الخميس، 14 يناير 2016

ذات أرق

"ما تما معنى" يقول المغاربة
"حيث لا معنى ، لا حياة" عبارة قيل انها كتبت على جدار البرلمان الكندي.
هل هذا المعنى يكون معطى و جاهزا و ما علينا الا اكتشافه و تملكه بهذا الكشف؟
ام انه انجاز و نتيجة لجهد بشري محكوم بالنقصان و المحاولة والخطأ؟
معادلة بسيطة: مع كل معنى نحققه هناك حياة ممكنة
يبدو الانسان كائنا قلقا، كائنا عاطفيا و حساسا وهو يقف مطولا امام اسئلة من قبيل: من اين اتيت؟ وما هو مصيري؟ وما بين الاصل و المنتهى ما الاجدر بي ان افعله؟
اتأمل جرحا يلتئم على ذراعي و افكر ان بعض الحقائق بسيطة و مبهرة،لا شك ان النظام الذي يجعل جرحي يلتئم تلقائيا كامن في كل شيء آخر، و هو قطعا من تدبير عقل اكثر ابهارا وتنظيما..هذه على الاقل حقيقة ذات معنى تجعلني اطمئن..
لو حصل الانسان على اجوبة لكل اسئلته العالقة هل كان قلقه ليختفي؟هل مشكلته بالضرورة مشكلة معرفة؟
ام مشكلته ما يفعل هو وما يفعل غيره بما يعرفه؟
الألم و بؤس الحياة يدفعنا للتفلسف كما يقول شوبنهاور، مرة اخرى يكون الشقاء هو الثمن الذي ندفعه لقاء المعنى، لقاء حكمة ما تجعل الحياة ممكنة..

الأربعاء، 13 يناير 2016

الكرامة شأن حكومي

بضع ملاحظات للتفكير بصوت عال:
- يتم تعنيف المحتجين بشكل دموي في مدينة انزكان و في اليوم الموالي يحل وزير العدل الرميد في مدينة اكادير لحضور اشغال ندوة حول استقلال القضاء، وحسب ما نشرته بعض الصحف طلبت الوالية زينب العدوي من الرميد الاجتماع بمجموعة غاضبة من الاساتذة المتدربين الذين كانوا هناك اثناء الندوة
- تصريحات لمسؤولين مختلفين (من بينهم رئيس الحكومة) تفيد تارة بعدم علمهم بتعنيف المحتجين وتارة اخرى بدعمهم لقرار المنع
- تصريح لوزير الداخلية اكد فيه ان قرار المنع تم باتفاق مسبق مع رئيس الحكومة
- تصريح لرئيس الحكومة امام مجلس المستشارين يقسم فيه انه لم يكن على علم بتعنيف المحتجين لكنه يتحمل مسؤولية ما حدث
- بثت القناة الثانية في نشرتها المسائية تصريح وزير الداخلية دون اي اشارة الى تصريح رئيس الحكومة.
لدي اعتقاد ان رئيس الحكومة لم يكن في الغالب على علم بتعنيف المحتجين ( موافقته على منع التظاهر لا تعني الموافقة على التعنيف لان المنع يمكن ان يتم بطرق مشروعة بعيدة تماما عن التنكيل)
يحاول رئيس الحكومة في دعمه لرجال الامن ان يحافظ على تماسك بيته الحكومي وقد ذكرني كلامه الموجه ل "سي حصاد" (ولا ادري الى اي حد تجوز المقارنة في هذا السياق) بخطاب مطول للرئيس المصري السابق محمد مرسي وهو يوجه كلامه لعناصر الجيش: "عندنا في الجيش رجالة زي الذهب..." وكان في الصف الامامي من الحضور الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي وكان وزيرا للدفاع انذاك، كان يجلس في ثقة وعلى وجهه ابتسامة ذات معنى، فكرت في نفسي ساعتها ان مرسي يحاول المهادنة لكن شيئا ما اخبرني ان ذلك لن يفيد بشيء، و بالفعل لم يفد بشيء لانه في واقعة غريبة يقبل وزير الدفاع على ازاحة الرئيس المنتخب و يزج به في السجن ليحل محله لاحقا.
يحاول عبد الاله بنكيران المهادنة، ولسان حاله و وزراء حزبه "نحن نحاول الاشتغال في ظروف ممانعة شرسة، لا يمكن ان تكون الملفات الحقوقية اولوية بالنسبة الينا في الظرفية الراهنة"
لذلك في واقعة غريبة اخرى يصدر قرار بتعنيف دموي للمحتجين ينفذه رجال الامن و يصرح رئيس الحكومة بعدم علمه به.
ان يتحمل مسؤولية ما حدث ستعني في الغالب ان يتحمل غضب و شتائم الجماهير و يتلقاها بصبر لان خيار فتح تحقيق و تقديم المسؤول عن تعنيف المحتجين للعدالة لا ينسجم مع خيار المهادنة
ان كان القصد هو احراج الوزراء الملتحين وشحذ الغضب الشعبي ضدهم فالامر ينجح تماما، لان الناس لن يتفهموا -وهذا حقهم- كيف يتم تعنيف مواطنين مسالمين بشكل وحشي ثم يتصرف ممثلوهم الذين وصلوا الى المناصب الحكومية باصوات الناخبين بشكل سلبي كما لو ان دماء الضعفاء كرامتهم ليست شأنا حكوميا.

