراد طاقمها بسبب نفاذ الاوكسجين بعد رفض روسيا تدخل اطراف أخرى حفاظا على اسرار صناعتها...من يملك الحق بان يقرر ان سرا صناعيا ما يساوي اكثر من حياة بشر هم بابداعهم من جعلوه سرا مطلوبا؟ الان تمضي اكثر من عشرة ايام على اختفاء طائرة ضخمة و اختفاء ازيد من مئتي شخص معها... ويجب ان نصدق ان كل تكنولوجيا القرن الواحد والعشرين غير قادرة على اقتفاء اثرهم...هناك مرة اخرى من يقرر ان هناك أولويات أهم من حياة هؤلاء الافراد..مثلما شاهد العالم مسلمي افريقيا الوسطى يذبحون ومسلمي بورما يحرقون احياء..ودوما هناك من يقرر انه ثمن لا بد من دفعه من أجل كذا او كذا... لو تصور كل من هؤلاء نفسه من بين الرهائن..لو تخيل نفسه مسلما محاطا بالسيوف في افريقيا الوسطى..لو تخيل نفسه بين يدي المتطرفين في بورما..لن يكون الامر مسليا..لن يعود مشهدا عاديا ومملا.. قبل ان نسلم دون اكثرات بتدني الحياة كقيمة..فلنتذكر ان الموت البشع لا يحدق بالاخرين دوما..ليس الخبر "المؤسف" الذي نقرأه عن الاخرين دوما..عندما نقبل بتدني قيمة الحياة..نكو ن قد قبلنا ضمنيا بتدني قيمة حياتنا الخاصة..

طبيعة اليأس..في مواجهة لايأس الطبيعة

من عمق الظلمات يبزغ نور الشمس..و تائه الليل متعب... يغلق عينيه في فرح غير مصدق..أبعد كل حلكة الليل نور؟ تغمره الشمس بدفء واشفاق ..التائه اليئوس...تطلق اشعتها بكرم..وبثقة..لقد كانت هنا بالامس..و عرفت انها ستعود..
تتحرك الامواج بقوة وعنفوان..ماذا شيدت خلال جزري؟ تسائل كل مغرور فينا..تمرر أناملها على شواطئ حياتنا..يبدو انها تفحص كل شيء..بعد مرورها..تتلألأ بقاياها على بعض مما شيدناه..لم يزده لقاؤه بالامواج الا بهاء وشموخا..تحصل على غنيمتها من بناءاتنا المتهاوية...تعبث بها بكل سادية..ونحن نتأمل أشلاءها وأشلاءنا المتناثرة هنا وهناك تنسحب الامواج في هدوء هامسة: تجنب قصور الرمال فهي وجبتي المفضلة..تحدني بشيء أفضل غدا..

البرنامج..اعلام ساخر من سخرية الاعلام...


اتفهم ان مقاربة باسم يوسف تثير الجدل و اعتقد ان اختياره لضيوف البرنامج سيلقي بالمزيد من الضوء على توجه البرنامج وقد يثير المزيد من الجدل بشأنه..لكن بوجه عام ارى ان انتقاداته لما يحدث في مصر لا تأتي من فراغ...بعض الاسماء الاعلامية تتجاوز حدود المهنية والحياد وتتبنى خطابا حربائيا قابلا للتلون بأي لون..وعوض ان تكون وسيلة لتكريس الممارسة الديمقراطية بأن توفر المعلومة بشكل موضوعي يسمح للمواطن ان يقرر بشكل مستقل ، اقول تلعب تلك الاسماء الاعلامية دور الوصاية على العقول فتهاجم وتدافع وتبرر وتهدد..اعتقد ان الشعب المصري يستحق افضل من هذا ليس فقط لانه اعطى ولا زال يعطي اسماء كبيرة من المفكرين والمثقفين ولكن لانه رزح طويلا تحت الوصاية والاستبداد و عدد من الذين امنوا بالحرية واجهوا قناصة نظام مبارك بصدور عارية و سالت دماؤهم لأجل الكرامة والحرية..والتفكير في كل المناضلين الحقيقيين يجعل المرء (سواء باسم يوسف او غيره) يتقرف من الاعلاميين الذين يملكون استعدادا لتغيير اقوالهم ومبادئهم من اجل الاستمرار في برامجهم و ضمان مصالحهم...عندما اشاهد برنامج باسم يوسف لا افكر في انه يسخر مما هو مصري..بل اراه كنوع من الكوميديا السوداء التي تفضح واقعا بطريقة ساخرة..واقع لا تعرفه مصر وحدها بل تتقاسمه كل البلدان التي تغيب عنها الديمقراطية الحقيقية..

