الأربعاء، 20 أبريل 2016

عنف منزلي

في دردشة مع التلاميذ تحدثت عن العنف المنزلي، و اذا باحدى التلميذات تسأل:
- "استاذة والا كانت المرا كضرب راجلها؟ "
عمت موجة من الضحك ارجاء القاعة ثم انطلقت التعليقات:
- "هاداك دمدومة "
- "ماشي راجل "
سألت صاحب اخر تعليق:
- " علاش ماشي راجل؟ "
- "لي ضربو مرتو ماشي راجل " يجيب التلميذ بثقة
- " دير فبالك بلي هو ضحية ديال العنف، ونتا كتنفي عليه صفة الرجولة،يعني عنف من نوع آخر "
- " وعلاش تزوجها؟ "
- " يقدر مقصدتش تعنفو.. و ربما يكون أساء الاختيار كيفما عدد من الناس كيسيئوا اختيار شركاءهم، ربما تعرض للعنف لأنه ما توقعوش منها، أو لأنه مربي ومتحضر ما بغاش يجاوب بالعنف، أو لأنه اكتشف طبيعتها متأخر "
- " يطلقها! "
-" يطلقو او يبقاو مع بعضياتهم هاداك اختيار ديالهم، حنا ما خصناش نهاجمو ضحية العنف عوض ما نساندوها، هادشي علاش لي تعرض لاي شكل من أشكال العنف -بحال ضحايا التحرش او الاغتصاب- كيخاف يدوي،حيت عارف ماغاديش نرحموه "
قلت هذا و قرار التلميذ الصارم يرن في ذهني : "يطلقها !" وبدأت أتساءل في نفسي ان كان المرأة المعنفة تحظى بنفس الاقتراح الحاسم من الناس " ضربك؟ طلقي منو!! " عوض العبارة الشهيرة "صبري على ولادك راه الزربية العزيزة هي لي كيسوسو الناس "
يبدو أن حق ممارسة العنف يدخل ضمن تمظهرات الهيمنة الذكورية، لا يحق للمرأة ممارسته في حق شريكها ،على الاقل في شكله المادي، مسموح لها بأن تشعل حروبا وفتنا بكيدها،فهذا مكسب تاريخي يعطي مبررا آخر لشيطنتها و تعنيفها، اما ان تمارس العنف المادي فهذا يعني انها تزاحم بعلها في منطقة نفوذه لذلك عليه ان يتخلص منها فورا...
الشيء المؤسف في كل هذا هو تجذر هذه التمثلات عميقا في وعينا الجمعي، تغيرت حياتنا في كل مظاهرها لكن مراهقينا لا زالوا يعبرون عن نفس تمثلات اجدادهم..
كيف السبيل الى اعادة البرمجة وفق مبدأ " لا ضحية... لا جلاد" ؟

درس من ملف "أساتذة الغذ"