السبت، 9 يناير 2016

في الحاجة الى الأمل...



أتعلمون أني أحب عملي؟
لست من الاشخاص الذين تقول عنهم النكتة انهم يبدأون يومهم بدعاء الذهاب الى العمل: "الله ينعل بوها خدمة !" ، لا، قد يحدث أن أتذمر أحيانا، لكني لا ألعن اليوم الذي شاءت لي فيه الأقدار أن أكون أستاذة ،و لو انه لم يكن اختياري في البداية، فقد أصبح شغفي في النهاية.
لذلك، أجل أنا احب عملي
أستمتع كل سنة بتأمل تعابير التلاميذ، وهم يفكرون، و هم يبحثون عن كلمات تحتوي أفكارهم و تجعلها تطير بحرية المحاولات الاولى، وهم يتلعثمون ثم وهم يضحكون من أخطائهم...
مثل عدد من زملائي الأساتذة، لم يتأثر حبنا للعمل بكثرة الأقسام التي ندرسها، يمر على الواحد منا في الاسبوع الواحد ما يعادل العشرة اقسام او أقل بقليل، في كل منها اكثر من اربعين تلميذا في الغالب، لا يمكننا حتى تذكر ملامح تلاميذنا فمابالك بتذكر أسمائهم..لكن حصصا اسبوعية سريعة تكفي لكي تصنع علاقات إنسانية رائعة هي في العمق ثروتنا الحقيقية التي نراكمها من مهنة التدريس في صمت لكن في رضى تام..
عندما لا تكفي الحصص الرسمية لإنهاء المقررات،يخصص البعض منا حصصا إضافية من وقت فراغه و راحته لإنهائها.. تعويضاته الحقيقية يحصل عليها و هو يبحث بلهفة الأب او الأم في لوائح الناجحين عن أسماء تلاميذه ثم يهنئهم بكل اعتزاز كما لو كان هو الناجح لا هم..
نقرأ على مسامع تلاميذنا مقاطع من رواياتنا المفضلة و من قصائد ألهمتنا، و نحن نعرف اننا نبدو بمظهر "غريبي الأطوار"  بالنسبة إليهم، لكننا نقرأ رغم ذلك و كلنا أمل أن ننقل إليهم عدوى المطالعة في مجتمع أكسبهم مناعة قوية ضدها..
نرسم و إياهم  بريشة الافكار ملامح مستقبل ممكن، نعزف ذات اللحن الذي جمعنا اليوم في المدرسة العمومية، و يجمعنا دوما تحت سماء الوطن.
نستمع الى حكاياتهم عن عالم نعيش فيه و إياهم لكنه يفيض بعبثية و جنون أكثر مما يحتمله درس فلسفي، و أكثر قطعا مما تحتمله قلوبنا المتعبة و قلوبهم الغضة، ثم ترى الواحد منا كبهلوان يلهو بالقبعات فتارة يضع قبعة الأب او الأم، وتارة قبعة الصديق، وتارة قبعة الاستشاري النفسي، ثم تسقط جميع القبعات عن رأسه عندما تفلت خيوط الحكايات من بين يديه و تتشابك فلا يدري أين بدأ وأين ينتهي..
كل ذلك أضحى روتيننا اليومي..نتذوق من الكأس و نستطيع بحكمة ما ان نتلذذ بالحلاوة فيها دون ان نلقي بالا لمرها.
لو سئلنا عن رأينا لطلبنا مناهج عن التفكير لا عن اجترار الأفكار، و أقساما لا يتجاوز عدد تلاميذها الخمسة و عشرين تلميذا، قاعات أوسع للمطالعة و خزانات كتب أغنى و بمحتوى أفضل، لطلبنا خبيرا نفسيا و برنامجا محترما للعلاج من آفة الإدمان في كل مؤسسة تعليمية...لطلبنا...