الاثنين، 3 مارس 2014

لو كان الماضي..... لوحة

لو كان الماضي لوحة..وكنت انت الفنان..بيدك الريشة والالوان..اي التفاصيل من لوحة الامس ستغير؟ ربما  تبتكر خلطة جديدة من الالوان..ربما تجرب لعبة جديدة على الظلال...
لو كان الماضي لوحة..وكنت انت الفنان...هل ستتوقف كثيرا امام لوحة الامس؟ ربما تتوقع ان تجد اجابة لاسئلتك الكثيرة..لماذا مثلا كانت البدايات مجيدة و واعدة ثم انتهت الى... لا شيء؟ ومع انجذابك للغموض وما يثيره فيك من تحد تريد ان تفهم كيف يمكن لالوانك القاتمة ان تعطي بكرم نقاء الابيض و دفء الوردي و كل التوازن في اخضر طبيعي طري؟ كيف تتحول الوانك نفسها من العطاء والغنى الى بؤس الأسود وكآبة الرمادي وعنف الاحمر الدموي؟
لو كان الماضي لوحة...وكنت انت الفنان..لن تكون مضطرا  للوقوف عند  لوحة الامس كثيرا لكي تجد اجوبتك..قم فقط بتأمل يديك..فعليهما آثار كل الالوان..قصة اللوحة حاكتها يداك من بداية الرحلة الى النهاية..
لوحة الامس جفت ألوانها ونطقت بما فيها.. وبوسع اي مبتدئ في الفن ان يقول لك الا تغير فيها شيئا..الكل يحذر من العبث بالذاكرة..حتى في افلام الخيال العلمي حيث يخترعون شيئا اسمه آلة الزمن..
لو كان الماضي لوحة..وكنت انت الفنان..وكنت تردد انه في الماضي لحظات لا تتكرر أبدا..دعني اذكرك ان الحنين الى الماضي يُسكِنك فيه...و يحرمك من قطعة من الزمن لا تتكرر ابدا..الحاضر..حاضرك..
لو كان الماضي لوحة...وكنت انت الفنان.. لو كانت لديك ريشتك والمزيد من الالوان..ربما الاجدر بك ان تترك مكانك.. وتحمل عدتك الى لوحة جديدة بيضاء..كل لحظات الماضي بانتصاراتها وهزائمها رسمت بالوان ابدية على يديك..قبل ان ترسم اي شيء جديد..تأمل الصفحة البيضاء جيدا..هنا..اي شيء تضعه هو ملك لك بشكل ابدي..هنا..انت لا ترسم اشخاصا و اشياء أو اماكن فقط..انت ترسم ذاتك..تكشف اعمق ما فيها..لا يمكنك الاختباء خلف الالوان..هي تفضحك ان حاولت..كل لوحة هي خيار..تأمل جيدا اي خيار تصنعه ريشتك..بوسعك ان ترسم لوحة ممتعة ببهرجة الوانها  لكنها في زمن المتع تضيع بسهولة في صخب المعيش...بوسعك ان تتجرأ على رسم ما لم يرسمه احد من قبل..فقط لمتعة التحدي..بوسعك ايضا ان تختزل غنى العالم في فكرة تنطق بها لوحاتك.. بوسعك ان تحول معرضك الى مدرسة يقصدها المتعطشون للانسانية..و ينحنون بعدك بقرون لعبقرية فنك...و يشيرون الى لوحاتك قائلين: هذا ليس مجرد فنان..انه اكثر من ذلك..انه انسان..اشباه البشر يرسمون شيئا شبيها ب "سمايلي" على وجوه أفاقة بلا ملامح..اما هو فيعرض بصدق معاركه على لوحاته..ليس انسانا لانه الاكمل..بل لانه في حرب مستمرة على برودة القسوة و الانانية، على قتامة الحقد والاستغلال،على عبثية العنف،على عبودية المتعة..ليس الاغنى بما يملكه..بل هو الاغنى بما يكونه...
بياض اللوحة امامك يهبك فيضا من  الامكانيات بكل كرم البدايات الجديدة..عدة الرسم بين يديك تذكرك انه لديك ما يلزم للبدء ...هنا والان..خذ ريشتك و ارسم خيارك..وان شئت، من حين لآخر، الق نظرة على لوحة الامس..وان شئت مارس لعبة النسيان...