بغض النظر عن الموقف الذي يتخذه المواطن من قضية الأساتذة المتدربين، و سواء كان الشخص مواليا لموقف الحكومة او مدافعا عن شرعية مطالب الأسانذة المتدربين، ينبغي ان ننتبه جيدا الى الربح الذي كسبه المغاربة من خلال هذا الملف،لدينا فئة اجتماعية تدخل في مواجهة مع الوزارة الوصية على قطاع محدد ثم في مواجهة مع الحكومة برمتها ممثلة في شخص رئيسها ، تخوض اشكالا احتجاجية سلمية (مقاطعة الدروس،مسيرات، اعتصامات..) فتواجه مطالبها بالتجاهل تارة ثم بالقمع والعنف الدموي تارة اخرى، يلاحق أفرادها و يمنعون من التنقل و السفر، لكن هذه الفئة الاجتماعية مدعمة بجهود لافتة لمبادرة مدنية نجحت على طول الخط في إبقاء الملف في سياقه الصحيح: التفاوض و النقاش بين مواطنين و اجهزة تمثيلية على ضوء القوانين التي تشكل القواعد الأساسية المنظمة للعلاقة التعاقدية بين الشعب ومن يدير شأنه العام.
سقطت السلطات في خطأ ادارة الملف بطريقة لاديمقراطية في محطات عديدة، و بينما كانت تحاول الإبقاء على خطاب القمع و الوصاية، نجح الأساتذة المتدربون بمعية فعاليات المبادرة المدنية في إعطاء الدرس الأول في مسارهم المهني، درس طال شهورا، لنا ان نتأمله جيدا علنا نفهم مغزاه : هناك دوما طريق ممكن للقطع مع الوصاية والتسلط بطرق حضارية و ديمقراطية.
لقد كون المغاربة ممن يتتبعون تدوينات الدكاترة عبد الرحيم العلام ومحمد الهيني فكرة حول طبيعة الإشكالات القانونية المتعلقة بالملف،هنا ايضا لا ينبغي ان ننسى الربح الذي كسبه المغاربة بفضل أطر أخرجت مبادئ العلوم السياسية من الحلم بما ينبغي أن يكون الى رهان التأثير الفعلي في ما هو كائن..لقد ارتقت كتابات الرجلين بالنقاش الى مستوى نقاش المبادئ القانونية و هو مستوى يبتعد عن النقاش المعتاد حول الوجوه السياسية والتعامل مع خياراتها بأسلوب الكتائب الالكترونية (الهجوم الشرس مقابل الدفاع الشرس).
في كل مرة اناقش فيها تلاميذي حول خيار اللاعنف وحول أساليب الحوار الحضاري تعوزني الأمثلة الواقعية التي تدعم نجاعة هذا الطرح، و لأني أومن عميقا بخيار " لا حكار، لا محكور" اتمنى ان يقف كل مواطن عند درس "الاساتذة المتدربين" و لا ننسى جميعا ان المعركة تبدأ بسبب علم صاحبها بما له، و تنتهي رابحة بفضل هذا العلم.