لو سئلنا عن رأينا لطلبنا الكثير من الأشياء الأخرى، لكن لا احد يهتم برأينا حتى و لو كان لنا رأي، و يكررون على مسامعنا دوما ان موارد الدولة لا تكفي.. سمعنا هذا لدرجة اننا كدنا نتوقف عن الحلم و التمني..
عندما يقف الواحد منا امام ما يقارب الخمسين مراهقا، منهم فئة مقلقة راكمت تعثرات دراسية بالجملة، بدءا بالمهارات اللغوية البسيطة الى  المهارات التحليلية المركبة، عندما يقف الواحد منا، كل يوم، يمتح طاقة كلماته من الإيمان بجدواها، يفلح بكثير من الجهد في إقناع عدد منهم بجدوى العمل، وجدوى الامل، بإشراقة أفق ممكن ببعض الاجتهاد..ينهي تلاميذه حصصهم و تبدأ دروس العالم الواقعي، حيث يغتني لاعبو الكرة في أفق تسديدة واحدة، وتصبح المغنيات ملكات ب "آه يا قلبي" و فستان أقصر من كعب حذاء الواحدة منهن، تردد على تلاميذك جملا من قبيل "المال ليس اهم شيء، افعل شيئا يجعل مجتمعك يعترف بكفاءتك" ثم تكرم مغنية في نفس السنة مرتين فيما يتم تجاهل الكفاءات العلمية الحقيقية، تعاند و تقول لتلاميذك "اشتغلوا بجد أكثر  درجاتكم العلمية سترفع من حظوظكم وتفتح لكم افقا لحياة أفضل" ثم تشعر بالغبن وأنت ترى خيرة من تلاميذك السابقين و قد اجتازوا اختبارات الولوج الى كلية الطب يتشردون في شوارع المدن طويلا قبل ان يتم التحاور بشكل جدي حول مطالبهم المشروعة، بالكاد تنسى ذلك لكي تفاجأ بتدخل عنيف و همجي في حق أساتذة متدربين كل ذنبهم احتجاج سلمي حول مطالب مشروعة...
لو سئلنا عن رأينا لقلنا وظفوا المزيد منهم لكي تكون أعداد التلاميذ في القاعات معقولة بما يسمح بتدريسهم لا "حراستهم"..
لو سئلنا عن موقفنا لقلنا بدهشة الاطفال اننا لن نستوعب أبدا أن يجلس الأشخاص بأريحية على كراسي مكاتبهم الوتيرة و يعطون أوامر بالضرب و الرفس و تكسير عظام مواطنين مسالمين...
لقلنا بوعي البالغين ان المسؤول عن ذلك يجب ان يقدم للمحاكمة و يحاسب حتى ننتهي من زمن "الحكرة" المقيت هذا...
لكننا عندما ننتهي من قول كل ذلك، نعود الى عملنا بشرخ عميق في أرواحنا، ماذا تركوا لنا كي نؤمن بجدواه؟ كيف بوسعنا ان نضيء شموع الامل في طريق تلاميذنا و هم يطفئونها الواحدة تلو الاخرى؟ وهم يغرقوننا في عتمة الظلم...
و احلامنا تحتضر بين امواج طغيانهم ...
و برُ أمانِنا منهم مؤسساتٌ لا تطؤها أقدامنا الا لكي تتهاوى قصورها الرملية فوق رؤسنا كالخديعة..
نعود الى عملنا لكي نتذوق من الكأس..و بحكمة ما نستطيع ان نستمرئ ما نشربه حتى لو غدا بطعم اللامعنى..

الأربعاء، 11 نوفمبر 2015

الإرث و مطلب المناصفة



يعد النقاش المطروح حول المناصفة في الإرث من المواضيع المثيرة للجدل في أوساط الرأي العام المغربي، و الحقيقة أننا - قبل اتخاذ أي موقف  بشأن توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان- بحاجة إلى ترسيخ ثقافة الحوار الهادئ و الابتعاد عن اختلاق معارك شرسة بصدد كل شيء و أي شيء. إن الجهد الذي نبذله في سبيل الدفاع عن موقف جاهز يمكن ان نصرفه في تجميع المعطيات الكافية التي تسمح لنا  بترجيح موقف على حساب آخر وبشكل موضوعي ودون تهافت،لهذا فالمقال التالي يدعو قارئه الكريم الى التفكير في السؤال التالي: هل نملك من المعطيات ما يجعلنا متأكدين من خوض النقاش السليم و اتخاذ الموقف السليم؟
يمكن للمواطن العادي ان يلاحظ ان النقاش الحالي حول الإرث يتقاطع مع مواضيع أثيرت ولا زالت تثار ( من قبيل النقاش حول الحرية الجنسية، الاجهاض،حقوق المثليين...الخ) ونقطة التشابه هنا هي في كون كل تلك القضايا تسائل ما يعتبر بالنسبة للمغاربة (أو على الاقل بالنسبة لشريحة منهم) مرجعية دينية، قيمية و أخلاقية، فهي – وخصوصا فيما يتعلق بالإرث – تقترح تعديل (أو تجاوز) ما تشرعه نصوص قرآنية قطعية و صريحة، لهذا السبب تستعر المعارك سريعا بين فريقين أحدهما يدعي تمثيل الحداثة و الآخر يدعي الحديث باسم التراث وثوابت الأمة الدينية، و هي معركة استقطاب تضيع على الجميع فرصة النضال جنبا الى جنب من اجل انتزاع المزيد من الحريات السياسية و المطالب الاجتماعية المشتركة.
إذا كان هذا النقاش آت لا محالة،فهل توقيته مناسب لا سيما انه يخلق من الخصوم (الفكريين في أحسن الأحوال) أكثر مما يقدم من الأجوبة؟
هل نملك معطيات احصائية علمية موضوعية ومستقلة عن توجهات عموم المغاربة كي نحسم فيما إذا كانوا أكثر توجها نحو الخيارات "الحداثية" او انهم لايزالون شعبا "محافظا" ؟
يمكن للمرء ان يكرر مقولاته في كل الندوات و المؤتمرات،وان يدعي الحديث باسم المواطنين من منابر إعلامية متعددة، لكن ذلك لن يكون أساسا منصفا لمشروعية أي موقف. عندما نتحدث باسم المغاربة دون ان نملك معطيات دقيقة حول آرائهم فنحن نمارس نوعا من الوصاية والحجر على إرادتهم.وفي هذا الصدد ليست هناك وصاية جيدة و وصاية سيئة،هناك وصاية وهي دوما مرفوضة، لأن الطريق الآمن نحو مجتمع ديمقراطي سليم يمر أساسا عبر تمكين الناس من القدر الكافي من المعطيات التي تسمح لهم بالحكم بأنفسهم بشكل واع و مسؤول.
تستند الدعوة الى تحقيق المناصفة في الإرث على مصادقة المغرب على الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الانسان ،و بالعودة الى نصوص الشرعة الدولية مجتمعة وتحديدا اتفاقية سيداو حول مناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة ،لا نجد ما يمكن الاستناد عليه بشكل موضوعي للقول بتعارض التقسيم الشرعي للإرث و البنود المنصوص عليها في هذه الاتفاقيات، ففي المادة الاولى من اتفاقية سيداو تعريف للتمييز على انه كل "تفرقة او استبعاد او تقييد يتم على أساس الجنس و يكون من آثاره أو أغراضه النيل من الاعتراف للمرأة على أساس تساوي الرجل والمرأة بحقوق الانسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية و الثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر،أو إبطال الاعتراف للمرأة بهذه الحقوق او تمتعها بها او ممارستها لها بغض النظر عن حالتها الزوجية" بينما تذهب باقي مواد الاتفاقية الى تأكيد المبدأ الأساسي في سيداو وهو المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات،مع الاعتراف لها بحقوق استثنائية خاصة بوظيفة الامومة.
ولا يمكن القول بشكل موضوعي إننا بصدد وضع تمييزي،فالمرأة في نظام الإرث الإسلامي لها الحق في الإرث بشكل مساو للرجل،والاختلاف بينهما يكمن في نصيب كل منهما،وهنا تستوقفنا نقطة أساسية في الدعوة الى تحقيق المناصفة في الإرث بين الرجل والمرأة، فهل يتعلق الأمر تحديدا بالآية القرآنية: "للذكر مثل حظ الأنثيين" ؟ أم يتعلق بتحقيق المناصفة في جميع حالات الإرث؟