كيفما تكونو يولى عليكم

الفيديو الذي تحترق فيه بائعة البغرير صادم ومؤلم..ذكرني بحادثة مؤلمة..ربما مع بعض الفارق
حدث هذا قبل سنوات عديدة
كنت أسير في أحد الشوارع، عندما سمعت جلبة قادمة من احد المنازل، كان بابه قريبا من الشارع العام، وحوله عدد من الناس، معظمهم رجال يقتعد بعضهم كراسي (في محلبة او مقهى لم اعد أذكر) فيما يقف بعضهم الآخر بشكل متفرق هنا وهناك ، التفت الجميع الى مصدر الجلبة، فشاهدوا -و شاهدت وانا اسير في نفس اتجاه المنزل- شابتين تدفعان بشابة ثالثة خارج المنزل، اتذكر ان الشابتين كانتا ترتديان لباسا منزليا خفيفا، فيما كانت الثالثة عارية، عارية تماما...كانت تنظر في وجوم الى احدى الشابتين و هي تصرخ بوجهها: "دابا را القيادة سيري ليها" لكن لسبب ما هامت الفتاة العارية بقدميها الحافيتين في عكس اتجاه القيادة ما جعلها تسير في نفس الاتجاه الذي أسير فيه..
مرت لحظات خيل الي فيها اني لا أرى ما أراه، كان ذلك سرياليا نوعا ما بالنسبة الي، اطرقت ببصري أرضا وتابعت السير معتقدة ان ثمة من سيتدخل من بين كل الناس الحاضرين في تلك اللحظة..لكن وانا اقترب من المنزل ثم اتجاوزه ثم اقترب من الفتاة التي كانت تسير بخطى بطيئة..أدركت ان الناس لن يحركوا ساكنا..جلت ببصري بين الوجوه، كان الجميع ينظرون اليها بدون اي تعبير على وجوههم، إلا امرأة كانت قادمة من الاتجاه المعاكس نظرت اليها و ضحكت قبل ان تخفي وجهها في طرف خمارها خجلة..
شعرت بالغضب يغلي في عروقي...و بدأت أصرخ بالمارة: "اعباد الله جيبو للمرا باش تستر حرام عليكم تفرجو فيها هاكدا" ، كان صوت المعتدية متحديا، وكانت تعرف نوع الإذلال الذي ستسببه للشابة، وكانت الضحية شاردة تسير ببطء دون اي تعبير على وجهها..التفتت الي وقد تعالى صراخي بالمارة وقالت لي : "ختي راه غير شي بنات لي دارو ليا هاكدا" طلبت منها ان تتوقف عن السير ومررت على عدد من المحلات التجارية اسأل عن ثوب..لا أدري لماذا لم اطرق باب منزل من المنازل الكثيرة،لكن احد الرجال تدخل اخيرا و جلب ثوبا صغيرا..تركت الشابة بعد ان حصلت على ثوب، وعندما عدت بعد ذلك بقليل أبصرتها تسير الى جوار احد عناصر القوات المساعدة و هي في حالة انهيار تام،كانت تنتحب فيما يتبعها جيش صغير من الأطفال يتصايحون و يقذفون بالحجارة ويصفرون..
أتذكر اني لأيام شعرت بمقت و غضب شديدين، لم يمنعوا عنها الأذى بل وقفوا ساكنين يتفرجون و طاردها أطفالهم كما لو كانت المعتدية لا الضحية !!
جعلتني هذه الحادثة أفكر كثيرا فيما يجعل الناس قادرين على رؤية الآخرين يتعرضون للأذى و لا يحركون ساكنا لأجلهم..و لاحظت في حوادث متفرقة أخرى بعد ذلك ان الناس لا يكلفون أنفسهم حتى عناء الاتصال بسيارة الإسعاف..(الحديث عن تقديم الاسعافات الأولية يبدو ضربا من الخيال اللاعلمي)
هل نتدخل لمساعدة الآخرين لكي نضمن ان يتدخل احدهم لمساعدتنا عند الضرورة؟ أم اننا نقدم يد المساعدة بغض النظر عن نتائج تدخلنا؟ هل الكرامة الانسانية و قداسة الحياة قيم ندافع عنها لكي تقرها القواعد الأخلاقية و القانونية فنستمتع بها بدورنا؟ أم انها قيم مطلقة تتجاوز الأفراد لكي تعيش في كل منهم بشكل أبدي؟
عندما نتدخل لنساعد احدهم، هل يكون هذا الشخص نفسه هو غايتنا؟ ام اننا نساعد انفسنا عبر مساعدتنا للغير؟
لا تعبأ كثيرا للإجابة على هذه الأسئلة،إنها أسئلة للتأمل، في المرة القادمة التي تجد فيها نفسك بالقرب من شخص يحتاج الى مساعدتك، لا تفكر كثيرا، "ها العار دير شي حاجة باش تعاون"
رحم الله تلك السيدة بواسع رحمته، لكن لا يجب ان ننسى ان قتلتها ليس فقط من ظلم، ومن وثق للظلم بفيديو، ولكن من حضر في ذلك اليوم و لم يمنع المأساة..
كيفما تكونو يولى عليكم