إذ ان الآية الكريمة تهم الذكور والإناث الذين يتمتعون بنفس درجة القرابة من المتوفى، ولا يمكن الحديث هنا عن "رجل" و "امرأة" بإطلاق،فكل منهما قد يكون من الأبناء أو احد الزوجين،أو الأبوين،أو الإخوة..إلى غير ذلك من حالات القرابة،و قد خصص نظام الإرث في الإسلام للمرأة في حالات متعددة نصيبا أكثر من نصيب الرجل (على سبيل المثال لا الحصر :قد ترث أم المتوفى ثلث التركة و يرث والده السدس،و قد يرث زوج المتوفاة الربع و ترث ابنتها النصف)، لهذا فتأسيس الدعوة الى تعديل او إلغاء العمل بالنص الشرعي اعتراضا على حالة محددة لا يبدو منطقيا ولا متماسكا، لأنها تخرج الآية القرآنية  من سياقها العام و تعطيها أبعادا تمييزية غير صحيحة وغير مبررة.
ولا اظن ان أنظمة الإرث الوضعية في الدول الغربية تستجيب لهاجس المناصفة في كل الحالات،فعلاوة على فرضها ضرائب مرتفعة على التركة في بعض الدول كفرنسا،فإنها في قوانين دول أخرى كالولايات المتحدة لا تسمح بأن يرث الأبناء من الزواج الأول أي شيء من التركة سواء كانوا ذكورا او إناثا.
يبقى المبدأ الأساسي هو حق الإرث للرجال والنساء على حد سواء،أما اختلاف ما يحصل عليه كل واحد فهو أمر لا مفر منه حتى لو تجاوزنا النص الشرعي واعتمدنا اجتهادات وضعية صرفة،تماما كما ندافع عن تمتع الرجال والنساء بالحقوق الاقتصادية نفسها،ثم نقبل دون تردد بالإجراءات التي تهدف الى حماية النساء الحوامل والأمهات، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارها إجراءات تمييزية في حق الرجال.
وبناء عليه، لا يبدو الصدام المفترض بين التشريع القرآني المتعلق بالإرث و نصوص الشرعة الدولية (لا سيما منها اتفاقية سيداو) مؤسسا بشكل منطقي، إذ ليس في مقتضياتها ما يحرج المغرب و بالتالي يلزمه  بإعادة النظر في قوانين الإرث بغض النظر عن اختلافنا او اتفاقنا حول هذا التعديل من ناحية المبدأ.
أمر آخر غير متماسك يستوقفنا في هذه القضية، وهو الاعتماد فيها على تزايد اسهام النساء  في إعالة الأسر المغربية، بحيث تصبح الدعوة الى المناصفة في الإرث اعترافا بمساهمتهن في مراكمة الثروة و بالتالي في حقهن من نصيب مساو لنصيب الرجل منها.والحقيقة ان ادعاء مماثلا فيه من الديماغوجية ودغدغة العواطف أكثر مما فيه من الحجج المقنعة برغبة حقيقية في إنصاف النساء العاملات، فالتشريع القرآني يعترف للمرأة بالأهلية القانونية للتصرف في أموالها و خيراتها بيعا و شراء،لذلك لا شيء يمنعها من حماية أموالها و تسجيل الممتلكات باسمها وبالطرق القانونية اللازمة،وعوض توعيتها بالمشاكل الناجمة عن الاستثمار في الأملاك المشتركة دون ضمانات كافية نقترح تعديل نص شرعي و حرمانها بالتالي من الاستفادة من الحالات التي ترث فيها أكثر من الرجل.
كل الملاحظات السابقة تبين أن النقاش حول المناصفة في الإرث بني في الأساس على الكثير من المغالطات، افتراض الصدام بين التشريع القرآني ونصوص الشرعة الدولية حول حقوق الإنسان، المطالبة بإعادة قراءة النص الشرعي حول الإرث بناء على اجتزاء و اختزال لمعنى آية من آياته، تحويل النقاش عن ظروف عمل المرأة و شروط الحماية الاجتماعية المتوفرة لها عند العمل، عند المرض،وفي حالة الشيخوخة الى نقاش حول نصيبها من الإرث، و الحديث باسم شعب نعرف انه يعيش تحولات عميقة لكن ليست لدينا معطيات دقيقة لقراءة اتجاهات هذه التحولات.
و بالتالي فالنقاش حول المناصفة في الارث يضعنا أمام احتمالين،الأول :سوء فهم مطلب المناصفة في حد ذاته،بما يعني سوء اختيار المعركة المؤدية الى تمكين حقيقي للمرأة و تعزيز دورها ومشاركتها في أوجه الحياة الجماعية، الثاني: جعله عن قصد سلاحا للمزيد من الاستقطاب و خلق حالة تدافع وهمي من شأنها توجيه أنظار الرأي العام عن القضايا الحقيقية و تنفيس غضب البعض في وجه البعض الآخر.






السبت، 7 نوفمبر 2015

بنشقرون في ذمة الله

أقرأ عن خبر وفاة المخترع المغربي عبد الله بنشقرون
يستوقفني للحظات خبر موت شاب في الثلاثين بأزمة قلبية ثم أقول في نفسي كل شيء محتمل
لكني اتوقف طويلا و بغصة في الروح عند حقيقة مؤلمة: هذا الوطن يستمر في عقوقه للكفاءات من أبنائه و لو كانوا بررة به، لا يهم ان غادروه مبكرا مثل بنشقرون او عمروا بما يكفي لكي يرغموه على مشاهدة بعض من قبحه في مرآة شجاعتهم مثلما فعل و بكل أصالة المرحوم المهدي المنجرة.
ستكون أيها الوطن بخير عندما تبادل أبناءك الحب والاعتزاز و الاعتراف،ستكون بخير عندما ترفع اسماء المتميزين منهم،أولئك الذين يحظون بعشرات الاعترافات من الدول الاخرى و يموتون توقا لاعترافك،يموتون دونه، يموتون قبل ان ترأف و تمكنهم منه.
انهم يموتون يا وطني،وتموت انت شيئا فشيئا في الأحياء من ابنائك،و يبقى حبك في قلوب الجميع سرياليا،تأبى أنت ان تحبهم كما يستحقون،و تأبى قلوبهم أن تحب وطنا غيرك.

الجمعة، 30 أكتوبر 2015

أشباه



لا تقنِعني شبْه ابتِسامَة، ذَلك الإِبراز الفاتِر للأسنان عادةً ما يُضيع طريقَه بينَ الشفاهِ و القلب،إنها أشْبه بشمسٍ تائهةٍ  فوقَ منطقةٍ جَليدية،تنظُرُ إليْها فيتوَلد لديْك يقينٌ فوْرِي أن الطقْس لا يُمكِن أنْ يصيرَ أكثرَ بُرودةً مِما هوَ عليْه..
لا أحْفلُ بشبهِ اهتِمامٍ،تِلكَ الأسْئلةُ عَني و حوْلي تُشعِرني أَني قفلٌ في بَاب، يُدهن مِن حِينٍ لآخرَ كيْ يُفتحَ بِسهولَةٍ فِي كُل مَرة، تُذكِرني بِأن المَواشِي لًا تفْرحُ  برِعايَة صَاحِب المزْرعَة لكِنها في كُل الأحْوالِ تفْعلُ مَا هِي مَنذورةُ إليه..
لَا يغْرِيني شِبْه حُضور، تِلكَ الأقْدامُ التي تُوضَع بخفةٍ هُنا وهنَاك،مسْتعِدة دومًا للقفْز عَلى صَخب الضحكَات فَهي تذكِرها فجأةً بأتراحِها، مستعدةٌ للرَكض بعيدًا عنِ الآهات كيْ لا تفسِد عليهَا انشِراحَها.
لا أُطِيقُ شِبهَ مَحبة، تِلكَ العَاطِفة المُترَددة  دومًا بيْن تَجاهُلك و الفتْك بِك، جَياشةٌ أكثرَ ممَا ينبغِي،تُعلن  مَجانِيتها بشكلٍ مُثيرٍ للشُكوك، لكنهَا أشْبه بفاكهةٍ مُعدلةٍ حسَب الطلَب، مِن المُحتمَل اَن تسْتطِيبها، لكن تظَل الحِمية الصارِمة أكثرَ أمنًا مِن حلاوةٍ مُسرْطِنة..
عِندمَا أتقدمُ بكل شيءٍ أصيلٍ فِيَ،بجَمالِه و قُبحِه،بِقوتِه وَ ضَعفه، لا يَسْتوقِفُني أَشباهُ البَشر، أُولِئك الذين يَحمِلون لِواءَ حقيقةٍ واحدةٍ و وحيدةٍ وهي أنَ كُل شَيءٍ بِشأنِهم مُزيف...