الأربعاء، 13 أبريل 2016

إعاقة



كثيرا ما يكشف تعاملنا مع الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة على أن لنا أعطابنا الخاصة،كثيرا ما نتأمل الأشخاص في وضعية إعاقة فقط لكي نستشعر نعمة الجسم السوي، لكي نحمد الله على أنه جنبنا هذا الواقع المؤلم، ومنا من يسمح لنفسه بأن يفسر هذا المصاب أو ذاك بأنه انتقام من الله عز و جل يعاقب به المعني بالإعاقة أو أحدا من ذويه.وحتى عندما نشعر بالتعاطف  نشيع الشخص بنظرات الشفقة في كل حين كما لو كنا عاجزين عن رؤية الروح التواقة الى العيش خلف كلمة "معوق".
تحصل الأشياء لسبب ما، وينبغي ان نقر أن الأسباب أحيانا كثيرة تتجاوز قدرتنا على الفهم أو الإدراك، ما الحكمة في أن يحرم بعض الناس من متع إنسانية بسيطة كتأمل ملامح أحبائهم؟ و في أن يولد آخرون بقدرات حركية او ذهنية أقل من غيرهم؟
نقف حيارى امام أشكال المعاناة والألم،قد يقدم لنا العلم أجوبة حول "لماذا؟" أو "كيف؟"  أجوبة تظل مع ذلك غير كافية، خصوصا بالنسبة للذي يعيش وضعية الإعاقة و يرن في ذهنه السؤال : "لماذا أنا بالذات؟" أو بالنسبة للآخرين الذين يحتاجون تفسيرا ميتافيزيقيا ما يجعل الأمر مقبولا لديهم.
الأكثر مرونة من بيننا - والأكثر تميزا بالتأكيد- هم أولئك الذين يدركون بحدسهم أن ثمة فرصة لجعل وضعية الإعاقة نافذة على خيارات أخرى ممكنة. عندما يصير تناول الطعام، تغيير الملابس، تعلم الكتابة او ممارسة رياضة ما تحديا حقيقيا فبعض الأشخاص في وضعية إعاقة يقبلون بهذا التحدي. تخبرنا نجاحاتهم انه يمكن للشخص ان يعاني من صعوبة في تحريك ذراعيه ويكتب مع ذلك بخط جميل،يمكن ان يكون بلا ذراعين و يغير ملابسه و يعتني بنفسه،يمكن أن يمارس رياضته المفضلة على كرسي متحرك، و يمكن أيضا أن يهيئ طعامه و يعتني بمنزله دون أدنى قدرة على الإبصار.
ثمة درس بليغ نتعلمه على الدوام من نجاحات كهذه: العجز في نهاية المطاف هو شعور نفسي داخلي أكثر من أي شيء آخر،عندما تنصت إلى روحك بما يلزم من التيقظ  فإنك تدرك بالقدر الكافي من الوضوح ان الجسم البشري بدأ على هذه الأرض هشا و محدود القدرات، و لا يزال كذلك،بالتالي فإن كل ما تحققه في ظل وعيك بحقيقة ضعفك البشري هو في حد ذاته قوة وانتصار.
نحن الذين نعيش في عالم من الأشياء المصممة خصيصا لتسهيل حياتنا اليومية فقدنا بالتدريج تلك القدرة على الإنصات إلى ذواتنا،إلى أرواحنا،والى هشاشة أجسامنا،إذ تمنحنا الآلات التي اخترعها غيرنا إحساسا مزيفا  بالسيطرة والتحكم، كلما اقتنينا المزيد من تلك الأشياء زاد اطمئناننا إلى اكتمال وجودنا،دون ان ننتبه الى تحولنا البطئ الى كائنات ترى الكثير دون ان تبصر شيئا، تسمع دون ان تنصت، تستخدم أطرافها بأكبر اقتصاد ممكن للحركة، تملك ذهنا لكنها لا تتعب نفسها كثيرا بالتفكير.
في هذا العالم المصمم للبشر "الكاملين" لا يجد الأشخاص في وضعية إعاقة مكانهم، لأن وهم الكمال يستثني اختلافهم، لذلك احتاجوا على الدوام إلى من يتحدث باسمهم عاليا و بالصخب الكافي لإنصافهم، قد يمثلهم أعلام من هذا المجال أو ذاك،أسماء أدهشت العالم كما فعلت هيلين كيلر -الكاتبة الصماء البكماء و العمياء- أو كما فعل بيتهوفن  -الموسيقار الأصم-  لكن المؤكد أن  هناك جيشا خاصا يحارب على الدوام في صف الأشخاص في وضعية إعاقة، هؤلاء في معظم الحالات هم الأهل والأقارب، إذ عندما ترزق عائلة ما بطفل مختلف، بطفل من ذوي الحاجات الخاصة، لا يمكن إلا أن تكون عائلة مختلفة، إنها عائلة تغادر الى غير رجعة وهم الكمال لتتعامل مع القصور البشري كل يوم، ليس القصور المتمثل في طفلها المختلف فحسب ولكن القصور الكامن في كل واحد من أفرادها وفي كل فرد من أفراد المجتمع المحيط بها.ومرة أخرى تأتينا بعض الدروس الرائعة من هذا الوعي التام بحقيقة الضعف البشري، دروس في الحب غير المشروط والدعم غير المشروط للابن المختلف و لحقه في أفضل الخيارات الممكنة، دروس في النضال اليومي من أجل منح المجتمع مواطنا  متعلما مسؤولا حاملا لقيم و لرسالة، نفس المواطن الذي لا يستثمر المجتمع نفسه الكثير من أجل الحصول عليه،نفس المواطن الذي تعجز أسر كثيرة جدا عن تخريجه بعد ان اختزلت دورها كمؤسسة بيولوجية في التناسل وحده.
أمعني النظر حولك وأرهفي السمع و التقطي مثل هذه الدروس والرسائل،لأن وعيك بالضعف هو ما قد يجعل منك أكثر قوة مثلما ان الاعتقاد التام في امتلاك القوة يجعل صاحبه أكثر ضعفا وهشاشة.
وتذكري ان لحديث القوارير دوما بقية.