الأربعاء، 21 أكتوبر 2015

ألحان



على وترِ الفرَح أعزِف، ببضعِ حصصٍ في البهْجةِ لم أكنْ مستعدةً  على ما يبدو لإطْرابِ الجمهورِ،وأنا –تقول قواعدُ الشهرةِ-  جمهورُ نفسي، لذلك اعتقدتُ واهمة ان شغَفي بالبسمةِ يكفيني، قررتُ أُلا قاعدة في العزْفِ ولا حَكَمَ إلا قلبي  العاشقُ للفرحِ.
لكن بضعَ حصصٍ في البهْجَة لم تكنْ لِتكفي، و ليسَ قلبي منْ يحددُ القواعدَ، لأن الحزنَ هاهنا قاعِد،واليأس ها هنا قاعِد، وكلما عزفتُ لحنا للفرَح، علا صوتُ الحزنِ رخيماً قادماً من الأعماق و هتف اليأس: "مهما فعلتِ انا ها هنا باق !"
أتأملُ وجهَ الحياةِ العابس فجأةً وبسابقِ انذار، وأضْحك عالياً كطفلٍ عابثٍ يخرْبِش على الجدرانِ دون اكتراثٍ بالأضْرَار،أُشْهِر عُدتي في وجه العُبوس، ان كان لا بد للجدرانِ ان تُحيطني من كل الجوانب فليكنْ لدي على الاقل حقُ تلوينها..
سأرْسم عليها أبواباً كثيرة، أبوابٌ تنفتح على سماءٍ عاليةٍ بزرقةٍ لا تُخطِئها حتى العيونُ الدامعة،هناك حيث تَفرِد الطيور أجنحتَها و تحلق عاليا بلا تراخيصَ من أحد، لا يَهمها قِصَر العمر و لا خطورة الجوارحِ ما دامت قدْ حلقت بكل حريةٍ ذاتَ حياة.
سأكتبُ عليها إعلاناتي: اليوم ايضا يومُ احتفالٍ مثل الأمس ومثل غدٍ، ما المناسَبة؟ لا نحتاج مناسبة لكي نغردَ مُبتهجينَ أيها الحمْقى ! المناسباتُ هي بالذاتِ ما يقتلُ الفرحةَ فينا..مَنْ عدوُ الإنسانيةِ هذا الذي جَعَلَ للفرحِ شروطاً و رزنامة؟
بضعُ حصصٍ في البهجةِ لا تكفي للعزْف حسبَ القوَاعد، لكن من يَحفلُ بالقواعدِ على أي حال؟تَبا لكل القوَاعد ! أنا أعْزِف لنفسي، وكلماتي تطيرُ بلا استئذان، تعانِق الجدْران، هل ستقاومُ بُرودَتُها دِفْءَ كلمَاتي الى الأبد؟
على وَتَر الفرح أعْزف، فَلْتُرَدد معي كل الأرْوَاحِ العطشى لحنَ البهْجة،فَكَما لِكلٍ في الحَياة حق، و في الاخْتلافِ حق، فإن لكلٍ في البهجةٍ حق.