الخميس، 24 مارس 2016

"ميت ڭلبو "



أتأمل النبتة وأملأ عيني من خضرتها الغضة، فتأخذني زهورها البنفسجية الجميلة الى المدينة الصغيرة حيث عشت طفولتي،هناك حيث أحبت النساء تزيين نوافذ بيوتهن بأحواض مصغرة من هذا الذي تسميه أمي "ميت ڭلبو " ، تزرعه الواحدة منهن فيملأ جنبات النوافذ فورا و يتدلى في سخاء على واجهة المنزل، لهذا سمي بهذا الاسم الغريب -تفسر أمي- أينما زرعته ينتشر و يزهر دون أدنى مجهود منك.
تطلب الأمر مني زمنا لكي أنتبه الى جحود البشر بهذا الشأن، فكرم نبتة تبهج العين بخضرتها وتسر القلب بجمال زهرتها يقابل عندهم بتسمية من "مات قلبه" ...ربما لهذا أخفقت طوال طفولتي في تذكر اسم النبتة، فكنت كلما رأيتها أقول لأمي: " شوفي ! ها هو "الطايب ڭلبو" !! " ،تضحك أمي طويلا ثم تعدل لي التسمية  وتعيد التفسير من جديد، أركض نحو النبتة دونما اهتمام و أتسلى بسحقها بين أصابعي لكي يسيل ماؤها و أنا أتوقع ان أرى قلبها "الطايب" او "الميت"..
لم أره في ذلك الوقت ولا أراه الآن وأنا أمعن النظر في النبتة أمامي و أمرر يدي برفق على زهورها فيما يشبه الإشفاق، كان بوسعي أن أنظر إلى خضرتها طوال اليوم، لكن لونا آخر في جانب من الحوض الكبير جذبني، لون بين الأصفر والبني..تلك كانت النبتة في خريف عمرها القصير..كوجه متغضن غادره الجمال وجف نبع شبابه الى غير رجعة.
أمرر أصابعي على النبتة المتيبسة وأفكر أن قليلا من الماء كان ليجعل خريفها أقل قسوة، قليل من الماء الذي وهبته خلال ربيعها بكل سخاء، لأجل أولئك الذين حظوا بحضورها البهي بأقل تكلفة  ثم ابتكروا لها دون اكتراث اسم من "مات قلبه".

طيور الظلام

حاصدو الارواح، حفارو القبور..انهم في كل مكان حولنا يحققون الغاية من وجودهم في استهداف الحياة..ينفثون سمومهم في وجهها بلا انقطاع، يرغبون بسحبها ببطء.. ببطء نحو العدم.
إنهم اللعنة التي يكون على الأحياء إبطال تعويذتها ان أرادوا عالما بلا دمار
يستحوذون على كل شيء، لا تأمل شيئا فهم هنا لكي يحطموا كل آمالك، لا تؤمن بشيء فهم هنا لكي يضحكوا على الدوام من سذاجة أحلامك
ينجحون في إتعاسك كل مرة، فالعالم حيثما وجهت وجهك ملك لهم، عليه ملامح قبحهم،يزكمون الحواس بحقارتهم.
تود ان تحارب انتصارا للحياة، لكنك في كل مرة تتوقف مسائلا روحك أتلك حياتك ام حياتهم؟

الجمعة، 4 مارس 2016

ما هي خياراتنا؟


 
يحل بعد أيام  الثامن من مارس الذي يوافق اليوم العالمي للمرأة، وهو اليوم الذي تتوقف عنده الملايين من النساء عبر العالم لتقييم ما أحرزنه من نقاط في مرمى عالم لطالما كان ذكوريا و لا يزال في العديد من المناحي.
سيكون من التجاوز اعتبار النساء شريحة واحدة منسجمة المطالب و التطلعات،قطعا تريد كل واحدة منهن واقعا أفضل، لكن كيف للمرأة أن تحدد الواقع الأفضل دون تتلون رؤيتها لهذا الواقع برواسب التنشئة الاجتماعية الذكورية تارة، أو-على العكس من ذلك- بالثورة على كل ما تعتبره إرثا ذكوريا تارة أخرى؟
عندما تتساءل المرأة عن الخيارات الممكنة فذلك يعني في المقام الأول التعبير عن وعيها بحريتها، تلك الحرية التي تملكها بحكم طبيعتها ككائن إنساني، لذلك يبدو من غير المقبول في القرن الواحد والعشرين أن تفرض على المرأة خيارات ضيقة،او تحرم من نفس الفرص التي تتاح للرجل لمجرد كونها امرأة، وربما يكون هذا هو المبدأ الذي يقوم عليه جعل مطلب المناصفة شعارا لليوم العالمي للمرأة للعام 2016 انسجاما مع الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة المحددة من طرف هيئة الأمم المتحدة لعام 2030، لكن تحقيق "تناصف الكوكب" بحلول هذا التاريخ يحتاج إلى مؤشرات إجرائية لتتبع وتقييم ما تم انجازه، لهذا السبب تصبح الأرقام التي تشير إلى التمثيلية السياسية للنساء في البرلمانات و المجالس المنتخبة وتلك التي تعبر عن التمكين الاقتصادي للنساء ذات أهمية قصوى بالنسبة للأطراف المعنية من حكومات و هيئات حقوقية محلية و دولية، هذه الأطراف التي تعنى أيضا بمناقشة تدابير الحماية القانونية التي يمكن أن تتخذ لمحاصرة أشكال العنف الممارس في حق النساء.
نقاش آخر يتعلق بحرية المرأة في التمتع بجسدها وفق ما تمليه إرادتها الخاصة، و يتسع النقاش ليتجاوز الحديث عن الحق في الإجهاض و ممارسة الجنس خارج مؤسسة الزواج إلى الحديث عن حرية اختيار الشريك (ة) او حرية ممارسة الدعارة.
على هذا الكوكب إذن وفي الزمن نفسه تعيش نساء بمطالب تعود إلى أزمنة مختلفة، فمنهن من تعيش تحت الحصار في مناطق النزاع المسلح وتنجب للحرب وقود رحاها من بنين و بنات،وتفقد أحباءها كل يوم بالجملة، وتصرخ منادية بالسلام كما فعلت النساء قبل نحو قرن في روسيا (1917) ليضيع صوتها تحت القصف.فمن يحميهن من هذا العنف؟
ومنهن من يطالها الفقر بكل أشكاله، فقر المعيل، وفقر أخلاقه، فقر مخططات التنمية و فقر عواطف الدولة تجاه المنسيين من أبنائها، بوسع الواحدة منهن أن تعبر للأمم المتحدة عن تحقيق المناصفة التامة بينها وبين الرجل في ذلك الدوار المنسي، فكلاهما يعاني التهميش و الجهل والإهمال على قدم المساواة، وقد تطالب بمقابل ذلك بنفس حظوظ أختها في المدينة: نفس الفرص في الاستفادة من خدمات التعليم والصحة والعمل (على علاتها ومساوئها). فهل يعبر عنهن مؤشر التمكين الاقتصادي؟
من نساء هذا الكوكب من تحارب من اجل انتزاع نصف المقاعد في البرلمانات و المجالس ليقلن للرجال بكل قوة: "نحن هنا" و منهن أخريات  يعملن في هدوء لخلق عالم أفضل بعيدا عن عدسات الكاميرات و أرقام الإحصاءات. من بين هؤلاء وهؤلاء، النساء الحقيقيات فقط من يحفلن بالإجابة عن السؤال : "ما تأثيرنا؟" عوضا عن سؤال : "كم نمثل؟"
من نساء هذا الكوكب من تعتبر الأمومة خيارا، ومنهن من تعتبرها قيدا، منهن من تعتبر العمل المأجور فرصة للتحرر، ومنهن من اكتشفت فيه بشاعة وجه آخر للاستلاب و العبودية للزوج أو الأقارب، منهن من ترى جسدها صفحة عمومية  لتدوين بياناتها الثورية، ومنهن من ترى فيه جزء من وجودها غير القابل للاختزال كشيء.
بعض من نساء هذا الكوكب قلقات..وهنا على الأقل نقطة التقاء مسارين يبدوان مختلفين..القلق يسكن عددا من النساء التائهات والرجال التائهين، وهو فضاء لا يسكنه إلا هؤلاء تحديدا، فهو لا يقدم الإجابات جاهزة، وهم لا يقنعون بالجاهز، فيه الكثير من الأسئلة وهم يحبون طرح الأسئلة، تبنى فيه الخيارات بكل روية وهم مستعدون لأخذ الوقت الكافي من أجل بناء خياراتهم.
"ما هي خياراتنا؟ " يقول الجميع رجالا و نساء.. عندما تطرحين هذا السؤال تكونين بذلك قد خطوت الخطوة الأولى على درب الوعي بحريتك والتصرف على أساسها،على أساس ان هناك دوما خيارات أخرى.
فأن تكوني ضد العنف لا يعني بالضرورة أن تمارسي العنف المضاد.
أن تكوني ضد الهيمنة الذكورية لا يعني أن تؤسسي لهيمنة انثوية.
أن تكوني على وعي بحقوقك لا يعني ان تلوحي بها فقط للتملص من واجباتك.
أن تكوني امرأة لا يعني أن تكوني رجلا آخر او نقيضا للرجل، بل يعني ان تكوني ذاتك وحسب.
تذكري ان الخيارات المتوفرة لا تصنع منا ما نكون عليه، بل نحن الذين نصنع باستمرار خياراتنا في ظل هذه الوضعية او تلك.
تذكري أن توفري لنفسك شروط الاختيار ومن ثم التحرر، أتمي تعليمك حتى لو كنت تنوين الاستقرار في البيت و رعاية الأبناء، ابقي نفسك دوما على اطلاع بما يستجد حول مجالات الحياة اليومية من أفكار ومعارف وتقنيات.قبل قرون اعتقد فرانسيس بيكون أن "المعرفة تحكم في الطبيعة"، واليوم صرنا نعلم جيدا ان المعرفة تأشيرة للاستقلالية، تحرر من استغلال الآخر والتبعية اليه سواء كان هذا الآخر فردا أو جماعة.
تذكري أن كل حكايات الهيمنة و العنف و الإقصاء بدأت بشكل ما من منازلنا، ان كنت تثمنين وجودك كأنثى بما فيه الكفاية، ستحرصين على تصحيح كل السلوكات الميزوجينية، و تكسير الصور النمطية التي تقوم عليها، ستجدين الطريق الى الخطاب الحر الذي لا يقبل التبخيس ولا يمارسه، ازرعي الكلمات في نفوس من حولك واسقيها بإيمانك واصرارك  ثم انتظري بثقة حلول الربيع.